خطب ومحاضرات
سلسلة منهاج المسلم - (39)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد انتهى بنا الدرس إلى الأدب مع الأقارب، فقد عرفنا الأدب مع الله .. الأدب مع النفس .. الأدب مع الأولاد .. مع الآباء .. مع الزوجة والزوج، والآن الأدب مع الأقارب.
[ المسلم ] بحق وصدق الذي أسلم قلبه لله ووجهه، وعرف محابه وهو يعملها، وعرف ما يسخطه وهو تارك لها، فالمسلم الحسن الإسلام، والذي نسأل الله أن نكون مثله [ يلتزم لأقاربه وذوي رحمه بنفس الآداب التي يلتزم بها لوالديه وولده وإخوته ] وقد تقدم هذا، وعرفنا كيف نتأدب مع آبائنا وأبنائنا وإخواننا [ فيعامل خالته معاملة أمه ] وقد عرفنا كيف يحسن ويتأدب مع أمه، فتلك الآداب التي يتأدب بها مع أمه يتأدب بها مع خالته؛ لأن الخالة بمنزلة الأم [ وعمته معاملة أبيه ] ويعامل عمته معاملة أبيه [ وكما يعامل الأب والأم يعامل الخال والعم في كل مظهر من مظاهر طاعة الوالدين وبرهما والإحسان إليهما، فكل من جمعتهم وإياه رحم واحدة من مؤمن وكافر ] أيضاً [ اعتبرهم من ذوي رحمه الواجب صلتهم وبرهم والإحسان إليهم، والتزم لهم بنفس الآداب والحقوق التي يلتزم بها لولده ووالديه، فيوقر كبيرهم، ويرحم صغيرهم، ويعود مريضهم، ويواسي منكوبهم، ويعزي مصابهم، يصلهم وإن قطعوه، ويلين لهم وإن قسوا معه وجاروا عليه، وكل ذلك منه تمشياً مع ما توحيه هذه الآيات ] القرآنية [ الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وتأمر به ].
الأدلة من الكتاب على وجوب الأدب مع الأقارب
الأدلة من السنة على وجوب الأدب مع الأقارب
[ وقال ] صلى الله عليه وسلم [ في الخالة ] والخالة أخت الأم قال فيها: [(إنها بمنزلة الأم)] فقد سئل عن الخالة أخت الأم فقال: ( هي بمنزلة الأم ). ومعنى بمنزلة الأم: كما تبر أمك تبر خالتك، وكما تحسن إلى أمك تحسن إلى خالتك، وكما تدفع الأذى عن أمك تدفعه عن خالتك، وهكذا بمنزلة الأم، فتحبها كحبك لأمك [ وقال ] صلى الله عليه وسلم: [ ( الصدقة على المسكين صدقة ) ] أي: تقبل صدقة [ ( وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة ) ] فالصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم وصاحب الرحم صدقة وصلة، فمن تصدق على قريب من أقربائه تتضاعف الصدقة، فهي من جهة صدقة ومن جهة صلة، وأما إذا تصدق على مسكين بئيس فهي صدقة، وفي هذا من الترغيب ما لا يقدر قدره [ وقال لـأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ] هذه أخت عائشة من أبيها [ وقد سألته عن صلتها أمها حيث قدمت حينما قدمت عليها من مكة مشركة ] فأم أسماء قدمت من مكة أيام الهدنة مشركة، فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم: هل تصل أمها وهي مشركة كافرة؟ [ ( فقال لها: نعم. صل أمك ) ] فـأسماء بنت أبي بكر الصديق أخت عائشة من أبيها رضي الله عنهما جاءت أمها من مكة وهي مشركة أيام الهدنة، فلما وصلت سألت تصلها أو لا تصلها؟ فقالت: ( أصل أمي وهي مشركة؟ قال: نعم. صلي أمك ). فأخذت لها كذا كيساً من الدقيق ووصلتها به.
والآن عرفنا صلة الأقارب، ونحن مستعدون لوصلها وعدم قطعها كيفما كانت الأحوال والظروف.
وهذه هي الآيات والأحاديث [ قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] ] كما نتقي الله فلا نعصيه في أمره ولا نهيه كذلك نتقي الأرحام، فلا نؤذيهم ولا نسيء إليهم، بل ونؤدي ما وجب من الإحسان إليهم [ وقال: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ [الأنفال:75] ] أصحاب الأرحام [ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75] ] أولوا الأرحام .. أصحاب الأرحام بعضهم أولى بنصرة وحب وخدمة بعضهم البعض؛ لأنه جمعتهم رحم واحدة [ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22]. وقال تعالى: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الروم:38] ] اللهم اجعلنا من المفلحين. فآت يا عبد الله! وأعط ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الروم:38] الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار. اللهم اجعلنا منهم [ وقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90] ] أي: وإعطاء ذي القربى حقوقهم من الإحسان إليهم ورفع الأذى عنهم كما تقدم [ وقال سبحانه وتعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36] ] واعبدوا أي: عباد الله [ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى [النساء:36] ] القرابة [ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36] ] عشرة حقوق، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]. وأيماننا لا تملك الآن شيئاً، فليس عندنا أرقاء، لا رجال ولا نساء، لا عبيد ولا إماء [ وقوله ] تعالى: [ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8] ] وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ [النساء:8] فقسمة التركة إذا حضرها أُوْلُوا الْقُرْبَى [النساء:8] أي: الأقارب، مثل العمة والعم، والخالة والخال ومن علمتم، وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النساء:8]، عندما تقسمون تركة الزرع أو التمر أعطوهم شيئاً من ذلك، وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8]. تلك آيات القرآن الكريم.
وأما أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم فهي تقول: [ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا الرحمن، وهذه الرحم، شققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) ] يقول الله تعالى في الحديث الصحيح: (أنا الرحمن) جل جلاله وعظم سلطانه ( وهذه الرحم، شققت لها اسماً من اسمي). فالرحم فيها حروف الرحمن، فالرحم مشتقة من الرحمن، من هذه الكلمة. ( شققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته)، والعياذ بالله تعالى! فويل لقاطعي أرحامهم [وقال له عليه الصلاة والسلام أحد أصحابه] لما سأله قائلاً: [(من أبر؟ فقال: أمك، ثم أمك، ثم أمك )] ثلاثة حقوق [ ( ثم أباك )] في الدرجة الرابعة [ ( ثم الأقرب فالأقرب ) ] فالعم قبل ابن العم، والعمة قبل بنت العم، والخالة قبل بنت الخال، وهكذا الأقرب فالأقرب؛ لأنك لا تستطيع أن تستوفي كل الأقارب، فتبدأ بالأقرب فالأقرب [ وسئل عليه الصلاة والسلام عما يدخل الجنة من الأعمال ويباعد عن النار فقال: ( تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم ) ] فجعل صلة الرحم من أركان الإسلام وقواعده؛ لأهميتها، ولعل هذا السائل شعر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مقصر في رحمه. هذا سائل يسأل فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم وقد سأل عما يدخله الجنة من الأعمال وعما يبعده من النار من الأعمال، فبين له ما علمتم، أولاً: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، ثانياً: تقيم الصلاة، ثالثاً: تؤتي الزكاة، رابعاً: تصل الرحم. وقد عرفنا الرحم، فكل ما جمعك وإياهم رحم واحدة هم أرحامك وأنت رحمهم.
[ وقال ] صلى الله عليه وسلم [ في الخالة ] والخالة أخت الأم قال فيها: [(إنها بمنزلة الأم)] فقد سئل عن الخالة أخت الأم فقال: ( هي بمنزلة الأم ). ومعنى بمنزلة الأم: كما تبر أمك تبر خالتك، وكما تحسن إلى أمك تحسن إلى خالتك، وكما تدفع الأذى عن أمك تدفعه عن خالتك، وهكذا بمنزلة الأم، فتحبها كحبك لأمك [ وقال ] صلى الله عليه وسلم: [ ( الصدقة على المسكين صدقة ) ] أي: تقبل صدقة [ ( وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة ) ] فالصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم وصاحب الرحم صدقة وصلة، فمن تصدق على قريب من أقربائه تتضاعف الصدقة، فهي من جهة صدقة ومن جهة صلة، وأما إذا تصدق على مسكين بئيس فهي صدقة، وفي هذا من الترغيب ما لا يقدر قدره [ وقال لـأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ] هذه أخت عائشة من أبيها [ وقد سألته عن صلتها أمها حيث قدمت حينما قدمت عليها من مكة مشركة ] فأم أسماء قدمت من مكة أيام الهدنة مشركة، فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم: هل تصل أمها وهي مشركة كافرة؟ [ ( فقال لها: نعم. صل أمك ) ] فـأسماء بنت أبي بكر الصديق أخت عائشة من أبيها رضي الله عنهما جاءت أمها من مكة وهي مشركة أيام الهدنة، فلما وصلت سألت تصلها أو لا تصلها؟ فقالت: ( أصل أمي وهي مشركة؟ قال: نعم. صلي أمك ). فأخذت لها كذا كيساً من الدقيق ووصلتها به.
والآن عرفنا صلة الأقارب، ونحن مستعدون لوصلها وعدم قطعها كيفما كانت الأحوال والظروف.
الآن الأدب مع الجيران، للجيران أيضاً حقوق كما هي للأقارب بنص كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فهيا نستمع.
قال: [ المسلم ] الحق الذي آمن واتقى ربه [ يعترف بما للجار على جاره من حقوق وآداب، يجب على كل من المتجاورين بذلها لجاره وإعطاؤها له كاملة ].
[ وذلك لقوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) ] فما زال جبريل يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار بأن يؤدي حقوقه كاملة، حتى ظن الرسول أنه يريد أن يورثه، فيصبح الجار يأخذ الخمس أو السدس أو الثمن كالأقارب.
وقوله: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )، أي: يدخله ضمن الورثة [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ) ] ولا يهنه ولا يضعفه ولا يؤذه.
وهذه مظاهر الآداب مع الجيران.
عدم أذية الجار بقول أو فعل
الإحسان إلى الجار
إكرام الجار بإسداء المعروف والخير إليه
احترام الجار وتقديره
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة منهاج المسلم - (51) | 4156 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (95) | 4082 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (63) | 3869 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (139) | 3863 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (66) | 3834 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (158) | 3823 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (84) | 3748 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (144) | 3646 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (71) | 3633 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (101) | 3607 استماع |