سلسلة منهاج المسلم - (39)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد انتهى بنا الدرس إلى الأدب مع الأقارب، فقد عرفنا الأدب مع الله .. الأدب مع النفس .. الأدب مع الأولاد .. مع الآباء .. مع الزوجة والزوج، والآن الأدب مع الأقارب.

[ المسلم ] بحق وصدق الذي أسلم قلبه لله ووجهه، وعرف محابه وهو يعملها، وعرف ما يسخطه وهو تارك لها، فالمسلم الحسن الإسلام، والذي نسأل الله أن نكون مثله [ يلتزم لأقاربه وذوي رحمه بنفس الآداب التي يلتزم بها لوالديه وولده وإخوته ] وقد تقدم هذا، وعرفنا كيف نتأدب مع آبائنا وأبنائنا وإخواننا [ فيعامل خالته معاملة أمه ] وقد عرفنا كيف يحسن ويتأدب مع أمه، فتلك الآداب التي يتأدب بها مع أمه يتأدب بها مع خالته؛ لأن الخالة بمنزلة الأم [ وعمته معاملة أبيه ] ويعامل عمته معاملة أبيه [ وكما يعامل الأب والأم يعامل الخال والعم في كل مظهر من مظاهر طاعة الوالدين وبرهما والإحسان إليهما، فكل من جمعتهم وإياه رحم واحدة من مؤمن وكافر ] أيضاً [ اعتبرهم من ذوي رحمه الواجب صلتهم وبرهم والإحسان إليهم، والتزم لهم بنفس الآداب والحقوق التي يلتزم بها لولده ووالديه، فيوقر كبيرهم، ويرحم صغيرهم، ويعود مريضهم، ويواسي منكوبهم، ويعزي مصابهم، يصلهم وإن قطعوه، ويلين لهم وإن قسوا معه وجاروا عليه، وكل ذلك منه تمشياً مع ما توحيه هذه الآيات ] القرآنية [ الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وتأمر به ].

الأدلة من الكتاب على وجوب الأدب مع الأقارب

وهذه هي الآيات والأحاديث [ قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] ] كما نتقي الله فلا نعصيه في أمره ولا نهيه كذلك نتقي الأرحام، فلا نؤذيهم ولا نسيء إليهم، بل ونؤدي ما وجب من الإحسان إليهم [ وقال: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ [الأنفال:75] ] أصحاب الأرحام [ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75] ] أولوا الأرحام .. أصحاب الأرحام بعضهم أولى بنصرة وحب وخدمة بعضهم البعض؛ لأنه جمعتهم رحم واحدة [ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22]. وقال تعالى: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الروم:38] ] اللهم اجعلنا من المفلحين. فآت يا عبد الله! وأعط ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الروم:38] الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار. اللهم اجعلنا منهم [ وقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90] ] أي: وإعطاء ذي القربى حقوقهم من الإحسان إليهم ورفع الأذى عنهم كما تقدم [ وقال سبحانه وتعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36] ] واعبدوا أي: عباد الله [ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى [النساء:36] ] القرابة [ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36] ] عشرة حقوق، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]. وأيماننا لا تملك الآن شيئاً، فليس عندنا أرقاء، لا رجال ولا نساء، لا عبيد ولا إماء [ وقوله ] تعالى: [ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8] ] وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ [النساء:8] فقسمة التركة إذا حضرها أُوْلُوا الْقُرْبَى [النساء:8] أي: الأقارب، مثل العمة والعم، والخالة والخال ومن علمتم، وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النساء:8]، عندما تقسمون تركة الزرع أو التمر أعطوهم شيئاً من ذلك، وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8]. تلك آيات القرآن الكريم.

الأدلة من السنة على وجوب الأدب مع الأقارب

وأما أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم فهي تقول: [ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا الرحمن، وهذه الرحم، شققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) ] يقول الله تعالى في الحديث الصحيح: (أنا الرحمن) جل جلاله وعظم سلطانه ( وهذه الرحم، شققت لها اسماً من اسمي). فالرحم فيها حروف الرحمن، فالرحم مشتقة من الرحمن، من هذه الكلمة. ( شققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته)، والعياذ بالله تعالى! فويل لقاطعي أرحامهم [وقال له عليه الصلاة والسلام أحد أصحابه] لما سأله قائلاً: [(من أبر؟ فقال: أمك، ثم أمك، ثم أمك )] ثلاثة حقوق [ ( ثم أباك )] في الدرجة الرابعة [ ( ثم الأقرب فالأقرب ) ] فالعم قبل ابن العم، والعمة قبل بنت العم، والخالة قبل بنت الخال، وهكذا الأقرب فالأقرب؛ لأنك لا تستطيع أن تستوفي كل الأقارب، فتبدأ بالأقرب فالأقرب [ وسئل عليه الصلاة والسلام عما يدخل الجنة من الأعمال ويباعد عن النار فقال: ( تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم ) ] فجعل صلة الرحم من أركان الإسلام وقواعده؛ لأهميتها، ولعل هذا السائل شعر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مقصر في رحمه. هذا سائل يسأل فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم وقد سأل عما يدخله الجنة من الأعمال وعما يبعده من النار من الأعمال، فبين له ما علمتم، أولاً: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، ثانياً: تقيم الصلاة، ثالثاً: تؤتي الزكاة، رابعاً: تصل الرحم. وقد عرفنا الرحم، فكل ما جمعك وإياهم رحم واحدة هم أرحامك وأنت رحمهم.

[ وقال ] صلى الله عليه وسلم [ في الخالة ] والخالة أخت الأم قال فيها: [(إنها بمنزلة الأم)] فقد سئل عن الخالة أخت الأم فقال: ( هي بمنزلة الأم ). ومعنى بمنزلة الأم: كما تبر أمك تبر خالتك، وكما تحسن إلى أمك تحسن إلى خالتك، وكما تدفع الأذى عن أمك تدفعه عن خالتك، وهكذا بمنزلة الأم، فتحبها كحبك لأمك [ وقال ] صلى الله عليه وسلم: [ ( الصدقة على المسكين صدقة ) ] أي: تقبل صدقة [ ( وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة ) ] فالصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم وصاحب الرحم صدقة وصلة، فمن تصدق على قريب من أقربائه تتضاعف الصدقة، فهي من جهة صدقة ومن جهة صلة، وأما إذا تصدق على مسكين بئيس فهي صدقة، وفي هذا من الترغيب ما لا يقدر قدره [ وقال لـأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ] هذه أخت عائشة من أبيها [ وقد سألته عن صلتها أمها حيث قدمت حينما قدمت عليها من مكة مشركة ] فأم أسماء قدمت من مكة أيام الهدنة مشركة، فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم: هل تصل أمها وهي مشركة كافرة؟ [ ( فقال لها: نعم. صل أمك ) ] فـأسماء بنت أبي بكر الصديق أخت عائشة من أبيها رضي الله عنهما جاءت أمها من مكة وهي مشركة أيام الهدنة، فلما وصلت سألت تصلها أو لا تصلها؟ فقالت: ( أصل أمي وهي مشركة؟ قال: نعم. صلي أمك ). فأخذت لها كذا كيساً من الدقيق ووصلتها به.

والآن عرفنا صلة الأقارب، ونحن مستعدون لوصلها وعدم قطعها كيفما كانت الأحوال والظروف.

وهذه هي الآيات والأحاديث [ قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] ] كما نتقي الله فلا نعصيه في أمره ولا نهيه كذلك نتقي الأرحام، فلا نؤذيهم ولا نسيء إليهم، بل ونؤدي ما وجب من الإحسان إليهم [ وقال: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ [الأنفال:75] ] أصحاب الأرحام [ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفال:75] ] أولوا الأرحام .. أصحاب الأرحام بعضهم أولى بنصرة وحب وخدمة بعضهم البعض؛ لأنه جمعتهم رحم واحدة [ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22]. وقال تعالى: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الروم:38] ] اللهم اجعلنا من المفلحين. فآت يا عبد الله! وأعط ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الروم:38] الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار. اللهم اجعلنا منهم [ وقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90] ] أي: وإعطاء ذي القربى حقوقهم من الإحسان إليهم ورفع الأذى عنهم كما تقدم [ وقال سبحانه وتعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36] ] واعبدوا أي: عباد الله [ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى [النساء:36] ] القرابة [ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36] ] عشرة حقوق، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]. وأيماننا لا تملك الآن شيئاً، فليس عندنا أرقاء، لا رجال ولا نساء، لا عبيد ولا إماء [ وقوله ] تعالى: [ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8] ] وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ [النساء:8] فقسمة التركة إذا حضرها أُوْلُوا الْقُرْبَى [النساء:8] أي: الأقارب، مثل العمة والعم، والخالة والخال ومن علمتم، وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النساء:8]، عندما تقسمون تركة الزرع أو التمر أعطوهم شيئاً من ذلك، وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8]. تلك آيات القرآن الكريم.

وأما أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم فهي تقول: [ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا الرحمن، وهذه الرحم، شققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) ] يقول الله تعالى في الحديث الصحيح: (أنا الرحمن) جل جلاله وعظم سلطانه ( وهذه الرحم، شققت لها اسماً من اسمي). فالرحم فيها حروف الرحمن، فالرحم مشتقة من الرحمن، من هذه الكلمة. ( شققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته)، والعياذ بالله تعالى! فويل لقاطعي أرحامهم [وقال له عليه الصلاة والسلام أحد أصحابه] لما سأله قائلاً: [(من أبر؟ فقال: أمك، ثم أمك، ثم أمك )] ثلاثة حقوق [ ( ثم أباك )] في الدرجة الرابعة [ ( ثم الأقرب فالأقرب ) ] فالعم قبل ابن العم، والعمة قبل بنت العم، والخالة قبل بنت الخال، وهكذا الأقرب فالأقرب؛ لأنك لا تستطيع أن تستوفي كل الأقارب، فتبدأ بالأقرب فالأقرب [ وسئل عليه الصلاة والسلام عما يدخل الجنة من الأعمال ويباعد عن النار فقال: ( تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم ) ] فجعل صلة الرحم من أركان الإسلام وقواعده؛ لأهميتها، ولعل هذا السائل شعر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مقصر في رحمه. هذا سائل يسأل فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم وقد سأل عما يدخله الجنة من الأعمال وعما يبعده من النار من الأعمال، فبين له ما علمتم، أولاً: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، ثانياً: تقيم الصلاة، ثالثاً: تؤتي الزكاة، رابعاً: تصل الرحم. وقد عرفنا الرحم، فكل ما جمعك وإياهم رحم واحدة هم أرحامك وأنت رحمهم.

[ وقال ] صلى الله عليه وسلم [ في الخالة ] والخالة أخت الأم قال فيها: [(إنها بمنزلة الأم)] فقد سئل عن الخالة أخت الأم فقال: ( هي بمنزلة الأم ). ومعنى بمنزلة الأم: كما تبر أمك تبر خالتك، وكما تحسن إلى أمك تحسن إلى خالتك، وكما تدفع الأذى عن أمك تدفعه عن خالتك، وهكذا بمنزلة الأم، فتحبها كحبك لأمك [ وقال ] صلى الله عليه وسلم: [ ( الصدقة على المسكين صدقة ) ] أي: تقبل صدقة [ ( وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة ) ] فالصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم وصاحب الرحم صدقة وصلة، فمن تصدق على قريب من أقربائه تتضاعف الصدقة، فهي من جهة صدقة ومن جهة صلة، وأما إذا تصدق على مسكين بئيس فهي صدقة، وفي هذا من الترغيب ما لا يقدر قدره [ وقال لـأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ] هذه أخت عائشة من أبيها [ وقد سألته عن صلتها أمها حيث قدمت حينما قدمت عليها من مكة مشركة ] فأم أسماء قدمت من مكة أيام الهدنة مشركة، فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم: هل تصل أمها وهي مشركة كافرة؟ [ ( فقال لها: نعم. صل أمك ) ] فـأسماء بنت أبي بكر الصديق أخت عائشة من أبيها رضي الله عنهما جاءت أمها من مكة وهي مشركة أيام الهدنة، فلما وصلت سألت تصلها أو لا تصلها؟ فقالت: ( أصل أمي وهي مشركة؟ قال: نعم. صلي أمك ). فأخذت لها كذا كيساً من الدقيق ووصلتها به.

والآن عرفنا صلة الأقارب، ونحن مستعدون لوصلها وعدم قطعها كيفما كانت الأحوال والظروف.

الآن الأدب مع الجيران، للجيران أيضاً حقوق كما هي للأقارب بنص كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فهيا نستمع.

قال: [ المسلم ] الحق الذي آمن واتقى ربه [ يعترف بما للجار على جاره من حقوق وآداب، يجب على كل من المتجاورين بذلها لجاره وإعطاؤها له كاملة ].

[ وذلك لقوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) ] فما زال جبريل يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار بأن يؤدي حقوقه كاملة، حتى ظن الرسول أنه يريد أن يورثه، فيصبح الجار يأخذ الخمس أو السدس أو الثمن كالأقارب.

وقوله: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )، أي: يدخله ضمن الورثة [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ) ] ولا يهنه ولا يضعفه ولا يؤذه.

وهذه مظاهر الآداب مع الجيران.

عدم أذية الجار بقول أو فعل

[ أولاً: عدم أذيته بقول أو فعل ] لا يحل لك أن تؤذي جارك لا بكلمة ولا بحركة، لا بقول ولا بفعل، والدليل على هذا: [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ) ] مفهومه: من كان يؤذي الجيران ما آمن بالله واليوم الآخر، فهو لا يقدر لضعف إيمانه، ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ). [ وقوله صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، فقيل له: من هو يا رسول الله؟! فقال: الذي لا يأمن جاره بوائقه )] فنفى عنه الإيمان، وحلف على ذلك ثلاث مرات [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم: [ ( هي في النار ) ] هذه عجوز، فقد قالها [ للتي قيل له: ( إنها تصوم النهار، وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها ) ] ( قال: هي في النار، هي في النار ). ما نفعها صيام ولا قيام؛ لأن أذية المؤمن محرمة، فكيف به وهو جارك يجب نصرته والحفاظ عليه؟ وأنتم تعرفون البوائق، والعامة يعرفون البائقة، فالبائقة: المهلكة، وهي الخصلة الشريرة الفاسدة القبيحة. ولا أحسب أن أحداً منا من الليلة يؤذي جيرانه أبداً، فبشروهم.

الإحسان إلى الجار

[ ثانياً: الإحسان إليه ] أي: إلى الجار، ومعنى الإحسان إلى الجار الذي أمر الله به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم [ وذلك ] أي: الإحسان يكون [ بأن ينصره إذا استنصره ] ومعنى استنصره أي: طلب منه النصرة، إذا استنصرك وقال: خذ بيدي يجب أن تنصره، وانصره ظالماً أو مظلوماً، إذا كان ظالماً امنعه من الظلم، وإذا كان مظلوماً ادفع عنه الظلم [ ويعينه إذا استعانه ] مثل أن يقول له: احمل معي شيئاً من الأشياء [ ويعوده إذا مرض ] يزوره [ ويهنئه إذا فرح ] بمولود أو بعرس أو بكذا يهنئه [ ويعزيه إذا أصيب ] بمصيبة في مال أو في نفس أو ولد [ ويساعده إذا احتاج ] إلى مال أو عمل أو شيء. فهذه واجبات كثيرة [ يبدؤه بالسلام ] أولاً، والأولى السلام عليكم و[ يلين له الكلام ] وليس كلاماً غليظاً قاسياً [ يتلطف ] بالرفق واللين [ في مكالمة ولده ] وطفله، فلما يكلم طفل الجار يتلطف مع ذلك الولد الصغير [ ويرشده إلى ما فيه صلاح دينه ودنياه، يرعى جانبه، ويحمي حماه، يصفح عن زلاته، ولا يتطلع إلى عوراته، لا يضايقه في بناء أو ممر ] عند الجدار [ ولا يؤذيه بميزاب يصب عليه، أو بقذر أو وسخ يلقيه أمام منزله. كل هذا من الإحسان إليه، المأمور به في قول الله تعالى: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36]. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ) ] كما علمنا وجوه الإحسان.

إكرام الجار بإسداء المعروف والخير إليه

[ ثالثاً: إكرامه بإسداء المعروف والخير إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( يا نساء المسلمات! لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة ) ] أي: رجل الشاة. (لا تحقرن جارة لجارتها) أن تعطيها شيئاً (ولو فرسن شاة) [وقوله] صلى الله عليه وسلم [ لـأبي ذر : ( يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك )] أيام كانت الحاجة ماسة [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم لـعائشة رضي الله عنها لما قالت له: (إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟)] بمن نبدأ؟ [ قال: (إلى أقربهما منك باباً)] أي: الأقرب منك باباً ابدئي به، فهذه أم المؤمنين أعلم نساء العالم بالإطلاق، قالت للرسول صلى الله عليه وسلم : ( لي جاران بأيهما أبدأ؟ قال: بأيهما أقرب منك باباً ).

احترام الجار وتقديره

[ رابعاً ] مما هو واجب الإحسان إلى الجار [ احترامه وتقديره ] أي: احترام الجار وتقديره [ فلا يمنعه أن يضع خشبة في جداره ] عندما يبني، فإذا جارك طلب منك أن يضع خشبة على الجدار لا تمنعه [ ولا يبيع ] قطعة أرض أو منزل أو كذا [ أو يؤجر ما يتصل به ] حتى يستأذنه، ولا يمنعه أن يؤجر شقة للجيران لمن شاء بوصفه جاره [ أو يقرب منه حتى يعرض عليه ذلك ويستشيره ] فالجار يحترم جاره، فإذا أراد أن يأتي بجار ويؤجر عليه شقة يستأذن جاره، هل يسمح أو لا أو يأخذها؟ فإذا أراد أن يبيع هذا البيت أو هذه القطعة من الأرض يستشير جاره، ويقول له: نريد أن نؤجر أو أن نبيع فماذا تقول؟ هل تأخذها أنت أو أبيعها؟ وذلك [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره ). وقوله ] صلى الله عليه وسلم: [ ( من كان له جار في حائط أو شريك فلا يبعه حتى يعرضه عليه ) ] فمن كان له جار في بستان أو شريك في شيء آخر فلا يبع ذلك الشيء حتى يعرضه على الجار أيأخذه أو لا يأخذه؟