سلسلة منهاج المسلم - (28)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد فرغنا من الباب الأول في العقيدة بكامل جزئياتها، وها نحن مع الباب الثاني في الآداب، وفيه فصول: [ الفصل الأول: في آداب النية] والأدب: هو الظرف وحسن التناول، فكونك تحسن النية وتأتي بها في وقتها على الوجه المطلوب فقد تأدبت معها وأتيت بالأدب الذي لا بد منه فيها.

إيمان المسلم بخطر شأن النية وأهميتها

يقول المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [يؤمن المسلم بخطر شأن النية] المسلم الذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله هذا هو المسلم الحق، فهو يؤمن بخطر شأن النية، فالنية لها شأن خطر [وأهميتها لسائر أعماله الدينية والدنيوية] فأهميتها لسائر أعماله الدينية والدنيوية معاً [إذ جميع الأعمال تتكيف بها] جميع الأعمال تتكيف بالنية، فإن كانت النية صالحة كان العمل صالحاً، وإن كانت النية فاسدة كان العمل فاسداً، والقول كالنية فالكل يحتاج إلى أن تكون النية صالحة [وتكون بحسبها فتقوى وتضعف] الأعمال تقوى بحسب النية إذا قويت وحسنت، وتضعف إذا ضعفت النية وفسدت [وتصح وتفسد أيضاً تبعاً لها] يصح العمل وتثاب عليه إذا كانت النية صحيحة، ويفسد ويبطل ولا تثاب عليه إذا كانت النية فاسدة.

أدلة وجوب إخلاص النية لله في جميع الأقوال والأفعال والأحوال من القرآن الكريم

[وإيمان المسلم هذا بضرورة النية لكل الأعمال ووجوب إصلاحها مستمد] أي: مأخوذ من [أولاً: من قول الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]] فالنية هي إخلاص العمل لله [وقوله سبحانه: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:11]] عندما تريد أن تقول أو تعمل انو واعزم على أن هذا العمل لله لا لغيره وهذا هو الإخلاص.

[وثانياً] فبعد القرآن: السنة [من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )] ما نواه له، وما لم ينوه ليس له، وما نواه وكان صالحاً أثمر له الصلاح، وما نواه وكان فاسداً أنتج له الفساد، وفي سورة البينة آية تدل على إخلاص النية: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] وأيضاً قوله تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3].

أدلة وجوب إخلاص النية لله من السنة النبوية

[وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) فالنظر إلى القلوب نظر إلى النيات؛ إذ النية هي الباعث على العمل والدافع إليه ] فهذا دليل من السنة على وجوب النية وصلاحها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لا ينظر إلى صوركم حسنة أو قبيحة، ولا ينظر إلى أموالكم قليلة أو كثيرة، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، فالقلوب محل النيات ومصدرها وثَمَّ تتكون( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) فالقلوب تحمل الخير والشر، والله لا ينظر إلى الأعمال ولكن ينظر إلى القلوب، لا ينظر إلى الصور والأموال ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، فإن كان العمل سليماً صحيحاً أثاب عليه، وإن كان فاسداً باطلاً لم يثب عليه، وإن كان له أثاب عليه، وإن كان لغيره لم يثب عليه.

قال: [ ومن قوله صلى الله عليه وسلم: ( من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة )] وهذا مظهر من مظاهر النية، فمن هَمّ أو أراد ولكنه لم يفعل، كأن يهم بصدقة ثم لم يفعلها، فإنها تكتب له حسنة بفضل النية، أو هَمَّ -مثلاً- أن يصلي ركعتين ثم شغل فلم يصلها أو انتقض وضوءه فإنها يكتب له أجرها، ومن هَمَّ أن يتصدق بصدقة فما وجد في جيبه كتبت له صدقة [فبمجرد الهم الصالح كان العمل صالحاً يثبت به الأجر وتحصل به المثوبة، وذلك لفضيلة النية الصالحة] كل هذا من باب أننا مطالبون بأن نصحح نياتنا، وأن لا نعمل ولا نقول لا في العبادة ولا في الدنيا إلا على نية صادقة صالحة. أي: نريد بعملنا أو بقولنا وجه الله؛ ليرضى عنا.

قال: [وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ] هذه كلها أدلة وجوب النية وصلاحها والأدب فيها[( الناس أربعة ) ] هذه تحتاج إلى عناية وفهم [( الناس أربعة رجال: رجل آتاه الله عز وجل علماً ومالاً، فهو يعمل بعلمه في ماله، فيقول رجل آخر: لو أتاني الله تعالى مثلما آتاه الله لعملت كما عمل، فهما في الأجر سواء )] بالنية فقط ( الناس أربعة: رجل آتاه الله عز وجل علماً ومالاً، فهو يعمل بعلمه في ماله ) وعمله بعلمه في ماله بأن يعرف أن الغيبة حرام وأن الغش حرام وأن الخدع حرام، وأن الزكاة واجبة، فهو يعمل بعلمه في ماله فيقول رجل آخر -كـأبي عبد العزيز - : لو آتاني الله تعالى مثلما آتاه لعملت كما عمل، بصدق يعني، فهو وإياه في الأجر سواء بسبب القصد الصالح والنية الصادقة، فإن قال متمنياً: آه! لو آتاني الله عز وجل ما آتاه لفعلت كما فعل، فهو وإياه في الأجر سواء [( ورجل آتاه مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله )] أي: يتخبط، فيجمع الحلال والحرام والباطل والمنكر ويمنع الحقوق وقد يؤدي بعضها وهكذا [(فيقول رجل آخر: لو آتاني الله مثلما آتاه عملت كما يعمل، فهما في الوزر سواء )].

إذاً: الناس أربعة: رجل آتاه الله علماً ومالاً فهو يعمل فيه بما يرضي الله عز وجل، فإذا رآه من ليس عنده وقال: آه لو أعطاني ربي، لو آتاني ربي لفعلت كما فعل، فإنه يؤجر كما يؤجر الأول.

ورجل هابط آتاه الله مالاً بلا علم فهو يعبث به ويبدده، فإذا رآه من ليس عنده وقال: آه لو أعطيت كما أعطي فلان لفعلت كما فعل، فهما في الوزر سواء، لا فرق بينهما، والسبب النية الصادقة والعزم الحقيقي [فأثيب ذو النية الصالحة بثواب العمل الصالح، ووزر صاحب النية الفاسدة بوزر صاحب العمل الفاسد، وكان مرد هذا إلى النية وحدها] الأول عظم أجره وفاز بالنية الصالحة، والثاني خسر وأُزر بالنية الفاسدة.

قال: [ومن قوله صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك: ( إن بالمدينة أقواماً ما قطعنا وادياً ولا وطئنا موطئاً يغيظ الكفار، ولا أنفقنا نفقة، ولا أصابتنا مخمصة) ] أي: مجاعة [ (إلا شركونا بذلك وهم بالمدينة )] فتعجب الأصحاب من هذا [فقيل له: كيف ذلك يا رسول الله؟ فقال: ( حبسهم العذر، فشركوا بحسن النية )] تخلفوا للعجز عن الخروج، ما استطاعوا، فلم يكن لديهم الزاد ولا الراحلة فبقوا يتألمون ويتحسرون، فكانوا مع الأصحاب حيثما كانوا، وأخذوا أجرهم كما أخذوا ( إن بالمدينة أقواماً ما قطعنا وادياً ولا وطئنا موطئاً يغيظ الكفار -في ديار الكفر- ولا أنفقنا نفقة ولا أصابتنا مخمصة إلا شركونا في ذلك وهم بالمدينة ) والمدينة هي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له من قبل أصحابه: كيف ذلك يا رسول الله؟ فبين صلى الله عليه وسلم لنا كيف فازوا بهذا الفوز فقال: ( حبسهم العذر، فشركوا بحسن النية ) [فحسن النية إذاً هو الذي جعل غير الغازي في الأجر كالغازي] أي: المجاهد [ وجعل غير المجاهد يحصل على أجر كأجر المجاهد] فلو أنك نويت لو أن الله عز وجل جمع المسلمين على إمام واحد وغزوا وأثخنوا في ديار الكفر فأنت معهم، تؤجر بهذا بالنية.

قال: [ومن قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار )] إذا التقى المسلمان بسيفيهما أو ببندقيتهما أو بعصاهما، والمقصود الآلة التي يقتتلان بها ( فالقاتل والمقتول في النار ) وهذه مشكلة: مقتول وفي النار أيضاً، فالقاتل له النار وهي جزاؤه، ولكن ما بال المقتول المسكين يدخل النار؟

[( فقيل: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ )] كلام معقول [( فقال: لأنه أراد قتل صاحبه )] بالنية، فإذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، ولو أنهما لم يلتقيان وكان أحدهما لا يريد أن يقتل أبداً والثاني أراد أن يقتل فقتل، فالمقتول في الجنة، لكن إن أراد المقتول أن يشفي صدره، فأصبح القاتل والمقتول ينويان القتل فهما في ذلك سواء [فسوّت النية الفاسدة والإرادة السيئة بين من قاتل مستوجب للنار وبين مقتول لولا نيته الفاسدة لكان من أهل الجنة كذلك] فالنية الفاسدة سوت بين القاتل والمقتول، ولولا النية الفاسدة لكان المقتول في الجنة والقاتل في النار، فسبب دخولهما النار معاً هي النية الفاسدة.

[ومن قوله عليه الصلاة والسلام: ( من تزوج بصداق لا ينوي أداءه فهو زان ) ] والعياذ بالله، وأظن هذا لا يقع إلا نادراً، فكيف لا يقع وقد أخبر الرسول به؟!( من تزوج بصداق لا ينوي أداءه فهو زان ) رجل تزوج بصداق مؤجل وهو ناوٍ أن لا يؤديه فوالله لهو زان؛ لأن النكاح له أركان، ومن أعظم أركانه المهر، وهذا كله بالنية، فمن تزوج بصداق لا ينوي أداءه لامرأته فهو زان، ومن أدان ديناً وهو لا ينوي قضاؤه فهو سارق، وهذه مسألة أخرى: من استدان ديناً من أبي عبد العزيز -مثلاً- وهو ناوٍ أن لا يرده لأنه -مثلاً- وهابي! أو لأنه سعودي غني أو لأنه كذا .. -وهذه هي أفكار الناس- فهو سارق، سرق المال. أما إن استدان بنية أن يرد الدين يوم أن يتيسر أو إن حان وقته فهو كذلك [فبالنية السيئة انقلب المباح حراماً، والجائز ممنوعاً، وما كان خالياً من الحرج أصبح ذا حرج. كل هذا يؤكد ما يعتقده المسلم في خطر النية وعظم شأنها وكبير أهميتها، فلذا هو يبني سائر أعماله على صالح النيات، كما يبذل جهده في أن لا يعمل عملاً بدون نية أو نية غير صالحة، إذ النية روح العمل وقوامه، صحته من صحتها، وفساده من فسادها، والعمل بدون نية صاحبه مراء متكلف ممقوت].

يقول المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [يؤمن المسلم بخطر شأن النية] المسلم الذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله هذا هو المسلم الحق، فهو يؤمن بخطر شأن النية، فالنية لها شأن خطر [وأهميتها لسائر أعماله الدينية والدنيوية] فأهميتها لسائر أعماله الدينية والدنيوية معاً [إذ جميع الأعمال تتكيف بها] جميع الأعمال تتكيف بالنية، فإن كانت النية صالحة كان العمل صالحاً، وإن كانت النية فاسدة كان العمل فاسداً، والقول كالنية فالكل يحتاج إلى أن تكون النية صالحة [وتكون بحسبها فتقوى وتضعف] الأعمال تقوى بحسب النية إذا قويت وحسنت، وتضعف إذا ضعفت النية وفسدت [وتصح وتفسد أيضاً تبعاً لها] يصح العمل وتثاب عليه إذا كانت النية صحيحة، ويفسد ويبطل ولا تثاب عليه إذا كانت النية فاسدة.

[وإيمان المسلم هذا بضرورة النية لكل الأعمال ووجوب إصلاحها مستمد] أي: مأخوذ من [أولاً: من قول الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]] فالنية هي إخلاص العمل لله [وقوله سبحانه: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:11]] عندما تريد أن تقول أو تعمل انو واعزم على أن هذا العمل لله لا لغيره وهذا هو الإخلاص.

[وثانياً] فبعد القرآن: السنة [من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )] ما نواه له، وما لم ينوه ليس له، وما نواه وكان صالحاً أثمر له الصلاح، وما نواه وكان فاسداً أنتج له الفساد، وفي سورة البينة آية تدل على إخلاص النية: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] وأيضاً قوله تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3].

[وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) فالنظر إلى القلوب نظر إلى النيات؛ إذ النية هي الباعث على العمل والدافع إليه ] فهذا دليل من السنة على وجوب النية وصلاحها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لا ينظر إلى صوركم حسنة أو قبيحة، ولا ينظر إلى أموالكم قليلة أو كثيرة، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، فالقلوب محل النيات ومصدرها وثَمَّ تتكون( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) فالقلوب تحمل الخير والشر، والله لا ينظر إلى الأعمال ولكن ينظر إلى القلوب، لا ينظر إلى الصور والأموال ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، فإن كان العمل سليماً صحيحاً أثاب عليه، وإن كان فاسداً باطلاً لم يثب عليه، وإن كان له أثاب عليه، وإن كان لغيره لم يثب عليه.

قال: [ ومن قوله صلى الله عليه وسلم: ( من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة )] وهذا مظهر من مظاهر النية، فمن هَمّ أو أراد ولكنه لم يفعل، كأن يهم بصدقة ثم لم يفعلها، فإنها تكتب له حسنة بفضل النية، أو هَمَّ -مثلاً- أن يصلي ركعتين ثم شغل فلم يصلها أو انتقض وضوءه فإنها يكتب له أجرها، ومن هَمَّ أن يتصدق بصدقة فما وجد في جيبه كتبت له صدقة [فبمجرد الهم الصالح كان العمل صالحاً يثبت به الأجر وتحصل به المثوبة، وذلك لفضيلة النية الصالحة] كل هذا من باب أننا مطالبون بأن نصحح نياتنا، وأن لا نعمل ولا نقول لا في العبادة ولا في الدنيا إلا على نية صادقة صالحة. أي: نريد بعملنا أو بقولنا وجه الله؛ ليرضى عنا.

قال: [وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ] هذه كلها أدلة وجوب النية وصلاحها والأدب فيها[( الناس أربعة ) ] هذه تحتاج إلى عناية وفهم [( الناس أربعة رجال: رجل آتاه الله عز وجل علماً ومالاً، فهو يعمل بعلمه في ماله، فيقول رجل آخر: لو أتاني الله تعالى مثلما آتاه الله لعملت كما عمل، فهما في الأجر سواء )] بالنية فقط ( الناس أربعة: رجل آتاه الله عز وجل علماً ومالاً، فهو يعمل بعلمه في ماله ) وعمله بعلمه في ماله بأن يعرف أن الغيبة حرام وأن الغش حرام وأن الخدع حرام، وأن الزكاة واجبة، فهو يعمل بعلمه في ماله فيقول رجل آخر -كـأبي عبد العزيز - : لو آتاني الله تعالى مثلما آتاه لعملت كما عمل، بصدق يعني، فهو وإياه في الأجر سواء بسبب القصد الصالح والنية الصادقة، فإن قال متمنياً: آه! لو آتاني الله عز وجل ما آتاه لفعلت كما فعل، فهو وإياه في الأجر سواء [( ورجل آتاه مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله )] أي: يتخبط، فيجمع الحلال والحرام والباطل والمنكر ويمنع الحقوق وقد يؤدي بعضها وهكذا [(فيقول رجل آخر: لو آتاني الله مثلما آتاه عملت كما يعمل، فهما في الوزر سواء )].

إذاً: الناس أربعة: رجل آتاه الله علماً ومالاً فهو يعمل فيه بما يرضي الله عز وجل، فإذا رآه من ليس عنده وقال: آه لو أعطاني ربي، لو آتاني ربي لفعلت كما فعل، فإنه يؤجر كما يؤجر الأول.

ورجل هابط آتاه الله مالاً بلا علم فهو يعبث به ويبدده، فإذا رآه من ليس عنده وقال: آه لو أعطيت كما أعطي فلان لفعلت كما فعل، فهما في الوزر سواء، لا فرق بينهما، والسبب النية الصادقة والعزم الحقيقي [فأثيب ذو النية الصالحة بثواب العمل الصالح، ووزر صاحب النية الفاسدة بوزر صاحب العمل الفاسد، وكان مرد هذا إلى النية وحدها] الأول عظم أجره وفاز بالنية الصالحة، والثاني خسر وأُزر بالنية الفاسدة.

قال: [ومن قوله صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك: ( إن بالمدينة أقواماً ما قطعنا وادياً ولا وطئنا موطئاً يغيظ الكفار، ولا أنفقنا نفقة، ولا أصابتنا مخمصة) ] أي: مجاعة [ (إلا شركونا بذلك وهم بالمدينة )] فتعجب الأصحاب من هذا [فقيل له: كيف ذلك يا رسول الله؟ فقال: ( حبسهم العذر، فشركوا بحسن النية )] تخلفوا للعجز عن الخروج، ما استطاعوا، فلم يكن لديهم الزاد ولا الراحلة فبقوا يتألمون ويتحسرون، فكانوا مع الأصحاب حيثما كانوا، وأخذوا أجرهم كما أخذوا ( إن بالمدينة أقواماً ما قطعنا وادياً ولا وطئنا موطئاً يغيظ الكفار -في ديار الكفر- ولا أنفقنا نفقة ولا أصابتنا مخمصة إلا شركونا في ذلك وهم بالمدينة ) والمدينة هي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له من قبل أصحابه: كيف ذلك يا رسول الله؟ فبين صلى الله عليه وسلم لنا كيف فازوا بهذا الفوز فقال: ( حبسهم العذر، فشركوا بحسن النية ) [فحسن النية إذاً هو الذي جعل غير الغازي في الأجر كالغازي] أي: المجاهد [ وجعل غير المجاهد يحصل على أجر كأجر المجاهد] فلو أنك نويت لو أن الله عز وجل جمع المسلمين على إمام واحد وغزوا وأثخنوا في ديار الكفر فأنت معهم، تؤجر بهذا بالنية.

قال: [ومن قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار )] إذا التقى المسلمان بسيفيهما أو ببندقيتهما أو بعصاهما، والمقصود الآلة التي يقتتلان بها ( فالقاتل والمقتول في النار ) وهذه مشكلة: مقتول وفي النار أيضاً، فالقاتل له النار وهي جزاؤه، ولكن ما بال المقتول المسكين يدخل النار؟

[( فقيل: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ )] كلام معقول [( فقال: لأنه أراد قتل صاحبه )] بالنية، فإذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، ولو أنهما لم يلتقيان وكان أحدهما لا يريد أن يقتل أبداً والثاني أراد أن يقتل فقتل، فالمقتول في الجنة، لكن إن أراد المقتول أن يشفي صدره، فأصبح القاتل والمقتول ينويان القتل فهما في ذلك سواء [فسوّت النية الفاسدة والإرادة السيئة بين من قاتل مستوجب للنار وبين مقتول لولا نيته الفاسدة لكان من أهل الجنة كذلك] فالنية الفاسدة سوت بين القاتل والمقتول، ولولا النية الفاسدة لكان المقتول في الجنة والقاتل في النار، فسبب دخولهما النار معاً هي النية الفاسدة.

[ومن قوله عليه الصلاة والسلام: ( من تزوج بصداق لا ينوي أداءه فهو زان ) ] والعياذ بالله، وأظن هذا لا يقع إلا نادراً، فكيف لا يقع وقد أخبر الرسول به؟!( من تزوج بصداق لا ينوي أداءه فهو زان ) رجل تزوج بصداق مؤجل وهو ناوٍ أن لا يؤديه فوالله لهو زان؛ لأن النكاح له أركان، ومن أعظم أركانه المهر، وهذا كله بالنية، فمن تزوج بصداق لا ينوي أداءه لامرأته فهو زان، ومن أدان ديناً وهو لا ينوي قضاؤه فهو سارق، وهذه مسألة أخرى: من استدان ديناً من أبي عبد العزيز -مثلاً- وهو ناوٍ أن لا يرده لأنه -مثلاً- وهابي! أو لأنه سعودي غني أو لأنه كذا .. -وهذه هي أفكار الناس- فهو سارق، سرق المال. أما إن استدان بنية أن يرد الدين يوم أن يتيسر أو إن حان وقته فهو كذلك [فبالنية السيئة انقلب المباح حراماً، والجائز ممنوعاً، وما كان خالياً من الحرج أصبح ذا حرج. كل هذا يؤكد ما يعتقده المسلم في خطر النية وعظم شأنها وكبير أهميتها، فلذا هو يبني سائر أعماله على صالح النيات، كما يبذل جهده في أن لا يعمل عملاً بدون نية أو نية غير صالحة، إذ النية روح العمل وقوامه، صحته من صحتها، وفساده من فسادها، والعمل بدون نية صاحبه مراء متكلف ممقوت].


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4156 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4082 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3869 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3863 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3834 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3823 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3748 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3646 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3633 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3607 استماع