سلسلة منهاج المسلم - (25)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها المؤمنون المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب: (منهاج المسلم)، وها نحن بعدما فرغنا من العقيدة بأركانها الستة وقفنا على هذا الفصل وهو السادس عشر، وهو الإيمان بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد عرفنا في الدرس السابق: أن الإيمان بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إيمان حق وصدق، ويجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يؤمن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وذلك لأدلة الكتاب والسنة.

وقرأنا ما شاء الله من أدلة الكتاب -أي: القرآن العظيم- وأدلة السنة النبوية، وانتهينا إلى الأدلة العقلية، فهيا بنا نستخدم عقولنا، وهي والحمد لله صالحة، ونتأمل ويفتح الله علينا.

قال المؤلف غفر الله لنا وله ولكم وللمؤمنين ورحمنا أجمعين: [ الأدلة العقلية: أولاً: ] أي: أول دليل [ لقد ثبت بالتجربة وبالمشاهدة أن المرض ] أعاذنا الله وإياكم منه [ إذا أهمل ولم يعالج استشرى في الجسم وانتشر وعسر علاجه بعد تمكنه من الجسم واستشرائه فيه ] هذا واقع وحق [ وكذلك المنكر إذا ترك فلم يغير فإنه لا يلبث أن يألفه الناس، ويفعله كبيرهم وصغيرهم، وعندئذٍ يصبح من غير السهل تغييره أو إزالته، ويومها يستوجب فاعلوه العقاب من الله، العقاب الذي لا يمكن أن يتخلف بحال من الأحوال، إذ إنه جار على سنن الله تعالى التي لا تتبدل ولا تتغير سُنَّةَ اللَّهِ [الأحزاب:62] فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43] ].

دليل عقلي: المرض إذا انتشر في الجسم ولم يعالج وترك فإن صاحبه سيهلك، الأطباء يرفعون أيديهم، فاته الأوان، ما يعالج الآن؛ لانتشار المرض فيه، فكذلك إذا ترك المنكر في قرية أو في بيت أو في مكان ما بين الناس وأهمل يوماً بعد يوم يصبح غير مقدور على تغييره، فلهذا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ).

والآيات القرآنية مرت بنا، من صفات المؤمنين والمؤمنات الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104] في أحاديث وآيات قرآنية تقدمت.

[ ثانياً: ] دليل عقلي [ حصل بالمشاهدة ] ورؤيا العين [ أن المنزل ] الذي ينزله الناس [ إذا أهمل ولم ينظف، ولم تبعد عنه النفايات والأوساخ فترة من الزمن يصبح غير صالح للسكن ] أبداً [ إذ تتعفن ريحه ويتسمم هواه وتنتشر فيه الجراثيم والأوبئة؛ لطول ما تراكمت فيه الأوساخ وكثرة ما تجمعت القاذورات ] هذا أمر مشاهد [ وكذلك الجماعة من المؤمنين إذا أهمل فيهم المنكر فلا يغير، والمعروف فلم يؤمر به، لا يلبثون أن يصبحوا خبثاء الأرواح شريري النفوس، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، ويومئذٍ يصبحون غير صالحين للحياة، فيهلكهم الله بما شاء من أسباب ووسائط، وإن بطش ربك لشديد، والله عزيز ذو انتقام ] دليل عقلي واضح كل الوضوح.

[ثالثاً] ثالث الأدلة [ عرف بالملاحظة: أن النفس البشرية تعتاد القبيح فيحسن عندها، وتألف الشر فيصبح طبيعة لها، فذلك شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن المعروف إذا ترك ولم يؤمر به سَاعةَ تَركهِ لا يلبث الناس أن يعتادوا تركه ] كما هو مشاهد [ ويصبح فعله عندهم من المنكر. وكذلك المنكر إذا لم يبادر إلى تغييره وإزالته لم يمض يسير من الزمن حتى يكثر وينتشر، ثم يعتاد ويؤلف، ثم يصبح في نظر مرتكبيه غير منكر، بل يرونه هو المعروف بعينه، وهذا هو انطماس البصيرة والمسخ الفكري -والعياذ بالله تعالى- من أجل هذا أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوجباه فريضة على المسلمين؛ إبقاء لهم على طهرهم وصلاحهم، ومحافظة لهم على شرف مكانتهم بين الأمم والشعوب ].

إذاً: ما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

حكمه الوجوب. على من؟ على كل مؤمن ومؤمنة، ثبت بالأدلة في بالكتاب والسنة وبالأدلة العقلية كذلك، فلا يسع المؤمن أن يرى منكراً ويسكت، ولا يرى معروفاً متروكاً ويسكت عنه، وخاصة في بيته وبين زملائه ورفاقه، وبين المؤمنين الذين لا يغضبون للأمر ولا ينزعجون للنهي.

والآن [ آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ] للآمر بالمعروف آداب يجب أن يتحلى بها، والناهي عن المنكر يجب أن يتحلى بآداب خاصة بالنهي عن المنكر، وهذا مرده إلى العلم، والعلم فريضة الله على كل مؤمن ومؤمنة.

أولاً: أن يكون الآمر والناهي عالماً بحقيقة ما يأمر به وينهى عنه

[ أولاً: أن يكون عالماً بحقيقة ما يأمر به من أنه معروف بالشرع، وأنه قد ترك بالفعل ] أول آداب الآمر بالمعروف: يجب أن يكون عالماً بحقيقة ما يأمر به، وأنه معروف في الشرع، وأنه قد ترك بالفعل، وحينئذٍ يأمر [ كما يكون عالماً بحقيقة المنكر الذي ينهى عنه ويريد تغييره ] لابد وأن يعرف المنكر الذي أنكره الشرع [ وأن يكون قد ارتكب حقيقة ] هذا المنكر وفعل بين الناس [ وأنه مما ينكر الشرع من المعاصي والمحرمات ] أي: يجب على الآمر بالمعروف أن يكون عالماً بالمعروف، وأن يكون رأى حقيقة أن المعروف متروكاً بين الناس، كالناهي عن المنكر يجب أن يعرف المنكر الذي ينهى عنه، هل هو منكر حقاً مشروع في الكتاب والسنة من المحرمات والمنهيات أم لا؟ ثم كذلك لا ينهى حتى يتأكد من صحة وجود هذا المنكر. هذه آداب لابد منها للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.

ثانياً: أن يتصف الآمر والناهي بالورع

[ ثانياً: أن يكون ] الآمر أو الناهي [ ورعاً لا يأتي الذي ينهى عنه ] أن يكون من أهل الورع لا يفعل الذي ينهى عنه، يا فلان! لا تفعل كذا وهو يفعل. مثال حي: لو أن شخصاً بيده سجارة وهو واقف أمام المسجد ويقول لآخر: لا تدخن فالدخان حرام. كيف سيكون موقفه؟ هو يدخن ويقول لمن يدخن: لا لا ما يجوز. محمود هذا؟ لابد وأن يكون الآمر والناهي ذا علم وذا ورع، فلا يأتي الذي ينهى عنه، ولا يترك الذي يأمر به، هو لا يصلي ويقول: يا فلان! صل [ ولا يترك الذي يأمر به؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3] ] هذه وحدها كافية، فالآمر بالمعروف يجب أن يكون فاعلاً له، والناهي عن المنكر يجب أن يكون تاركاً له بعد علمه بهما ومعرفته لهما.

ثالثاً: أن يكون الآمر والناهي حسن الخلق حليماً رفيقاً

[ ثالثاً: أن يكون حسن الخلق، حليماً يأمر بالرفق وينهى باللين ] فلا يأمر بالعصا والصياح والضجيج والعنف والشدة [ لا يجد في نفسه إذا ناله سوء ممن نهاه ] ما يجد في نفسه ألماً إذا نهى شخصاً وآذاه بكلمة أو أخرى [ ولا يغضب إذا لحقه أذى ممن أمره أو نهاه، بل يصبر ويعفو ويصفح؛ لقوله تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17] ] هذه كلمة لقمان الحكيم أنزلها الله في كتابه وأقرها: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] تأمره بمعروف فيغضب.. يسبك فتسبه أنت أو تشتمه وتتضارب معه، ليس هذا أبداً، بل تبتسم وتضحك في وجهه وتقول: سامحك الله، أو سامحني.

رابعاً: أن لا يتعرف إلى المنكر بواسطة التجسس

[ رابعاً: أن لا يتعرف إلى المنكر بواسطة التجسس ] أن لا يتعرف على المنكر بواسطة التجسس والتحسس [ إذ لا ينبغي لمعرفة المنكر أن يتجسس ] الناهي [ على الناس في بيوتهم، أو يرفع ثياب أحدهم ليرى ما تحتها ] فهذا لا يصح في الإسلام [ أو يكشف الغطاء ليعرف ما في الوعاء؛ إذ الشارع أمر بستر عورات الناس، ونهى عن التحسس عنهم والتجسس عليهم، قال تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12]، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: ( ولا تجسسوا )، وقال عليه أزكى الصلاة والسلام: ( من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ) ] ومعنى هذا أن لا ننهى عن المنكر إلا إذا شاهدناه، أما أن نبحث عنه في بيوت الناس أو تحت ثيابهم أو في داخل سياراتهم فهذا لسنا مأمورين به، بل نحن مأمورون بالستر عليهم، وإذا استمروا سوف يكشفهم الله عز وجل.

خامساً: التعريف بالمعروف الذي يريد أن يأمر به

[ خامساً ] من آداب الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر [ قبل أن يأمر من أراد أمره أن يعرفه بالمعروف ] أولاً يعلمه: هذا كذا من الدين ثم يأمره بفعله [ إذ قد يكون تركه له لكونه لم يعرف أنه من المعروف ] من الجائز.. كم من جاهل لا يعرف المعروف، فيعلم أولاً بأن هذا معروفاً ثم يأمره بفعله، وإن كان منكراً يعلمه أن هذا منكر أولاً لا يجوز ثم ينهاه [ كما يعرف من أراد نهيه عن المنكر بأن ما فعله من المنكر، إذ قد يكون فعله له ناتجاً عن كونه لم يعرف أنه من المنكر ] ولمعرفة المعروف والمنكر لابد من قراءة الكتاب والسنة، لابد من العلم والمعرفة.

سادساً: الوعظ والتذكير بما يرقق القلوب

[ سادساً: أن يأمر وينهى بالمعروف ] يأمر بالمعروف وينهى بالمعروف [ فإن لم يفعل التارك للمعروف ولم يترك المرتكب للمنهي؛ وعظه بما يرقق قلبه بذكر ما ورد في الشرع من أدلة الترغيب والترهيب، فإن لم يحصل امتثال استعمل عبارات التأنيب والتعنيف والإغلاظ في القول، فإن لم ينفع ذلك غير المنكر بيده، فإن عجز استظهر عليه بالحكومة أو بالإخوان ] الآمرين والناهين من الهيئة وغيرهم.

سابعاً: الاكتفاء بتغيير المنكر بالقلب عند العجز عن التغيير باليد واللسان

[سابعاً] وأخيراً من هذه الآداب [ فإن عجز عن تغيير المنكر بيده ولسانه بأن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه، وكان لا يطيق الصبر على ما يناله اكتفى بتغيير المنكر بقلبه؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) ].

معاشر المستمعين والمستمعات! عرفتم هذا الواجب، يجب أن يرانا الله قائمين به ولو في بيوتنا، ولو مع إخواننا المؤمنين الصادقين، مع العلم أن أمة الإسلام من الشرق إلى الغرب أهملت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا كونت له هيئات ولا جماعات، اللهم إلا ما كان من هذه المملكة المباركة، والله نسأل أن يعيد للمسلمين مجدهم وسيادتهم.

[ أولاً: أن يكون عالماً بحقيقة ما يأمر به من أنه معروف بالشرع، وأنه قد ترك بالفعل ] أول آداب الآمر بالمعروف: يجب أن يكون عالماً بحقيقة ما يأمر به، وأنه معروف في الشرع، وأنه قد ترك بالفعل، وحينئذٍ يأمر [ كما يكون عالماً بحقيقة المنكر الذي ينهى عنه ويريد تغييره ] لابد وأن يعرف المنكر الذي أنكره الشرع [ وأن يكون قد ارتكب حقيقة ] هذا المنكر وفعل بين الناس [ وأنه مما ينكر الشرع من المعاصي والمحرمات ] أي: يجب على الآمر بالمعروف أن يكون عالماً بالمعروف، وأن يكون رأى حقيقة أن المعروف متروكاً بين الناس، كالناهي عن المنكر يجب أن يعرف المنكر الذي ينهى عنه، هل هو منكر حقاً مشروع في الكتاب والسنة من المحرمات والمنهيات أم لا؟ ثم كذلك لا ينهى حتى يتأكد من صحة وجود هذا المنكر. هذه آداب لابد منها للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.