الحوار الوطني المصري لمجموعة (لا) !! - ملفات متنوعة
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
أحسب أن هذا أصدق وصف يمكن أن يعبر عن ما أطلق عبر شاشات التلفزيون المصري مما أسموه: الحوار الوطني!!
وأحسب أن نظرة عابرة إلى أسماء ونوعية المشاركين والمدعوين لهذا الحوار كفيلة بتأكيد وتوثيق هذا الوصف.
كما يمكن للمتابع لفعاليات ومجمل كلمات الجلسة الافتتاحية لهذا الحوار أن يردك من أول وهلة حقيقة ما يهدف إليه هذا الحوار، أو على الأقل ما يهدف إليه القطاع الفاعل المؤثر والمنظر والمنظم لمحاور ولقاءات هذا الحوار!!
أما إنه حوار مجموعة (لا)؛ فإنه لا يقدح في هذا الوصف حضور رمزي لبعض من قال: (نعم)؛ لأن نسبتهم لا تتعدى أصابع اليد الواحدة؛ فضلاً عن اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم، ولا يضر انتماء هؤلاء بصورة أو أخرى إلى مدرسة العقول (العفنة) و(المظلمة) -وفق تصريح صاحب (المصطبة) كما وصفها بعض المثقفين! - التي لازالت ترى الشريعة مرجعية لا يجوز تجاهلها ولا تجاوزها!!
فلا يضر وجود هؤلاء ولا تأثير لهم في صحة إطلاق هذا الوصف؛ لأن النادر كما هو مقرر في علم الأصول لا حكم له، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث!!
غير أن هذا المشهد لا يسعنا تجاوزه قبل أن نسأل بعض الأسئلة التي أحسبها مشروعة:
والسؤال الأول: إذا كان الإخوان المسلمون أحد أبرز الكيانات التي اختارت (نعم)؛ أفيعقل أن يكون تمثيلهم على هذا النحو ، في حوار وطني يُراد منه- كما يشيع القائمون عليه - أن يكون مُعبرًا عن إرادة الشعب المصري كله، وتأسيسا لـ (عقد اجتماعي جديد) يخضع لتوجيهاته وإرادته وتوصياته من يُوكل هم إصدار دستور البلاد القادم؟!!
إذا قلنا إن أسوأ تقدير يمنح الإخوان نسبة لا تقل عن 20% من هذه القوى الموجودة في الشارع المصري، فهل هذه النسبة تمنحهم ممثلَين فقط؟!!
ولا أحسب أن هناك وجهًا لتفسير ذلك بأن المقصود رمزية التمثيل لا نسبيته وعدديته، فهذا نوع من الاستخفاف بعقلية المتابع، الذي يدرك جيدًا أن الحشد المقابل لأطياف الأقلية الرافضة هو محاولة لتسويق رأي هذه الأقليات العددية في صورة أغلبية كاسحة- تماماً كما صورت حجم الرافضين للتعديلات الدستورية في صحفها وفضائياتها، في حين أنه لا يملك كثير منهم أي حضور فاعل في الشارع المصري، بل لايتجاوز أعداد منتسبي هذه الأطياف ومريديها - مجتمعة - نسبة ال20% التي يملكها الإخوان على أسوأ تقدير!!.
وأما السؤال الثاني: فأين من يمثل الـ (57.2%) الأخرى، أين أصحابها من هذا الحوار الذي هو حوار وطني للشعب المصري كله، وليس حوارًا وطنيا لمجموعة (لا) وحدها؟!!
أحسب أن الجميع متفق على أن حزب الوسط - أحد من دعي ممثل عنه إلى هذا الحوار- أحسبه لا يمثل هذه النسبة ولا حتى عشرها ربما بشهادته هو نفسه!! وأيضًا بعض من قال نعم ممن دعي إلى هذا الحوار!!
إن حوارًا وطنيًا يُراد منه الوصول إلى رؤية متفق عليها بين أبناء الوطن لا يتصور أن يقصي فصيلاً عريضًا ظهر أثره وتأثيره الواضح والفعال في الشارع من خلال استفتاء كاسح، غير عادل في ملكية آلة التوجيه العام من الإعلام بمختلف وسائله الفضائية أو الصحفية!!
والعجيب اللافت للنظر أن يحضر أربعة ممثلين عن أقلية لا تزيد عن 6% من حجم الشعب كله؛ في حين لا يمثل هذا التيار الكاسح أي أحد!!
فلم نر أي ممثل للتيار السلفي العريض بمختلف أطيافه ورموزه!!
لم نر أي ممثل لكيان عريض متجذر في الشارع المصري، وهم جمعية أنصار السنة والجمعية الشرعية!!
بل لم نر تمثيلاً حقيقيا يليق بمؤسسة الأزهر أكبر مؤسسة إسلامية في العالم يمثل منتسبوها وحدهم -فضلا عن مريديها - عشرات الآلاف من الرموز والموجهين والدعاة والخطباء!!
لم نر ممثلا عن أحد أهم الأحزاب ذات المصداقية والمواجهة الدامية مع النظام البائد، ألا وهو حزب العمل؛ الذي منعت صحيفته وتم تجميده بل وسُجن رموزه وأعضاؤه!!
لم نر تمثيلاً لشباب الثورة الذي يتحدث الجميع باسمهم ولايعبر أحد عنهم حقيقة!!
لم نمر تمثيلاً لكثير من القوى الصاعدة المثقفة الواعية الواعدة التي لها قبولها في الشارع المصري، وهم لا ينقصهم ثقافة الحوار ولا آلياته ولا قوة الحضور الإعلامي غير المصطنع كما تصنعه بعض الجهات الداعمة لحوار (لا) من خلال ما تملكه من وسائل في تسليطها الأضواء بقوة على أنصارها ورموزها!!
وبعيدا عن حقيقة ومصداقية وشمولية هذا الحوار؛ فإن السؤال الأهم والأخطر هو: ماذا يريد منظرو هذا الحوار الفاعلون تحقيقه من ورائه؟!
إن المتأمل في أبرز الكلمات التي أطلقتها الجلسة الأولى لهذا الحوار يدرك بوضوح أنها محاولة يائسة ولكنها خطيرة، وفي ذات الوقت يمكن وصفها بأنها غير أخلاقية؛ حيث تدشن لحوار ذي أجندة خاصة غير غائبة عن توجه الداعين إليه والحاضرين فيه بقوة، حوار له أجندته وأهدافه الفئوية والطائفية عجزت عن تمريرها أو تحقيقها عبر الصناديق الشفافة.
وأمام هذه النتائج الصادمة التي أفرزتها تلك الصناديق ودلالتها فقدت هذه الهامات الكبيرة والحكيمة والمثقفة - فقدت اتزانها ورفضت بلسان حالها ومقالها التسليم لهذه النتائج؛ لأنها جاءت عن شعب اتضح أنه جاهل لا يصلح 80% منه لممارسة ما يعرف بالديمقراطية كما صرح أحد رموز هذا التيار، وربما هذا الرقم جاء على سبيل التقريب؛ حيث إنه مفترض أن يكون هذا الرقم هو 77.2% تحديداً!!.
فقلبت ظهر المجن لكل من رأت أنه حطم حلمها المنشود وسفه أحلامها العريضة، وأفشل سعيها الدءوب؛ تشويهًا وإقصاء وافتراء!!
وهو ما يجعلنا نرتاب ونتساءل عن أجندة هذا الحوار الخفية: هل هذا الحوار يهدف بالدرجة الأولى لدى منظريه إلى محاولة إظهار أو إيجاد ما يمكن تسميته بالعقد الاجتماعي الجديد، استنادًا إلى ثقافات وفلسلفات ونظريات غربية لجان لوك وروسو وغيرهما؛ باعتبار أن كل ثورة لابد أن تفرز عقدًا اجتماعيًا جديدًا منبثقًا من أهداف هذه الثورة والقائمين عليها تحقيقًا لمطالبها؟!!
عقد على غرار العقد الاجتماعي الأوربي الذي أفرزته الثورة الفرنسية أو غيرها من الثورات الغربية التي تمردت على سلطان الكنيسة وظلمها وتعسفها؟!.
أنسي هؤلاء أم تناسوا أن ثورة 25 يناير المصرية لم تكن ثورة ضد المسجد، بل ثورة ضد من حارب دور المسجد وأهله وسجنهم وشردهم وأقصاهم عن كل حق مشروع للإنسان، إن الظلم الهائل والإقصاء التام والانتهاك الفاضح لكل قيمة وكرامة إنسانية كان أول المصطلين بها هم أنصار المسجد، وهي جرائم لم يطل أحدًا من هؤلاء نصيبٌ يُذكر منها، بل إن كثيرين منهم بإعلامهم وآرائهم وثقافاتهم كانوا جزءا لا يتجزأ من منظومة هذا النظام البائد الإعلامية والفكرية، التي تصفق للظلم وتؤصل له، مادام ضد الظلاميين من ذوي الأفهام (الضلمة)!!
إن ثورة 25 يناير كانت ثورة ضد الظلم والاضطهاد وإهدار كرامة الإنسان، بكل صوره وأشكاله وأركانه وأساطينه ومفكريه ومنظريه، تلك المطالب التي هي من صميم ثوابت الشريعة الإسلامية؟!.
وسواء كان هذا الخلط عن جهل أم تجاهل للفروق الهائلة بين الثورتين؛ فإن المحصلة العملية لهذا الخلط واحدة، وهو الإيحاء بحشد رأي عام يفرزه حوار مفترض أنه وطني حول مفهوم جديد لعقد اجتماعي جديد وفق رؤية وأطروحات وتوجهات وقناعات مجموعة (لا) ليظهر أن ذلك هو رأي المجتمع كله، وعليه اتفقت كلمة أرباب الحوار الوطني كلهم!!
ومن ثم فإن أي التفاف أو تحفظ أو رفض لتوصيات هذا الحوار يكون معناه عندئذ فشلا ذريعًا لهذه الثورة وامتدادا للنظام البائد، وتكريسًا لقوى الظلام والاستبداد!!
إن مثل هذا العقد الجديد الذي يُغيِّب هوية الأمة ويفقدها انتماءها ويعيد صياغة وتحديد مرجعيتها، هو عقد يستحيل أن تقبل به أمة الأزهر؛ فإن العقد الاجتماعي لهذا الشعب المصري هو عقد غير قابل للنقض!!
وأحسب أنه من الأهمية بمكان أن تدرك القوى السياسية الحقيقية والاتجاهات المختلفة وأرباب الفكر والثقافة والتوجيه حقيقة وخطورة وأبعاد هذا التوجه في ذلك الحوار الانتقائي الإقصائي.
وعليهم أن يكونوا على قدر المسئولية وأن يغلبوا مصلحة الأمة الكلية، وأن يجمعوا كلمتهم ويوحدوا جهودهم ويكثفوا ظهورهم وحضورهم الفاعل المؤثر لتأكيد هوية الأمة ومرجعيتها وحقيقة عقدها الاجتماعي الراسخ الثابت الذي يشكله الإسلام العظيم بربانيته وشموليته وقيمه واتساعه ليشمل جميع الأطياف والملل بعدالته وسماحته، وألا يتركوا هذا الشارع المصري فريسة لإعلام طائفي وحشد صوري تحت مظلة الحوار الوطني لمجموعة (لا)!!.
السبت 02 ابريل 2011 م
د.هشام برغش
[email protected]