سلسلة منهاج المسلم - (192)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي - أي: الجامع- للشريعة الإسلامية بكاملها، عقائد وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وهو جامع أهل السنة والجماعة، فلا فرق بين مذهب ومذهب، ولا طائفة وطائفة، وأدلته قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد نفع الله به المسلمين، وانتهت تلك العصبيات المذهبية، وأصبح المسلمون يعترفون بأنهم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وقد انتهى بنا الدرس إلى الفصل التاسع وهو في الذكاة والصيد والطعام والشراب.

[ الفصل التاسع ] من الفصول وهو [ في الذكاة والصيد والطعام والشراب. وفيه ثلاث مواد: المادة الأولى: في الذكاة: أولاً: تعريفها: الذكاة: ذبح ما يذبح من الحيوان المباح الأكل، ونحر ما ينحر منه ] أي: من الحيوان المباح الأكل..

بيان ما يذبح وما ينحر

[ ثانياً: بيان ما يذبح وما ينحر ] أي: الذي يذبح والذي ينحر: [ الغنم من ضأن ومعز، وكذا سائر أنواع الطير من دجاج وغيره تذبح ولا تنحر، قال الله تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107]، أي: كبش ] أي: فدى إسماعيل عليه السلام بمذبوح من الغنم، أي: بكبش، وهو عظيم، فلما أمر إبراهيم بذبح ولده إسماعيل خرج من مكة إلى منى، ولما وضعه على الأرض والسكين في يده وأراد ذبحه قال: ارفع يدك، وفداه الله عز وجل بكبش عظيم، والشاهد عندنا في قوله تعالى: بِذِبْحٍ [الصافات:107]، أي: بكبش، والكبش يذبح ولا ينحر [ والبقر يذبح؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]. ويجوز نحرها؛ إذ ثبت نحرها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن لها موضعين لتذكيتها، موضع ذبح وموضع نحر. وأما الإبل فإنها تنحر ولا تذبح، وقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى ].

تعريف الذبح والنحر

[ ثالثاً: تعريف الذبح والنحر: الذبح: هو قطع الحلقوم والمريء ] وهو رأس المعدة [ والودجين ] وهما عرقان، فيقطع كل ذلك بالسكين [ والنحر: هو طعن الإبل في لبتها، واللبة: موضع القلادة من العنق ] فتطعن في هذا المكان [ وهو موضع تصل منه آلة الذبح إلى القلب، فيموت الحيوان بسرعة ].

كيفية الذبح والنحر

[ رابعاً: كيفية الذبح والنحر: أما الذبح فهو أن تطرح ] أيها الذابح [ الشاة ] المعز أو الغنم [ على جنبها الأيسر مستقبلة القبلة بعد إعداد آلة الذبح ] أي: التي ستذبح بها في يدك [ الحادة ] الماضية لا التي لا تقطع [ ثم يقول الذابح: بسم الله والله أكبر، ويجهز على الذبيحة، فيقطع في فور واحد حلقومها ومريئها وودجيها ] أي: عرقيها، هذا هو الذبح [ وأما النحر ] وهو للإبل [ فهو أن يعقل ] الذابح [ البعير من يده اليسرى قائماً، ثم يطعنه ناحره في لبته ] أي: موضع نحره [ قائلاً: بسم الله والله أكبر، ويواصل حركة الطعن حتى تزهق روحه؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما وقد مر برجل أناخ ناقته للذبح: (ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم)].

شروط صحة الذكاة

[ شروط صحة الذكاة ] للذكاة شروط لا تصح إلا بها [ يشترط لصحة الذبح ما يلي:

أولاً: أن تكون آلة الذبح حادة ] ماضية [ تنهر الدم ] وتسيله بقوة، فإذا لم تكن حادة تسيل الدم لم يجز الذبح بها؛ وذلك [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أنهر الدم ) ] أي: أساله [ ( وذكر عليه اسم الله، فكل ) ] أي: كل اللحم [ ( ليس العظم والظفر ) ].

[ ثانياً: التسمية بأن يقول: بسم الله والله أكبر، أو بسم الله فقط ] ولا يزيد الله أكبر، فيجوز؛ وذلك [ لقوله تعالى ] في كتابه العزيز: [ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] ] فذبائح المشركين لا تؤكل؛ لأنهم لا يذكرون عليها اسم الله [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكلوا ) ].

[ ثالثاً: قطع الحلقوم تحت الجوزة مع قطع المريء والودجين في فور واحد ] فلا تذبح هكذا ثم ترفع يدك تستريح ثم تعيد، بل مرة واحدة، فلا ترخ يدك ثم تردها، بل واصل مرة واحدة.

[ رابعاً: أهلية المذكي بأن يكون مسلماً عاقلاً بالغاً، أو صبياً مميزاً ] لأن المميز كالعاقل، فلا بأس به [ ولا بأس أن يكون امرأة ] فالمرأة يجوز لها أن تذبح [ أو كتابياً ] أي: يهودياً أو نصرانياً [ لقوله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5] ] الآية [ وفسر طعامهم بذبائحهم ].

[ خامساً: إن تعذر ذبح أو نحر الحيوان لترديه في بئر ] أي: لسقوطه في بئر [ أو لشروده جاز تذكيته بإصابته في أي جزء من أجزائه بما ينهر دمه ] ويسيله [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وقد ند بعير - أي: شرد- ولم يكن مع القوم خيل ) ] أي: ليردوه به [ ( فرماه رجل بسهم فحبسه: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما فعل منها هذا فافعلوا به هكذا ). فقاس أهل العلم عنه كل ما تعذرت ذكاته من حلقه أو لبته ] فيفعل به ذلك، فيرمى في رأسه أو في رجله.

تنبيهات

والآن [ تنبيهات:

أولاً: ذكاة الجنين ذكاة أمه ] فإذا ذبحت أمه فكأنه ذبح هو [ ويحسن أكله إذا تم خلقه ونبت شعره ] سواء في الشاة أو في البقر أو في البعير، وإذا لم يتم خلقه لم يحسن أكله [ فقد سئل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه ) ].

[ ثانياً: ترك التسمية نسياناً لا يضر في الذكاة ] فإذا نسي الذابح ولم يقل: بسم الله صحت ذبيحته [ لعدم مؤاخذة أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالنسيان؛ لحديث: ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ). ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكر، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله ) ] وأما إذا قال: لا أذكر اسم الله متعمداً فلا تحل.

[ ثالثاً: المبالغة في الذبح حتى قطع رأس الذبيحة إساءة ] فالذابح يذبح الودجين والحلق فقط، فلو بالغ في الذبح حتى يقطع الرأس كبعض الجهال كره ذلك [ وتؤكل الذبيحة معها بلا كراهة ].

[ رابعاً: لو خالف المذكي فنحر ما يذبح، أو ذبح ما ينحر أكلت مع الكراهية ].

[ خامساً: المريضة، والمنخنقة، والموقوذة ] بالحجر والعود [ والمتردية، والنطيحة ] بأن نطحتها أخرى [ وأكيلة السبع إذا أدركت فيها الحياة مستقرة، بحيث تزهق روحها بفعل الذبح لا بتأثير المرض وذكيت جاز أكلها ] ولا حرج [ لقوله تعالى: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، أي: أدركتم فيها الروح وأزهقتموه بواسطة التذكية ].

[ سادساً ] وأخيراً: [ إذا رفع الذابح يده قبل إنهاء الذبح ثم أعادها بعد فترة طويلة قال أهل العلم: لا تؤكل ذبيحته إلا إذا كان قد أتم ذكاتها في المرة الأولى ] وأنهاه ثم رجع بعد ذلك فلا يضر هذا، وأما أن يرفع يده قبل أن ينتهي من الذبح ويتكلم أو غير ذلك ثم يعود لا يجوز.

نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وآله.

[ ثانياً: بيان ما يذبح وما ينحر ] أي: الذي يذبح والذي ينحر: [ الغنم من ضأن ومعز، وكذا سائر أنواع الطير من دجاج وغيره تذبح ولا تنحر، قال الله تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107]، أي: كبش ] أي: فدى إسماعيل عليه السلام بمذبوح من الغنم، أي: بكبش، وهو عظيم، فلما أمر إبراهيم بذبح ولده إسماعيل خرج من مكة إلى منى، ولما وضعه على الأرض والسكين في يده وأراد ذبحه قال: ارفع يدك، وفداه الله عز وجل بكبش عظيم، والشاهد عندنا في قوله تعالى: بِذِبْحٍ [الصافات:107]، أي: بكبش، والكبش يذبح ولا ينحر [ والبقر يذبح؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]. ويجوز نحرها؛ إذ ثبت نحرها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن لها موضعين لتذكيتها، موضع ذبح وموضع نحر. وأما الإبل فإنها تنحر ولا تذبح، وقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى ].




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4158 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4090 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3873 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3867 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3838 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3827 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3752 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3649 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3649 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3610 استماع