سلسلة منهاج المسلم - (17)


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا معشر المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب (منهاج المسلم)، وما زلنا في باب العقيدة، وقد علمنا -وزادنا الله علماً- أن العقيدة الإسلامية الصحيحة بمنزلة الروح للبدن، فصاحبها حي يسمع ويجيب، يؤمر فيمتثل، ينهى فيترك؛ وذلك لكمال حياته.

وفاقد هذه العقيدة الإسلامية الصحيحة ميت، لا يسمع نداءً ولا يجيب ولا يفعل ولا يترك، كسائر الحيوانات، وليس هذا قولاً منا بل هو من كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، أما قال تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80] يعني بهم المشركين؟

ثم هذه العقيدة إذا لم تكن صافية خالصة نقية من شوائب الزيادة والنقصان فصاحبها بمنزلة المؤمن المريض، فالمريض يقوى على فعل شيء ويعجز عن آخر، يقدر على أن يترك شيئاً، ويعجز عن ترك آخر، شأنه شأن المريض يقوى على أن يمشي ويعجز أياماً عن المشي، وهكذا..

ومعنى هذا: أن على كل مؤمن ومؤمنة أن يصححا عقيدتهما، والطريق إلى ذلك أن يعرضاها على القرآن، فإذا وافقت القرآن وصدق عليها قالا: الحمد لله. وإذا لم يعرفها القرآن يعرضانها على السنة النبوية، فإن وافقت عقيدتهما عقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليحمدا الله، وذلكم المؤمن، وإن وجدا فرقاً بينهما وخلافاً فليصححا عقيدتهما قبل أن يموتا، ومن لم يعرف الكتاب ولا السنة يأت أهل العلم أولي العقائد السليمة السلفية الصحيحة، ويعرض عليهم معتقده، فما وافقوه عليه أصر عليه ولازمه وحافظ عليه، وما قالوا له: اتركه أو تخل عنه وجب أن يتركه ويتخلى عنه، وبذلك يصبح شاعراً شعوراً حقيقياً أنه مؤمن.

هذه العقيدة التي هي بمثابة الروح أركانها التي تقوم عليها ستة، جاءت مبينة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، وعليها إجماع المسلمين، وهذه الأركان الستة من اليسر والسهولة أن يحفظها كل مؤمن ومؤمنة، لكن الحفظ شيء والفهم شيء آخر، والتطبيق شيء آخر، فلا مفزع إلا إلى الله، واللجأ الصادق يكون إلى الله.

هذه الأركان الستة إليكموها:

أولاً: الإيمان بالله.

ثانياً: الإيمان بملائكة الله.

ثالثاً: الإيمان بكتب الله.

رابعاً: الإيمان برسل الله.

خامساً: الإيمان باليوم الآخر.

سادساً: الإيمان بالقضاء والقدر.

وقد درسنا الأركان الخمسة وها نحن مع الركن السادس، ألا وهو الإيمان بالقضاء والقدر، فما هو القضاء؟ وما هو القدر؟ من لم يعرف يسأل، أو يسمع فيعلم.

ما القضاء والقدر؟ القضاء معناه: الحكم. لماذا سمي القاضي قاضياً؟ لأنه يحكم. فالقضاء معناه: الحكم. والقدر معناه: التقدير للكمية والكيفية والزمان والمكان.

قضى الله، أي: حكم أن يوجد الشيخ أبا عبد العزيز ، ثم قدر متى يوجد، وأين يوجد، وما يصيبه، وما يحصل عليه بتقديرات لا تتخلف قط، ولو كان يتخلف ما قدره الله لخرب العالم في أيامه الأولى، ولكن كل شيء يقع حسب تقديره في وقته ومكانه، حسب الصفة الذي وصفها وقدرها له سبحانه.

وهذا يدل على عظمة الله وقدرته، وعلى أن علمه أحاط بكل شيء، فلا تخرج ذرة من الكون ما علمها، إذ هو موجدها ومقدرها، وأن رحمته وسعت كل شيء، ولولا ذلك ما عشنا ساعة، وأن حكمته لا يخلو منها شيء، حتى ورقة في شجرة ما وجدت إلا لحكمة، ولا تخلو الحكمة منها فضلاً عن وجود إنسان.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ الفصل الثاني عشر: الإيمان بالقضاء والقدر:

يؤمن المسلم ] المسلم وليس الكافر [ بقضاء الله وقدره، وحكمته ومشيئته] الحكمة عرفناها: وضع الشيء في موضعه. والمشيئة ما هي؟ ما أراد شيئاً وشاءه إلا كان [ وأنه لا يقع شيء في الوجود حتى أفعال العباد الاختيارية] التي يفعلونها باختيارهم [ إلا بعد علم الله به وتقديره، وأنه تعالى عدل في قضائه وقدره] لا حيف ولا ظلم ولا جور ولا اعتداء [ حكيم في تصرفه وتدبيره، وأن حكمته تابعة لمشيئته، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا به تعالى ] هذا هو القضاء والقدر، والمؤمن الحق ما سمعتم.

أي: لا تتحول عن معصية، ولا تقوى على فعل طاعة إلا بقدرة الله عز وجل وبه؛ فلهذا لا غنى لنا عن الله عز وجل لا في الفعل ولا في الترك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم قال: [ وذلك] أي: اعتقد هذا الاعتقاد [ للأدلة النقلية] من الكتاب والسنة [والعقلية ] التي العقل مطالب بها ويدركها[ التالية] فهيا بنا: [الأدلة النقلية : ] أي: من الكتاب والسنة.

أولاً: إخباره تعالى عن ذلك في كتابه الكريم

[ أولاً: إخباره تعالى عن ذلك في قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] ] من أخبر بهذا الخبر؟

الله جل جلاله في كتابه [ وقوله عز وجل: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر:21]، وفي قوله: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] ] أي: نخلقها. هذا كتاب القضاء والقدر [ وفي قوله: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]. وفي قوله: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن:11] ] فلا يمكن أن تحدث مصيبة والله ما يعلمها أو ما قدرها أو ما أرادها. مستحيل؛ فلهذا أهل الإيمان بالقضاء والقدر لا يكربون ولا يحزنون، ولا يحملهم الكرب أن يلقوا بأنفسهم من السطوح، أو أن ينتحروا بالحديد والنار؛ وذلك لإيمانهم بقضاء الله وقدره في خلقه.

[ وفي قوله: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء:13] ] ما الطير؟ نصيبه الذي كتبه له من الأكل والشرب والعبادة، أو الكفر أو كذا، أو الجنة أو النار، في سجل منوط به، (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) فلا يمكن أن تتحرك حركة بدون كتابة لها قبل وجود الكون.

[ وفي قوله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]] من نصر أو هزيمة [ هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51] ] لا على سواه، إذ هو الذي بيده كل شيء والقادر على كل شيء، ويضع كل شيء في موضعه [ وفي قوله عز وجل: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] ] كتاب القضاء والقدر، مفاتح الغيب خمسة جاءت في قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، وقد علمنا رسول الله أن هذه مفاتح الغيب [ وفي قوله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] ] ما تشاء أنت شيئاً إلا وقد شاءه الله قبلك وكتبه حتى شئته أنت، فمشيئة العبد مسبوقة بمشيئة الرب، إذا شئت أنت شيئاً فلا تظن أن الله ليس له به علم، بل شاءه قبل أن تشاءه أنت، شاءه وكتبه قبل أن يوجد الكون بكامله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، [ وفي قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى [الأنبياء:101]] أي: الجنة [ أُوْلَئِكَ عَنْهَا [الأنبياء:101]] أي: عن النار[ مُبْعَدُونَ [الأنبياء:101] ] فما معنى: (إن الذين سبقت) في كتاب القضاء والقدر؟ أي: سبق في كتاب القضاء والقدر أن فلاناً من أهل الجنة.

[ وفي قوله تعالى: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ [الكهف:39] ] هذا حوار كان بين كافر ومؤمن، أو موحد ومشرك، جاء في سورة الكهف [ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ [الكهف:39]] أي: بستانك[ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39] ] لكنه ما قال ذلك، فسلبه الله إياها [ وفي قوله: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43] ] قول أهل الجنة: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]، فهذه الآيات كلها تقرر أن كل شيء بقضاء وقدر، وأن كل كائن كتب في اللوح المحفوظ في كتاب المقادير بصفته وكميته ومكانه وزمانه على ما كتب الله عز وجل، ولا يتخلف شيء أبداً. هذه أدلة نقلية، نقلناها عن القرآن فهيا ننقل عن النبي صلى الله عليه وسلم!

ثانياً: إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن القضاء والقدر في سنته

قال: [ ثانياً: إخبار رسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة)] قطرة مني [(ثم يكون علقة مثل ذلك)] في الأربعين يوماً التي بعدها، علقة تعلق بالأصبع كعلقة الدم [ ( ثم يكون مضغة مثل ذلك ) مثل اللحمة التي تمضغها في فمك ليس أكثر منها، ( ثم يرسل إليه الملك ) الموكل بهذه المهمة ( فينفخ فيه الروح ) تسري فيه كالتيار الكهربائي؛ فلهذا الروح كانت موجودة قبل وجود الجسم ( فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات ) الملك يأمره الله بكتابة أربع كلمات (بكتب رزقه) الرزق.. من كأس الماء إلى حبة التمر، واذكر ما شئت (وأجله) باللحظة وليس بالدقيقة، بلا زيادة ولا نقصان، (وعمله) صالحاً أو فاسداً، خيراً أو شراً (وشقي أو سعيد) يكتب هذا، ويخرج هذا الطفل، ويطبق ذلك حرفياً حتى يموت، ويدخل الجنة أو النار، ثم قال صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث: [ (فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)] مسافة قريبة قصيرة [ ( فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )] وهنا مسألتان عظيمتان:

الأولى: اليقينية، فأحلف لكم بالله أنه لن يدخل الجنة إلا من آمن وعمل صالحاً، ولن يدخل النار إلا من كفر وأشرك. ولكن هناك شيء آخر وهو أن تعيش دائماً تخاف الله وتسأله ليل نهار: أن يحسن خاتمتك وعاقبتك، فلا تشعر بأنك مطمئن، لأنك تصوم وتصلي وتجاهد، فمن الجائز أن تنتكس في آخر أيامك فتكفر بالله، فلا تطمئن إلى صلاتك أو جهادك أو صدقاتك وتقول: أنا أنا؛ لأن العبرة بالخاتمة!

والثانية كما علمتم: فقد دلت الأدلة على أن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن عمل الصالحات، وأن النار لا يدخلها إلا كافر مشرك عمل بالسيئات ( فو الذي لا إله غيره) من يحلف هذا الحلف؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ( فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة- فيما يظهر لنا- حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع - كناية عن قرب الوقت- فيسبق عليه الكتاب- أي كتاب؟ الذي كتب الله أنه من أهل النار-فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) فلا تفهم أن عبداً يموت على الشرك والكفر ويدخل الجنة، وأن عبداً يموت على الإيمان والعمل الصالح فيدخل النار، انزع هذا من ذهنك؛ لأن الرسول قال: فيعمل .. لا بد وأن يعمل حتى يدخل الجنة أو النار.

اللطيفة الثانية: لا تعول على اجتهادك وفطنتك وعبادتك وتنسى ضراعتك لربك وسؤالك اللطف والإحسان إليك ليتوفاك مؤمناً مسلماً، ولهذا يقول أهل العلم: المؤمن يعيش كالطائر بجناحين: جناح الخوف، وجناح الرجاء، فهو من جهة خائف ومن جهة راج وطامع، يواصل إلى أن يصل إلى وكره، إلا عند المرض الشديد وقرب الساعة فجناح الرجاء يغلب؛ لأن جناح الخوف لم يبق له قيمة فيغلِّب جانب الرجاء.

قال: [ وفي قوله عليه السلام لـعبد الله بن عباس رضي الله عنه ] أنا آسف عن كتابتي: [وفي قوله عليه السلام] والأصل أن أقول ( في قوله صلى الله عليه وسلم) هي تجوز ولكننا لا نستحسنها، نقول: موسى عليه السلام، عيسى عليه السلام، إبراهيم عليه السلام، إذا ذكر نبي من الأنبياء تقول عليه السلام، أما إذا ذكر نبينا محمداً فنقول: صلى الله عليه وسلم، وإذا ذكر أصحابه تقول: رضي الله عنهم، وإذا ذكر التابعون تقول: رحمهم الله، وإذا ذكرنا نحن فنقول: غفر الله لنا ورحمنا، وإذا ذكر الملائكة نقول جبريل عليه السلام.

[وفي قوله عليه السلام لـابن عباس : ( يا غلام! إني أعلمك كلمات ) ] طيبات، آه لو عرفنا هذه الكلمات ( إني أعلمك كلمات ) معدودة وليست كثيرة [ ( احفظ الله يحفظك )] هذه واحدة. احفظ الله في شرعه وأمره ونهيه يحفظك من البلاء والشقاء والعذاب، ولا تضيعه فيضيعك، فحيثما اتجهت وجدت عون الله عز وجل ومدده [ (إذا سألت فاسأل الله )] إذا طلبت- ولو كأس ماء- فاطلبه من الله [ ( وإذا استعنت )] أي: طلبت من يعينك [ ( فاستعن بالله )] إذا استعنت فاستعن بالله [ ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) ] (رفعت الأقلام): أقلام المقادير. (وجفت الصحف): كتاب المقادير. لو اجتمع أهل المدينة كلهم على أن ينفعوك بشيء وما أراد الله، والله ما استطاعوا، ولو أرادوا أن يضروك بشيء وما كتبه الله لك، والله ما استطاعوا، ليس المدينة فقط، بل البشرية كلها؛ فلهذا قلبك يكون مع الله خائفاً وطامعاً، اللهم اربط قلوبنا بك يا رب العالمين!

قال: [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما خلق الله تعالى القلم )] ن وَالْقَلَمِ [القلم:1] [( فقال له: -أي: للقلم- اكتب. فقال: رب! وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة )] فهذا هو القضاء والقدر.

[ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (احتج آدم وموسى)] اختصما، كل أدلى بحجته على الآخر، هذا الحِجَاج [ ( قال موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. فقال آدم عليه السلام: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده، تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين عاماً؟ فحج آدم موسى ) ] أي: غلبه في الحجة. وبيان ذلك: أن لوم موسى كان في غير محله (أنت آدم خلقك الله بيده وأخرجتنا..) كذا، هذا اللوم كان في غير محله؛ لأنه إن لامه على الذنب فإن آدم تاب منه، والذي تاب من الذنب لا يلام قط، وحرام أن تلومه، فمن تاب لا يلام عقلاً ولا شرعاً وآدم عليه السلام تاب، وتاب الله عليه بنص القرآن. من تاب يلام على ذنب سبق؟ لا يحل هذا أبداً، فمن تاب تاب الله عليه؛ لأنه إن لامه على الخروج من الجنة كان قد لامه على أمر لابد من وقوعه لما قضاه الله، فيلومه على الخروج من الجنة، هذا أمر قضاه الله وقدره، لابد وأن يخرج، فلا حق له أن يلومه على ذنب تاب منه.

[ وفي قوله صلى الله عليه وسلم في تعريف الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقضاء خيره وشره ). وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) ] حتى يدخل الجنة أو النار [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن قيس : ( يا عبد الله بن قيس ! ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ) ] خذوها مجاناً، كنز والله من كنوز الجنة، من أراد أن يكتنز شيئاً في الجنة يقل: لا حول ولا قوة إلا بالله مؤمناً بما يقول عاملاً؛ وبذلك يدخرها عند الله عز وجل، فهذا كنز من كنوز الجنة، وهي كلمة: لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال: [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يرد قضاء)] الناذر الذي يقول: إذا شفي ولدي أذبح بقرة. هل هذا النذر يرد القضاء؟ إذا ما كتب الله شفاء الولد يشفى؟ لا يشفى.

مثلاً: إن حصلت على ما فقدته بالأمس أتصدق بنصفه. هل هذا النذر يرد ما قضاه الله؟ إذا قضى لا يرجع له شيء يرجع؟ لا. ولهذا كره هذا النذر المشروط.

والنذر المحبوب عند الله هو النذر المطلق: لله علي أن أصوم كذا، لله علي أن أتصدق بكذا؛ تملقاً إلى الله وتزلفاً وتقرباً إليه، لا يريد إلا وجه الله، أما بالاشتراط: إن ولدت امرأتي وجاءت بولد نفعل كذا، فهذا هو النذر المذموم المكروه، هذا الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يرد قضاء) أي: أمراً قضاه الله وحكم به، لكن يجوز أن تقول: إن شفي ولدي أتصدق بكذا، لكن لا تفهم أن نذرك يرد ما قضاه الله وقدره الله، لا. أبداً.

قال: [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال: ما شاء الله وشئت: (قل: ما شاء الله وحده)].

هذا صاحب حدث الرسول وقال له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله! قال: لا لا، (قل: ما شاء الله وحده) لو قال: ما شاء الله ثم شئت بالتراخي كان يجوز، لكن لا يقول أساساً: ما شاء الله وشئت يا فلان! بل ما شاء الله وحده.

هذه الأدلة النقلية من الكتاب والسنة.

ثالثاً: إيمان مئات الملايين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بقضاء الله تعالى وقدره

[ ثالثاً: إيمان مئات الملايين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من علماء وحكماء وصالحين وغيرهم، إيمانهم بقضاء الله تعالى وقدره وحكمته ومشيئته، وأن كل شيء سبق به علمه، وجرى به قدره، وأنه لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن القلم جرى بمقادير كل شيء إلى قيام الساعة ] هذه هي عقيدة المؤمنين؛ فكيف أنت تكفر بها أو تجحدها أو تشك فيها؟! بلايين الملايين من العلماء والصلحاء كلهم آمنوا بهذا القضاء والقدر! ما قيمة إنكارك أنت أو شكك؟

[ أولاً: إخباره تعالى عن ذلك في قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] ] من أخبر بهذا الخبر؟

الله جل جلاله في كتابه [ وقوله عز وجل: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر:21]، وفي قوله: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] ] أي: نخلقها. هذا كتاب القضاء والقدر [ وفي قوله: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]. وفي قوله: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن:11] ] فلا يمكن أن تحدث مصيبة والله ما يعلمها أو ما قدرها أو ما أرادها. مستحيل؛ فلهذا أهل الإيمان بالقضاء والقدر لا يكربون ولا يحزنون، ولا يحملهم الكرب أن يلقوا بأنفسهم من السطوح، أو أن ينتحروا بالحديد والنار؛ وذلك لإيمانهم بقضاء الله وقدره في خلقه.

[ وفي قوله: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء:13] ] ما الطير؟ نصيبه الذي كتبه له من الأكل والشرب والعبادة، أو الكفر أو كذا، أو الجنة أو النار، في سجل منوط به، (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) فلا يمكن أن تتحرك حركة بدون كتابة لها قبل وجود الكون.

[ وفي قوله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]] من نصر أو هزيمة [ هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51] ] لا على سواه، إذ هو الذي بيده كل شيء والقادر على كل شيء، ويضع كل شيء في موضعه [ وفي قوله عز وجل: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] ] كتاب القضاء والقدر، مفاتح الغيب خمسة جاءت في قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، وقد علمنا رسول الله أن هذه مفاتح الغيب [ وفي قوله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] ] ما تشاء أنت شيئاً إلا وقد شاءه الله قبلك وكتبه حتى شئته أنت، فمشيئة العبد مسبوقة بمشيئة الرب، إذا شئت أنت شيئاً فلا تظن أن الله ليس له به علم، بل شاءه قبل أن تشاءه أنت، شاءه وكتبه قبل أن يوجد الكون بكامله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، [ وفي قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى [الأنبياء:101]] أي: الجنة [ أُوْلَئِكَ عَنْهَا [الأنبياء:101]] أي: عن النار[ مُبْعَدُونَ [الأنبياء:101] ] فما معنى: (إن الذين سبقت) في كتاب القضاء والقدر؟ أي: سبق في كتاب القضاء والقدر أن فلاناً من أهل الجنة.

[ وفي قوله تعالى: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ [الكهف:39] ] هذا حوار كان بين كافر ومؤمن، أو موحد ومشرك، جاء في سورة الكهف [ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ [الكهف:39]] أي: بستانك[ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39] ] لكنه ما قال ذلك، فسلبه الله إياها [ وفي قوله: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43] ] قول أهل الجنة: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]، فهذه الآيات كلها تقرر أن كل شيء بقضاء وقدر، وأن كل كائن كتب في اللوح المحفوظ في كتاب المقادير بصفته وكميته ومكانه وزمانه على ما كتب الله عز وجل، ولا يتخلف شيء أبداً. هذه أدلة نقلية، نقلناها عن القرآن فهيا ننقل عن النبي صلى الله عليه وسلم!

قال: [ ثانياً: إخبار رسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة)] قطرة مني [(ثم يكون علقة مثل ذلك)] في الأربعين يوماً التي بعدها، علقة تعلق بالأصبع كعلقة الدم [ ( ثم يكون مضغة مثل ذلك ) مثل اللحمة التي تمضغها في فمك ليس أكثر منها، ( ثم يرسل إليه الملك ) الموكل بهذه المهمة ( فينفخ فيه الروح ) تسري فيه كالتيار الكهربائي؛ فلهذا الروح كانت موجودة قبل وجود الجسم ( فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات ) الملك يأمره الله بكتابة أربع كلمات (بكتب رزقه) الرزق.. من كأس الماء إلى حبة التمر، واذكر ما شئت (وأجله) باللحظة وليس بالدقيقة، بلا زيادة ولا نقصان، (وعمله) صالحاً أو فاسداً، خيراً أو شراً (وشقي أو سعيد) يكتب هذا، ويخرج هذا الطفل، ويطبق ذلك حرفياً حتى يموت، ويدخل الجنة أو النار، ثم قال صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث: [ (فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)] مسافة قريبة قصيرة [ ( فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )] وهنا مسألتان عظيمتان:

الأولى: اليقينية، فأحلف لكم بالله أنه لن يدخل الجنة إلا من آمن وعمل صالحاً، ولن يدخل النار إلا من كفر وأشرك. ولكن هناك شيء آخر وهو أن تعيش دائماً تخاف الله وتسأله ليل نهار: أن يحسن خاتمتك وعاقبتك، فلا تشعر بأنك مطمئن، لأنك تصوم وتصلي وتجاهد، فمن الجائز أن تنتكس في آخر أيامك فتكفر بالله، فلا تطمئن إلى صلاتك أو جهادك أو صدقاتك وتقول: أنا أنا؛ لأن العبرة بالخاتمة!

والثانية كما علمتم: فقد دلت الأدلة على أن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن عمل الصالحات، وأن النار لا يدخلها إلا كافر مشرك عمل بالسيئات ( فو الذي لا إله غيره) من يحلف هذا الحلف؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ( فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة- فيما يظهر لنا- حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع - كناية عن قرب الوقت- فيسبق عليه الكتاب- أي كتاب؟ الذي كتب الله أنه من أهل النار-فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) فلا تفهم أن عبداً يموت على الشرك والكفر ويدخل الجنة، وأن عبداً يموت على الإيمان والعمل الصالح فيدخل النار، انزع هذا من ذهنك؛ لأن الرسول قال: فيعمل .. لا بد وأن يعمل حتى يدخل الجنة أو النار.

اللطيفة الثانية: لا تعول على اجتهادك وفطنتك وعبادتك وتنسى ضراعتك لربك وسؤالك اللطف والإحسان إليك ليتوفاك مؤمناً مسلماً، ولهذا يقول أهل العلم: المؤمن يعيش كالطائر بجناحين: جناح الخوف، وجناح الرجاء، فهو من جهة خائف ومن جهة راج وطامع، يواصل إلى أن يصل إلى وكره، إلا عند المرض الشديد وقرب الساعة فجناح الرجاء يغلب؛ لأن جناح الخوف لم يبق له قيمة فيغلِّب جانب الرجاء.

قال: [ وفي قوله عليه السلام لـعبد الله بن عباس رضي الله عنه ] أنا آسف عن كتابتي: [وفي قوله عليه السلام] والأصل أن أقول ( في قوله صلى الله عليه وسلم) هي تجوز ولكننا لا نستحسنها، نقول: موسى عليه السلام، عيسى عليه السلام، إبراهيم عليه السلام، إذا ذكر نبي من الأنبياء تقول عليه السلام، أما إذا ذكر نبينا محمداً فنقول: صلى الله عليه وسلم، وإذا ذكر أصحابه تقول: رضي الله عنهم، وإذا ذكر التابعون تقول: رحمهم الله، وإذا ذكرنا نحن فنقول: غفر الله لنا ورحمنا، وإذا ذكر الملائكة نقول جبريل عليه السلام.

[وفي قوله عليه السلام لـابن عباس : ( يا غلام! إني أعلمك كلمات ) ] طيبات، آه لو عرفنا هذه الكلمات ( إني أعلمك كلمات ) معدودة وليست كثيرة [ ( احفظ الله يحفظك )] هذه واحدة. احفظ الله في شرعه وأمره ونهيه يحفظك من البلاء والشقاء والعذاب، ولا تضيعه فيضيعك، فحيثما اتجهت وجدت عون الله عز وجل ومدده [ (إذا سألت فاسأل الله )] إذا طلبت- ولو كأس ماء- فاطلبه من الله [ ( وإذا استعنت )] أي: طلبت من يعينك [ ( فاستعن بالله )] إذا استعنت فاستعن بالله [ ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) ] (رفعت الأقلام): أقلام المقادير. (وجفت الصحف): كتاب المقادير. لو اجتمع أهل المدينة كلهم على أن ينفعوك بشيء وما أراد الله، والله ما استطاعوا، ولو أرادوا أن يضروك بشيء وما كتبه الله لك، والله ما استطاعوا، ليس المدينة فقط، بل البشرية كلها؛ فلهذا قلبك يكون مع الله خائفاً وطامعاً، اللهم اربط قلوبنا بك يا رب العالمين!

قال: [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما خلق الله تعالى القلم )] ن وَالْقَلَمِ [القلم:1] [( فقال له: -أي: للقلم- اكتب. فقال: رب! وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة )] فهذا هو القضاء والقدر.

[ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (احتج آدم وموسى)] اختصما، كل أدلى بحجته على الآخر، هذا الحِجَاج [ ( قال موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. فقال آدم عليه السلام: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده، تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين عاماً؟ فحج آدم موسى ) ] أي: غلبه في الحجة. وبيان ذلك: أن لوم موسى كان في غير محله (أنت آدم خلقك الله بيده وأخرجتنا..) كذا، هذا اللوم كان في غير محله؛ لأنه إن لامه على الذنب فإن آدم تاب منه، والذي تاب من الذنب لا يلام قط، وحرام أن تلومه، فمن تاب لا يلام عقلاً ولا شرعاً وآدم عليه السلام تاب، وتاب الله عليه بنص القرآن. من تاب يلام على ذنب سبق؟ لا يحل هذا أبداً، فمن تاب تاب الله عليه؛ لأنه إن لامه على الخروج من الجنة كان قد لامه على أمر لابد من وقوعه لما قضاه الله، فيلومه على الخروج من الجنة، هذا أمر قضاه الله وقدره، لابد وأن يخرج، فلا حق له أن يلومه على ذنب تاب منه.

[ وفي قوله صلى الله عليه وسلم في تعريف الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقضاء خيره وشره ). وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) ] حتى يدخل الجنة أو النار [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن قيس : ( يا عبد الله بن قيس ! ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ) ] خذوها مجاناً، كنز والله من كنوز الجنة، من أراد أن يكتنز شيئاً في الجنة يقل: لا حول ولا قوة إلا بالله مؤمناً بما يقول عاملاً؛ وبذلك يدخرها عند الله عز وجل، فهذا كنز من كنوز الجنة، وهي كلمة: لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال: [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يرد قضاء)] الناذر الذي يقول: إذا شفي ولدي أذبح بقرة. هل هذا النذر يرد القضاء؟ إذا ما كتب الله شفاء الولد يشفى؟ لا يشفى.

مثلاً: إن حصلت على ما فقدته بالأمس أتصدق بنصفه. هل هذا النذر يرد ما قضاه الله؟ إذا قضى لا يرجع له شيء يرجع؟ لا. ولهذا كره هذا النذر المشروط.

والنذر المحبوب عند الله هو النذر المطلق: لله علي أن أصوم كذا، لله علي أن أتصدق بكذا؛ تملقاً إلى الله وتزلفاً وتقرباً إليه، لا يريد إلا وجه الله، أما بالاشتراط: إن ولدت امرأتي وجاءت بولد نفعل كذا، فهذا هو النذر المذموم المكروه، هذا الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يرد قضاء) أي: أمراً قضاه الله وحكم به، لكن يجوز أن تقول: إن شفي ولدي أتصدق بكذا، لكن لا تفهم أن نذرك يرد ما قضاه الله وقدره الله، لا. أبداً.

قال: [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال: ما شاء الله وشئت: (قل: ما شاء الله وحده)].

هذا صاحب حدث الرسول وقال له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله! قال: لا لا، (قل: ما شاء الله وحده) لو قال: ما شاء الله ثم شئت بالتراخي كان يجوز، لكن لا يقول أساساً: ما شاء الله وشئت يا فلان! بل ما شاء الله وحده.

هذه الأدلة النقلية من الكتاب والسنة.