خطب ومحاضرات
سلسلة منهاج المسلم - (151)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الشامل للشريعة الإسلامية، عقائد وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً. وها نحن انتهينا إلى الأحكام، وها نحن الليلة مع الحوالة وحكمها وشروطها، ويجب أن نعرف ذلك.
ومن هنا أكرر القول فأقول: طلب العلم فريضة على كل مسلم، فالذي لا يعرف الأحكام الشرعية لن يؤديها، وسيخلط فيها ويخبط، ويقدم ويؤخر، ويسيء ولا يفلح، فلهذا يجب أن نصغي مستمعين لهذه الأحكام؛ حتى نعرف ذلك؛ حتى إذا تعاملنا نكون على علم، فنأخذ ونعطي بما هو حق، وبما أذن الله فيه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
[المادة السادسة: في الحوالة]
تعريف الحوالة
حكم الحوالة
[ أولاً: تعريفها: الحوالة: تحويل الدين ونقله من ذمة ] إنسان [ إلى ذمة ] آخر [ وذلك ] بيانها [ كأن يكون على شخص دين ] كأن يكون علي دين [ وله على ] شخص [ آخر دين مماثل للدين الذي عليه ] سواء ألفاً أو ألفين أو عشرة، أو قنطار تمر أو شعيراً أو براً أو ثياباً أو دنانير أو دراهم، فلا بد من مماثلته في الكمية والصفة والنوع [ ويطالبه صاحب الدين بدينه ] أي: جاء يطالبه ويقول له: أعطني ديني الذي عليك [ فيقول له: أحلتك على فلان ] أي: أحيلك إلى فلان، فاذهب إليه [ فإن لي عنده ديناً مماثلاً لدينك ] بمقداره وبنوعه [ فخذه منه، فمتى رضي المحال برئت ذمة المحيل ] ولا حرج، وانتهى الأمر، كأن يكون لي عليك ألف ريال مثلاً وأنت لك على فلان ألف ريال فلما طالبتك قلت: أحيلك إلى فلان فإن لي عليه ديناً ألف ريال، أما إذا لم يرض المحال فيبقى الدين في ذمة المحيل ديناً. هذه هي الحوالة.
[ ثانياً: حكمها ] لا بد من معرفة حكم الحوالة ودليلها [ الحوالة جائزة ] ليست واجبة ولا محرمة ولا سنة ولا مستحبة، بل هي جائزة، فقد أجاز لك الشارع أن تحيل شخصاً إلى آخر إذا كان لك عليه دين يساوي دينك كمية ومقداراً ونوعاً [ غير أنه يجب على المحال عليه إذا أحيل على مليء ] أي: غني صاحب مال [ أن يقبل ] الإحالة، لا أن يحال على مسكين أو فقير أو مفلس، فهذا لا يجوز، وهو لا يقبل، ولا يذهب إليه؛ لأنه ليس عنده شيء، بل لا بد وأن يحال على مليء جيبه مليء بالمال، فيجب أن يقبل ذلك، ولا يرفض [ لقوله صلى الله عليه وسلم ] أي: دليل الجواز ووجوب قبول الحوالة قول النبي صلى الله عليه وسلم: [ ( مطل الغني ظلم ) ] أي: مماطلة الغني ظلم، إذا كان عليه ديون لم يسددها وله أموال، فهذا ظالم لنفسه وإخوانه، ومعنى هذا: أن من عليه دين يجب أن يسدده، فـ( مطل الغني ظلم )، فإذا كنت غنياً وعندك مال فسدد دينك، وإذا كان مالك في جيبك أو في صندوقك وعليك دين فلا تماطل أصحابه، فهذا لا يجوز، وأما الفقير فلا حرج عليه؛ لأنه ليس عنده ما يعطي، وأما إذا كان غنياً ولم يسدد الدين الذي عليه فهذا حرام عليه، وقد آذى إخوانه المؤمنين، فحرام المماطلة في الدين لمن يملك المال، ومن فعل ذلك فهو ظالم لإخوانه ولنفسه [ ( فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ) ] أي: أيها المؤمن! إذا أحلت على غني فلتتبع، أي: فلتمش تأخذ من هذا الغني، هذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تقل: أنا لن أطلب من فلان، بل إذا أحالك أخوك على أخيك فلتقبل منه؛ لأنه مليء، وهذا بناء على أخوة الإسلام .. بناء على الرحمة التي يعيشها المسلمون .. بناء على الاحترام والتقدير للمسلمين، فما دام أخوك أحالك على فلان فاقبل الإحالة إذا كنت تعرف أن عنده مالاً وسيعطيك، وأرح أخاك، وأما إذا كان مفلساً أو فقيراً فلا يجوز أن تحيله إحالة لا تنفعه.
[ ثالثاً: شروطها ] أي: [ شروط الحوالة هي:
أولاً: أن يكون الدين المحال عليه ديناً ثابتاً ] ليس مزوراً ولا كذباً [ مستقراً في ذمة المدين المراد الإحالة عليه ] حقيقة، وهو معترف به، وهذا الحكم واضح، فعندما تحيلني على شخص مليء فلا بد أن تكون صادقاً عندك ما يثبت أن لك ديناً عليه، كصك أو كتابة أو شهود أو اعتراف المدين، فلا بد من هذا، أما أن تحيلني على شخص ليس عندك عليه بيان ولا حجة ولا دليل فإنه يقول: ليس له عندي شيء، أو ما له دين علي أبداً حتى أسدده، فليثبت أن له علي ديناً حتى أعطيك، فلا بد من وجود ما يدل على ذلك سواء كتابة أو شهود أو اعتراف، فهذا شرط معقول.
[ ثانياً: أن يكون الدينان متماثلين ] كأن يكون لي عليك ألف ولفلان علي ألف، أو مائة بمائة، أو قنطار بقنطار، فلا بد من التماثل [ جنساً ] كأن يكون ذهباً بذهب، أو فضة بفضة، أو تمراً بتمر، أو شعيراً بشعير، أو بقراً ببقر، أو غنماً بغنم، فيكون الدينان متماثلين من جنس واحد، لا أن يكون له عليك بقرة فتحيله إلى من لك عليه دنانير [ وعداً ] وكذلك في العدد، سواء كان ألفاً .. مائة .. خمسة .. عشرة .. ولا بد من هذا [ أو قدراً ] يعني: كمية [ وصفة ] أيضاً إذا كان في غير الدراهم والدنانير، كأن يكون في الطعام وما شابهه، فلا بد أن يكون الوصف معروفاً والكمية والعدد [ وأجلاً ] فيكون له أجل معين محدد أيضاً، فإذا أحلتك على فلان لي عليه دين إلى أجل ست سنوات فإنه لن يعطيك، وسيقول لك: الدين الذي بيني وبين فلان إلى مدة سنتين أو ثلاث سنوات وليس الآن.
[ ثالثاً: أن يكون برضا كل من المحيل والمحال ] فلا بد من التراضي بين المحيل ومن يحال عليه، فإذا لم يقبل أحدهما بطلت [ إذ المحيل وإن كان عليه حق فإنه ليس بملزم بأدائه عن طريق الحوالة ] ولذلك لا بد وأن يكون موافقاً راضياً؛ إذ ليس بواجب عليه أداءه بطريق الحوالة، بل يستحب، ومن الآداب والأخلاق أن يقبل الحوالة، وإذا لم يقبلها فإنه غير مطالب بقبولها؛ لأنها جائزة ليست واجبة، فله أن يقول: سأعطيها صاحبها بنفسي ولا أقبل الحوالة [ بل هو مخير في كيفية أداء هذا الحق ] فإن شاء جاء وأعطاك، وإن شاء بعث إنساناً آخر وأعطاك في الليل أو النهار، وإن شاء قبل الحوالة [ ولأن المحال وإن كان الشارع طلب منه قبول الحوالة ] كما تقدم في الحديث: ( مطل الغني ظلم، ومن أحيل على مليء فليتبع ) [ فإنه غير ملزم له إلا من باب الإحسان فقط؛ إذ الحوالة ليست عقداً لازماً، وإنما هي عقد قصد به الإرفاق ] والرحمة [ بين المسلمين ] فقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( مطل الغني ظلم، وإذا أحلت على مليء فاتبعه ) ليس على سبيل الوجوب، بل على سبيل الندب والاستحباب فقط، وإذا شئت فقل: أنا لن أطلبه ولن أتبعه، بل أنت آتيني به.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة منهاج المسلم - (51) | 4160 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (95) | 4087 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (63) | 3871 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (139) | 3866 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (66) | 3839 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (158) | 3826 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (84) | 3752 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (144) | 3651 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (71) | 3645 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (101) | 3612 استماع |