سلسلة منهاج المسلم - (138)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة، آداباً، أخلاقاً، عبادات، أحكاماً [المادة الثالثة: في حكم الخيار في البيع].

[شرع الخيار في البيع في عدة مسائل؛ وهي: ]

أولاً: الخيار في مجلس البيع قبل الافتراق

[أولاً: ما دام البائع والمشتري في المجلس] أي: لم ينصرفا [قبل أن يتفرقا فلكل منهما الخيار في إمضاء البيع أو فسخه] ما دام المشتري والبائع في المجلس ما افترقا فهما بالخيار، إن شاءا أمضيا البيع، وإن شاءا فسخاه، فمن اشترى سيارة أو دابة وقبل أن ينصرف عن البائع بدا له ألا يشتريها فله ذلك، فقد أذن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بهذا [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما_ العيب _ وكذبا محقت بركة بيعهما ) ] والبيعان: المشتري والبائع، فكلاهما بيّع، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لهما، ولهذا فإن المؤمنين لا يكذبون، ولا يغشون، ولا يزورون، ولا يسترون العيب في السلعة بل يفضحونه ويبينونه كما هو. إذاً: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن تفرقا لم تبق لهما مراجعة، إلا إذا اشترطا شرطاً.

ثانياً: إذا اشترط أحد البائعين مدة معينة للخيار

[ثانياً: إذا اشترط أحد البائعين مدة معينة للخيار] إذا اشترط أحد البائعين مدة معينة للخيار وبعد ذلك يمضي البيع أو يسترجعها، فالشرط يجوز [فاتفقا على ذلك، فهما إذاً بالخيار حتى تنقضي المدة، ثم يمضي البيع] إذا انقضت المدة التي شرطاها نحو شهر أو شهرين أو عام أو عامين من مضي البيع. والدليل: [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون على شروطهم ) ] مسلم اشترط شرطاً يوف به قطعاً إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً فهو شرط باطل، والشروط المباحة يجب الوفاء بها.

ثالثاً: إذا غبن أحدهما الآخر غبناً فاحشاَ

[ثالثاً: إذا غبن أحدهما] أحد البيعين [الآخر غبناً فاحشاً، بأن بلغ الغبن الثلث فأكثر] السيارة تساوي عشرة آلاف فباعها له بخمسة عشر ألفاً، أي: الزائد ثلث كامل، أو السيارة تساوي عشرة آلاف فاشتراها منه بخمسة [بأن باعه ما يساوي عشرة بخمسة عشر، أو بعشرين مثلاً، فإن للمشتري الفسخ أو الأخذ بالقيمة المعلومة] فهو مخير[لقوله صلى الله عليه وسلم للذي كان يغبن في الشراء لضعف عقله] كان أحد الصحابة في المدينة يشتري ويغبن، فقد كان ضعيف العقل، فعلم ذلك منه الرسول صلى الله عليه وسلم [فقال له: ( من بايعت فقل: لا خلابة ) أي: لا خديعة، فإنه متى ظهر أنه غبن رجع على من غبنه برد الزائد إليه، أو بفسخ البيع] هذا رجل ضعيف العقل في المدينة النبوية كان إذا اشترى ما يساوي عشرة يبيعونه بخمسة عشر، فالرسول صلى الله عليه وسلم علم هذا منه، فقال له: يا فلان! إذا اشتريت فقل: لا خلابة، فمن اشترى وقال هذه الكلمة، فإن تبين أنه غشه رجع بالبيع، ولا حق للبائع في ذلك.

رابعاً: إذا دلس البائع في المبيع

[رابعاً: إذا دلس البائع في المبيع بأن أظهر الحسن، وأخفى القبح، أو أظهر الصالح وأبطن الفاسد، أو جمع اللبن في ضرع الشاة فإن للمشتري الخيار في الفسخ أو الإمضاء] أي: إنجاز البيع والشراء [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تصروا الإبل ولا الغنم ) ] وإصرارها: هو أنه لا يحلبها يومين أو ثلاثة أيام حتى تمتلئ باللبن، فيغرر بالمشتري ثم بعد ذلك لا يجد اللبن، ويدخل في هذا الغش في السيارات، والعياذ بالله [ (فمن ابتاعها -أي: اشتراها- فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر ) ] فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الحكماء، فهو الحاكم العدل، نهانا عن إصرار الحليب في ضرع البقر أو الغنم أو الإبل، فمن أصر واشترينا منه، ووجدناه كاذباً، فنحن بالخيارين: إن شئنا أمضينا، وإن شئنا رددنا عليه شاته أو بعيره، وأعطيناه صاعاً من تمر مقابل ذلك اللبن الذي أخذناه، والصاع أربع حفنات بحفنة الرجل المتوسط القامة، لا القصير ولا الطويل، والمد حفنة واحدة، والصاع أربعة أمداد.

خامساً: إذا وجد بالمبيع عيب ينقص قيمته

[خامساً: إذا وجد بالمبيع] وهو الذي يباع [عيب] نقص وفساد من شأنه أن [ينقص قيمته، ولم يكن قد علمه المشتري] في السيارة أو الدابة أو الثوب [ورضي به حال المساومة فإن للمشتري الخيار في الإمضاء أو الفسخ] إن شاء يمضي، وإن شاء يفسخ البيع [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب إلا بينه له ) ] فلا يحل للمسلم أن يبيع مبيعاً وفيه عيب مستور ومخفي إلا بينه، سواء كان سيارة أو ثياباً أو أي مادة، فلا بد وأن يبين العيب الذي فيه، فإن لم يبينه واشتراه المشتري، ووجد العيب فله أن يرد ذلك، فلو باع سيارة مغشوشة بين له العيب الذي فيها، أو داراً بين له خرابها [ولقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: ( من غشنا فليس منا ) ] أي: ليس من المسلمين، فالمسلمون لا يغش بعضهم بعضاً أبداً، فمن باع شيئاً، وعرف أن فيه عيباً يؤثر فيه، ولم يبينه وسكت، فالمشتري مخير بين الإمضاء وبين الفسخ.

سادساً: إذا اختلف البائعان في قدر الثمن أو في وصف السلعة

[سادساً: إذا اختلف البائعان في قدر الثمن أو في وصف السلعة] اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن، فقال المشتري: بعت لي بخمسة وعشرين، وقال البائع: بل بعت لك بأربعين أو ثلاثين، أو اختلفا في وصف السلعة، فقال الأول: ظننتها حمراء، وقال الآخر: بل هي بيضاء [حلف كل منهما للآخر] الأول يحلف بأنه أراد كذا، والثاني يحلف كذلك [ثم هما بالخيار في إمضاء البيع أو فسخه؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا ) ] أي: ليحلف أحدهما للآخر، وبعد ذلك إن شاءا أمضيا البيع أو تركاه.

نكتفي بهذا القدر، ونسأل الله أن ينفعنا به.

[أولاً: ما دام البائع والمشتري في المجلس] أي: لم ينصرفا [قبل أن يتفرقا فلكل منهما الخيار في إمضاء البيع أو فسخه] ما دام المشتري والبائع في المجلس ما افترقا فهما بالخيار، إن شاءا أمضيا البيع، وإن شاءا فسخاه، فمن اشترى سيارة أو دابة وقبل أن ينصرف عن البائع بدا له ألا يشتريها فله ذلك، فقد أذن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بهذا [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما_ العيب _ وكذبا محقت بركة بيعهما ) ] والبيعان: المشتري والبائع، فكلاهما بيّع، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لهما، ولهذا فإن المؤمنين لا يكذبون، ولا يغشون، ولا يزورون، ولا يسترون العيب في السلعة بل يفضحونه ويبينونه كما هو. إذاً: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن تفرقا لم تبق لهما مراجعة، إلا إذا اشترطا شرطاً.