سلسلة منهاج المسلم - (106)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية كاملة: عقائد، آداب، أخلاق، عبادات، أحكام. وقد انتهى بنا الدرس إلى كيفية دفن الميت، فهيا بنا نتدارس ونسمع.

قال المؤلف: [ وكيفيتها] أي: كيفية الصلاة على الجنازة [هي أن توضع الجنازة أو الجنائز قبلة، ويقف الإمام والناس وراءه ثلاثة صفوف فأكثر ] أما عندنا في المسجد فعشرات الصفوف، فيستحب أن تكون الصفوف ثلاثة، هذا الذي استحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجبت) ] النجاة من النار ودخول الجنة، فلهذا يستحب أن تكون الصفوف ثلاثة فأكثر [ فيرفع يديه ناوياً الصلاة على الميت أو الأموات إن تعددوا ] رفع اليدين عند التكبير مثلما في الصلاة [ قائلاً: الله أكبر، ثم يقرأ الفاتحة أو يحمد الله عز وجل ويثني عليه ] وقد عرفتم أن أبا هريرة كان إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال: (الحمد لله الذي أمات وأحيا، والحمد لله الذي يحيي الموتى، له العظمة والكبرياء، والملك والقدرة والثناء، وهو على كل شيء قدير). ويكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. ، وقراءة الفاتحة أفضل [ ثم يكبر رافعاً يديه إن شاء ] هذا الرفع مستحب وليس بواجب، لو لم يرفع يديه فلا حرج، لكن الأفضل أن يرفع يديه [ أو يتركهما على صدره ] ومعنى هذا: أن رفع اليدين ليس بواجب تبطل بتركه الصلاة أو يفوت به الأجر، ولكنه مستحب [ اليمنى فوق اليسرى ] وكثير من المخالفين للسنة لا يضعون أيديهم على صدورهم، وهي والله لسنة أبي القاسم، وقد تقدم لنا الرواية التي تقول: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً في الصلاة إلا وهو واضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره)، سواء كانت فريضة أو نافلة أو جنازة [ ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية ] التي نصلي بها في كل صلاة نافلة أو فريضة، وصيغها كثيرة، وأعظمها وأكملها هي: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). هذه أتم صورة وصيغة، وهذه بعد التكبيرة الثانية [ ثم يكبر ويدعو للميت ] بعد التكبيرة الثانية يدعو للميت [ ثم يكبر، وإن شاء دعا وسلم أو سلم بعد التكبيرة الرابعة مباشرة تسليمة واحدة؛ لما روي أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات، ولا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سراً في نفسه ] أي: لا يجهر بـ(السلام عليكم).

[ والمسبوق إن شاء قضى ما فاته من التكبير متتابعاً ] الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، السلام عليكم، تكبيرتان، أو ثلاثاً، أو تكبيرة واحدة، يكبر ويسلم [ وإن شاء ترك وسلم مع الإمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لـعائشة رضي الله عنها وقد سألته أنه يخفى عليها بعض التكبير ] وهي في حجرتها [ لا تسمعه: (ما سمعتِ فكبري، وما فاتكِ فلا قضاء عليكِ) ] فلهذا يجوز أن تقول: الله أكبر بعدما يسلم الإمام تكبيرة أو تكبيرتين على قدر ما فاتك وتسلم، ويجوز أن تسلم ولا حرج ولو تكبيرة واحدة، فالكل جائز [ احتج بهذا الحديث صاحب المغني، ولم أقف له على تخريج ] والعمل به.

[ الثامن عشر: من دفن ] من الموتى [ ولم يصل عليه ] فما الحكم؟ [ من دفن ولم يصل عليه صلي عليه وهو في قبره ] ما الدليل؟ [ إذ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على التي تقم المسجد بعد أن دفنت وصلى أصحابه خلفه ] صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على التي كانت تقم المسجد، الجارية التي كانت تنظفه بعد أن دفنت وما درى الرسول صلى الله عليه وسلم بموتها ولا دفنها، ولما أُخبر ذهب إلى البقيع وصلى عليها في قبرها، هذا دليل الجواز [ كما يصلى على الغائب ] مات بعيداً من بلادنا [ ولو بعدت المسافة، إذ صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وهو في الحبشة، والرسول والمؤمنون في المدينة المنورة ] أين الحبشة وأين المدينة؟ ومع هذا صلى عليه وهو غائب.

[ التاسع عشر: ألفاظ الدعاء ] ألفاظ الدعاء كثيرة ومتعددة وما حفظت منها يجزئك [ رويت عنه صلى الله عليه وسلم ألفاظ أدعية كثيرة، منها ما يلي -وأي لفظ استعمل منها أجزأ-: (اللهم إن فلاناً ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقِهِ من فتنة القبر وعذاب النار، أنت أهل الوفاء والحق، اللهم فاغفر له وارحمه فإنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وحاضرنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده) ] وأدعية كثيرة.

يقول الدعاء: (اللهم إن فلاناً ابن فلان) هذا رجل (في ذمتك) أصبح في ذمة الله، ما بقي له حارس ولا ضابط ولا من يحفظه (وحبل جوارك، فقِهِ من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم فاغفر له وارحمه فإنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وحاضرنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده) نِعْم الدعاء هذا، والذين لا يحسنون الدعاء يكفيه أن يقول: اللهم اغفر له وارحمه [ وإن كان الميت صبياً ] طفلاً صغيراً، فماذا يقول في الدعاء؟ [ قال: (اللهم اجعله لوالديه) ] يعني: أمه وأباه [ (سلفاً وذخراً وفرطاً، وثقل به موازينهم، وأعظم به أجورهم، ولا تحرمنا وإياهم أجره، ولا تفتنا وإياهم بعده. اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وعافه من فتنة القبر، ومن عذاب جهنم) ] هذا الدعاء للأطفال ذكوراً أو إناثاً.

[ العشرون: تشييع الجنازة وفضله: من السنة النبوية تشييع الجنازة، وهو الخروج معها ] إلى المقبرة [ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (عودوا المريض، وامشوا مع الجنازة تذكركم الآخرة) ] والله العظيم! زر المريض وتراه يتألم يذكرك الدار الآخرة، امش في المجنات تذكر الدار الآخرة، هكذا يقول صلى الله عليه وسلم لأمته: (عودوا المريض، وامشوا مع الجنازة تذكركم الآخرة) فالمشي مع الجنازة سنة مستحبة [ والإسراع بها ] أي: يستحب الإسراع في المشي بالجنازة، وليس بالتطامن، بل بالإسراع [ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أسرعوا، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) ] تأملوا هذه! (أسرعوا بالجنازة) لم يا رسول الله؟ (قال: إنها إن تك صالحة) أي: تلك الجثة صالحة (فخير تقدمونها إليه) إلى الجنة (وإن تك سوى ذلك) فاسدة غير صالحة (فشر تضعونه عن رقابكم) وتستريحوا، اللهم اجعلنا من الصالحين.

فضل تشييع الجنازة

[ وأما فضل التشييع فقد قال فيه صلى الله عليه وسلم: {من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً} ] لا للرياء والسمعة، ولا لفلان وفلان [ {وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد} ] في الثقل والوزن [ {ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط} ] واحسرتنا نحن، لا نخرج معها ولا نمشي، هل نعطى قيراطاً في الصلاة عليها في المسجد؟ لابد من الخروج، فمن مشى معها إلى المقبرة وعاد فله قيراط، فإن انتظر حتى دفنت له قيراطان، والقيراط وزن جبل أحد.

[ وأما فضل التشييع فقد قال فيه صلى الله عليه وسلم: {من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً} ] لا للرياء والسمعة، ولا لفلان وفلان [ {وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد} ] في الثقل والوزن [ {ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط} ] واحسرتنا نحن، لا نخرج معها ولا نمشي، هل نعطى قيراطاً في الصلاة عليها في المسجد؟ لابد من الخروج، فمن مشى معها إلى المقبرة وعاد فله قيراط، فإن انتظر حتى دفنت له قيراطان، والقيراط وزن جبل أحد.

[ الحادي والعشرون: ما يكره عند التشييع ] أي: الذي يكره من الكلام والسلوك والعمل عند تشييع الجنازة وحملها.

أولاً: خروج النساء مع الجنازة

[ يكره خروج النساء مع الجنازة ] فلا يستحب للمؤمنات أن يخرجن أبداً مع الجنازة [ لقول أم عطية رضي الله عنها: ] صحابية [ {نهينا أن نتبع الجنائز، ولم يعزم علينا} ] ولهذا كان الخروج مكروهاً وليس بمحرم؛ لأنها قالت: {نهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا} فيكره خروج النساء مع الجنائز.

ثانياً: رفع الصوت عند الجنازة بذكر أو قراءة أو غيرها

[ كما يكره رفع الصوت عندها بذكر أو قراءة أو غيرها ] عاشت أمتنا قروناً حاملة الجنازة وهي تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، من شرق البلاد إلى غربها تسمع هذا الصوت، قرون مرت وهي هكذا، ويجلسون في المقبرة يقرءون القرآن بصوت واحد [ إذ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند الجنازة، وعند الذكر، وعند القتال ] كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أسوتنا وقدوتنا يكرهون رفع الصوت في ثلاثة مواطن: في حمل الجنازة، وعند ذكر الله عز وجل، وعند القتال في الجهاد، لا يوجد رفع للصوت، وإخواننا يذكرون الله بأعلى أصواتهم: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله وهم عشرة أو اثنا عشر بصوت واحد، فخالفوا منهج الصحابة رضي الله عنهم.

ثالثاً: الجلوس قبل أن توضع الجنازة

[ كما يكره الجلوس قبل أن توضع الجنازة ] ما دامت محمولة على رقاب الرجال فلا تجلس أنت [ لقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا اتبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع بالأرض} ] الذين خرجوا معها يتبعونها فلا يجلسون حتى توضع على الأرض ويجلسون إن شاءوا أو يبقوا قائمين.

[ يكره خروج النساء مع الجنازة ] فلا يستحب للمؤمنات أن يخرجن أبداً مع الجنازة [ لقول أم عطية رضي الله عنها: ] صحابية [ {نهينا أن نتبع الجنائز، ولم يعزم علينا} ] ولهذا كان الخروج مكروهاً وليس بمحرم؛ لأنها قالت: {نهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا} فيكره خروج النساء مع الجنائز.

[ كما يكره رفع الصوت عندها بذكر أو قراءة أو غيرها ] عاشت أمتنا قروناً حاملة الجنازة وهي تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، من شرق البلاد إلى غربها تسمع هذا الصوت، قرون مرت وهي هكذا، ويجلسون في المقبرة يقرءون القرآن بصوت واحد [ إذ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند الجنازة، وعند الذكر، وعند القتال ] كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أسوتنا وقدوتنا يكرهون رفع الصوت في ثلاثة مواطن: في حمل الجنازة، وعند ذكر الله عز وجل، وعند القتال في الجهاد، لا يوجد رفع للصوت، وإخواننا يذكرون الله بأعلى أصواتهم: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله وهم عشرة أو اثنا عشر بصوت واحد، فخالفوا منهج الصحابة رضي الله عنهم.