فتاوى نور على الدرب [684]


الحلقة مفرغة

السؤال: كيف يعلم الأب أبناءه التوحيد؟

الجواب: يعلمهم التوحيد كما يعلمهم غيره من أمور الدين، ومن أحسن ما يكون في هذا الباب: كتاب ثلاثة الأصول لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب إذا حفظوه عن ظهر قلب وشرح لهم معناها على الوجه المناسب لأفهامهم وعقولهم صار في هذا خير كثير؛ لأنها مبنية على السؤال والجواب وبعبارة واضحة سهلة ليس فيها تعقيد، ثم يريهم من آيات الله ليطبق ما ذكر في هذا الكتاب الصغير، الشمس يقول: من الذي جاء بها، القمر النجوم الليل النهار ويقول لهم: الشمس من الذي جاء بها؟ الله، القمر؟ الله، الليل؟ الله، النهار؟ الله، كلها جاء بها الله عز وجل حتى يسقي بذلك شجرة الفطرة؛ لأن الإنسان بنفسه مفطور على توحيد الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ).

وكذلك يعلمهم الوضوء كيف يتوضئون بالفعل، يقول: الوضوء هكذا ويتوضأ أمامهم، وكذلك الصلاة مع الاستعانة بالله تعالى وسؤاله عز وجل الهداية لهم، وأن يتجنب أمامهم كل قول مخالف للأخلاق أو كل فعل محرم، فلا يعودهم الكذب ولا الخيانة ولا سفاسف الأخلاق، حتى وإن كان مبتلىً بها كما لو كان مبتلىً بشرب الدخان فلا يشربه أمامهم؛ لأنهم يتعودون ذلك ويهون عليهم، وليعلم أن كل صاحب بيت مسئول عن أهل بيته؛ لقوله تبارك وتعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، ولا يكون وقايتنا إياهم النار إلا إذا عودناهم على الأعمال الصالحة وترك الأعمال السيئة، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكد ذلك في قوله: ( الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته )، وليعلم الأب أن صلاحهم مصلحة له في الدنيا والآخرة، فإن أقرب الناس إلى آبائهم وأمهاتهم هم الأولاد الصالحون من ذكور وإناث، و( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )، نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعاً على ما حملنا من الأمانة والمسئولية.

السؤال: ما هو الشرك؟ وما هي أنواعه؟

الجواب: الشرك: أن يجعل الإنسان مع الله تعالى شريكاً في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته، ففي الربوبية أن يجعل خالقاً مع الله عز وجل لهذا الكون أو يجعل معيناً لله تعالى في خلق هذا الكون، وفي الألوهية أن يتخذ إلهاً مع الله يعبده إما ولي أو نبي أو أمير أو وزير أو حجر أو شجر أو شمس أو قمر، وأما في الأسماء والصفات فأن يعتقد أن أسماء الله وصفاته مماثلة لصفات المخلوقين ويجعل صفات المخلوق كصفات الخالق.

وأما أنواعه: فمنه الأصغر والأكبر والأخفى والأبين، وهو أنواع كثيرة، وما أحسن أن يقول الإنسان: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم، فإن الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل، فليحذر الإنسان منه، وليسأل الله الخلاص وليلجأ إلى الله تعالى دائماً مستعيناً به.

السؤال: لقد جمعت مبلغاً من المال بفضل الله عز وجل سبحانه وتعالى، وهذا المبلغ أريده لبناء منزل، وقد يزيد عن تكلفة المنزل وقد يكون أقل تكلفة، فهل في هذا زكاة ما جمعت؟

الجواب: نعم، هذا فيه زكاة ما دام نقداً، يعني: جنيهات أو دولارات أو ريالات، المهم ما دام نقداً ففيه الزكاة كالذهب والفضة فيها الزكاة، ولو كان الإنسان قد أعدها لبناء بيت أو لزواج أو ما أشبه ذلك.

السؤال: عندنا في السودان الأطباء تحصلوا على معرفة الجنين داخل الرحم رحم أمه هل هو ذكر أم أنثى، هل ذلك يخالف الآية الكريمة: وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]؟

الجواب: هذا لا ينافي الآية الكريمة؛ لأنهم إنما يعلمون بعد أن يخلق، والملك الذي يؤمر بأن يكون الجنين ذكراً أو أنثى يعلم ذلك أيضاً، فإذا ثبت الشيء حساً فإنه لا يمكن أن يناقض القرآن أبداً؛ لأن القرآن لا يأتي بالمحال.

وعلى هذا؛ فنقول: العلم المتعلق بما في الأرحام يشمل عدة أشياء:

أولاً: هل هو ذكر أو أنثى، وهذا قد يختلف من زمان إلى زمان يعني: قد يكون هناك زمان لا يمكن العلم بأنه ذكر أو أنثى ثم يرتقي الطب ويعلم.

الثاني: العلم هل يموت قبل خروجه أو يخرج حياً؟

الثالث: إذا خرج حياً هل تطول مدة بقائه في الدنيا أو لا؟

الرابع: هل هذا سيكتب واسع الرزق أو رزقه ضيق وهل يكتب سعيداً أم شقياً؟

كل هذه العلوم تتعلق بالحمل بعضها نعلم علم اليقين أنه لن يستطيع أحد أن يصل إليها، وحينئذٍ لا ينافي علم كون الجنين ذكراً أو أنثى، قول الله تعالى: وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34].

السؤال: أنا متزوج وأحمد الله، وأنجبت زوجتي ولداً، ولكن قبل أن يكمل السنة الثانية من عمره أنجبت أيضاً مرة ثانية، فهل علينا إثم في ذلك؛ لأن الآية الكريمة تقول: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233].

الجواب: ليس عليكم إثم إذا تواصل الأولاد بل لكم أجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (تزوجوا الودود الولود)، يعني: كثيرة الولادة، وأما قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] فلا ينافي كثرة الولد، يعني: من الممكن أن يرضع الطفل السابق بعد أن تحمل الأم بالولد اللاحق، وقد هم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينهى عن الغيلة وهي إرضاع الحامل الطفل، قال: ( ثم رأيت فارس والروم يغيلون ولا يضرُّ أولادهم شيئاً ) فلم ينهَ عنها، فأقول: يا أخي السائل بارك الله لك في أهلك وفي ولدك وأكثر من أولادك ومالك.

السؤال: هل الوسواس في القلب يعتبر من النفاق، أم يدل ذلك على ضعف الإيمان لهذا الشخص، حيث أنه لا طاقة له في ذلك، ويراوده الوسواس في فترات كثيرة، خاصة عندما ينوي فعل عمل الصالحات؟

الجواب: نعم، الوسواس في القلب ليس نفاقاً ولا دليلاً على ضعف الإيمان بل هو دليل على قوة الإيمان، إلا أنه يجب على الإنسان أن يقاومه، فقد شكى الصحابة رضي الله عنهم هذه الوساوس إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ( أوجدتم ذلك، قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان ) يعني: خالص الإيمان، ثم أمر عليه الصلاة والسلام من وجد ذلك أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وينتهي، فإذا أحس المؤمن بهذه الوساوس التي يعطيها الشيطان فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وينتهي، يعرض وستزول بإذن الله تعالى، فهي إذن ليست دليلاً على النفاق ولا على ضعف الإيمان، ووجه كونها صريح الإيمان أن الشيطان لا يأتي إلى قلب خراب يفسده؛ لأنه فاسد وإنما يأتي إلى القلوب السليمة الخالصة ليفسد عليها دينها ويقينها، وذكر لـابن مسعود أو ابن عباس أن اليهود يقولون: نحن لا نوسوس في صلاتنا يفتخرون بذلك، فقال: صدقوا وما يصنع الشيطان بقلب خرب، الشيطان ما هو جاي يخربه خربان، ولكن على من ابتلي بهذه الوساوس أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يلتفت إليها ويمضي في عمله إن دنيوياً كان أو أخروياً.

السؤال: أرجو شرح هذا الحديث قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ).

الجواب: يريد بذلك صلى الله عليه وسلم أن القلب عليه مدار الصلاح والفساد، وهو مضغة يعني: قطعة لحم بقدر ما يمضغه الإنسان صغيرة، لكن تدبر الجسد كله إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، وهذا يوجب لنا أن نحرص على طهارة قلوبنا وعلى إزالة الشك والشبهات منها وأن نتفقدها أكثر مما نتفقد جوارحنا، كثير من الناس تجده حريصاً على إتقان العمل الظاهر ولكنه ينسى قلبه وهذا غلط، أهم شيء أن تكون دائماً مفتشاً عن القلب ما إخلاصه؟ ما اتجاهه؟ ما توكله؟ ما استعانته؟ وهكذا.. فإذا صلح القلب صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله.

السؤال: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر، حيث إنني أعيش في ضيق شديد؟

الجواب: العلاج المناسب كثرة ذكر الله عز وجل، قال الله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، ومن العلاج أن لا يهتم الإنسان بأمور الدنيا وأن لا يكون له هم إلا الآخرة، ومن العلاج أن يكون الإنسان باذلاً لمعروفه سواء ببذل المال أو ببذل المنافع، بذل البدن يساعد إخوانه أو ببذل الجاه، فإن هذا يوجب انشراح الصدر، وليكثر أيضاً من هذا الدعاء: ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري.

السؤال: إذا ذهبت المرأة مع زوجها للعمرة وبعد الانتهاء من العمرة ذهبوا إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، هل يجوز للمرأة أن تصلي في الروضة التي ما بين المنبر وحجرة عائشة رضي الله عنها؟

الجواب: نعم، يجوز لها أن تصلي في كل المسجد لكن بشرط أن لا تزاحم الرجال، فإن كان لا يتيسر لها ذلك إلا بمزاحمة الرجال، فلا تفعل والمسجد النبوي حكمه واحد في الثواب حتى التوسعات التي طرأت عليه حكمها حكم الأصل في الثواب، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة ).

السؤال: بعض الناس ينقطع عن الصلاة في المسجد، وعندما تسأله عن حجته يقول بأن لديه خصومة مع فلان وعلان، وطالما أن فلاناً يصلي في المسجد، فإنه لن يصلي في هذا المسجد أليست هذه الطريقة للهروب من المسجد وحضور الجماعة. فما حكم الشرع في عمل هذا الرجل؟

الجواب: أولاً: أنصح السائل أن يوجه السؤال بهذه الصيغة: ما حكم الشرع؟ لأن الواحد منا يخطئ ويصيب، فإذا أخطأ والسائل يسأل عن حكم الشرع صار هذا خطأ الشرع، لكن إما أن يقول: ما ترى في هذا أو ما رأيك في هذا أو ما هو حكم الشرع في نظرك، أحببت التنبيه على هذا لأنه يوجد من كثير من الإخوة الذين يوجهون الأسئلة على هذا النحو.

أما بالنسبة لتخلف الرجل عن صلاة الجماعة لأن في المسجد من هو خصيم له فهذا حرام، هذا التخلف حرام وليس بعذر له ولا ينفعه عند الله يوم القيامة، فالواجب أن يحضر صلاة الجماعة في المسجد ولو كان فيها خصمه هذه واحدة.

ثانياً: ينبغي أن يصلح ما بينه وبين أخيه، يطلب من أهل الخير الذين لهم جاه عنده وعند صاحبه أن يصلحوا بينهما، فإن إصلاح ذات البين من أفضل الأعمال، قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1].