شرح زاد المستقنع فصل: صلاة المسافر [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد ذكر المصنف رحمه الله باب صلاة الجماعة، وبين الأحكام المتعلقة بصلاة الجماعة والمسائل التي تندرج تحت هذا الباب.

ثم بعد ذلك عقد فصلاً في آخر باب صلاة الجماعة في الأعذار التي تُسقط عن المكلف الجمعة والجماعة، ثم بعد أن انتهى من الأعذار شرع في باب صلاة أهل الأعذار، وذكر صلاة المريض، ثم انتقل إلى صلاة المسافر، وهذا الترتيب فيه تسلسل في الأفكار، ومراعاة لما تتضمنه هذه الفصول من معان شرعية.

وذلك أن التخفيف في الشرع يكون فيه شيء من الإسقاط، وهذا الإسقاط تارة يكون لذات العبادة، بحيث تسقط العبادة عن المكلف، وهذه أعلى درجات الإسقاط في العبادات، وتارة يُخفف عنه في هذه العبادة ولا تسقط عنه، وهذا التخفيف بالنسبة للصلاة، أما بالنسبة للرخص عامة فلها تقسيمات أخر واعتبارات أخر، لكن التخفيف في الصلاة إما إسقاط للصلاة، وإما تخفيف في الأركان، وإما تخفيف في الشروط، كما سنبين إن شاء الله.

فابتدأ رحمه الله بالفصل الذي قبل صلاة أهل الأعذار، وهو سقوط الجمعة والجماعة، فهذا إسقاط كلي لعبادة الخروج إلى الجمعة وشهودها، وكذلك صلاة الجماعة.

وبعد أن انتهى من التخفيف بالإسقاط شرع في التخفيف الجزئي، وهو التخفيف في هيئة الصلاة، فابتدأ بالتخفيف في أركانها بعذر المرض، ثم شرع في التخفيف في ذات الصلاة من حيث الأعداد، وذلك في صلاة المسافر، فإن الشرع خصص بعذر السفر عدد الصلوات، وذلك في الرباعية وحدها، فجعل الرباعية تقصر إلى ركعتين، وهذا نوع من التخفيف، وهو التخفيف في أعداد الصلاة.

وأما التخفيف في شروط الصلاة؛ فكاستقبال القبلة بالنسبة للمصلي في السفر، فقد خفف الشرع عنه لو كان على راحلته بأن يصلي حيثما توجهت به، وكذلك التخفيف على المريض الذي به سلس بول فإنه يخفف عنه في شرط الطهارة، وكذلك بالنسبة للنجاسة التي يحملها يخفف عنه.

فالتخفيف إما بإسقاط الصلاة، أو بالنقص من أعدادها، أو بالتخفيف في أركانها وشروطها.

معنى السفر وسبب تسميته

السفر في لغة العرب: مأخوذ من قولهم: أسفر الشيء: إذا بان واتضح. ومنه قولهم: أسفر الصبح: إذا بان ضوؤه واتضح. وسمي السفر سفراً لمناسبات، فقيل: لأن الإنسان يُسفِر، بمعنى أنه يَبِيْن عن العمران، فإن المسافر يبِيْن عن القرى والأمصار والمدن، فينفرد عنها ويبِيْن منها.

كما سمي بذلك لأن فيه معنى الوضوح، وذلك أنه يسفر عن حقيقة الإنسان من ناحية صبره وضعفه وجلده وخوفه وقوة شكيمته.. إلى غير ذلك من أخلاقه.

ولذلك قالوا: سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن وجه صاحبه، وفي سنن البيهقي لما شهد الشاهد عند عمر قال له عمر : إني لا أعرفك، فاذهب وائتني بمن يزكيك. فجاءه برجل فقال عمر للرجل: أتعرفه؟ قال: أعرفه بالعدالة والأمانة. قال: أهو جارك الذي تعرف مدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال: أعاملته بالدينار والدرهم الذي يعرف به صدق الرجل من كذبه؟ قال: لا. قال: أسافرت معه؟ قال: لا. قال: لا تعرفه. ثم قال للرجل: اذهب وائتني بمن يعرفك.

فالسفر من حيث هو يعين على معرفة حقيقة الإنسان ويسفر عن وجهه.

والسفر له ضوابط معينة، فلا يحكم بكون الإنسان مسافراً إلا بها.

أحوال المسافر

لا يخلو الإنسان الذي يريد أن يخرج للسفر من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون مستقراً في بيته ناوياً السفر، فيكون السفر في باطنه -أي: في نيته-، ويكون ظاهره أنه غير مسافر.

الحالة الثانية: أن يخرج من بيته.

فإذا كان في بيته ناوياً السفر فإنه ليس بمسافر في قول جماهير العلماء حتى يخرج من البلد، فإن خرج من البلد فإنه يحكم بسفره على التفصيل الذي سنذكره، وهذا قول جماهير السلف رحمة الله عليهم من الصحابة والتابعين، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم رحمة الله على الجميع.

فلو أصبحت فنويت الخروج إلى بلد ما بعد الظهر، فإنك -على هذا القول- لست بمسافر حتى تخرج، فلا يكفي باطنك حتى يجتمع مع الباطن دليل الظاهر على السفر.

وذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -وهو رواية عن عطاء، وقال به موسى بن سليمان- إلى أنه يحكم بكونه مسافراً بالنية، فلو نوى السفر فإنه يأخذ برخص السفر وهو في البلد.

مثال ذلك: لو أنه نوى السفر بعد الساعة الحادية عشرة ولم يخرج إلا بعد الثانية فإنه سيؤذن عليه الظهر وهو في بيته، وحينئذٍ قالوا: يصلي ركعتين. وهكذا لو كان صائماً يجوز له أن يفطر في بيته قبل أن يخرج.

وهذا القول مرجوح، والصحيح ما ذهب إليه الجماهير لدلالة الكتاب والسنة على ذلك.

أما دلالة الكتاب فقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101]، فقوله : إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101] يدل على أنه شرع وضرب في الأرض، ولا يكون ذلك إلا بالخروج.

وقوله سبحانه وتعالى في شأن الصوم : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ [البقرة:184]، ولا يمكن أن نحكم على الإنسان بأنه على سفر إلا إذا كانت صورته تدل على أنه مسافر، وبناءً على ذلك فظاهر التنزيل على أنه لا يكون مسافراً إلا إذا ضرب في الأرض.

وأما دليل السنة -وهو أقوى الأدلة- فحديث أنس الثابت في الصحيحين، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، فإنه قد كان نوى حجة الوداع عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك لم يترخص برخص السفر إلا بعد أن خرج إلى ذي الحليفة.

وهذا يدل على أن نية السفر لا تكفي في ترخُّص الإنسان بالرخص.

وأما ما أُثر عن الصحابة فإنهم إذا قالوا: (إنها السنة) تردد ذلك عند جماهير العلماء رحمة الله عليهم بين أن يكون الصحابي فاهماً لها أنها السنة، وبين أن تكون من صريح فعله عليه الصلاة والسلام.

فلما جاء فعله يخالف ما فعله هؤلاء الصحابة -مع أنهم عزَوا ذلك إلى السنة- فهِمنا أنه فهمهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

فإذا تبيَّن لنا أن من كان ناوياً للسفر لا يترخص إلا إذا خرج، فحينئذٍ لا يخلو الذي يريد أن يخرج للسفر إما أن يكون في المدينة، بمعنى أن يكون داخل المدن والقرى -أي: البناء والعمران- وإما أن يكون في البر، كأهل العمود والخيام في البادية، فخيمته هي منزله ومكانه.

فإن كان في البلد والعمران فإنه لا يُحكم بكونه مسافراً، ولا يَتَرخَّص برخص السفر إلا إذا خرج من آخر العمران، وهي البيوت، فإذا انقطع عن البيوت فحينئذٍ يصدق عليه أنه سافر.

وبناءً على ذلك لا تخلو المدن من حالتين:

الحالة الأولى: أن يتصل بناؤها ويكون حد نهايتها معروفاً، كأن تكون بيوتاً متصلة آخرها محدود، فإذا بلغ هذا الآخر وبعده تنقطع الأرض فإنه مسافر.

فهذه الحالة لا إشكال فيها، فيحكم بأنه أنه مسافر بمجاوزته لآخر بيت من العمران، فلو أذَّن عليه الظهر بعد مجاوزته آخر بيت من العمران فإنه يصليها ركعتين.

ولو أذن عليه الظهر قبل أن يخرج من آخر بيت من العمران -كأن يقف عند إشارة، أو يقف عند المحطات يريد أن يتزود منها، أو يأخذ زاده من طعام أو غير ذلك- فإن قلنا: العبرة في الصلوات بالأذان فإنه يجب عليه أن يصلي أربعاً؛ لأنه لما أذن للصلاة وهو داخل العمران توجه عليه الخطاب أن يصلي الظهر أربع ركعات.

وعلى هذا لا تسقط عنه لكونه لم يتلبس بالسفر بعد.

الحالة الثانية: أن تتصل المباني ويكون وراءها خراب، كما يقع في بعض المدن، حيث تكون المباني المعمورة والتي فيها السكان متصلة، ثم بعد ذلك تأتي خرابات، أو بساتين مهجورة، أو نحو ذلك، فللعلماء وجهان:

قال بعض العلماء: هذه البيوت الخربة في حكم العامر ولا يترخص حتى يجاوزها. واختاره جمع من العلماء، وهو مذهب الحنابلة.

القول الثاني: يترخص بانقطاع العمران، ولو دخل في الخرابات ونحوها فإنه مسافر. وهذا مذهب الشافعية رحمة الله على الجميع.

والصحيح أنه إذا انقطع العمران فقد أسفر وصار مسافراً؛ لأن هذا الخراب لا يُعتد به، وليس في حكم العامر.

وبناءً على ذلك يكون في العمران التفصيل، فإن اتصل فلا إشكال، وإن كان هناك خرابات فالعبرة بمجاوزة العمران، ولا تأثير للخراب في إسقاط الركعتين.

وأما إذا كان في البادية، كأن يكون عنده خيمة، فلا يخلو من حالتين أيضاً:

الحالة الأولى: أن تكون خيمته متصلة بفريق، وهم القوم والجماعة الذين ينزلون مع بعضهم، كأبناء عمٍ وقبيلةٍ ونحو ذلك، فالعبرة بآخر الخيام حتى يجاوز آخر خيام محلته، بشرط أن تتصل خيمته بهم.

الحالة الثانية: أن تكون خيمته منفردة، فإنه بخروجه من خيمته يكون مسافراً ويَترخص برخص السفر.

وفائدة ذلك أنه إذا قلنا: إن العبرة بمجاوزة آخر الخيام، فإنه لو أذَّن الظهر وقد جاوز آخرها وجب عليه الظهر ركعتين، وأما لو أُذن قبل أن يجاوز آخرها فقد وجب عليه أن يصلي الظهر أربعاً.

وهكذا الحال لو كانت الخيام متفرقة، فإننا نقول: بمجرد خروجه من خيمته يأخذ برخص السفر.

وهكذا لو كانت خيمته ليس بجوارها أحد، فإنه بمجرد ركوبه على دابته -كما يقول العلماء- أو بمجرد أخذه في الطريق يُحكم بكونه مسافراً، ويأخذ برخص السفر.

أنواع السفر

يقول العلماء: السفر تعتريه الأحكام الخمسة، فيكون واجباً، ومندوباً، ومباحاً، ومكروهاً، وحراماً.

فيكون السفر واجباً إن اشتمل على واجب، كسفر حج الفريضة، وكذلك السفر لبر الوالد والوالدة، فلو أن الوالد أمر ولده أن يأتيه في مدينته والولد في مدينة أخرى، وليس عند الولد عذر يمنعه من السفر وجب عليه أن يسافر، ولزمه برُّ أبيه بالسفر، فهذا السفر يكون واجباً.

وهكذا بالنسبة للسفر الذي يكون الإنسان فيه يؤدي أمراً واجباً عليه، فإنه يعتبر من الأسفار الواجبة.

ويكون السفر مندوباً ومستحباً لو اشتمل على أمر مندوب ومستحب كحج النافلة والعمرة، فهذا مندوب ومستحب، فإنه إذا سافر يقال: هذا سفر مندوب.

ويكون السفر مباحاً إذا انتفت فيه الدوافع، سواءٌ أكانت للنّدب أم للوجوب، وانتفت فيه الموانع، سواءٌ أكانت للتحريم أم للكراهة، ومن أمثلته: السفر للتجارة، فإنه يعتبر من المباحات، وهكذا السفر للنزهة، فإنه يعتبر من الأسفار المباحة.

ويكون السفر مكروهاً إذا اشتمل على أمر مكروه لا يصل إلى درجة الحرمة، فلو أنه سافر على وجه لا يتضمن الحرام، كما لو كان مشتغلاً بطلب العلم، وهذا السفر يشغله عن طلب العلم فإنه يكون في حقه مكروهاً إذا اتصل هذا السفر بما يوجب شغله عن طلب العلم.

ويكون حراماً إذا تضمن أمراً محرماً، كسفره -والعياذ بالله- للزنا، أو لشرب خمر، أو لقطع طريق، أو عقوق والدين، ونحو ذلك، فهذه خمسة أحوالٍ للسفر.

فإذا كان سفره مباحاً جاز له أن يترخص، وإذا كان مندوباً جاز له أن يترخص؛ لأن المندوب فيه الإباحة وزيادة، وهكذا إذا كان واجباً؛ لأن الواجب فيه الإباحة وزيادة.

ففي هذه الثلاثة الأحوال يجوز له أن يترخص برخص السفر.

أما لو اشتمل سفره على معصية كأن يسافر لقطع طريق، أو عقوق والدين -والعياذ بالله- فإن هذا السفر المحرم قد اختلف العلماء فيه على قولين:

القول الأول يقول: إن السفر المحرم لا يحل لصاحبه أن يترخص فيه، فيجب عليه فيه أن يُتِم الصلاة أربعاً، ولا يأخذ برخص السفر. وهذا مذهب الجمهور رحمة الله عليهم.

القول الثاني: من سافر سفر معصية يجوز له أن يترخص. وهو مذهب الحنفية، واختيار بعض المحققين من العلماء رحمة الله على الجميع.

أما من قال: إنه لا يترخص فإنه يحتج بقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173] قالوا: إن الاضطرار شرطه أن لا يكون بغياً ولا عدواناً، ولذلك لما فسر حبر الأمة وترجمان القرآن هذه الآية قال: غير قاطع للطريق وذكر المحرمات.

فكأنه يرى أنه إذا كان باغياً أو عادياً لا ضرورة له فلا رخصة له.

قالوا: وهذا حبر الأمة وترجمان القرآن وقد فسر كتاب الله عز وجل، وهو المدعو له أن يُفقَّه في الدين، وأن يُعَلَّم تأويل الكتاب، فقصر الرخص على انتفاء وجود البغي والعدوان، فهذا أولاً.

ثانياً: أن السفر إذا أُطلق في الشرع ينبغي أن يتقيد بالمعروف شرعاً، والمأذون به شرعاً؛ لأنه لا يعقل أن الشرع يأذن له بالرخصة مع كونه يمنعه من السفر، فيعتبر السفر من وجهٍ ويحرمه من وجه.

قالوا: فهذا شيء من التناقض، فلما كان هذا السفر غير مأذون به شرعاً لم تتصل به الرخص؛ لأنه مأمور بإلغاء هذا السفر، فكيف يباح له أن يترخص فيه؟

والعجيب أن هذا القول من القوة بمكان من جهة الأصل؛ فإن القاعدة تدل على أنه إذا شك في الرخصة فإنه يرجع إلى الأصل، والأصل أن الإنسان يجب عليه أن يصلي أربعاً بناءً على أنه مقيم.

ولا نعني بالأصل ما سبق التشريع من كون الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، فهذا أصل الوصف وليس له تأثير في الاستدلال، وإنما نعني أن الأصل فيه أنه مقيم.

ولما شككنا هل هذا السفر سفر رخصة أو ليس برخصة رجعنا إلى الأصل من كونه مطالباً بفعل الصلاة أربعاً.

وأما الذين قالوا: إنه يقصر فقالوا: إن الله عز وجل أطلق فقال: إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101]، ولم يفرق بين كونه ضرباً بسفر مباح، أو ضرباً بسفر محرم. وهكذا قالوا: إن الأدلة التي وردت في القصر مطلقة، والأصل في المطلق أن يبقى على إطلاقه.

وقد ناقش الجمهور هذا فقالوا: إن المطلق في الشرع مقيد بالمعهود، فنحن نعني بالسفر ما أُذن به شرعاً، فحينئذٍ يستقيم التقييد بما عرف شرعاً.

والنفس تميل إلى أنه يُحتاط، فالسفر القائم على المعصية لا يُتَرخص فيه ما أمكن؛ إعمالاً للأصل الذي ذكرناه، وإعمالاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)؛ فإن أقل درجاته الشبهة، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.

وعلى هذا فإنه يتم الصلاة ويبقى على الأصل الذي أوجبه الله عز وجل عليه، كما قال جمهور العلماء رحمة الله عليهم.

وهناك أمر ينبغي التنبه له، وهو أن العلماء رحمة الله عليهم فرقوا بين كون السفر سفر معصية، وكونه سفراً تُفعَل فيه المعصية.

فالمعصية في السفر كأن يسافر لأمر مباح، ثم يفعل معصية أثناء سفره، فهذا لا يشمله هذا الحكم، فلو أن إنساناً سافر لقصد التجارة ثم -والعياذ بالله- زنى أثناء سفره، أو شرب الخمر، فإن هذا لا ينطبق عليه ما ذكرناه؛ لأنه ما خرج أصلاً لفعل الحرام، وإنما خرج للمباح وهو التجارة.

ولو أنه سافر للمباح ولفعل الحرام، فإنهم قالوا: يأخذ حكم من سافر للحرام أصلاً.

السفر في لغة العرب: مأخوذ من قولهم: أسفر الشيء: إذا بان واتضح. ومنه قولهم: أسفر الصبح: إذا بان ضوؤه واتضح. وسمي السفر سفراً لمناسبات، فقيل: لأن الإنسان يُسفِر، بمعنى أنه يَبِيْن عن العمران، فإن المسافر يبِيْن عن القرى والأمصار والمدن، فينفرد عنها ويبِيْن منها.

كما سمي بذلك لأن فيه معنى الوضوح، وذلك أنه يسفر عن حقيقة الإنسان من ناحية صبره وضعفه وجلده وخوفه وقوة شكيمته.. إلى غير ذلك من أخلاقه.

ولذلك قالوا: سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن وجه صاحبه، وفي سنن البيهقي لما شهد الشاهد عند عمر قال له عمر : إني لا أعرفك، فاذهب وائتني بمن يزكيك. فجاءه برجل فقال عمر للرجل: أتعرفه؟ قال: أعرفه بالعدالة والأمانة. قال: أهو جارك الذي تعرف مدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال: أعاملته بالدينار والدرهم الذي يعرف به صدق الرجل من كذبه؟ قال: لا. قال: أسافرت معه؟ قال: لا. قال: لا تعرفه. ثم قال للرجل: اذهب وائتني بمن يعرفك.

فالسفر من حيث هو يعين على معرفة حقيقة الإنسان ويسفر عن وجهه.

والسفر له ضوابط معينة، فلا يحكم بكون الإنسان مسافراً إلا بها.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3712 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3626 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3448 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3380 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3342 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3323 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3282 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3232 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3192 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3176 استماع