فتاوى نور على الدرب [668]


الحلقة مفرغة

السؤال: فضيلة الشيخ، أنا وإخوتي نعيش في عزلة، فوالدي لا يريد أن نذهب إلى أخوالي وخالاتي إلا في المناسبات العامة، مثل الأعياد فقط، وأما أخوال أمي فلا أعرفهم ولا أعرف البنات ولا الزوجات، وهم لا يحضرون إلينا، فهل الإثم يلحقنا أم أن الذنب على والدي سامحه الله؟ وماذا نفعل من أجل صلة الرحم؟ مأجورين.

الجواب: إن الله سبحانه وتعالى أوجب على العبد أن يصل رحمه -أي: قرابته- ووعد من وصل رحمه أن يصله الله عز وجل، فإن الله تبارك وتعالى تكفل للرحم أن يصل من وصلها ويقطع من قطعها، وقد أثنى الله عز وجل على الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل.

أما قطيعة الرحم فإنها من كبائر الذنوب، قال الله تبارك وتعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ أن تَوَلَّيْتُمْ أن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنة قاطع ). يعني: قاطع رحم.

ولا يحل لأحد أن يحول بين الرجل وبين صلة رحمه؛ لأن ذلك من باب محادة الله تعالى ورسوله، حيث يمنع صلة من أمر الله بصلتهم، وعلى الأب أن يتقي الله عز وجل، وأن لا يمنع أحداً من أهله أن يصلوا أرحامهم، وإذا كان يخشى من ضرر وفساد فعليه أن يدرأ هذا الفساد والضرر بالذهاب معهم إلى أقاربهم ثم يرجع بهم قبل أن يحدث ما يحدث مما يخشاه، فمثلاً: إذا كان يخشى إذا ذهبت ابنته إلى أخوالها أن تشاركهم في الإثم إن كانوا وقعوا في إثم فليذهب معها بعد المغرب مثلاً أو في الضحى أو في أي وقت كان، ويجلس معهم ما شاء الله أن يجلس، ثم يرجع بابنته، أما أن يمنعها من صلتهم فإن ذلك حرام عليه.

وفي هذه الحال لا حرج على البنت أن تصل رحمها ولو كان أبوها قد منعها، لكن اتقاءً للشر والفتنة وتأزم الأمور تصل الرحم دون أن يشعر بذلك والدها؛ حتى يحصل المقصود بلا ضرر.

السؤال: هل قراءة الفاتحة إلى روح النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أرواح الأموات من السنن المشروعة؟ حيث إنه يوجد في آخر بعض المصاحف كتب عليها: اللهم تقبل ثواب ما قرأناه، ونور ما تلوناه، هدية وصلة منا إلى روح نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم وإلى أرواح آبائنا.

الجواب: هذا الموضوع في بعض المصاحف بدعة ولا يقر عليه، وينبغي لمن وقع في يديه مصحف مثل هذا أن يطمس هذا المكتوب، وإن أمكن أن ينزع الورقة كلها إذا لم يكن في الجانب الآخر قرآن فلينزعها.

أما إهداء ثواب العبادات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن هذا أيضاً من البدع، فإنه لا يشرع لنا أن نهدي شيئاً من ثواب العبادات إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن ذلك لم يعهد من الصحابة رضي الله عنهم، وهم أشد منا حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسرع منا إلى الخير، ومع ذلك فلم يُهد أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من العبادات، لا من قراءة القرآن، ولا من الذكر، ولا من الصلاة، ولا من الصدقة، ولا من الحج، ولا من العمرة.

وأيضاً: فإن إهداء ذلك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من السفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حصل له أجر ما عمل الإنسان، فإنه هو الدال على الخير، ومن دل على خير فكفاعله، فلم يكن من إهداء ثواب القرب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إلا حرمان الفاعل من أجر هذه العبادة، وعلى الإنسان أن يتمسك بهذه المسألة، فإنه الخير كله.

وكذلك يقال بالنسبة إلى إهداء القرب إلى الأقارب من الآباء والأمهات: إنه ليس بسنة، لكنه جائز، واختلف العلماء رحمهم الله في إهداء ثواب القرآن وغيره من العبادات البدنية المحضة: هل يصل إلى الميت أو لا يصل؟ ولا ريب أن الأفضل للإنسان إذا أراد أن ينفع أباه أمه أن يدعو لهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ).

السؤال: هل تجوز مفارقة من يختم دعاءه بقراءة الفاتحة دبر الصلوات؟

الجواب: ما معنى المفارقة: هل يريد أن لا يصلي معه في الجماعة أو يريد أنه يصلي في الجماعة لكن إذا شرع هذا في الدعاء في قراءة الفاتحة فارقه وترك المكان؟

وعلى كل تقدير فإني أنصح هذا الإمام بأن يتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته، ولم يكن من هديه ولا من سنته أن تقرأ الفاتحة بعد الصلوات الخمس، لا سيما إذا كانت بصوت عال جماعي؛ فإن هذا لا شك إنه من البدع، وقد أرشد الله تبارك وتعالى عباده فيما يفعلون بعد الصلوات، فقال جل وعلا: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103]. ولم يذكر قراءة، بل ذكر ذكراً، وقد ورد: أنه يسن أن يقرأ آية الكرسي، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1].

السؤال: إذا كان الرجل يصلي في المسجد -سواء كان مدركاً لبعض صلاته مع الجماعة أو لا-، وأتى رجل فصلى خلفه، فهل تصح صلاة هذا المقتدي أم لا؟

الجواب: القول الراجح أن صلاته تصح، لكن لا يقف خلفه وهو واحد؛ لأن موقف الواحد مع الإمام إنما يكون عن يمينه، كما ثبت ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند خالته ميمونة -أي: خالة ابن عباس - فلما قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي من الليل قام ابن عباس عن يساره، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه ). فموقف المأموم الواحد أن يكون على يمين الإمام.

السؤال: هل سجود السهو يكون في الفروض فقط؟

الجواب: سجود السهو إذا وجد سببه فهو مشروع في الفريضة والنافلة، ولا فرق.

السؤال: إذا كانت المرأة في مدة النفاس، فرأت عدم خروج الدم في بعض الأيام، ماذا عليها؟

الجواب: ليس عليها شيء؛ لأن الدم -دم النفاس- ربما ينقطع يوماً أو يوماً وليلة ويعود، فهي لا تزال في نفاسها، أما لو طهرت منه فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي ولو قبل الأربعين، ولزوجها أن يجامعها إذا طهرت ولو قبل الأربعين.

السؤال: إذا طلق الرجل زوجته طلقة واحدة، فلم يراجعها في المحكمة، ولم تعلم الزوجة ولا أي إنسان بأنه طلقها، فهل يصح هذا الفعل؟

الجواب: نعم يصح، يصح بأن يطلقها بدون شهود وبدون المحكمة، ويصح أن يراجعها في العدة بدون شهود وبدون المحكمة، لكن الأفضل بلا شك أن يشهد على ذلك؛ لقول الله تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، فأمر تبارك وتعالى بالإشهاد على الرجعة أو المفارقة.

السؤال: إذا نسي الرجل البسملة عند دخول الحمام، فذكر البسملة أثناء وضوئه في الحمام، فهل يجوز له أن يسمي الله؟ وهل الدعاء عند دخول الحمام يقوم مقام البسملة؟

الجواب: الدعاء عند دخول الحمام لا يقوم مقام البسملة، لكن ينبغي إذا أراد أن يدخل الخلاء الذي يتخلى فيه أن يقول: بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث، وإن اقتصر على قوله: أعوذ بالله من الخبث والخبائث كفى.

وأما في داخل الحمام إذا أراد أن يتوضأ فليسم الله ولو كان داخل الحمام،ـ ولا حرج عليه في ذلك؛ لأن البسملة ليست قرآناً، بل هي من أنواع الذكر، وإن سمى بقلبه دون لسانه فحسن، وإن ترك التسمية بلسانه وقلبه فلا حرج عليه.

السؤال: إذا شك الرجل أنه احتلم، فلما استيقظ من نومه لم يجد للاحتلام أي أثر لا في الثوب ولا على الجسم، هل في مثل هذه الحالة يجب الاغتسال؟

الجواب: لا يجب عليه الاغتسال، إذا احتلم وهو نائم ثم أصبح ولم يَرَ شيئاً من آثار الجنابة فإنه لا غسل عليه؛ لأن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: ( يا رسول الله، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء ). فاشترط النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوجوب الغسل عليها أن ترى الماء، يعني: الجنابة.

السؤال: هل في صلاة الرواتب أو في غيرها من السنن تكون قراءة بعض الآيات بعد قراءة الفاتحة؟

الجواب: نعم، ينبغي للإنسان إذا كان يصلي نافلة أن يقرأ مع الفاتحة شيئاً من القرآن، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في راتبة الفجر في الركعة الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]. وفي الركعة الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]. وأحياناً يقرأ: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136]. والآية في البقرة، يقرأها في الركعة الأولى من سنة الفجر، وفي الثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]. والآية في آل عمران.

وفي ركعتي الطواف يقرأ مع الفاتحة في الركعة الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وفي الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

وقام ليلة يتهجد ومعه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفاتحة، ثم قرأ سورة البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران في ركعة واحدة، وقدم النساء على آل عمران، لكن في الأخير صارت آل عمران تلي البقرة والنساء هي السورة الثالثة من السور الطوال.

المهم أن النافلة يشرع فيها قراءة زائد على الفاتحة.