فتاوى نور على الدرب [656]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية؟

الجواب: مذهب أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية: أن الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فأجلساه وسألاه عن ثلاثة أشياء: من ربك، وما دينك، ومن نبيك. فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة -جعلنا الله وإخواننا المسلمين منهم- فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد.

وأما المنافق فإنه يقول: ها ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. ثم يبقى المؤمن منعماً في قبره والمنافق معذباً في قبره، والعذاب يكون في الأصل على الروح؛ ولهذا يحس بالعذاب ولو تمزق بدنه وأكلته السباع، وربما تتصل الروح بالبدن ويكون العذاب على الروح والبدن جميعاً.

ومسائل الآخرة كلها أمور غيب لا نطلع على شيء منها إلا عن طريق الوحي؛ ولهذا لا ينبغي لنا أن نتعمق في السؤال عنها؛ لأننا سنصل إلى باب مسدود، ولن نصل إلى شيء من التفاصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة، وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير )، يعني أنهما لا يعذبان في أمر شاق عليهما بل هو أمر سهل ( أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) يعني: بنقل الكلام، كلام الناس بعضهم؛ ببعض ليفسد بينهم ويفرق بينهم، ( فقالوا: لم صنعت هذا يا رسول الله؟! قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا )، ففي هذا دليل واضح على ثبوت عذاب القبر، وأنه قد ينقطع وقد يخفف.

أخذ بعض أهل العلم رحمهم الله من هذا أنه ينبغي أن يوضع على القبر جريدة رطبة كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذين القبرين، لكن هذا مأخذ ضعيف جداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كان يضع الجريدة على القبر على كل من قُبر، لكن وَضَعها على هذين القبرين اللذين يعذبان، فوضع شيء من هذا على القبر يبرهن على إساءة الظن بصاحب القبر وأنه الآن يعذب، وثُم هو بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئاً لسبب فإنه لا يقتضي أن يكون عاماً في كل شيء بل فيما ثبت في هذا السبب، ثم هذا السبب ليس أمراً معلوماً بحيث نعلم أن هذا الرجل يعذب في قبره فنضع له الجريدة بل هو مجهول عذاب القبر؛ فلهذا ينهى أن يوضع على القبر شيء من الزهور أو شيء من الأغصان أو شيء من الجريد؛ لأن ذلك كله من البدع، ومتى قصد به التخفيف من العذاب عن هذا القبر صار إساءة ظن بصاحبه.

السؤال: بعض الناس يسمي مكة المكرمة ببلد الديانات السماوية. هل هذا التعبير صحيح؟

الجواب: هذا تعبير باطل؛ لأن أنبياء بني إسرائيل الذين من جملتهم موسى وعيسى إنما كانوا في الشام وليسوا في مكة، لكن مكة بلد مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمدينة مهاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفيها أسست الدولة الإسلامية، وفيها أقيم علم الجهاد، وفيها توطد الدين الإسلامي.

فمكة مبتدأ البعث والمدينة منتهى البعث، يعني: منتهى الدين الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم في مكة.

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ! في تركة من ذهب تخص ثلاث بنات، القيمة مبلغها تسعة آلاف ريال سعودي وحال عليها الحول، هل على ذلك زكاة؟ وكم تساوي هذه الزكاة؟ علماً بأنه تم الاحتفاظ بهذا الذهب ولم يلبس، وسوف يلبس مستقبلاً إن شاء الله؟

الجواب: هذا الذهب فيه زكاة؛ لأنها تقول: البنات ثلاث وهذا يساوي تسعة آلاف، يعني: أن ثلاثة آلاف لكل واحدة، وثلاثة آلاف فيها الزكاة، فيزكى فيدفع ربع عشر القيمة، يعني: أنه يُقَوّم هذا الذهب عند تمام الحول لموت المورث، ثم يخرج ربع العشر ربع عشر القيمة، حتى وإن كان معداً للبس؛ لأن القول الراجح من أقوال العلماء: إن الحلي المعد للبس فيه الزكاة.

السؤال: هل يوجد ما يسمى بدعاء الغائب، بمعنى: أن يغيب عنك شخص ولا تسمع عنه شيء، فتقول هذا الدعاء فيأتيك عنه الخبر ولو في الرؤيا؟

الجواب: لا أعلم شيئاً من هذا، ولكن من غاب عنه شيء فليدع الله سبحانه وتعالى أن يرده عليه، مثل أن يقول: اللهم رد علي غائبي أو كلمة بمعناها، أما شيء مأثور فلا أعلم عنه.

السؤال: هل يجوز أثناء الصلاة أن ندعو بالأمور الدنيوية كطلب الزوج الصالح، وهل يجوز أن ندعو بهذا الدعاء: اللهم يا جامع الناس يوم القيامة! اجمع شملي مع فلان كزوج لي؟

الجواب: لا بأس أن يدعو الإنسان بما أحب في حال الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( ألا وإني نهيت أن اقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم )، وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لم يقيده بشيء معين، وثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التشهد: أن الإنسان إذا فرغ من التشهد يدعو بما أحب وبما شاء من خيري الدنيا والآخرة، فليدع الله تعالى بأن ييسر له بيتاً فسيحا جديداً أو ييسر الله له زوجة صالحة أو ييسر الله لها زوجا صالحاً أو ييسر له مركوباً جميلاً مريحاً وما أشبه ذلك. المهم أن الدعاء عبادة حتى في أمور الدنيا.

السؤال: هل سجود التلاوة أثناء الصلاة يكون بالتكبير أم لا، وكيف يكون ذلك عندما يكون الفرد إماماً في مسجد؟

الجواب: سجود التلاوة إذا كان في الصلاة وجب أن يكبر له إذا سجد ويكبر له إذا قام؛ لأنه داخل في علم الصلاة، والناقلون لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكرون أنه يكبر كلما خفض وكلما ركع، ومن جملة خفضه ورفعه سجود التلاوة، فإنه كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ الآية التي فيها السجدة في الصلاة فيسجد، أما إذا كان السجود خارج الصلاة فإنه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا رفع ولا يسلم، هذا هو القول الراجح في سجود التلاوة إذا كان خارج الصلاة.

السؤال: ما حكم الإنصات إلى تلاوة القرآن هل هو واجب أو مستحب؟ وكيف يعمل من كان يعمل في بقالة أو في محل عمله وهو يستمع إلى القرآن الكريم، ويتحرك ويخاطب الناس ويسير ويرجع؟

الجواب: الاستماع إلى قراءة القارئ مأمور به إذا كان المستمع تابعاً لهذا القارئ كالمأموم الذي خلف الإمام الذي يصلي صلاة جهرية؛ ولهذا قال الإمام أحمد في قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]، قال: أجمعوا أن هذا في الصلاة، وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) وفيه: ( وإذا قرأ فأنصتوا ).

أما الذي يقرأ إلى جنبك فلا يلزمك أن تستمع إليه، بل لك أن تقرأ وحدك وأن تذكر الله وحدك وأن تراجع ما بين يديك من الكتب ولو كان القارئ إلى جنبك؛ لأنك لا تريد الاستماع له، وأما ما يصنعه بعض الناس من وضع مسجل في الدكان يقرأ القرآن ورجيج الأصوات من هذا الدكان، وربما يكون اللغو والكلام المحرم فلا أرى هذا. أخشى أن يكون هذا من إهانة القرآن، ويغني عن هذا أن يسجل حكماً مأثورة ثم يستمع إليها؛ لأن القرآن أشرف وأعظم من أن يجعل في مثل هذا المكان الذي يكثر به اللغو والكلام الباطل.

فننصح إخواننا الذين يستمعون إلى المسجلات في دكاكينهم -وهم يريدون الخير إن شاء الله- ألا يفعلوا؛ لأني أخشى أن يكون هذا من باب امتهان القرآن.

السؤال: متى فرضت الصلاة؟ وكيف كان الصحابة رضي الله عنهم يصلون قبل الهجرة بالرغم من عدم وجود المساجد؟

الجواب: فرضت الصلاة في ليلة المعراج، ليلة عرج بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد اختلف المؤرخون متى كان ذلك. فقيل: قبل الهجرة بثلاث سنوات، وقيل: بسنة ونصف وقيل: قبل ذلك، وفرضت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أعلى مكان وصله البشر فيما نعلم في السماء السابعة، وفرضها الله على رسوله خمسين صلاة، ثم نسخها سبحانه وتعالى إلى خمس صلوات بالفعل، لكن هي في الأجر عن خمسين صلاة ولله الحمد، أما كيف الصحابة يصلون وليس فيه مساجد قبل الهجرة؟ فهذا غلط! لأن فيه مساجد -فيه أبو المساجد وأم المساجد- وهو المسجد الحرام الذي يؤمه المسلمون ويصلون فيه.

السؤال: امرأة نذرت بقراءة مصحف إذا شفى الله مريضها، وهي عامية لا تستطيع القراءة فأعطت قيم المسجد مبلغاً من المال على أن يقرأ لها إيفاءً بنذرها، فما حكم أخذ هذا المال وهذا النذر؟ ونرجو الدليل إن وجد وجزاكم الله خيرا.

الجواب: حكم النذر مكروه أو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه، وأخبر أنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يرد قضاء، وإنما ما أراده الله فسيكون سواء بنذر أو بغير نذر.

وذلك -أي: الحكمة من النهي عنه- أنه إلزام للنفس بما لا يلزمها، وأن الإنسان ربما يعجز عن تنفيذه وربما يتكاسل عن تنفيذه، وإذا تكاسل عن تنفيذه فهو الخطر العظيم. قال الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77]، فالنذر خطير، وكم من إنسان نذر ثم جاء يترجى يود الخلاص ولا خلاص.

هذه المرأة التي نذرت أن تقرأ المصحف ولكنها عاجزة الآن يسقط عنها النذر لعجزها عنه، وعليها كفارة يمين تطعم عشرة مساكين لكل مسكين، كيلو من الرز، ويكون معه ما يؤدمه من لحم دجاج أو غنم أو معز أو غيره، وأما كونها تستأجر من يقرؤه لها فلا وجه له.

مداخلة: الناذر يا شيخ! لو قرن ذلك بالمشيئة قال: نذرت لله إن شاء الله؟

الشيخ: إذا نذره بالمشيئة فلا حنث عليه، فإن شاء وفى وإن شاء لم يوف.

السؤال: هناك البعض من الشباب يحبون الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فيذهبون إلى جامع معين بحجة أن الجمع فيه كثير وأن مقصدهم أن يزيدوا من إيمانهم، رغم أن المساجد الموجودة في القرية كثيرة. فهل هذا الذهاب يعد من شد الرحال؟

الجواب: لا يعد من شد الرحال ما دام المسجد في البلد، شد الرحال معناه: أن الإنسان يسافر من بلد إلى آخر من أجل المسجد، فليس عليهم بأس إذا اختاروا في البلد مسجداً يجتمعون فيه، له مزية بكثرة الجمع أو بحسن قراءة الإمام أو ما أشبه ذلك.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع