أرشيف المقالات

فاظفر بذات الدين

مدة قراءة المادة : 27 دقائق .
فاظفر بذات الدين

الحمد لله ربِّ البرية، جعل الزَّوجية سُنَّةً من سُننه الكَونِيَّة، وعَقدًا أبرَمه في الجَنَّة العَلِيَّة لأبَوَي البشريَّة، وكرامة سَنِيَّة يوم القيامة لمن صَلَح مِن الذُّرية.
 
ولِعِظَمه وجَلالته، فخَّم القرآن أمره، وحضَّ على الوفاء به، فسَمَّاه ميثاقًا غليظًا، وجعله بذلك للنبوة قرينًا، فقال في شأن الصَّداق: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]، وقال - مُخبِرًا عمَّا أخذه على الأنبياء من الميثاق -: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [الأحزاب: 7].
 
ورتَّب نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - جَرَّاء التقصير في شأنه من التباس الأمر بين العباد وكثرة الفساد في البلاد، نظير ما رَتَّب هو - سبحانه - على التفريط في جنب الولاء والبراء؛ فقال جَلَّ في عُلاه: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال: 73]، وأوحى إلى صفوته من خلقه أن يقول: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلُقه فأنكحوه، إلاَّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير))؛ رواه الترمذي (185)، والبيهقي (13259) - واللفظ له - وحسَّنه الألباني.
 
مَن تختار؟
1- إذا قَدِرت على النكاح، فلا تُؤخِّرَنَّه، وإياك والشيطانَ لا يَصُدَّنَّك، فإنه استكمال لشطر دينك، واتباع لهدي نبيك، ونِعم العَون لك على طاعة ربك؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا تزوَّج العبد، فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله فيما بقي))؛ الصحيحة (625)، وقال أيضًا: ((النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوَّجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طَول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء))؛ رواه ابن ماجه (1846)، وحسَّنه الألباني.
 
وعن عبدالله بن مسعود قال: كنَّا مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفَرْج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء))؛ متفق عليه.
 
2- واعلم أن الزوجة التي ستختار حَرثٌ لك، يوشك أن يؤتي أُكله، فلا تسقِيَنَّ ماءك إلا أرضًا طيبة؛ ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴾ [الأعراف: 58]، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تَخَيَّروا لنُطَفكم، وانكَحوا الأكفاء، وأَنكِحوا إليهم))؛ رواه ابن ماجه (167)، وصحَّحه الألباني.
 
3- فقدِّم إذن رابعة الخصال، وفز بصاحبة الدين والتقوى، واعلم أنه ليس بمغنٍ عنك ما يُنسب إلى الآباء من جميل الفِعال، ولا وَفرة المال، فإن مآله إلى الزَّوال، ولا براعة الجمال فإنه بريد الإذلال.
 
روى الشيخان عن المبعوث رحمة للإنس والجان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحَسَبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفَر بذات الدين تَرِبَت يداك))؛ أي: لَصِقتا بالتراب من شدة الفقر، إن لم تفعل.
 
4- واعلم أن سعيك في إحصان نفسك من سبيل الله؛ عن أبي هريرة قال: ((بينما نحن جلوس مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ طلع علينا شَابٌّ من الثَّنِيَّة، فلمَّا رأيناه بأبصارنا، قلنا: لو أنَّ هذا الشَّاب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله، قال: فسمع مقالتنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((وما سبيل الله إلا من قُتِل، من سعى على والديه ففي سبيل لله، ومن سعى على عياله ففي سبيل لله، ومن سعى على نفسه لِيُعِفَّها ففي سبيـل لله، ومن سعى على التَّكاثر فهو في سبيل الشيطان))؛ الصحيحة (2232).
 
5- وأبشر - أيها الرَّاغب في إعفاف نفسه وتكثير نسله تحقيقًا لرغبة نبيه - بالعون من الله تعالى والتَّأييد والنَّجاح والتَّسديد؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثلاثة حق على الله - عزَّ وجلَّ - عونُهم: المكاتَبُ الذي يريد الأداء، والناكِحُ الذي يريد العَفَاف، والمجاهِد في سبيل الله))؛ رواه النسائي (3218)، وحسَّنه الألباني.
 
الخِطبة:
1- فإذا هممت بخطبة امرأة، فاركع ركعتين من غير الفريضة، فإذا سلَّمت فاستخِر الله ربك، واستشِر من تأمن من إخوانك؛ فإنَّه ما خاب من استخار، ولا نَدِم من استشار.
 
2- وكذلك فافعلي أنت - أختي - إذا خُطِبت؛ فعن أنس - في قصة تزويج أم المؤمنين زينب بنت جحش - قال: ((...
قال زيد: يا زينب، أرسل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يذكُرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أُؤَامرَ ربِّي، فقامت إلى مسجدها)
)
؛ رواه مسلم (1428).
 
3- فإذا ألقى الله في قلبك خِطبتها، فأتِ وَلِيَّها.
 
واعلم أن ثمَّة أمورًا عليك مراعاتها:
أولاً: أن تنظر إلى ما يدعوك إلى نكاحها، ذلك أدعى إلى دوام المودَّة بينك وبينها؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جُناح عليه أن ينظر إليها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبتها، وإن كانت لا تعلم))؛ الصحيحة (97).
 
وعن المغيرة بن شُعبة قال: خطبتُ امرأة، فذكرتها لرسُول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال: فقال لي: ((هل نظرت إليها؟))، قلت: لا، قال: ((فانظر إليها، فإنه أحرى أن يُؤدم بينكُما))، فأتيتها وعندها أبَوَاهَا، وهي في خِدرها، قال: فقلت: إن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمرني أن أنظُر إليها، قال: فسكتا - كأنهما كَرِها ذلك - قال: فرفعت الجاريةُ جانب الخِدر، فقالت: أُحَرِّج عليك، إن كـان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمرك أن تنظر إلي لَمَّا نظرت، وإن كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يأمرك أن تنظر إلي فلا تنظر، قال: فنظرت إليها، ثم تزوجتها، قال: فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها، ولقد تزوَّجت سبعين أو بضعًا وسبعين امرأة؛ رواه ابن ماجه (1866)، والبيهقي (13268) - واللفظ له - وصحَّحه الألباني.
 
ثانيًا: أن ترضى عنك، ويطيب خاطرها بك؛ عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا أراد أن يزوج بنتًا من بناته جلس إلى خدرها، فقال: ((إن فلانًا يذكر فلانـة))، يُسَمِّيها، ويسمي الرجل الذي يذكرُها، فإن هي سكتت زَوَّجَها، وإن كرِهت نَقَرت السِّتر، فإذا نقرته لم يُزَوِّجها)
)
؛ الصحيحة (2973).
 
ثالثًا: أن تكون صالحة؛ لحديث: ((أربع من السَّعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء))؛ الصحيحة (282).
 
رابعًا: أن تكون بكرًا؛ لحديث: ((عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذب أفواهًا، وأنتق أرحامًا، وأرضى باليسير))؛ رواه ابن ماجه (1861)، وحسَّنه الألباني.
 
فعلَّل - صلَّى الله عليه وسلَّم - حثَّه على نكاح الأبكار بثلاثة أمور:
1- طِيب الأفواه - حقيقة ومعنى؛ عذوبة الرِّيق عند المُلاعبة، وحلاوة المنطق عند المخاطبة.
2- كثرة الإنجاب؛ إذ أرحامهن أكثر قبَولاً للنُّطفة، لقوة حرارتها.
3- قلَّة تسخُّطها على بعلها في جميع شأنها؛ إذ لا معرفة لها باختلاف الأحوال، ولا تداولتها أيدي الرجال.
 
خامسًا: أن تكون كثيرة الولادة، بالتجربة أو بالمظنة؛ عن مَعقِل بن يَسار قال: جاء رجل إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: ((لا))، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: ((تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم))؛ رواه أبو داود (25)، وقال الألباني: حسنٌ صحيحٌ.
 
سادسًا: أن تكون كثيرة المحبة لبعلها، تجربة أو مظنة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود، الولود، العؤود على زوجها، التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول: والله لا أذوق غَمضًا حتى ترضى))؛ صحيح الجامع (264)، وقـال - عليـه الصلاة والسلام -: ((خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المُتخَيِّلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مِثل الغُراب الأعصم))؛ الصحيحة (1849).
 
الصداق:
1- ومهما خَفَّ صداقها، فذلك أفضل لك ولها؛ فقد ثبت عند الحاكم (2739) وغيره عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أنها قالت: قال رسُول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من يُمْنِ المرأة أن يَتَيَسَّر خطبتُها، وأن يَتَيَسَّر صَدَاقُها، وأن يَتَيَسَّر رَحِمُها))؛ يعني: يَتَيَسَّر رحمها للولادة.
قال عروة: وأنا أقول من عندي: من أول شُؤمها أن يكثُر صداقُها.
 
2- وإن رَضِيَت أن تُمهَر تعليمَ بضع سُوَر، فذلك لها؛ فعن سهل بن سعد الساعدي: أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لمن التمس فلم يجد شيئًا: ((هل معك من القرآن شيء؟))، فقال: نعم، معي سورة كذا، وسورة كذا - لسُوَرٍ سمَّاها، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قد أَنكَحتُكَها بما معك من القرآن))؛ رواه مالك (196).
 
وليمة العرس:
1- وصُنع الوليمة واجبٌ؛ شكرًا لله - تعالى - على ما يسَّر من تمام الزواج، وحصول الابتهاج؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعلي لما زَوَّجه ابنته فاطمة: ((إنه لا بدَّ للعرس من وليمة))؛ صحيح الجامع (2419).
 
2- فإن كنت مُوسِرًا فأَولِم بشاة أو أكثر، وإن لم تجد فبما تيسَّر؛ فقد قال - عليه الصلاة والسلام - لعبدالرحمن بن عوف: ((أَولِم ولو بشاة))؛ متفق عليه، وعن صفية بنت شَيبَة قالت: ((أَوْلَمَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على بعض نسائه بمُدَّين من شعير))؛ رواه البخاري (4877).
 
3- ولا جُناح عليك إن أعان إخوانك في ذلك؛ فعن بُرَيدة - في قصة علي – قال: ...
قال سعد: عندي كبش، وجَمعَ له رَهطٌ من الأنصار آصُعًا من ذُرَة؛ رواه النسائي في الكبرى (188)، وحسَّنه الألباني.
 
4- والسنة أن تكون ثلاثة أيام عقِب الدُّخول، ذلك المنقول عن الرسول، قال أنس: أصبح النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بها - يعني: زينب - عروسًا، فدعا القوم فأصابوا من الطعام؛ رواه الشيخان.
 
وروى أبو يعلى (3834) بسندٍ حسنٍ عنه، أنه قال: تزوج النبي صَفِيَّة، وجعل عِتقَها صَداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام، وبَسَط نِطعًا جاءت به أم سُليم، وألقى عليه أَقِطًا وتمرًا، وأطعم الناس ثلاثة أيام.
 
5- وادعُ إليها الصالحين، أغنياء كانوا أو مساكين؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((شَرُّ الطعام طعام الوليمة؛ يُمنعُها من يأتيها، ويُدعى إليها من يأباها، ومن لم يُجِب الدَّعوة فقد عصى الله ورسوله))؛ رواه مسلم (1432).
 
قبل البناء:
1- والسنة إعلان النكاح، ولا بأس أن يُرافق ذلك لهو مباح؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فصل بين الحلال والحرام الدُّف، والصَّوت في النكاح))؛ رواه ابن ماجه (1896)، وحسَّنه الألباني، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((صوتان ملعونان: صوت مزمار عند نِعمة، وصوت رَنَّة عند مصيبة))؛ الصحيحة (427).
 
2- ولك أن تدخل بها في أي وقت شئت؛ فعن عائشة في خبر زواجها من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ...
فَأسلَمَتنِي - تعني: أمَّهَا - إليهن فأصلحن من شأني، فلم يَرُعني إلاَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ضُحًى - تعني: أَوَّل النهار - فَأَسلَمتني إليه؛ متفق عليه.
 
3- فإذا دَخَلتَ عليها، فاجلس إلى جنبها، ولاطفها بأن تشَرب لبنًا ثم تناولها؛ قالت أسماء: إني قَيَّنت - تعني: زيَّنت - عائشة لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم جئته فدعوته لجَلوَتها، فجاء فجلس إلى جنبها، فأُتُي بعُسِّ لَبَن، فشَرِب ثم ناولها، فخَفَضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذي من يد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالت: فأخذت فشربت شيئًا؛ أخرجه أحمد (27632)، وحسَّنه الألباني.
 
4- ثم صلِّ بها إمامًا ركعتين، حتى تأتلف قلوبكما، ويخرج الشيطان من بينكما، قال ابن مسعود: إذا أُدخِلت عليك، فمُرها فلتُصَلِّ خلفك ركعتين؛ رواه عبد الرزاق (146)، وصحَّحه الألباني.
 
5- فإذا قضيتما الصلاة، فضع يدك على مُقَدَّم رأسها، وقل: بسم الله، اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم في، اللهم ارزقني منهم وارزقهم مني، اللهم اجمع بيننا ما جمعت إلى خير، وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير، اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جَبَلتها عليه، وأعوذ بك من شرِّها ومن شرِّ ما جبلتها عليه؛ كما دلَّت عليه جملة الآثار.
 
آداب الجماع:
1- وعليك بالمداعبة قبل الوِقاع، فإن ذلك من تمام الاستمتاع؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كل شيء ليس من ذكر الله، فهو لَهوٌ وسَهوٌ، إلا أربع خصال: مَشي الرجل بين الغَرَضَين، وتأديبه فرسه، ومُلاعبته أهله، وتعلُّم السِّباحة))؛ رواه الطبراني في الأوسط (8147)، وصحَّحه الألباني.
 
2- ولا حرج عليكما أن تَتَجَرَّدا من ثيابكما، وتَرَيَا عورة بعضكما؛ قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين ﴾ [المؤمنون: 5، 6]؛ وقال نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((احفَظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك))؛ رواه أبو داود (417)، وحسَّنه الألباني.
 
3- فإذا أردت إتيانها، فقدِّم ذكر الله، قال تعالى {وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُم}؛ وقال عليه السلام: ((لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: " بسم الله، اللهم جَنِّبنا الشيطان وجَنِّب الشيطان ما رزقتنـا "، فإنه إن يُقَدَّر بينهما ولد في ذلك، لم يضرَّه شيطان أبدًا))؛ متفق عليه.
 
4- ولتطأها في قُبُلها على أي صِفة شئت، ومن أي جِهة شئت؛ ﴿ نِسَاؤكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾، بذلك أمر سيدُ البشر الفاروقَ عمر؛ فقال: ((أقبل وأدبر، واتقِ الدبر والحيضة))؛ رواه الترمذي (298)، وحسَّنه الألباني.
 
5- ولا تقومَنَّ عنها حتى تقضي حاجتها منك كما قضيت حاجتك منها؛ فإن لها عليك مثل الذي لك عليها؛ قال ابن عباس: ((إني أحب أن أَتَزَيَّن للمرأة كما أحب أن تَتَزَيَّن لِيَ المرأة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾، وما أحب أن تستَطِفَّ جميع حقي عليها؛ لأن الله - تعالى - يقول: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة ﴾؛ رواه ابن أبي شيبة (19263) بسندٍ حسنٍ.
 
6- فإذا أردتَ المُعاودة فتوضَّأ، والغُسْل أفْضل؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أتى أحدُكم أهلَه، ثم أراد أن يعُود، فليتوضأ؛ فإنه أنشَطُ للعَود))؛ رواه ابن حبان (1211)، وصحَّحه الألباني، وعن أبي رافع: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - طاف ذاتَ يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلتُ له: يا رسول الله، ألا تجعله غُسلًا واحدًا؟ قال: هذا أزكى، وأطيب، وأطهر)
)
؛ رواه أبو داود (219)، وحسَّنه الألباني.
 
7- فإذا قضيتما حاجتَكما، فامسَحا عنكما الأذى بخِرقة؛ قالت أم المؤمنين عائشة: ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تَتَّخذ خِرقة، فإذا جامَعها زوجُها، ناولتْه فيمسح عنه، ثم تمسح عنها، فيُصلِّيان في ثوبهما ذلك ما لم تُصِبْه جنابة؛ رواه البيهقي (3937) بسندٍ صحيحٍ.
 
8- واسْتَتِرا، ذلك أزكَى لكما، وقربةٌ إلى ربكما؛ فقد ثبت عند أبي داود (417) عن معاوية بن حَيدة قال: يا رسول الله، إذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: ((اللهُ أحقُّ أن يُستحيا منه مِن الناس))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَمْشُوا عُراة))؛ رواه مسلم (341).
 
9- ولا يَفُوتَنَّك أنك تُؤْجَر على قضاء الوَطَر، فاحتسِبْه تَجِدْهُ؛ قال أبو كبشة الأنماري: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسَل، فقلنا: يا رسول الله، قد كان شيء؟ قال: ((أجل، مَرَّت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيتُ بعضَ أزواجي فأصبتُها، فكذلك فافعلوا، فإنه مِن أمَاثِل أعمالِكُم إتيانُ الحلال))؛ الصحيحة (441).
 
10- واكتُما ما يتعلق بحياتكما الزوجيَّة مِن الأسرار، وبخاصة ما غيَّبَتِ الجُدُر والأستار؛ فعن أبي هريرة: أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - خطبهم، فقال: ((أما بعد؛ ثم أقبلَ على الرجال، فقال: هل منكم الرجُل إذا أتى أهله، فأغلق عليه بابه، وألقى عليه سِتْرَهُ، واستَتَر بستْر الله؟))، قالوا: نعم، قال: ((ثم يجلس بعد ذلك، فيقول: فعلتُ كذا، فعلتُ كذا؟))، قال: فسكتوا، قال: فأقبل على النساء، فقال: ((هل منكن مَن تُحَدِّث؟))، فَسَكَتْنَ، فجَثَتْ فتاةٌ كَعَابٌ على إحدى ركبتيها، وتطاولتْ لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله، إنهم ليتحدثون، وإنهن ليتحدَّثنه، فقال: ((هل تدْرُون ما مَثَل ذلك؟))، فقال: ((إنما ذلك مثل شيطانةٍ لقيتْ شيطانًا في السِّكَّة، فقضى منها حاجتَه والناسُ ينظرون إليه))؛ رواه أبو داود (2174)، وحسَّنه الألباني.
 
حق المرأة على زوجها:
1- وعليكَ أن تكون عونًا لزَوجِكَ على طاعتك وعبادة ربك؛ فتَرَفَّق وأحسِن المُعاشَرة، وتلطَّف في العِبارة عند المحاورة؛ قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي))؛ رواه الترمذي (3895)، وصحَّحه الألباني.
 
وقد كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يٌكْثر الوَصاء بالنِّساء، ويحُثُّ أصحابه على ذلك؛ فقد صحَّ عند الحارث في "مسنده" (495)، وغيره عن المِقدام: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قام في الناس، فحَمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الله - تبارك وتعالى - يُوصيكم بالنساء خيرًا، إن الله يُوصيكم بالنساء خيرًا، إن الله يُوصيكم بالنساء خيرًا، إن الله يُوصيكم بأمَّهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمَّاتكم وخالاتكم، إن الرجُل مِن أهل الكنائس ليتزوَّج المرأةَ وما يعلم ما له بها مِن الخير، فما يرغب واحد منهما عن صاحبه حتى يموتا هَرَمًا))؛ يعني: فأنتم أولى بذلك منهم.
 
قال أبو سلمة - أحد رواة الخبر -: فحدثتُ بهذا الحديث العلاء بن سفيان الغَسَّاني، فقال: لقد بلغني أنَّ مِن الفواحش التي حرَّم الله ممَّا بَطَنَ، مما لم يُبَيَّن ذكرُها في القرآن: أن يتزوَّج الرجل بالمرأة، فإذا قَدُمتْ صُحبتُها، وطال عهدُها، ونَفَضَت ما في بطنها - طَلَّقها مِن غير رِيبة.
 
2- واعلم أن مُداراة رَبَّات الحِجال من جَليل خِصال الرِّجال، إذ النِّساء يعِزُّ فيهن الكمال، ولا يصلُحن إلا بتوفيقٍ مِن ذي الجلال؛ قال تعالى - مُمْتَنًّا على نَبِيِّه زكريا، عليه السلام -: ﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ [الأنبياء:90]، وقال نبيُّه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كَمُل مِن الرجال كثير، ولم يكمل مِن النساء غير مريمَ بنتِ عمران، وآسية امرأة فرعون))؛ وقال أيضًا: ((استوصُوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلِقَت مِن ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبْتَ تُقِيمُه كَسَرْتَه، وإنْ تركْتَه لم يزل أعوج، استوصُوا بالنساء خيرًا))؛ رواهما الشيخان.
 
3- ولا يَخدِش في مروءتكَ، ولا يحُطُّ مِن قدْركَ أن تُعِينَ حليلتكَ على أعباء بيتِك، كيف وذلك سُنَّة نبيِّك؟ فعن عروة قال: قلتُ لعائشة: يا أم المؤمنين، أي شيء كان يصنع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا كان عندك؟ قالت: ما يفعل أحدكم في مهنة أهله؛ يخصِف نعله، ويخَيط ثوبه، ويُرَقِّع دَلوه؛ رواه ابن حبان (5676)، وأصله في الصَّحيح.
 
حق الرجل على زوجته:
1- واعلمي - أيتُها السيدة المسدَّدة - أن حق زوجك عليك عظيم؛ وحسبُكِ أن نبيَّك - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لو أمَرتُ شيئًا أن يَسجُد لشيء، لأمرتُ المرأة أن تسجُد لزوجها، والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حقَّ ربها حتى تؤدي حقَّ زوجها، حتى لو سألها نفسَها وهي على قَتَب لم تمنعْه))؛ أخرجه ابن حبان (4171)، وحسَّنه الألباني.
 
2- وإنِ اقتضَى الأمرُ ترْكَ مُستحَبٍّ مِن العبادات لأمرِه، فاتركيه؛ فعن أبي سعيد قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي صفوان بن المُعَطِّل يضربني إذا صلَّيتُ، ويُفَطِّرني إذا صُمْتُ، ولا يُصلِّي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله، أما قولها: يضربني إذا صليتُ، فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتُها، قال: فقال: لو كانت سورة واحدة لكَفَتِ الناس، وأما قولها: يُفطِّرني، فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجُل شابٌّ فلا أصبر، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومئذ: ((لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها))، وأما قولها: إني لا أصلي حتى تطلع الشمس، فإنا أهل بيت قد عُرف لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: ((فإذا استيقظتَ فَصَلِّ))؛ رواه أبو داود (2459)، وصحَّحه الألباني.
 
3- واحرصي على مالِه، ولا تتصرفي فيه إلا بإذنه؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُ نساءٍ رَكِبْنَ الإبلَ صالحُ نساءِ قريش؛ أحْنَاه على ولدٍ في صِغره، وأرْعَاه على زوجٍ في ذات يده))؛ متفق عليه.
 
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَاما ﴾.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير