حديث: أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالا مقارضة ألا تجعل مالي في كبد رطبة
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
حديث: أنه كان يَشترط على الرجل إذا أعطاه مالًا مقارضةً ألا تجعل مالي في كَبِد رَطْبة عن حَكيم بن حِزام رضي الله عنه "أنه كان يَشترط على الرجل إذا أعطاه مالًا مقارضةً ألا تجعل مالي في كَبِد رَطْبة، ولا تحملَه في بحر، ولا تنزلَ به في بطن مسيل، فإن فعلت شيئًا من ذلك فقد ضمنتَ مالي"؛ رواه الدارقطني، ورجاله ثقات.
وقال مالك في الموطأ: عن العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن جَدِّه أنه عمل في مالٍ لعثمان على أن الربح بينهما، وهو موقوف صحيح.
المفردات:
على الرجل؛ أي: الذي يتعامل معه بالقراض والمضاربة.
ألا تجعل مالي؛ أي: تَعَهَّد ألا تضارب بمالي.
في كَبِد رَطْبة؛ أي: في الحيوانات.
ولا تحمله في بحر؛ أي: وألا تنقله بواسطة السفن والمراكب البَحْرية.
في بطن مَسِيل؛ أي: في مجرى مياه الأمطار من الأودية والشِّعاب.
فإن فعلتَ شيئًا من ذلك؛ أي: خالفت ما اشترطتُه عليك.
فقد ضمنتَ مالي: أي إذا أصابه تلفٌ بسبب مخالفتك، فيلزمك ويكون في ذِمَّتك.
العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب: هو العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب الحرقي، أبو شبل المدني، مولى الحرقة من جُهينة، روى عن أبيه، وعن ابن عمر، وأنس، وسالم بن عبدالله بن عمر، وغيرهم، وعنه ابن جريح، ومالك، وعبيدالله بن عمر، وابن إسحاق، والدراوردي، وغيرهم، وهو من رجال مسلم.
قال عبدالله بن أحمد عن أبيه: ثقة، لم أسمع أحدًا ذكَرَه بسوء.
قال ابن الأثير: توفي سنة 139هـ.
وأبوه عبدالرحمن بن يعقوب الجُهَني المدني، مولى الحرقة، روى عن أبيه، وعن أبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم رضي الله عنهم؛ ذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: تابعيٌّ ثقة.
وجده يعقوب روى عن عمر وحذيفة رضي الله عنهما، وعنه ابنه عبدالرحمن والوليد بن أبي الوليد، قال في التقريب: مقبول.
أنه؛ أي: يعقوب الحرقي المدني.
عمِل في مال لعثمان؛ أي: اتَّجر لعثمان في مال له على طريق المضاربة.
على أن الربح بينهما؛ أي: على أن ما يزيد على رأس المال من الفائدة يكون بينهما مناصفةٌ.
البحث:
قال الدارقطني: ثنا أبو محمد بن صاعد، نا محمد بن أبي عبدالرحمن المقرئ، نا أبي، نا حيوة وابن لهيعة، قالا: نا أبو الأسود، عن عروة بن الزبير وعن غيره؛ أن حكيم بن حزام صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالًا مقارضةً يضرب له به، ألا تجعل مالي في كَبِد رطبة، ولا تحملَه في بحر، ولا تنزلَ به في بطن مَسِيل، فإن فعلت شيئًا من ذلك فقد ضمنتَ مالي؛ قال الحافظ هنا: رجاله ثقات، وقال في تلخيص الحبير: رواه البيهقي بسندٍ قويٍّ؛ اهـ.
هذا وقد أجمع المسلمون على أنه لا ضمانَ على العاملِ فيما تلف من رأس المال؛ إذا لم يتعدَّ ولم يقصِّر في حفظه.
أما الأثر الموقوف الذي أخرجه مالك عن العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب عن أبيه عن جده، فقد وصفه المصنِّف هنا بأنه صحيحٌ، وذكر في التلخيص أن البيهقي رواه من طريق ابن وهب عن مالك، وليس فيه عن جَدِّه، إنما فيه: أخبرني العلاء عن أبيه، قال: جئت عثمان، فذكر قصةً فيها معنى ذلك.
هذا، ولفظ الموطأ: مالك عن العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن جده أن عثمان بن عفان أعطاه مالًا قراضًا يعمل فيه، على أن الربح بينهما، ولعل مالكًا رحمه الله ذكر هذا الأثر ليُثبِتَ أن عثمان عَمِل بالمضاربة، كما أن عمر رضي الله عنه قد عمل بالمضاربة بحضور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشورتهم، ولم يُنكر ذلك أحد؛ فكان إجماعًا.
وقد ساق مالكٌ في الموطأ قبل أثرِ عثمان أثرَ عمر رضي الله عنهما، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه قال: خرج عبدالله وعُبيدالله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو أمير البصرة، فرحَّب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمرٍ أنفعُكما به لفعلتُ، ثم قال: بلى، ههنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكما فتبتاعان به متاعًا من متاعِ العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، فيكون لكما الربح، فقالا: ودِدْنا، ففعل، وكتب إلى عمرَ بنِ الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأربحا، فلما رفعا ذلك إلى عمر بن الخطاب قال: أَكُلَّ الجيش أسلفه مثلما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين، فأسلفكما، أدِّيا المال وربحَه، فأما عبدالله، فسكت، وأمَّا عبيدالله، فقال: ما ينبغي لك يا أميرَ المؤمنين هذا، لو نقص المال أو هلك لضمناه، فقال عمر: أدِّياه، فسكت عبدالله، وراجعه عُبيدالله، فقال رجل مِن جلساء عمر: يا أميرَ المؤمنين لو جعلته قراضًا؟ فقال عمر: قد جعلته قراضًا، فأخذ عمرُ رأسَ المال ونصف ربحه، وأخذ عبدالله وعبيدالله نصفَ ربح المال؛ اهـ.
قال الحافظ في تلخيص الحبير: حديث إن عبدالله وعبيدالله ابنَي عمر بن الخطاب لقيا أبا موسى الأشعري بالبصرة مَصرِفَهما من غزوة نهاوند، فتسلَّفا منه مالًا، وابتاعا به متاعًا، وقدِما به المدينة فباعاه وربحا فيه، فأراد عمر أخذَ رأسِ المال والربح كلِّه، فقالا له: لو تلف كان ضمانةً علينا، فكيف لا يكون ربحُه لنا؟ فقال رجل لأمير المؤمنين: لو جعلته قراضًا، فقال: قد جعلته، وأخذ منهما نصفَ الربح؛ مالك في الموطأ، والشافعي عنه، عن زيد بن أسلم عن أبيه به أتم من هذا السياق، وإسناده صحيح؛ اهـ.
وقد ذكر الزُّرقاني أن الرجل الذي قال لعمر: لو جعلتَه قراضًا هو عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، ولا إشكال في قول عبيدالله: لو نقص المالُ أو هلَك لضمنَّاه؛ لأن مبدأَ أخذهما المالَ كان على طريق السلف والقرض، ولو هلَك المال حينئذٍ لضمنَّاه؛ لكن عمر رضي الله عنه - وهو المسؤول الأكبر عن هذا المال، والإمام المفوَّض إليه القرار النهائي - اعتبره قراضًا بمشورة عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، فتغيَّر الحال.
والمقصود هو إثبات أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرُّوا القراض والمضاربة من غير نكير مِن أحد منهم، فكان إجماعًا، وقد نقل هذا الإجماعَ غيرُ واحد من الأئمة، قال أبو عمر: أجمع العلماء على أن القراض سُنَّةٌ معمول بها؛ اهـ.
هذا، وقد اتفق أهلُ العلم على أنه إذا اشترط أحدُ المتعاقدين في المضاربة لنفسه شيئًا زائدًا معيَّنًا من الربح، فإن هذا الشرط يعتبر مُلغًى.
ما يستفاد من ذلك:
1- مشروعية القراض والمضاربة.
2- يجوز لصاحب رأس المال أن يشترط على العامل ما يراه صالحًا لحفظ المال وصيانته من الفساد، فإن خالف العاملُ مثلَ هذا الاشتراط وفسد المال، فإنه يضمن.
3- رأس المال يُعتبَر أمانةً في يد المضارب، فلا يضمنه إن تلف إلا إذا قصَّر في حفظِه، أو خالف شرط صاحب رأس المال.
4- المضاربة من أبواب تنمية المال دون حاجةٍ إلى الربا، أو (البنوك) الربويَّة المحرَّمة.
5- يجوز تحويلُ القرض إلى رأس مال في القراض والمضاربة، ولا يكون من باب: (قرض جرَّ نفعًا).
6- إذا تحوَّل ما في ذمة من قرض إلى قِراض، زال عن كونه في ضمان العامل واعتبر أمانة.