فتاوى نور على الدرب [639]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما معنى حديث: ( من مس الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له )، ولماذا خص الحصى بهذا الحديث؟

الجواب: الحصى: هي الحصباء التي فرش بها المسجد وكان مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته مفروشاً بالحصباء، ومعنى: ( مَنْ مس الحصى فقد لغا ) أي: من مسه حال خطبة الإمام يوم الجمعة عبثاً فقد لغا؛ وذلك لأنه تله عن استماع الخطبة، ومن لغا فلا جمعة له، أي: أنه يحرم من ثواب الجمعة؛ لأن من أهم مقصود الشرع في صلاة الجمعة: الخطبة والاستماع إليها، فإذا تشاغل عنها الإنسان بمس الحصى فإنه يكون قد حرم هذه الحكمة العظيمة فيحرم من ثواب الجمعة، وهذا يدل أنه يجب على الإنسان حال خطبة الجمعة أن يكون منصتاً مستمعاً لما يقوله الخطيب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ومن قال له: أنصت فقد لغا ).

السؤال: إذا لبست الخفين ثم خلعتها عند النوم وعند الفجر لبستها ومسحت عليها ومدة المسح عليها لم ينته، فهل هذا جائز؟

الجواب: هذا ليس بجائز؛ لأن الإنسان إذا مسح الخف ثم خلعه بعد مسحه فإنه لا يعيد المسح عليه إلا بعد أن يتوضأ وضوءاً كاملاً يغسل فيه رجليه ثم يلبس الخف من جديد، وعلى هذا فمن كان يعتاد أن يخلع خفه عند النوم أو عند دخول المسجد أو عند دخول المجالس فإنه يمسح على الجورب الذي تحته حتى يكون في سعة.

السؤال: إذا اغتسل الإنسان ثم لمس عورته فهل عليه شيء؟

الجواب: ليس عليه شيء، يعني أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، لكن إذا كان لشهوة فإنه ينقض الوضوء؛ لأن بهذا التفصيل تجتمع الأدلة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ قال: ( لا إنما هو بضعة منك ) أي: جزء منك، ومس الإنسان جزءاً من نفسه لا يعتبر ناقضاً للوضوء فهو كما لو مس رجله بيده فإن وضوءه لا ينتقض.

والحديث الآخر حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من مس ذكره فليتوضأ ) يدل على وجوب الوضوء من مس الذكر.

والجمع بينه وبين الحديث الأول أن يقال: إن مسه الإنسان لشهوة فإنه يخالف مس بقية الأعضاء فينتقض وضوؤه، وأما إذا مسه لغير شهوة فإنه لا ينتقض وضوءه، وليعلم أن المس هو المس بلا حائل، أما إذا كان مع حائل فإن ذلك لا يعد مساً فلا ينقض الوضوء حتى لو كان لشهوة فإنه لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه ما يوجب الوضوء.

السؤال: إذا وجب على والدتي كفارة فهل يجوز أن أكفر عنها؟

الجواب: نعم، إذا وجب على أحد كفارة وكفَّر عنه أحد بإذنه فلا بأس؛ لأنه يكون كالوكيل له، والوكيل في دفع الكفارات وفي دفع الصدقات وكالته نافذة وصحيحة، وسواء أخرج الكفارة من مال والدته أو من ماله هو.

السؤال: ما حكم الصلاة خلف الإمام ومن خلفه يكرهونه؟

الجواب: الصلاة خلف الإمام الذي يكرهه من خلفه صحيحة، ولكن يبقى النظر: هل الأولى للإمام أن يبقى في الإمامة وأهل المسجد يكرهونه؟

والجواب على ذلك: أنه لا ينبغي له أن يبقى إماماً في المسجد إذا كان أهل المسجد يكرهونه؛ لأن المقصود من الجماعة هو الإلفة والاجتماع، ومع الكراهة لا يكون إلفة ولا اجتماع، فإذا رأى الإنسان أن أكثر أهل المسجد يكرهونه فالأفضل له أن يدعه وأن يطلب مسجداً آخر يكون إماماً فيه.

السؤال: أحرمت بالعمرة وكنت قد تركت الإحرام من الميقات ولبست سروالاً قصيراً، فما حكم ذلك؟ وماذا يجب علي؟

الجواب: أولاً: يجب أن نعلم أنه لا يحل لإنسان أن يتجاوز الميقات وهو يريد الحج أو العمرة إلا أن يحرم منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت المواقيت وأمر بالإحرام منها لمن أتاها وهو يريد الحج أو العمرة.

ثانياً: إذا فعل الإنسان هذا -أي تجاوز الميقات بلا إحرام وهو يريد الحج أو العمرة- فإنه آثم عاص لله ورسوله، وعليه عند أهل العلم فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء ولا يأكل منها شيئاً؛ جبراً لما ترك من واجب الإحرام حيث ترك واجباً في الإحرام وهو أن يكون الإحرام من الميقات.

السؤال: حجت والدتي متمتعة لكنها لم تسعى بين الصفا والمروة إلا أربعة أشواط لأنها مريضة، وطلبت أن أحضر لها العربة لحملها عليها وأكمل معها السعي ولكنها رفضت لجهلها ظناً منها أنها تشعر بالحرج والعجز، وهذا جهل منها، مع العلم بأنني في العام القادم ذبحت هدي في مكة المكرمة ولكن: هل يجزي ذلك أم نكمل لها الأشواط المتبقية، مع العلم بأنها مصرة ومن الصعب أن تحضر مرة أخرى وذلك لمرضها؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب: مسألتها مشكلة على قواعد الفقهاء رحمهم الله، وذلك لأن عملها هذا يتضمن أنها أحرمت بالحج قبل أن تتم العمرة في وقت لا يصح فيه إدخال الحج على العمرة؛ لأن إدخال الحج على العمرة إنما يكون قبل الشروع في طوافها، وهذه قد طافت وسعت أربعة أشواط، فيكون إدخال الحج على العمرة في هذه المسألة خطأ، فمن العلماء من يقول: إن إحرامها بالحج غير منعقد وأنه لا حج لها، وفي هذه الحال يجب أن ترجع إلى مكة على إحرامها وتسعى وتقصر.

لكن لو قال قائل: إنه في مثل هذه الضرورة يحكم بصحة دخول إدخال الحج على العمرة وتكون بذلك قارنة ويكفيها سعي واحد لكنت أرجو أن لا بأس بذلك.

ثم إنه يقول: إن أمه أبت أن يأتي بالعربة لتكمل عليها أشواط السعي. أقول: في مثل هذه الحال حتى لو أبت الأم يجب عليه أن يبين لها أن عمرتها لم تتم، وأنه يلزمها أن تتم عمرتها ويؤكد عليها حتى لو غضبت؛ لأن هذا أمر عبادة لا يمكن أن يراعى فيها جانب المخلوق.

السؤال: ما حكم الصلاة التي نصليها في فناء أو حوش المسجد؟ وهل هذا الحديث ينطبق عليه قول: ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ) علماً بأن الحوش في المسجد تابع له، وجزاكم الله خيراً.

الجواب: الصلاة في ساحة المسجد أو برحة المسجد أو حوش المسجد إن كان جميع المصلين صلوا فيه فلا إشكال في جوازه، وأما إذا كان المصلون يصلون داخل المسقوف وهؤلاء يصلون في الخارج فيقال لهم: خالفتم السنة؛ لأن السنة أن تتقارب الصفوف بعضها من بعض، وأن لا تصلوا في مكان والإمام يصلي في مكان آخر، لكن صلاتهم على كل تقدير صحيحة.

السؤال: إذا حلف شخص على شيء وهو يعلم بأنه كاذب وبعد أن حلف قال: أستغفر الله وأتوب إليه فما حكم ذلك؟ وهل عليه كفارة؟

الجواب: إذا حلف على شيء يعلم أنه كاذب فيه فقد تحمل إثمين:

الإثم الأول: الكذب.

والإثم الثاني: الاستهانة باليمين حيث حلف على كذب، فيكون كما قال الله فيهم: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [المجادلة:14] ، فعليه أن يتوب إلى الله من هذا الذنب الذي فعله والذي تضمن سيئتين، ولا كفارة عليه؛ لأن الكفارة إنما تكون في الحلف على شيء مستقبل، أما الحلف على شيء ماضي فهو إما سالم وإما آثم، فإن كان يعلم أنه كاذب أو يغلب على ظنه أنه كاذب فهو آثم، وإن كان يعلم أنه صادق أو يغلب على ظنه أنه صادق فهو غير آثم.

أما الكفارة فلا تجب في الحلف على أمر ماض ولو كان كاذباً فيه.

السؤال: سائلة تذكر بأنها مدرسة وتريد أن تترك التدريس لتتفرغ لعبادة الله عز وجل، تقول: فهل في عملي هذا خطأ؟ وإذا لم يكن خطأ فما الحكم جزاكم الله خيراً إذا لم يوافق والدي على ذلك؟

الجواب: أرى أن تبقى في التدريس؛ لأن التدريس نشر للعلم وعبادة متعدية، ونفعها يتعدى إلى الغير، بخلاف العبادة الخاصة، اللهم إلا أن يكون لها أولاد وزوج وهي مشغولة بهم وإذا ذهبت إلى التدريس أضاعت حق الله فيهم أو اضطرت زوجها إلى أن يأتي بخادم؛ فهنا نقول: بقاؤها في بيتها أفضل.