أرشيف المقالات

شرح حديث: لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
شرح حديث: لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى


عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال: إنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تراهم، فقال: المرأة، المرأة.
قال الزبير: فتوسمت أنها صفية، قال: فخرجت أسعى إليها، قال: فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فَلَدَمَتْ في صدري، وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك عني لا أرض لك، فقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزم عليك، قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفِّنوه فيهما، قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل فعل به كما فعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة[1] وحياء أن يكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له، فقلنا لحمزة ثوب والأنصاري ثوب، فقدّرناهما، فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له.
[2]
 
من فوائد الحديث:
1- هذه الصحابية رُغم مصابها الأليم إلاّ أنها استجابت مباشرة، لطلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمرِه لمّا قال لها ابنها الزبير - رضي الله عنه -: ( إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزم عليك، قال: فَوَقَفَت ).
فقد وقفت في مكانها، ولم تتحرك.
 
2- في البداية لم يعرف الزبير - رضي الله عنه - من تكون تلك المرأة، التي كانت متجهة للقتلى، ثمّ بعد ذلك، توسّم من جسمها، ومن مشيتها، أنّها أمّه صفيّة بنت عبدالمطلب رضي الله عنها.
 
3- النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا لم يعرف أنّها صفيّة عمّته رضي الله عنها، بدليل أنّه قال: المرأة، المرأة، أي: أدركوا هذه المرأة، لا ترى القتلى، خاصة أنّ فيهم من مُثّل به.
 
4- إنّ شكل الميّت يكون له رهبة في نفس الرائي، كيف والرائي امرأة، بل وترى قريبها، والعزيز لديها، وهو مجندل على الأرض، والدماء تسيل منه، وقد مُثّل به، إنه منظر مؤلم، ومقزز للنفوس، ومهيّج للبكاء.
 
5- كان هذا الموقف الرهيب في غزوة أحد، في السنة الثالثة من الهجرة.
 
6- شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورحمته بأصحابه، وبأمّته.
 
7- قوة ونشاط الصحابية صفيّة رضي الله عنها، حيث قال عنها ابنها الزبير: (فَلَدَمَتْ في صدري، وكانت امرأة جلدة).
 
8- يحتاج الإنسان في الأمر الجلل، أو الخطير أن يجري.
أو يسعى بقوّته.
 
9- قد يجوز النظر للمرأة الأجنبية إذا اقتضى الأمر، وفيه مصلحة راجحة، لا للمتعة واللذّة في قوله: ( فتوسّمت أنّها صفيّة ).
فهنا الزبير - رضي الله عنه - نظر إلى المرأة، فمن خلال النظر إلى جسدها، وطريقة مشيتها، تبيّنت له.
 
10- قوله: ( تشرف على القتلى ): أي كادت أن تصل إلى المكان الذي فيه مجموعة من قتلى المسلمين.
 
11- قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( المرأة، المرأة ) أي: أدركوا المرأة، والحقوا بها، واجعلوها ترجع لا ترى منظر القتلى.لأنّ بعض المناظر تؤثر في النفوس.
 
12- فطنة الزبير - رضي الله عنه - وذكائه.
 
13- قول صفية رضي الله عنها: ( إليك عنّي لا أرض لك ) دعاء لا يقصد به، إنما جرى به اللسان.
 
14- تأثّر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقتل عمّه حمزة - رضي الله عنه -، تأثّراً بالغاً.
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ على حمزة وقد مُثّل به فقال " لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية، حتى يُحشر من بطونها " [3].

15- كان حمزة - رضي الله عنه - فارساً عظيماً في الجاهلية والإِسلام.

16- استُشهد حمزة - رضي الله عنه - على يد العبد الحبشي وحشي - رضي الله عنه - حينما كان كافرا، ولم يُقتل مواجهةً ولا مبارزة.

17- وحشي بن حرب صحابي رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسلم على يديه، ولا حجّة لمن أنكر صحبته، وجعله من التابعين.
وقَتْلُه لحمزة - رضي الله عنه -، وإن كان هذا الحدث عظيم الوقع على المسلمين، وخاصّة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنّ هذا كان في الجاهلية، فلا يُسأل عنه، إضافة إلى أن الإسلام يجبّ ما قبله.

18- قوله: ( فُعِل به كما فُعِل بحمزة ) أي: إنّه مُثّل بهذا الأنصاري - رضي الله عنه -, وتمّ تشويه جثّته، كما فُعِل بحمزة - رضي الله عنه -.
 
19- كانت غزوة أُحد، من الغزوات المشهورة في التاريخ الإسلامي، حيث خالف الرماة فيها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانت الهزيمة بسبب هذه المخالفة، وقد كان النصر حليف المسلمين في بداية المعركة.
 
20- جواز القرعة، في قوله: ( فأقرعنا بينهما ).
 
21- قلّة ذات اليد عند المسلمين، في ذلك الوقت.
 
22- الحياء من الإيمان.
 
23- تكاتف المسلمين مع بعض.
 
24- حُبّ الصحابة لنبيهم - صلى الله عليه وسلم - أكثر من نفوسهم.

[1] الغضاضة: المنقصة والعيب.
(موقع معجم المعاني).

[2] مسند الإمام أحمد 2/ 195 رقم 1418 وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
مسند أبي يعلى 2/ 45 رقم 686.السنن الكبرى للبيهقي 2/ 563 رقم 6684.
وصححه الألباني في إرواء الغليل 3/ 165 رقم 711.

[3] سنن أبي داود 3/ 164 رقم 3138.سنن الترمذي 3/ 335 رقم 1016.
وحسّنه الألباني في صحيح الجامع 2/ 941 رقم 5324.والعافية أي: السباع والطير التي تقع على الجيف فتأكلها.
شرح سنن أبي داود للعيني 6/ 66.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢