فتاوى نور على الدرب [620]


الحلقة مفرغة

السؤال: التسخط من المصائب والكوارث ما حكمه في الشرع جزاكم الله خيراً؟

الجواب: فإن من أصول الإيمان, أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره, وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه, وأن الأمر كله يرجع إلى الله عز وجل, وأن لله الحكمة البالغة, فيما أصاب العبد من خير أو شر, والمصائب على نوعين:

النوع الأول: أن تكون تكفيرا لسيئات وقعت من المرء, وإصلاحاً لحاله, كما في قوله تبارك وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]. وقوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].

والنوع الثاني: أن تكون المصائب ليست عقوبة لسيئات وقعت من المرء, ولكن لزيادة رفعة في درجاته, وليحصل على وصف الصبر الذي أثنى الله على القائمين به وقال: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]. ومن ذلك ما يقع للرسول صلى الله عليه وسلم من المصائب التي تصيبه عليه الصلاة والسلام حتى إنه ليوعك كما يوعك الرجلان منا -أي: في المرض- من أجل أن ينال أعلى مقامات الصبر صلوات الله وسلامه عليه, وقد نال ذلك صلوات الله وسلامه عليه فهو أعلى الناس صبراً على طاعة الله, وأعلى الناس صبراً عن محارم الله, وأعلى الناس صبراً على أقدار الله المؤلمة.

وبناء على هذه المقدمة يجب على المرء أن يصبر لقضاء الله وقدره, وأن لا يتسخط؛ لأن السخط من قضاء الله وقدره نقصٌ في الإيمان بربوبيته تبارك وتعالى, إذ مقتضى الربوبية المطلقة أن يفعل ما شاء, وأنظر إلى الكرم والفضل أنه عز وجل يفعل في عبده ما يشاء, ومع ذلك يثيبه على ما حصل من هذه المصائب إذا صبر واحتسب, قال بعض أهل العلم: وللناس في المصائب مقامات أربع: التسخط, والصبر, والرضا, والشكر, أما التسخط فحرام, سواء كان في القلب, أو في اللسان, أو في الجوارح, فالتسخط في القلب أن يرى أن الله تعالى ظلمه في هذه المصيبة, وأنه ليس أهلاً لأن يصاب وهذا على خطر عظيم كما قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].

وأما التسخط بالقول فأن يدعو بدعوى الجاهلية, مثل: وا ثبوراه, وا انقطاع ظهراه, وما أشبه ذلك من الكلمات النابية التي تنبئ عن سخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله.

وأما التسخط بالأفعال فكنتف الشعور, ولطم الخدود, وشق الجيوب, وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعل هذا فقال: ( ليس منا من شق الجيوب, وضرب الخدود, ودعا بدعوى الجاهلية ).

فالتسخط هذا حرام, ومن كبائر الذنوب, والتسخط القلبي أعظم أنواعه, وأخطر أنواعه.

المقام الثاني: مقام الصبر, وهو حبس النفس عن التسخط, وهو ثقيل على النفس لكنه واجب؛ لأنه إذا لم يصبر تسخط, والتسخط من كبائر الذنوب, فيكون الصبر واجباً, ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابنته التي كان عندها طفل يجود بنفسه, حضره الموت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً تدعوه للحضور, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مرها فلتصبر ولتحتسب ).

المقام الثالث: هو الرضا, يعني: بأن يرضى العبد بما قدر له من هذه المصيبة, رضاً تاماً. وقد اختلف العلماء في وجوبه, والصواب أنه ليس بواجب, ولكنه سنة؛ لأنه متضمن للصبر وزيادة, والفرق بين الصبر والرضا, أن المرء يكون في الصبر كارهاً لما وقع, لا يحب أنه وقع, لكنه قد حبس نفسه عن التسخط, وأما الراضي فهو غير كاره لما وقع, بل المصيبة وعدمها عنده سواء بالنسبة لفعل الله؛ لأنه راض رضاً تاماً عن فعل الله, فهو يقول: أنا عبده وهو ربي, إن فعل بي ما يسرني فأنا عبده وله مني الشكر, وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضا والصبر, فالأحوال عنده متساوية, وربما ينظر إلى ذلك من منظار آخر, وهو أن يقول: إن هذه المصيبة إذا صبر عليها وكفر الله بها عنه وأثابه عليها صارت ثواباً لا عقاباً, فيتساوى عنده الألم والثواب, وفي هذا ما يذكر عن رابعة العدوية فيما أظن أنه أصيبت أصبعها ولم تتأثر بشيء, فقيل لها في ذلك, فقالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها.

المقام الرابع: مقام الشكر, أن الإنسان يشكر الله عز وجل على هذه المصيبة, وهذا المقام أو الحال لا تحصل للإنسان عند أول صدمة؛ لأن مقتضى الطبيعة ينافي ذلك, لكن بالتأمل والتأني قد يشكر الإنسان ربه على هذه المصيبة, وذلك بأن يقدر المصيبة أعظم, فيشكر الله تعالى أن أصيب بهذه التي هي أهون, أو يقدر أن ألم المصيبة ألم يزول بزوال الحياة إن بقي إلى الموت, أو يزول قبل الممات والأجر والثواب الحاصل يبقى, فيشكر الله تعالى على ذلك, مثاله: رجل أصيب بحادث في سيارة فانكسرت رجله، هذه مصيبة, فيتأمل وينظر ويقول: أرأيت لو كان الانكسار في الظهر, لكانت المصيبة أعظم, فهو يشكر الله عز وجل أن كانت المصيبة بالفخذ دون الظهر, ولو كانت في الساق لكانت أهون مما إذا كانت في الفخذ, وهلم جرا.

ثم يقول: أيضاً هذه مصيبة إمَّا أن أشفى منها وأعود كما كنت في الدنيا قبل الموت, وأما أن أموت فلها أجل محتوم مقدر, لكن الأجر الحاصل عليها هو ثواب الآخرة الباقية أبد الآبدين, فيشكر الله عز وجل على هذه المصيبة التي كانت سببا لما هو أبقى وأفضل وأخير.

إذاً: فهمنا الآن أن الإنسان عند المصائب أربعة مقامات: الأول: التسخط: وهو حرام ومن كبائر الذنوب. والثاني: الصبر: وهو واجب, والثالث: الرضا: وهو سنة مستحب. والرابع: الشكر: وهو أعلى المقامات.

السؤال: سئل أحد السلف رضي الله عنهم, عن الأسماء والصفات فقال: أمرُّوها كما جاءت. ما معنى: ذلك وهل هذا القول: منسوب إلى أحد السلف؟

الجواب: هذا القول: منسوب إلى عموم السلف, يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت بلا كيف, فقولهم: أمروها كما جاءت, يعني: لا تتعرضوا لها بتحريف, أي: بتأويل يخرجها عن ظاهرها, بل أمروها على ظاهرها, ويتضمن هذا القول: أيضاً إثبات معانيها, وأنه ليس المراد مجرد إثبات اللفظ؛ لأن نصوص الصفات في كتاب الله وسنة رسوله ألفاظ جاءت لإثبات معناها, لا أن نمرها على ألسنتنا دون أن نفهم المعنى, فكأنهم يقولون: أمروها على معناها المراد بها, لا تغيروها, وقولهم: بلا كيف. أي: لا تكيفوها, وليس المعنى: بلا اعتقاد كيفية لها؛ لأن لها كيفية ضرورة إثباتها, إذ لا يمكن إثبات شيء لا كيفية له, فيكون المعنى: بلا كيف. أي: بلا تكييف لها, لا تكيفوها, لا تقولوا: كيفية وجه الله كذا وكذا, ولا كيفية يديه كذا وكذا, ولا كيفية عينيه كذا وكذا؛ لأن الله تعالى أجل وأعظم من أن يدرك العباد كيفية صفاته.

وفي هذا القول المشهور عن السلف رد على طائفتين منحرفتين.

إحداهما طائفة التعطيل التي سلبت عن الله تعالى جميع معاني صفاته, وجعلتها ألفاظا لا معنى لها, أو جعلت لها معاني مخالفة لظاهر اللفظ؛ لأن الذين لم يمروها على ما جاءت, انقسموا إلى قسمين: قسم قالوا: لا معنى لها إطلاقاً وليس علينا إلا إمرار لفظها دون التعرض لمعناها, وقسم آخر قالوا: نتعرض للمعنى, لكن حملوا المعنى على خلاف ظاهرها وأثبتوا لها معاني من عند أنفسهم لا دليل عليها من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من أقوال الخلفاء والصحابة, فالأول طائفة المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم من معطل الصفات, والثانية طريقة الأشاعرة ومن سلك سبيلهم ممن حرفوا نصوص الصفات إلى معاني ابتكروها من عقولهم, ولم ينزل له بها سلطاناً, ولم يثبتوا إلا ما زعموا أن العقل يدل عليه, كالصفات السبع التي أثبتها طائفة الأشعرية, وأنكروا من الصفات ما العقل أدل عليه من دلالة العقل على هذه الصفات التي أثبتوها.

على كل حال الجملة الأولى فيها رد على طائفتين: الأولى: من عطلت المعاني مطلقاً, والثانية: من أثبتت معاني لا دليل عليها, وربما تكون الطائفة الثانية أشد مخالفة من الطائفة الأولى؛ لأن الطائفة الأولى أمسكت وقالت: لا نثبت معنى, فنفت المعنى. وهذا نفي بلا علم بلا شك, والثانية: نفت المعنى المراد, وأثبتت معنى آخر لا يدل عليه اللفظ, فصار في ذلك جنايتان.

الجناية الأولى: نفي المعنى الذي هو ظاهر اللفظ.

والثانية: إثبات معنى لا يدل عليه اللفظ, نسأل الله الهداية للجميع.

أما قولهم: بلا كيف فهو رد على طائفة منحرفة، وهي طائفة الممثلة الذين قالوا: نثبت لله الصفات ولكنها على مثل ما كان من صفات المخلوقين, فوجه الله تعالى على زعمهم -تعالى الله عن قولهم- يكون على مثل أجمل وجه بشري, وهكذا بقيت صفاته عز وجل, وهؤلاء أيضاً خالفوا قول الله تعالى خبراً: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. وعصوا أمر الله تعالى نهياً في قوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74].

وخلاصة الجواب: أن معنى قول السلف: أمروها كما جاءت. أثبتوا هذه الألفاظ مع معانيها التي دلت عليها, وهو ما يفهم من ظاهرها على الوجه اللائق بالله عز وجل.

وقولهم: بلا كيف. رد على الممثلة, أي: لا تكيفوها، وليس المعنى: لا تعتقدوا لها كيفية؛ لأن لها كيفية، فمجرد القول: بإثباتها يستلزم أن يكون لها كيفية, لكنها غير معلومة, ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله في استواء الله على عرشه؛ الاستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, والإيمان به واجب, والسؤال عنه بدعة.

السؤال: متى تجب الزكاة في الغنم؟ وهل لها عدد محدد حتى تجب الزكاة فيها أم أن الزكاة تجب عليها حتى ولو كانت واحدة وحال عليها الحول؟

الجواب: اقتناء الغنم على وجهين:

الوجه الأول: اقتناؤها للدر والنسل, فهذه لا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين، وزكاة الأربعين واحدة من أربعين, ولا تجب الزكاة فيها حتى تكون سائمة. أي: راعية. أي: تعيش على المرعى دون أن تعلف, إما الحول كله وإما أكثر الحول.

أما النوع الثاني من اقتناء الغنم فهو: اقتناء التجار الذين يتجرون بالغنم, يشتري هذه القطعة ويبيعها ويشتري القطعة الثانية ويبيعها, فهذه فيها زكاة إذا بلغت نصابا بالقيمة ولو لم تكن إلا واحدة, فإذا قدرنا أن إنساناً رأسماله قليل, ليس عنده إلا عشر من الغنم يبيع ويشتري فيها, ففيها الزكاة حتى لو تناقصت إلى واحدة, ولكن قيمة هذه الواحدة تبلغ النصاب, فإن عليه الزكاة فيها.

السؤال: إذا مات الرجل وقبر وفي أسنانه ذهب, وقد مضى على قبره عدة سنوات, هل يجب أن يحفر القبر وتخرج الأسنان أم ماذا؟

الجواب: أولا: يجب إذا مات الميت وفي أسنانه ذهب أن تقلع أسنان الذهب؛ لأن دفنها مع الميت إضاعة مال, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال, فإن كان لا يمكن خلعها إلا بضرر على اللثة أو على بقية الأسنان, فإنها تبقى حتى يبلى الميت ثم ينبش القبر وتستخرج منه وتضم إلى التركة تورث مع التركة, وفي هذه الحال إن سمح الورثة وهم مرشدون يصح تبرعهم إن سمحوا أن تبقى للميت فهم في ذلك أحرار، لهم أن يفعلوا هذا.

السؤال: إذا نذر الشخص وهو نائم, هل يجب عليه أن يفي بما نذر أم لا؟

الجواب: ما أدري هل يصح أن أقول: يجب عليه أن يوفي بنذره وهو نائم, نذر النائم ليس بشيء, إقرار النائم ليس بشيء, جميع تصرفات النائم ليست بشيء, النائم لا ينسب إليه الفعل, حتى لو طلق زوجته وهو نائم لم تطلق، ولو أوقف ماله وهو نائم لم يكن وقفاً, ولو ظاهر من زوجته وهو نائم لم يثبت حكم الظهار في حقه, ولو طلقها لم يثبت حكم الطلاق في حقه, النائم لا حكم لتصرفه إلا في مسألة واحدة وهي فعله الذي لا يعذر فيه الجاهل, مثل: أن ينقلب على شخص إلى جنبه فيقتله, فهذا عليه الضمان, كما لو انقلبت الأم على طفلها, وضمته حتى مات. فإنها تضمنه, ويدل على أن فعل النائم لا ينسب إليه قول الله تبارك وتعالى: في أصحاب الكهف وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف:18]. فجعل الله تعالى تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال غير منسوب إليهم بل من فعله تبارك وتعالى.

السؤال: ما معنى: من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعاً؟ وهل إذا تسبب شخص بموت شخص آخر, ثم تسبب بإحياء شخص آخر ,كانت مثل هذه الكفارة لتلك؟

الجواب: معنى قوله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]. أي: من كان سببا في رفع القتل الظلم عن شخص مظلوم كان كمن أحيا الناس جميعاً, ومن قتلها بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً, هذا ما كتبه الله على بني إسرائيل كما قال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]. ومن قتل نفساً بغير حق, ثم أحيا نفساً أخرى غير مستحقة للقتل, فإن الثانية لا تكون كفارة للأولى من حيث يجب في كفارة القتل, أما من جهة الثواب فأمره إلى الله عز وجل.

السؤال: زوجتي كانت حاملاً في الشهرين الأولين, ولم نكن نريد أن تحمل, فذهبت للمستشفى وأجهضت الجنين, وكان لا يزال قطعة صغيرة من اللحم لم يتبين منه أي شيء, فهل علينا شيء أم علينا صيام؛ لأنني سألت فقالوا: لي بأنه لا عليكم شيء؛ لأنه لم يتبين هذا الجنين بعد وجزاكم الله خيرا؟

الجواب: أحب أن أقول: للأخ السائل ولمن يسمع إن تكثير النسل من مراد الشرع، وإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تكثير النسل فقال: ( تزوجوا الودود الولود ). فحث على تزوج المرأة الودود التي تتودد إلى الزوج؛ لأن توددها إلى الزوج يستلزم غالبا الاتصال بها ومجامعتها, والمجامعة يكون بها كثرة النسل, ولهذا أعقب هذا الوصف الودود بالولود. أي: كثيرة الولادة، فلا ينبغي أن نحاول تقليل الولادة مع كون الرسول عليه الصلاة والسلام يحب منا أن تكثر أولادنا.

أما بالنسبة للجواب على السؤال الخاص فأقول: إن الإجهاض في غير وقته اختلف العلماء في جوازه:

فمنهم من منعه مطلقاً وقال: إن الله تعالى جعل هذه النطفة في قرار مكين فلا ينتهك هذا القرار إلا لسبب شرعي.

ومنهم من أجاز إسقاط النطفة؛ أي: إسقاط الجنين قبل أربعين يوماً.

ومنهم من أجازه قبل أن يخلق؛ لأنه لا يعلم إذا كان علقة أيكون طفلا أم لا.

ومنهم من أجازه إلى أن تنفخ فيه الروح, فإذا نفخت فيه الروح فقد اتفقوا على منع إجهاضه إلا إذا كان ذلك عند الولادة وتعذرت الولادة الطبيعية, وأجهض بولادة عملية فلا بأس.

والذي أرى أنه لا يجوز متى تحققنا أنه حمل, أنه لا يجوز إجهاضه إلا لسبب شرعي, مثل: أن يتبين أن هذا الجنين مشوه تشويها لا يعيش معه وإيذاء نفسي له ولأهله, فحينئذٍ يجهض لدعاء الحاجة أو الضرورة إلى ذلك, وكذلك إذا خيف على أمه منه إذا ترعرع وكبر, فإنه لا بأس بإجهاضه حينئذٍ, وهذا مقيد بما إذا لم تنفخ فيه الروح, والروح تنفخ فيه إذا تم له أربعة أشهر, فإذا نفخت فيه الروح, فإنه يحرم إجهاضه مطلقاً حتى لو قرر الأطباء إنه إن لم يجهض ماتت أمه, فإنه لا يجوز إجهاضه حتى ولو ماتت أمه ببقائه, وذلك لأنه لا يجوز لنا أن نقتل نفساً لاستبقاء نفسٍ أخرى.

فإن قال قائل: إذا أبقيناه وماتت الأم فسيموت هو أيضاً, فيحصل بذلك قتل نفسين، وإذا أخرجناه فربما تنجو الأم فالجواب: أنه إذا أبقيناه وماتت الأم بسببه ومات هو بعد موت أمه فإن موت أمه ليس منا بل من الله عز وجل, فهو الذي قضى عليها بالموت بسبب هذا الحمل, أما إذا أجهضنا الجنين الذي كان حياً ومات بالإجهاض فإن إماتته من فعلنا, ولا يحل لنا ذلك.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع