فتاوى نور على الدرب [568]


الحلقة مفرغة

السؤال: كنت في سنوات بعيدة مضت أظن أن الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هي ركعات وقد صليت عدد الركعات ظناً مني في إن هذه هي الصلاة عليه وبدون شك لم أقصد أن أشرك بالله في العبادة والعياذ بالله من الشرك، لا إله إلا الله، فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟

الجواب: قبل الإجابة على هذا السؤال: أود أن أنبه أنه يجب على الإنسان ألا يعمل عملاً يتقرب به إلى الله ويتعبد به لله عز وجل حتى يكون على علم بأن هذا من شريعة الله ليعبد الله تعالى على بصيرة، دليل ذلك قوله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، فهذا الذي فهم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه الركوع والسجود له قد فهم فهماً خاطئاً باطلاً لكن لكونه مستنداً على أصل يظنه صحيحاً أرجو أن الله تعالى لا يؤاخذه بما فعل، وعليه أن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه مما قصر فيه من طلب العلم، ومادام علم الآن أن هذا ليس المقصود بالأمر بالصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه تبين له أن معنى الصلاة عليه أن تقول: اللهم صل على محمد، أو ما يؤدي هذا المعنى فأرجو الله أن يتجاوز عنه وأن يغفر له.

السؤال: يقول: ماذا أفعل إذا وجدت نجاسة في ملابسي وأكون قد صليت عدة فروض ولم أفطن لوجود هذه النجاسة جزاكم الله خيراً؟

الجواب: لا تفعل شيئاً فإن صلاتك صحيحة؛ لأن القول الراجح من أقوال العلماء رحمهم الله أن الإنسان إذا صلى في نجاسة على ثوبه أو بدنه أو مصلاه وهو لا يعلم بها فإن صلاته صحيحة ودليل ذلك قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت، وقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] وهذا لم يتعمد؛ ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في أصحابه ذات يوم وفي أثناء الصلاة خلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما قضى الصلاة قال لهم: ( ما بالكم يعني: خلعتم النعال؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا أي نجاسة )، ولم يستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بل مضى في صلاته، فدل ذلك على أن من صلى في نجاسة على ثوبه أو بدنه أو مكان صلاته وهو جاهل لا يعلم بها فإن صلاته صحيحة.

وكذلك أيضا لو صلى في النجاسة ناسياً أي: نسي أن يغسلها وصلى ثم لما انتهى من صلاته ذكر أنه كان عليه نجاسة فإن صلاته صحيحة؛ لأن النسيان أخو الجهل فإن الناسي لا يفعل المعصية عن عمد بل قد سمعت أيها السامع أن الله تعالى قال في قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال: قد فعلت، فإن قال قائل: وهل مثل ذلك لو صلى الإنسان على حدث ولم يعلم أنه على حدث إلا بعد صلاته أو نقض وضوءه فنسي أن يتوضأ فصلى؟ قلنا: ليس كذلك، يعني: ليس نسيان الوضوء أو الجهل بالناقض كنسيان النجاسة أو الجهل بالنجاسة بل يجب عليه إذا ذكر أنه لم يتوضأ أن يتوضأ ويعيد الصلاة من جديد، وكذلك لو انتقض وضوؤه وصلى ونسي أنه انتقض وضوؤه فإن صلاته صحيحة فإن قال قائل: الرجل يستيقظ من نومه فيجد على ثوبه أثر جنابة ولكنه لا يدري أهو من هذه النومة الأخيرة أو من التي قبلها أو من التي قبل قبلها فهل يلزمه أن يعيد الصلوات من النومة الأخيرة أومن التي قبلها أو من التي قبل قبلها؟ فالجواب: أنه لا يلزمه أن يعيد إلا الصلاة التي صلاها بعد آخر نومة نامها؛ وذلك لأن هذه الجنابة قد شك هل هي من النومة الأولى أو الثانية أو الثالثة التي هي الأخيرة، والأصل الطهارة في النومة الأولى وفي النومة الثانية فلم يبق إلا النومة الأخيرة، فعلى هذا فلا تلزمه إلا إعادة الصلوات التي كانت بعد الأخيرة فيغتسل ثم يصلي ما صلاه في هذه الجنابة، مثال ذلك: رجل صلى الفجر ثم نام ثم قام فصلى الظهر ثم نام ثم استيقظ فصلى العصر ولما صلى العصر وجد أثر جنابة فلا يدري أهي من نومة الليل أو من النومة بعد الفجر أو من النومة بعد الظهر فنقول: اجعلها من النومة التي بعد الظهر ولا يجب عليك إلا إعادة صلاة العصر فقط؛ لأن النومة التي بعد الفجر والتي قبل الفجر مشكوك في وجود الجنابة فيهما، والأصل عدم الجنابة، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما شكي إليه الرجل يجد في بطنه شيئا فيشكل عليه أخرج منه شيء أم لا قال: ( لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )، فلم يحكم عليه الصلاة والسلام بالحدث إلا باليقين.

السؤال: بسبب سوء تفاهم حدث بيني وبين زوجتي أرسلت لها رسالة أبلغتها بأنها طالق ويحرم وجودك في البيت، وبعد فتره حصل عندي الندم وفكرت فيما يترتب بعد الطلاق علماً بأن لي منها ثلاثة أطفال فما المطلوب مني لإرجاعها أفيدوني مأجورين؟

الجواب: نعم، إذا كانت لا تزال في العدة ولم يسبق أن طلقتها مرتين قبل ذلك فالطريق إلى إرجاعها أن تشهد شاهدين بأنك راجعت زوجتك فلان، وعليك إذا رجعت إلى بيتك عليك كفارة يمين؛ لأنك حرمت وجودها في البيت والتحريم له حكم اليمين لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2] ، أما إذا كانت هذه هي الطلقة الثالثة فإنها تبين منك ولا تحل لك إلا بعد زوج، ولكن إذا كان غضبك شديداً لا يمكنك أن تملك نفسك من أجله فإنه لا طلاق عليك سواء كان هذه الطلقة هي الثالثة أو التي قبلها، وإنني أنصحك بأن لا تكون سريع الغضب أو شديد الانفعال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: أوصني يا رسول الله قال: ( لا تغضب، فردد مراراً قال: لا تغضب )، فالذي ينبغي للإنسان أن يملك نفسه عند الغضب، وإذا أحس بالغضب فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم إن كان قائماً فليجلس، وإن كان جالسا فليضطجع، وليتوضأ فإن ذلك يذهب غيظه وغضبه إن شاء الله.

السؤال: هذا السائل يقول: ما حكم غيبة تارك الصلاة أرجو منكم الإفادة؟

الجواب: تارك الصلاة بالكلية أي: الذي لا يصليها لا في المسجد ولا في بيته كافر خارج عن دين الإسلام، والكافر لا غيبة له إلا أن يكون له أقارب مسلمون تسوؤهم مغيبته فحينئذٍ لا يغتابه مراعاة لأقاربه المسلمين.

السؤال: أفضل الصلاة طول القنوت، أرجو توضيح معنى القنوت قال صلى الله عليه وسلم: ( أعني على نفسك بكثرة السجود ) هل يقصد بالسجود الصلاة، أرجو التفصيل في سؤالي؟

الجواب: أما الجملة الأولى: أفضل الصلاة طول القنوت فالمعنى: طول الدعاء في الصلاة؛ لأن القنوت هو الدعاء، وإذا طال الدعاء لزم من ذلك طول بقية الأركان؛ لأن المشروع في الصلاة أن تكون متناسبة فإذا أطال قراءتها أطال ركوعها وإذا أطال ركوعها أطال سجودها، وإذا أطال سجودها أطال الجلوس بين السجدتين، وإذا أطال الجلوس بين السجدتين أطال القيام بين الركوع والسجدة.

وأما ( أعني على نفسك بكثرة السجود )، فالمراد به كثرة الصلاة، والسجود يطلق على الصلاة؛ لأنه ركن فيها، وما كان ركناً في العبادة صح أن يعبر به عنها، ولهذا قال الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] وقال تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] والمراد بذلك كلها الصلاة.

السؤال: هل هذا حديث: ( ألا أدلكم على كلمة تنجيكم من الشرك تقرؤون: قل يأيها الكافرون عند منامكم

الجواب: هذا الحديث لا يصح، فلم يثبت استحباب قراءة: (قل يا أيها الكافرون) عند المنام، وأما كون هذه السورة إخلاصاً فهو صحيح، فإن فيها نفي عبادة غير الله، ونفي التعبد بغير ما شرع الله، قال الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:1-6] ففي هذه الآية البراءة من الشرك وأهله وهذا خالص التوحيد، ولهذا تسمى هذه السورة مع سورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] سورتي الإخلاص؛ لأن في هذه السورة: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] إخلاص العبادة، وفي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] إخلاص المعبود.

السؤال: أنا دائماً أحاول الابتعاد والاحتجاب عن الرجال حتى ولو بالحجاب الشرعي الكامل، ولكن أهلي وبعض الناس ينكرون عي ذلك ويقولون: بأنك متزمتة فما رأي الشرع في نظركم في ذلك مأجورين؟

الجواب: اصبري واحتسبي واثبتي على ما أنت عليه من الحجاب الشرعي، ولا يضرك قول الناس: أنت متزمتة أو متشددة أو ما أشبه ذلك، فنسأل الله للجميع معرفة الحق وأتباعه.

أما نصيحتي لأهلك ومن ينكرون عليك فأقول لهم: اتقوا الله عز وجل، احذروا غضبه، لا تنكروا ما جعله الشرع معروفاً، ولا تنكروا على الشباب الذين بدؤوا والحمد لله يتبعون الطريق الصحيح سواء كانوا من الرجال أو كانوا من النساء، وإننا لنسأل الله تعالى أن ينشئ في المسلمين أجيالاً صالحة يحكمون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

السؤال: إذا سألني شخص عن شيء لا أرغب في التحدث فهل يجوز أن أقول: الله أعلم؟

الجواب: نعم لا بأس إذا سألك سائل عن شيء لا تحبين أن تخبريه به فقولي: الله أعلم، ولكن بهذه المناسبة أنصح بعض الناس الذين يحرجون غيرهم بالسؤال عن أمور خاصة لا يحبون أن يطلع عليها الناس، وأقول ليذكر هؤلاء قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، فالواجب ألا يحرج الناس في سؤالهم عن أحوالهم الخاصة، وللمسئول أن يقول: الله ورسوله أعلم، وله أن يقول لهذا السائل: اتق الله يا أخي! لا تسأل عما لا يعنيك، فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

السؤال: أنا شاب مسلم والحمد لله في السابعة عشر من العمر أدرس في المرحلة الثانوية والحمد لله أصلي وأقرأ القرآن، جدي إمام مسجد ولي ابنة عم تدرس في مدرسة الشريعة الإسلامية ويريد جدي أن يزوجني ابنة عمي، وأنا أريدها لدينها ولكن أبي وأمي عندهم بعض التحفظ فهل أخطبها رغم أنني أعلم بأنني لا أستطيع أن أجد مثل خلقها ودينها، وهل تصح الخطبة لمدة ثلاث سنوات حتى أتمكن من شق طريقي بنفسي لتحصيل المال الكافي أرجو الإفادة أفادكم الله ؟

الجواب: أرى أن تمضي في خطبة هذه المرأة ما دامت قد أعجبتك في دينها وخلقها، وأن تقنع والديك بذلك، فان أصرا على كراهة خطبتك إياها فامضِ في خطبتها ولا تهتم بمعارضتهما إلا أن يذكرا سبباً شرعياً يوجب العدول عن خطبتها؛ لأن مثل هذه الأمور مسائل شخصية تتعلق بالإنسان نفسه، لكن ذُكر في السؤال أن الجد هو الذي يريد أن يزوجه فإن كان عمه موجوداً فإن الجد لا يمكن أن يزوج مع وجود الأب الأدنى إلا إن وكله الأب الأدنى، وإن كان الأب الأدنى ميتاً أو ليس أهلاً للتزويج فليزوجها الجد.

السؤال: أن تلقوا الضوء على الحديث التالي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء ).

الجواب: معنى هذا الحديث: أن الدنيا عند الله تعالى ليست بشيء ولا تساوي شيئاً، إذ لو كانت عند الله شيئا له وزنه ما سقى الكافر منها شربة ماء؛ لأن الكافر ليس أهلاً لذلك، وهذا الحديث قد تكلم فيه أهل العلم في صحته عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن إن صح فمعناه ما قلنا.