فتاوى نور على الدرب [547]


الحلقة مفرغة

السؤال: لي مجموعة من العقار -الشقق- وأريد أن أجرها، وعلمت من صاحب المكتب أن بعض هؤلاء الذين سيستأجرون هذه الشقق لا يصلي. فما نصيحتكم لي؟

الجواب: ينبغي للإنسان إذا كان لديه عقار يؤجره، سواء كان عمارة مشتملة على شقق كثيرة أو بيتاً خاصاً، ألا يؤجره إلا لمن يُرضى في دينه وخلقه مساعدة لهذا المستأجر على مهماته وقضاء لحاجاته.

أما إذا كان المستأجر ممن عرف بالشر والفساد وترك الواجبات ولا سيما الصلوات فإنه لا ينبغي أن يؤجره، لكني لا أجزم بالتحريم -أي: بتحريم تأجيره- لأن هذا المستأجر لم يستأجر المكان ليختبئ فيه عن الصلاة، لو كان الأمر كذلك لجزمت بالتحريم، لكنه استأجره ليسكنه سكناً مباحاً، فإذا عصى الله فيه فإن ذلك لا يقتضي تحريم تأجيره.

السؤال: لي أخ شقيق وهو فقير، هل يجوز أن أعطيه من زكاة أموالي رغم أنه لا يصلي، وأنا غني ولله الحمد؟

الجواب: إذا كان أخوك لا يصلي أبداً لا في المسجد ولا في البيت فلا تعطه من زكاتك؛ لأنه مرتد عن الإسلام، إلا إذا اشترطت عليه أن يعود إلى دينه ويصلي فحينئذٍ أعطه أولاً صدقة تأليفاً له على الإسلام وترغيباً له فيه، ثم إذا استقام ومشت أحواله على الوجه المرضي فأعطه من زكاتك، وإن لم يكن له أولاد وأنت وارثه الوحيد فإنه يجب عليك أن توفر له النفقة من مالك لا من الزكاة.

السؤال: يقول: إذا أصابت الإنسان جنابة هل يكتفي بالاستحمام دون الوضوء، أو أنه يلزمه الوضوء بعد الاستحمام؟

الجواب: نعم إذا أصاب الإنسان جنابة فإنه يكفيه الغسل عن الوضوء، لكن لابد من المضمضة والاستنشاق، ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى: (( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ))[المائدة:6] ولم يذكر صفة معينة، فإن قال قائل: هذا مجمل والسنة بينت أنه لابد من الوضوء قبل الغسل ومن غسل الرأس ثلاثاً قبل غسل بقية البدن حسب ما جاءت به السنة، قلنا: هذا الإيراد وارد، لكن قد ثبت في صحيح البخاري في حديث عمران بن حصين الطويل في قصة الرجل الذي اعتزل قومه ولم يصل، فسأله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك، فقال: ( أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم حضر الماء فأعطى هذا الرجل منه وقال: خذ هذا أفرغه على نفسك )، ولم يبين له صلى الله عليه وسلم كيفية معينة، فدل هذا على أنه متى حصل تطهير جميع البدن ارتفعت الجنابة ويدخل الحدث الأصغر في الحدث الأكبر، كما تدخل العمرة في الحج فيمن حج قارناً.

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تصلي سنة الفجر بعد انتهاء الصلاة في المساجد أم لا؟

الجواب: نعم، يجوز للمرأة أن تصلي سنة الفجر ولو بعد أن فرغ الناس من صلاة الجماعة؛ لأنها غير مرتبطة بهم، ومن المعلوم أن سنة الفجر تكون قبلها، فإذا قدر أنها لم تستيقظ إلا بعد أن خرج الناس من صلاة الجماعة فإنها تصلي الراتبة أولاً ثم تصلي الفريضة ثانياً.

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تتصدق بنصيبها من ميراث الزوج على إخوان الزوج؟

الجواب: نعم، يجوز أن تتصدق الزوجة بنصيبها من زوجها على إخوان زوجها إن كانوا فقراء، وإن كانوا أغنياء فيكون ذلك هدية وتبرعاً.

السؤال: إنني شاب أعاني من سوء الخلق، سواء في المعاملة أو بالكلام رغم محاولاتي المستمرة لإصلاح ذلك، مع أنني ولله الحمد ألتزم بأداء الفرائض في أوقاتها وأداء النوافل وتلاوة كتاب الله، هل من علاج لهذا الأمر؟

الجواب: الذي يظهر أن علاج هذا الأمر سهل، ما دام هذا السائل على الوصف الذي ذكره، فإنه ينبغي له إذا غضب أن يحبس الغضب وأن يكظمه؛ لأن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ( أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب )، فليعالج نفسه بتهدئة أعصابه، وإذا غضب استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم إن كان قائماً جلس، وإن كان جالساً اضطجع، ولا يلزم أن تأتي الأمور دفعة واحدة وتصح الحال ربما يكون ذلك بعد معالجة طويلة، لكن لا يترك نفسه من العلاج.

ثم إنه يجب أن يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء في أن يعصمه من هذا الخلق الذميم، والله سبحانه وتعالى إذا علم من عبده صدق التوجه إليه والافتقار إليه فإنه يعينه ويثيبه.

السؤال: تسببت من غير قصد في قتل فرخي طائر فهل من كفارة لذلك؟

الجواب: ليس عليه شيء في هذا إطلاقاً، لا إثم ولا كفارة لأنه لم يتعمد ولم يتقصد.

السؤال: اختيار الأسماء للأطفال مثل: أفنان آلاء من القرآن، هل في ذلك حرج؟

الجواب: الكلام على نفس الاسم هل فيه محظور فإنه لا يسمى به سواء كان مما جاء في القرآن أم لا، أما إذا لم يكن فيه محظور فلا بأس به سواء كان مما جاء في القرآن أم مما لم يأتي به.

السؤال: هل تجوز قراءة القرآن على الأموات وذلك في المآتم التي تعمل لهم، وقد يستمر هذا المأتم لمدة ثلاثة أيام، وكذلك نرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا هل هذا المآتم التي تقام للأموات جائزة؟

الجواب: المآتم التي تقام للأموات أدنى ما يقال فيها أنها مكروهة؛ لأنها بدعة لم تكن من عادة السلف الصالح، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( كل بدعة ضلالة )، وما ينفق فيها من الأموال إن كان من تركة الميت وفيهم صغار فإن ذلك جناية على الصغار وأكل لأموالهم بالباطل.

ثم إن ما يقرأ فيها وما يتلى من كتاب الله ليس فيه أجر؛ لأن غالب القراء الذين يقرءون إنما يقرءون بأجرة، والقاري إذا قرأ القرآن بأجرة لم يكن له ثواب عند الله وثوابه ما ناله من أمر الدنيا، وإذا لم يكن له ثواب عند الله لم ينتفع الميت بقراءته؛ لأنه ليس فيها أجر، فصار إعطاؤه الأجرة إتلاف للمال وإضاعة له، وقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن إضاعة المال، وإن قدر أن هذا القارئ متبرع فإن حضوره لهذا المأتم خطأ وإقرار للبدعة.

ثم إن العلماء قد اختلفوا: هل ينتفع الميت بقراءة الحي؟ فمنهم من قال: إنه ينتفع، ومنهم من قال: إنه لا ينتفع، وإن نصيحتي لأخواني الذين يصنعون هذه المآتم أن يتقوا الله عز وجل، وألا يتعدوا منهج السلف الصالح فكله خير. وقد قال جرير بن عبد الله كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة. والنياحة من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن النائحة والمستمعة، بل عليهم أن يصبروا ويحتسبوا الأجر من الله عز وجل ويغلقوا بيوتهم ولا يستقبلوا أحداً من المعزين، اللهم إلا الأقارب الخاصين فيمكن أن يدخلوا ويعزوا أقاربهم، وأما فتح الباب للناس فإن ذلك ليس من هدي السلف الصالح.

السؤال: أخي يعمل بالمحاماة -أي: محامي- ويكسب أموالاً طائلة، وأشار عليه بعض أهل العلم أن يترك هذا العمل. فبماذا تنصحونه جزاكم الله خيرا؟

الجواب: المحاماة معناها حماية الحقوق، والمحامي إذا كان يريد إثبات الحق وإبطال الباطل فإنه مثاب على ذلك ومأجور عليه، أما إذا كان يريد أن ينجح في محاماته بالحق أو بالباطل فإن هذه المهنة تكون حراماً عليه ولا يحل له أن يمارسها، فالأعمال بالنيات قد يقوم محامي يحامي عن هذا الرجل الضعيف الذي لا يستطيع أن يدافع عن نفسه فيحامي عنه حفظاً لحقه أو استرداداً له فهذا مأجور، لما فيه عن دفع الظلم عن الغير، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله! هذا المظلوم فكيف نصر الظالم؟ قال: أن تمنعه من الظلم ).

فانظر إلى حال أخيك كيف محاماته فإن كانت من القسم الأول أي من يحامي لإثبات الحق وإبطال الباطل فهو على خير، وما كسبه من الأجر على هذه المحاماة فهو حلال لا إشكال فيه، وإن كان الثاني الذي يحامي لينتصر لنفسه ويغلب بحجته بالحق أو الباطل، فإنك تنظر للمصلحة إن رأيت من المصلحة أن تتجنبه أي أن تتجنب الأكل من ماله وأن ترد هديته فأفعل، وإن لم تر مصلحة في ذلك فلا حرج عليك أن تأكل من ماله وأن تقبل هديته.