فتاوى نور على الدرب [531]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل تصح قراءة القرآن بغير وضوء؟

الجواب: نعم، تجوز قراءة القرآن بغير وضوء, وقد قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ) وقراءة القرآن من ذكر الله, لكنها لا تجوز إذا كان الإنسان جنباً حتى يغتسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يقرئ أصحابه القرآن ما لم يكونوا جنباً ) كما جاء ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأما مس المصحف فلا يجوز إلا بوضوء؛ لأن في حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( لا يمس القرآن إلا طاهرٌ ) وهذا الحديث وإن كان مرسلاً إلا أن الأمة تلقته بالقبول, والمرسل إذا تلقته الأمة بالقبول صار صحيحاً, والطاهر هنا هو الطاهر من الحدث وليس المؤمن؛ لأنه لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعبر عن المؤمن بالطاهر.

ويدل على أن الطاهر هو المتوضئ قول الله تبارك وتعالى في آية الوضوء التي جمع الله فيها بين الوضوء والغسل والتيمم: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة:6].

وعلى هذا؛ فلا يحل للإنسان إذا كان على غير وضوء أن يمس المصحف إلا من وراء حائل؛ بأن يجعل منديلاً على يده أو قفازاً أو يتصفح المصحف بسواكٍ أو نحوه.

السؤال: بعض الآلات الزراعية مثل الحراثة وغيرها, هل عليها زكاة؟

الجواب: ليس على الحراثة زكاة إذا كان الإنسان يستعملها لنفسه أو يستعملها للإجارة, أما إذا كان تاجراً يتجر بهذه الآلات يبيع ويشتري بها فإن عليه زكاتها, وهذه الزكاة تسمى زكاة العروض.

والقاعدة في زكاة العروض أن كل ما أعده الإنسان للاتجار فإن فيه زكاة, وأما ما أعده للاستعمال كسيارة الأجرة وسيارة الركوب وسيارة النقل وكذلك مكائن الحراثات ورافعات الماء وما أشبهها كلها لا زكاة فيها, إلا أنه يستثنى مما يستعمل الذهب والفضة, فإن الزكاة واجبةٌ فيما يستعمل منه كحلي المرأة مثلاً على القول الراجح الذي دل عليه القرآن والسنة, كما بيَّنا ذلك في رسالة لنا صغيرة عنوانها زكاة الحلي, وكما هو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز ومذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله.

السؤال: لي أخ متوفى عمره حوالي واحد وعشرين سنة لم يحج, ولكنه اعتمر, فهل تجب عليه حجة الإسلام؟ وهل يلزم على الوالد أو أحد الأقارب أن يحج عنه أم ليس بالضرورة؟

الجواب: حجة الإسلام لا تجب إلا على من استطاع إليه سبيلاً، أي: إلى البيت, فمن لم يكن عنده مال فإنه لا يستطيع إليه سبيلاً, فهذا الأخ الذي مات وله إحدى وعشرون سنة إذا لم يكن له مال فليس عليه حج؛ لأنه لا يمكن أن يصل إلى البيت ماشياً, وإذا لم يكن عنده مال فلا حج عليه.

وعلى هذا؛ فاطمئنوا ولا تقلقوا من كونه لم يحج؛ لأنه لا حج عليه, ونظير ذلك الرجل الفقير هل عليه زكاة؟ والجواب: ليس عليه زكاة, فإذا مات وهو لم يزك فإننا لا نقلق من أجل ذلك, فمن ليس عنده مال فلا زكاة عليه, ويلقى ربه وهو غير آثم, ومن لم يستطع أن يصل البيت لعجز مالي فلا حج عليه, فيلقى ربه وهو غير آثم.

لكن إذا أراد أحدٌ منكم أن يتطوع ويحج عن هذا الميت فلا حرج؛ لأن ( امرأةً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم ).

السؤال: أنا أصلي مع الإمام التراويح في المسجد حتى ينصرف, وكما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها تكتب كقيام ليلة, فهل إذا قمت في ليلتي تلك في ثلث الليل الأخير أكون قد خالفت السنة؟

الجواب: هذا سؤالٌ دقيقٌ جداً؛ وذلك ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه وانصرف, فقالوا: يا رسول الله! لو أنك نفلتنا بقية ليلتنا, فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة )، ولم يرشدهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن يصلوا في آخر الليل, وهو إشارةٌ إلى أن الأفضل أن يقتصر الإنسان على ما تابع عليه إمامه.

فسؤال هذا السائل من أهل اليمن يتنزل على هذا, فيقال: الأفضل أن تقتصر على ما تابعت فيه إمامك حتى انصرف, فإن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة, لكن لو أنه قام وأحب أن يصلي في آخر الليل فلا حرج عليه في ذلك إن شاء الله, وفي هذه الحال يصلي ركعتين ركعتين حتى يطلع الفجر.

السؤال: من عليه جنابة واغتسل ليؤدي فريضةً, وبعد أن صلى نافلةً قبل الفريضة انتقض غسله, فهل يعيد الغسل أم يتوضأ؟

الجواب: معنى انتقض غسله كأن أصابته جنابةٌ أخرى؛ لأن الغسل لا ينتقض إلا بجنابة, وعلى هذا فيلزمه أن يغتسل مرةً ثانية لترتفع عنه الجنابة, يعني: لو أن الإنسان اغتسل من جنابة ثم صلى نافلة ثم أجنب مرةً ثانية وجب عليه أن يغتسل للصلاة المقبلة, سواء كانت فريضة أم نافلة.

السؤال: من عليه قضاء أيام من رمضان ولم يتذكر ذلك إلا بعد دخول شهر رمضان, فماذا يفعل؟

الجواب: إذا كان عليه قضاء أيام من رمضان ونسي ولم يتذكر إلا بعد أن دخل رمضان الثاني فإنه يستمر في صيام رمضان الثاني, فإن انتهى قضى ما عليه من رمضان السابق ولا إثم عليه في هذه الحال؛ لأنه معذورٌ بنسيانه؛ وقد قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، وفسرها النبي عليه الصلاة والسلام بأن الرجل ينسى الصلاة أو ينام عنها, فقال عليه الصلاة والسلام: ( من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك, ثم تلا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] ).

السؤال: رجل طلق زوجته ثلاث طلقات, ثم تزوجها رجل وجلس معها سبعة أشهر, فهل تحل لزوجها الأول؟

الجواب: نعم إذا تزوجها الزوج الثاني نكاح رغبة لا نكاح تحليل وجامعها ثم رغب عنها وطلقها أو مات عنها حلت للزوج الأول, وتعود على الزوج الأول بطلاق ثلاث، يعني: أنه يبتدئ الطلاق من جديد؛ لقول الله تبارك وتعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] إلى قوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230] أي: الزوج الثاني فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:230] أي: على الزوج الأول والزوجة أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:230] وترجع على طلاق ثلاث, يعني: أن الزوج الثاني هدم الطلاق السابق من الزوج الأول فيكون للزوج الأول بعد أن رجعت عليه ثلاث طلقات كأنه تزوجها من جديد بخلاف ما إذا طلقها زوجها مرتين ثم تزوجت بزوج آخر وجامعها ثم طلقها أو مات عنها ثم عادت إلى الزوج الأول, يعني: تزوجها الزوج الأول فإنها ترجع إليه على ما بقي من طلاقها, أي: أنه لا يبقى له إلا طلقة واحدة, إن طلقها حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره, ووجه الفرق بينهما أن نكاح الزوج الثاني في النسبة الثانية لم يؤثر شيئاً بخلاف نكاح الزوج الثاني في النسبة الأولى فإنه أثر شيئاً وهو حلها للزوج الأول فهدم الطلاق السابق.

السؤال: ما حكم الذي يحلف بالطلاق في البيع والشراء وهو يعلم أنه كاذب ليروج سلعته؟

الجواب: نعم, حكمه أنه أتى كبيرة من كبائر الذنوب, ففي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم, ثم أعادها مرتين, فقال أبو ذر من هم يا رسول الله خابوا وخسروا؟ قال: المسبل -يعني: الذي يجر ثيابه- خيلاء, والمنان -الذي يمن بما أعطى- والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ).

وهذا السائل يسأل عن رجل ينفق سلعته بالحلف الكاذب ويحلف بغير الله بل بالطلاق, فهو آثم من وجهين:

الوجه الأول: أنه أنفق سلعته بالحلف الكاذب.

والوجه الثاني: أنه عدل عن الحلف بالله إلى الحلف بالطلاق.

ثم وجه ثالث: وهو خداعه وتغريره المشتري, وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من غش فليس منا ).

ونقول لهذا من باب النصيحة: اتق الله وأجمل في الطلب، فإن رزق الله لا ينال بمعصيته, والإنسان إذا اتقى الله عز وجل فتح له من أبواب الرزق ما لا يحتسب؛ كما قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] وليعلم أنه إن وسع له في الرزق بهذه الطريق فإنما ذلك استدراج من الله عز وجل له حتى يستمر في هذه المعصية ثم يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر, فليتب إلى الله مما صنع وليرجع إليه وليبين وليصدق، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في المتبايعين: ( إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما, وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ).

السؤال: هل يجوز بناء المنارات على المساجد؟ وهل هي سنة أم بدعة؟ وهل كان ذلك معروفاً في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: لا أعلم بناء المنارات معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن المسلمين اتخذوا المنارات وأقروها, ولم نعلم أن أحداً أنكرها اللهم إلا أن يكون بعض الناس ينكرونها لعدم وجودها في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ولا شك أنها تؤدي غرضاً حميداً، فإنها العلامة الظاهرة للمسجد, وارتفاع الأذان منها يكون أبلغ وأوسع وأشمل, فالغرض منها غرضٌ مقصودٌ محمود.

السؤال: عندنا العادة عندما يريد شخص أن يتزوج يرسل بطاقات إلى من يريد أن يحضر من الناس للزواج, فيأتي هذا المدعو في يوم الزواج ثم يأكل من وليمة هذا المتزوج ثم يعطيه مائتي ريال, علماً بأن هذا يسمى رفداً, ثم يأتي زواج هذا الذي دعي ويدفع مائتي ريال, فيرسل له بطاقة كما أرسل له بطاقة حضور, ثم يأتي إلى الزواج ويأكل من وليمة المتزوج ثم يعطيه مائتي ريال, كأن ذلك تبادل هل يجوز هذا؟

الجواب: هذا مما جرت به العادة في بعض البلاد أن الرجل إذا تزوج رفده أصحابه وأقاربه ومعارفه بما يتيسر, فإذا تزوج الرافد رفده هذا المتزوج الأول بما يتيسر أيضاً, وهم لا يريدون بهذا المعاوضة, ولذلك لو لم يتزوج الرافد لم يأخذ من الزوج شيئاً.

فالمسألة مسألة مهاداة جرت بها العادة, وليست مسألة بيعٍ وشراء, وعلى هذا فيكون جائزاً؛ لأن الأصل فيما يعتاده الناس الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع, والأصل في الأعيان الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع, والأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليلٌ على الشرع، أي: على أنها مشروعة.

فهذه القواعد الثلاث ينبغي لطالب العلم أن يحيط بها ويفهمها: الأصل في العادات الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع, الأصل في الأعيان -يعني في الأشياء- الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع, الأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليلٌ على الشرع، أي: على أنها مشروعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وفي لفظٍ: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).

أما الأعيان فالأصل فيها الحل؛ لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29].

وأما العادات فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل, وإن كان مائة شرط )، ومفهومه أن ما كان في كتاب الله فليس بباطل, وكذلك يروى عنه أنه قال: ( المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً )، والعادات نوعٌ من الشروط, فهي أمورٌ سار الناس عليها واعتبروها سائرةً بينهم وسائدةً بينهم, فإذا لم يدل دليل على منعها فهي جائزة.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3901 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3690 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3639 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3495 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3492 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3472 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3432 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3430 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3414 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3335 استماع