فتاوى نور على الدرب [452]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما الحكم إذا سها الإمام فوقف في الركعة الثالثة من غير أن يجلس للتشهد الأول وهل يجب على المأمومين أن يقولوا له: سبحان الله أم لا؟

الجواب: السهو في الصلاة أمر لا يلام عليه الإنسان؛ لأن كل بشر ينسى، ولهذا وقع من أكمل الناس خشوعاً وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه نسي في صلاته فصلى مرة خمساً، وصلى مرة ركعتين وسلم من صلاة الظهر أو العصر، وترك التشهد الأول مرة فقام عنه ولم يجلس، وقال عليه الصلاة والسلام: ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني )، وسجود السهو يخفى حكمه على كثير من الناس، لا أقول على العامة فقط، ولكن على العامة والخاصة، قد يشكل عليهم شيء من أحكامه، والذي يجب على الأئمة خاصة أن يعرفوا أحكام هذه الباب، حتى إذا وقعوا فيه عبدوا الله فيه على بصيرة، ومن ثم فإني أحب أثناء جوابي على سؤال السائل أن أذكر شيئاً من أحكامه ملخصاً فأقول: أسباب سجود السهو ثلاثة: زيادة ونقص وشك:

فأما الزيادة: فمثل أن يزيد الإنسان ركوعاً في غير محله، أو سجوداً في غير محله أو جلوساً في غير محله، أو قياماً في غير محله، مثل أن يركع في الركعة الواحدة ركوعين، أو أن يسجد ثلاث سجدات، أو أن يقوم في محل جلوس، أو أن يجلس في محل قيام، هذه الزيادة إن تعمدها الإنسان أي: تعمد أن يركع مرتين، أو أن يسجد ثلاثاً، أو أن يقوم في محل جلوس، أو يجلس في محل قيام، إن تعمد ذلك بطلت صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، ومن المعلوم أن ركوعين في ركعة في غير صلاة الكسوف، أو ثلاثة سجدات في ركعة، ليس عليها أمر الله ورسوله فيكون باطلاً مردوداً، وأما إذا وقع منه سهواً فإن صلاته لا تبطل، لكن عليه أن يجلس للسهو، ويكون سجوده بعد السلام، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سها في صلاته فصلى خمساً سجد سجدتين بعدما سلم حينما ذكروه بذلك بعد سلامه، ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سجد السجدتين بعد أن ذكروه بالزيادة لم يقل: وإذا زاد أحدكم فليسجد قبل أن يسلم، بل أقر الأمر على ما هو عليه، ودليل آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من ركعتين في صلاة رباعية الظهر أو العصر فذكروه، فأتم صلاته وسلم ثم سجد سجدتين بعد ما سلم، وهذا سجود لزيادة؛ لأن الإمام زاد التسليم في أثناء الصلاة.

فنأخذ من هذا قاعدة: أن سجود السهو إذا كان سببه الزيادة فإنه يكون بعد السلام، وكما أن هذا مقتضى الدليل الأثري أي: مقتضى ما جاءت به السنة، فهو أيضاً مقتضى الدليل النظري، وهو أن يكون السجود بعد انتهاء الصلاة لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان، هذا حكم السجود عن الزيادة. أما السجود عن النقص: ولا يكون هذا إلا في نقص الواجبات فإنه يكون قبل السلام، مثال ذلك: لو نسي الإنسان أن يقول: سبحان ربي الأعلى وهو ساجد، فإنه يسجد للسهو قبل السلام، وتصح صلاته، وكذلك لو نسي التشهد الأول كما في سؤال السائل حتى قام واعتمد، فإنه لا يرجع إليه بل يستمر في صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام.

وأما الشك: وهو السبب الثالث فالشك إما أن يكون بعد انتهاء الصلاة، أو يكون وهماً لا حقيقة له، أو يكون من شخص يكثر منه الشكوك بحيث لا يصلي إلا ويقع منه الشك، ففي هذه الأحوال الثلاثة لا يعتبر شيئاً أي: لا يعتبر هذا الشك شيئاً، فلو أن المصلي لما سلم شك هل صلى صلاة تامة أو ناقصة، فإن هذا الشك لا يضره؛ لأنه قد انتهى من عبادته، والأصل أنه إنما أتى بها على الوجه المطلوب، فلا يؤثر هذا الشك؛ ولأنه لو فتحنا هذا الباب لتسلط الشيطان على كل فاعل عبادة يشككه فيها بعد أن ينتهي منها، فنسد الباب على الشيطان.

ونقول: الشك بعد الفراغ من العبادة لا أثر له، نعم لو تيقن، فهنا يعمل بيقينه، ولنضرب لهذا مثلاً: لو أن متوضئاً توضأ، ولما انتهى شك هل مسح رأسه أم لم يمسحه، نقول له: لا أثر لهذا الشك وامض لما تريد ووضوئك تام، إلا إذا تيقن أنه لم يمسح رأسه، فحينئذٍ يعمل بيقينه ويمسح رأسه، ويغسل رجليه إذا ذكر في زمن قريب، وكذلك في الصلاة لو سلم الإنسان من صلاة الظهر، وشك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، نقول: هذا الشك لا أثر له، ولا تلتفت له ولا تسجد للسهو ولا تأتي بركعة؛ لأنه انتهى العمل، إلا إذا تيقنت أنك لم تصل إلا ثلاثاً فحينئذٍ تأتي بالرابعة، وتسجد للسهو، وتسلم إن ذكرت ذلك في وقت قريب، وإن ذكرت بعد مدة طويلة فإنه يجب عليك إعادة الصلاة من أولها.

الشك الثاني مما لا يعتبر: أن يكون الإنسان كثير الشكوك فهنا لا يعتبر الشك ولا يلتفت إليه؛ لأن كثير الشكوك خارج عن الطبيعة الأصلية للبشر، فيكون هذا الشك مرضاً ووسواساً لا يلتفت إليه، وعلى هذا فإذا كان الإنسان كلما صلى شك هل أتم أم لم يتم، نقول: لا تلتفت لهذا الشك بل ألغه وكأنه لا شيء.

الثالث: إذا كان الشك وهماً يعني: مجرد وهم، ليس تردداً حقيقياً فإنه لا يلتفت إليه أيضاً ولا يؤثر عليه؛ لأنه نوع من الوساوس.

بقي علينا إذا كان الشك حقيقياً في أثناء الصلاة بأن شك هل صلى ثلاثة أم أربعاً فإننا نقول: لا يخلو هذا الشك من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون لديه ترجيح بين الطرفين، فيعمل بالراجح ويتم عليه ويسجد للسهو بعد السلام.

الحالة الثانية: ألا يكون ثمّ ترجيح بل يكون الشك متساوي الطرفين، فيبني هنا على الأقل؛ لأنه متيقن ويتم عليه ويسجد للسهو قبل السلام.

وبهذا عرفنا أن الشك تارة يسجد له قبل السلام وتارة يسجد له بعد السلام، فإن كان الشك فيه ترجيح لأحد الاحتمالين عمل بالراجح وأتم عليه وسجد بعد السلام، وإن كان الشك ليس فيه ترجيح لأحد الاحتمالين بل هما سواء فإنه يعمل بالأقل ويتم عليه ويسجد للسهو قبل السلام، وبهذا التفصيل جاءت السنة، وعلى هذا نضرب مثلين:

المثل الأول: رجل يصلي الظهر وشك هل هذه هي الركعة الثالثة أو الرابعة وترجح عنده أنها هي الرابعة، فنقول: هذه آخر ركعة من ركعاتك فسلم ثم اسجد للسهو بعد السلام، وإن ترجح عنده أن هذه الركعة هي الثالثة نقول: فأت بركعة وسلم واسجد للسهو بعد السلام.

المثال الثاني: رجل يصلي الظهر فشك في الركعة هل هي الرابعة أم الثالثة ولم يترجح عنده شيء، ففي هذه الحال نقول اجعلها الثالثة لأنها هي الأقل، وأتم الصلاة يعني: ائت بالرابعة واسجد للسهو قبل السلام؛ لأن الشك هنا ليس فيه ترجيح، والشك الذي ليس فيه ترجيح يبني فيه الإنسان على اليقين، وهو الأقل، ويسجد للسهو قبل السلام.

وهنا مسألة لو أن الإنسان بنى على اليقين أو على المترجح ثم تبين له أنه مصيب فيما فعل، فهل يسجد للسهو أو لا يسجد؟

فيه قولان لأهل العلم: فمنهم من قال: لا يسجد لأن الشك زال باليقين، وتبين أن فعله ليس فيه زيادة ولا نقص، ومنهم من قال: يسجد لأنه أدى جزءاً من صلاته متردداً فيه، فجبراً لهذا التردد يسجد للسهو.

مثال ذلك: رجل يصلي الظهر فشك هل هو في الثالثة أو في الرابعة شكاً متردداً فيه ليس فيه ترجيح، فماذا نقول له؟ نقول: ابن على اليقين وهو الأقل فاجعل هذه هي الثالثة وأت بركعة، ففعل فلما كان في التشهد الأخير ذكر أن هذه هي الرابعة يقيناً، فهل يسجد للسهو أو لا يسجد؟ فيه الخلاف الذي ذكرته، فإن سجد فهو خير، وإن ترك فلا حرج عليه.

السؤال: ما حكم الصلاة بالنعال؟

الجواب: الصلاة بالنعال سنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه، وأمر بالصلاة في النعلين مخالفة لليهود الذي لا يصلون في نعالهم، ولكن هذه السنة إذا كان يترتب عليها أذى بحيث لا يقوم الناس بما أُمروا به من النظر في نعالهم عند دخول المسجد، فإن وجدوا فيها أذى أماطوه وصلوا فيها، فإنه لا ينبغي للإنسان أن يفتح على الناس ما فيه الأذى، وحينئذٍ يكون ترك السنة لتفادي ما يخشى من الأذى، ولا حرج في ترك السنة بمثل هذا، ولكن ينبغي أن تحيا هذه السنة بأن تذكر للناس أحياناً حتى يتبين الحق ولا ينسى، وقد كان بعض العامة يستنكر استنكاراً عظيماً أن يصلي الإنسان في نعليه، ولكنهم لا يستنكرون أن يصلي في خفيه لماذا؟

لأنه كان من العادة عندهم أن يصلي الرجل في خفين، وليس من العادة أن يصلي الرجل في نعليه، مع أن السنة في هذا وفي هذا سواء.

فمن كان عليه خفان فالأفضل أن يصلي فيهما ومن كان عليه نعلان فالأفضل أن يصلي فيهما، ولكن إذا خشي المحذور الذي أشرت إليه، فلا حرج في ترك هذه السنة، ومن المعلوم أننا لو فتحنا للعامة هذا الباب لتهاونوا بالمساجد ودخلوا في نعالهم وكلها أذى كلها ماء فلطخوا بها المسجد وأفسدوا بها الفرش، فلهذا ترك الناس الصلاة في النعلين مخافة هذا المحذور لا رغبة عن السنة؛ لأن كل مؤمن لا يمكن أن يرغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يخشى من ضرر أكبر، وترك السنة خوفاً من الفتنة أو من الضرر قد جاءت به السنة فها هو النبي عليه الصلاة والسلام حدث عائشة رضي الله عنها قال لها: ( لولا أن قومك حديثوا عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين، باباً يدخل منه الناس، وباباً يخرجون منه ) ولكنه ترك ذلك خوفاً من الفتنة وخوفاً مما يترتب عليه من مفسدة أكبر من إعادة بنائها على قواعد إبراهيم.

وكذلك ترك النبي عليه الصلاة والسلام الاستمرار في صيامه في رمضان وهو مسافر؛ لأنه شق على الناس الصوم فقد ذكر للنبي عليه الصلاة والسلام وهو مسافر في رمضان: أن الناس قد شق عليهم الصيام وأنهم ينتظرون ما تفعل، وكان صلى الله عليه وسلم صائماً فدعا بماء بعد العصر وهو على راحلته فشربه والناس ينظرون إليه فأفطر الناس، فهنا ترك النبي عليه الصلاة والسلام الاستمرار في الصوم، مع أن ذلك -والله أعلم- هو رغبته من أجل حاجة الناس إلى الفطر، فعلى كل حال يكون الجواب: أن الصلاة في النعلين سنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها ولكن إذا خيف من فعل هذه السنة أن تكون مفسدة تعود على المسجد أو أذية للمصلين فلا حرج في ترك الصلاة في النعلين، لكن يجب أن يكون ذلك معلوماً عند الناس بحيث يبين أهل العلم للناس أن الصلاة في النعلين سنة.

السؤال: هل يصلي تحية المسجد إذا دخل المسجد بعد العصر قبل غروب الشمس وبعد الصبح بعد طلوع الشمس؟

الجواب: إذا دخلت المسجد بعد العصر قبل غروب الشمس فصل ركعتين، وإذا دخلت المسجد بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس فصل ركعتين؛ وذلك لأن صلاة ركعتين لدخول المسجد صلاة ذات سبب وكل صلاة لها سبب فإنها تفعل في وقت النهي لأنه لا ينهى عنها، والنهي إنما ورد عن النفل المطلق الذي لا سبب، له، بحيث يقوم الإنسان يتطوع بدون سبب، فهنا ينهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة التالية:

من صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح، والعبرة بصلاة الرجل نفسه لا بصلاة الناس.

ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس.

وعند قيامها في وسط النهار حتى تزول، أما الوقتان الأولان وهما من صلاة الفجر إلى ارتفاع الشمس قيد رمح فهما معلومان، وكذلك من صلاة العصر إلى الغروب، وأما الثالث وهو من قيامها حتى تزول فهو: ما قبل الزوال بنحو عشرة دقائق، فإن الشمس إذا توسطت السماء ظن الظان أنها قائمة أي: أنها لا تتحرك ولا تسير لأنها صارت في أوج السماء، فهنا يقف الناس عن الصلاة لمدة عشرة دقائق تقريباً حتى تزول، ثم يرتفع النهي.

هذه أوقات النهي ولكنه لا نهي عن صلاة لها سبب، كتحية المسجد، وإعادة الجماعة، يعني: لو صليت في مسجدك ثم أتيت إلى مسجد آخر لدراسة علم أو شهود جنازة، وجدت الناس يصلون فإنك تصلي، وكذلك ركعة الطواف إذا طاف الإنسان في أوقات النهي، فإنه يصلي ركعتين؛ لأن لهما سبباً، وكذلك سنة الوضوء فإن الإنسان إذا توضأ يشرع له أن يصلي ركعتين، فإن من أسبغ الوضوء ثم صلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله ما تقدم من ذنبه.

فالخلاصة: أن من دخل المسجد بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس، أو بعد صلاة العصر قبل غروبها، فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، ولا نهي في ذلك ولا في أي صلاة نافلة لها سبب، أما الفريضة فليس عنها نهي إطلاقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، فلو ذكر الإنسان بعد صلاة العصر أنه صلى الظهر بغير وضوء فإنه يصلي الظهر ولو بعد صلاة العصر؛ لأن الفريضة ليس عنها وقت نهي بل متى ذكرها إن كان ناسياً صلاها ومتى استيقظ إن كان نائماً صلاها.

السؤال: ما حكم وضع المصحف على الأرض فوق فرش المسجد فقد أفتى بعضهم بأن وضعه يؤدي إلى الكفر؟

الجواب: لا بأس به ولا حرج فيه إذا وضعه على وجه ليس فيه إهانة مثل أن يضعه بين يديه أو إلى جنبه فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه وليس بكفر، أما لو وضعه بين قدميه وحاشا لأحد أن يفعل ذلك وهو مؤمن، فهذا لا شك إنه إهانة لكلام الله عز وجل، وإنني بهذه المناسبة: أحذر من أن يفتي الإنسان بغير علم لأن الفتوى بغير علم قول على الله بغير علم، وقد قرن الله القول عليه بغير علم بالشرك فقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] وجاء في الحديث: ( أجرأكم على الفتيا أجركم على النار )، ولا يحل لأحد أن يتكلم عن شريعة الله إلا بعلم يعلم به أن هذا من شريعة الله، أو أن هذا مخالف لشريعة الله، ولا يحل لأحد أيضاً إذا كان جريئاً أن يجرؤ على التكفير إلا بدليل واضح صريح؛ لأن التكفير معناه: إخراج الرجل من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر، فالأمر عظيم، وإذا كان ليس بإمكان أحد أن يقول عن الشيء الحلال إنه حرام أو عن الشيء الحلال إنه حرام، فليس بإمكان أحد أن يقول للشخص المسلم إنه كافر، بل قد يكون هذا أعظم؛ لأنه يترتب على القول بالكفر مسائل كبيرة عظيمة، فالكافر مثلاً: لا يزوج ولا يكون ولياً في زواج، ولا يكون ولياً على أولاده، وإذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين، ولا يورث عند أكثر أهل العلم، فالأمر ليس بالهين فالتكفير صعب.

فعلى كل حال نصيحتي لإخواني: أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يتقوا الله في إخوانهم فلا يقولوا على الله ما لا يعلمون ولا يتكلمون بشيء لا طاقة لهم به، وإذا كانوا يستعجلون الرئاسة في العلم والإمامة في الدين فقد أخطئوا، فإن من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، بل ينظرون ويصبرون حتى يكونوا أهلاً للإمامة في دين الله وحينئذٍ يفتون الناس، ثم إني أحذر أيضاً العامة ألّا يستفتوا إلا من عُلم بأنه أهل للفتيا؛ لأنهم إذا استفتوا من لا يعلمون أنه أهل للفتيا فقد يضلون بما أُفتوا به من الضلال، وإذا كان الإنسان لو مرض لم يذهب إلى أي واحد ليطلب العلاج عنده، وإنما يذهب إلى الأطباء المعروفين، فكذلك في دين الله إذا أشكل عليه شيء لا يذهب إلى أي واحد من الناس ويستفتيه، وما أكثر ما يُعرض من الفتاوى الخاطئة، فأحذر إخواني هؤلاء وأقول: أسأل الله أن يجعلكم أئمة في الدين وأنتم تستحقون الإمامة، واحرصوا على أن تتعلموا أولاً ثم تعملوا ثانياً، وتفتوا الناس فتكونوا أئمة للناس في دينهم وفي صلواتهم.

وكذلك أيضاً أحذر إخواني الذين منّ الله عليهم بشيء من العلم، ولكنهم ما زالوا في الطلب وفي أول الدرجة، أحذرهم ألا يتعجلوا في الفتيا فيضلوا الناس بغير علم، ويندموا هم بأنفسهم إذا كبروا ورأوا أنهم قد ضلوا فسوف يندمون، وحينئذٍ لا ينفع الندم؛ لأن الفتيا إذا انتشرت صعب جداً أن تختفي، وقد يقول من وافقت الفتيا هواه قد يقول بأني لا أرجع عن هذه الفتيا ولو رجع المفتي بها؛ لأنني لا أدري الصواب في أول قوليه أو في آخرهما، فالأمر خطير خطير للغاية، فنسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن رأى الحق حقاً واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه إنه جواد كريم.