فتاوى نور على الدرب [423]


الحلقة مفرغة

السؤال: يرغب في الزواج من فتاة ارتضاها لنفسه، لكن الوالد غير موافق، ويرغب بتزويجي بفتاة من أقربائه، علماً بأنها لا تصلي، فماذا عساي أن أفعل؟

الجواب: جوابنا على هذا وإرشادنا للأخ السائل أن نقول: أولاً: لا يحل للوالد أن يمنع ابنه من التزوج بامرأة يرتضيها لنفسه، وأن يجبره على التزوج بامرأة لا يريدها، ولكنها من أقارب الوالد، وذلك لأن هذه الأمور من الأمور الخاصة بالإنسان نفسه، والتي لا يملك نفسه فيها، فلا يجوز أن يجبر على ما لا يريد، وأن يمنع مما يريد، هذا بالنسبة لأب هذا السائل، وأوجه النصيحة إليه بأن يدع ابنه وما يريد.

أما بالنسبة للابن فإنه لا يلزمه أن يطيع والده في أن يتزوج امرأة لا يريدها، وأن يدع امرأة يريدها، فله أن يتزوج المرأة التي يريدها ولو كره والده، إذا لم تكن هذه المرأة ذات خلل في دينها أو خلقها، ولا سيما أن السائل يقول: إن هذه المرأة التي يريد أبوه أن يتزوجها لا تصلي، فإن المرأة التي لا تصلي لا يحل لأي مسلم أن يتزوج بها حتى تعود إلى الإسلام، لأن من ترك الصلاة فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، فكما أنه لا يجوز لنا أن نزوج امرأة برجل لا يصلي، فكذلك لا يجوز أن يتزوج إنسان بامرأة لا تصلي.

وخلاصة الجواب: أنه لا يجوز للأب أن يكره ابنه أن يتزوج بامرأة لا يريدها، أو أن يمنعه من التزوج بامرأة يريدها إذا كانت ذات خلق ودين، ولا يلزم الابن أن يطيع والده في ذلك، وله أن يتزوج من يريد أو من يرغب في زواجها، ولا يعد ذلك عقوقاً بوالده.

السؤال: أيهما يجب وضعه أولاً: الركبتين أو اليدين عند الإتيان بالسجود، وضع اليدين على الركبتين والجلوس على هذه الحال، أو اليدين قبل الركبتين؟

الجواب: أولاً: تعبير السائل بقوله: أيهما يجب، فإننا نفيده بأنه لا يجب أن يسجد على ركبتيه أولاً، أو على يديه أولاً، وإنما الخلاف أيهما أفضل أن يسجد على ركبتيه أولاً ثم على يديه أو على يديه أولاً ثم على ركبتيه؟ وهذا محل نزاع بين العلماء، والصحيح أنه يبدأ أولاً بالركبتين ثم باليدين، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير )، ومن المعلوم أن البعير إذا برك يقدم يديه أولاً، فتجده ينحني في مقدم جسمه قبل مؤخره، وعلى هذا فإن الإنسان إذا سجد وقدم يديه صار مشابهاً للبعير، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يقل: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، لو قال: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، لقلنا: ابدأ باليدين، لأنك لو بدأت بالركبتين لبركت على الركبتين كما يبرك البعير، وهناك فرق بين التعبيرين، بين أن يقول: فلا يبرك كما يبرك، وأن يقول: فلا يبرك على ما يبرك، لأن قوله: فلا يبرك كما يبرك نهي عن الكيفية والهيئة التي يبرك عليها البعير، بقطع النظر عن العضو الذي يبرك عليه، وأما فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير فهذا نهي عن البروك بالعضو الذي يكون مشابهاً للبعير، وعليه فلا يرد علينا ما قاله بعض القوم الذين يرون السجود على اليدين أولاً من أن ركبتي البعير في يديه.

فإننا نقول: نعم إن ركبتي البعير في يديه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن البروك على ما يبرك عليه البعير حتى نقول: لا تبرك على ركبتيك، وإنما نهى عن البروك كما يبرك البعير، يعني: في الكيفية والهيئة، وبهذا نعرف أن آخر الحديث الذي فيه النهي عن البروك كما يبرك البعير، وهو قوله: وليضع يديه قبل ركبتيه، فيه انقلاب على الراوي، وأن صوابه: وليضع ركبتيه قبل يديه، لأن هذه الجملة الأخيرة هي التي تناسب أول الحديث، أما الجملة الأولى: وليضع يديه قبل ركبتيه فإنها تناقض الحديث، والله أعلم.

والخلاصة: أن الساجد إذا سجد يبدأ بركبتيه ثم كفيه ثم جبهته وأنفه، وإذا كان الإنسان ثقيلاً أو عاجزاً أو ما أشبه ذلك، وأراد أن يبدأ بيديه قبل ركبتيه، فلا حرج عليه في هذا.

السؤال: أحياناً يكون الإمام سريعاً في صلاته فيركع قبل أن تتم قراءتك، ويسلم قبل أن تتم التشهد، فماذا على المأموم أن يفعل إزاء ذلك؟

الشيخ: إذا كانت سرعة الإمام تمنع المأموم من فعل شيء واجب فإن عليه أن يفارقه، أي: ينفصل عنه ويتم الصلاة لنفسه، فإذا كان مثلاً لا يمكنك أن تقرأ الفاتحة حتى يركع، فحينئذٍ عليك أن تنفرد وتكمل الصلاة لوحدك بطمأنينة، أما إذا كان الإمام يسرع قبل أن تكمل القراءة التي بعد الفاتحة، فلا حرج عليك أن تتابعه، وأن تقطع القراءة وتركع، وإن لم تتم القراءة التي كنت تريدها، وأما في التشهد فإذا سلم قبل أن تتم التشهد، فإن كنت لم تأت بالواجب فأت بالواجب ثم سلم، وإن كنت قد أتيت بالواجب ولم يبق عليك إلا الدعاء المستحب، فسلم مع الإمام، فإن متابعة الإمام أولى من التخلف عنه.

السؤال: والدي يحنث في أيمان كثيرة، هل يجوز لي أن أكفر عنه مع عدم علمه، ثم أخبره أنني قد دفعت كفارة اليمين عنه؟

الجواب: أولاً: انصح والدك عن كثرة الحلف، وإذا كان مبتلى بكثرة الحلف فليقرنه بقول: إن شاء الله، فإن الإنسان إذا حلف على شيء وقال: إن شاء الله فإنه لا يحنث، ويستفيد من قول: إن شاء الله فائدة أخرى، وهي أن الله ييسر له ما أراد، فقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أن سليمان بن داود النبي الكريم قال: ( والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله فلم يقل، فطاف على تسعين امرأة فولدت فيهن امرأة واحدة شق إنسان )، فلم يأته ولا ولد واحد، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله )، فأنت انصح والدك عن كثرة الحلف، وإذا كان مبتلى بكثرة الحلف فليقرن يمينه بقول: إن شاء الله حتى لا تلزمه الكفارة لو حنث في يمينه.

أما بالنسبة لإخراج الكفارة عنه فمن المعلوم أن الكفارة إنما تلزم الحالف، فهو المسئول عنها، وهو الذي يجب أن يؤديها عن نفسه، وأنت إذا أردت أن تؤدي عنه فأخبره أولاً قبل أن تؤدي عنه، وقل له: إني أريد أن أكفر عن يمينك التي حنثت فيها، فإذا سكت ولم ينهك وأديت عنه فلا حرج، أما إذا أديت عنه أولاً قبل أن يوكلك، ثم أخبرته بذلك فأجازه، فهذا محل تردد عندي، فإنه قد يقال: إن هذا لا بأس به لإجازته إياه، وقد يقال: إنه لا ينفع؛ لأنه لا بد في أداء الواجب الشرعي من نية ممن يجب عليه، وهنا ليس هناك نية ممن يجب عليه.

السؤال: والدي يثق فيّ وأنا في خدمته، وأحياناً تبقى معي نقود قد حصلت عليها من العمل في سيارة والدي، وهي تانكي سيارة نقل الماء، ثم إني أحياناً أشتري بالنقود أغراضاً منزلية لبيت والدي، وأحياناً أشتري بها وقوداً للسيارة أو لسيارة والدي، وأحياناً تبقى معي وأتصرف فيها، فهل علي في ذلك إثم؟

الجواب: أما ما تنفقه من هذه الدراهم في حاجات بيت الوالد، أو حاجات سيارته فإنه لا بأس به، وإن كان الأفضل أن تستأذن منه، وأما ما تنفقه في سيارتك وفي نفقاتك الخاصة فإنه حرام عليك، ولا يحل لوالدك أن يأذن لك في ذلك إذا كان لك إخوة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )، نعم لو اتفقت مع والدك أنك تستعمل سيارته في الأجرة على أن يكون لك نصف الأجرة مثلاً، وكان هذا الجزء هو الجزء الذي يشترط لغيرك لو استعمل السيارة، فهذا لا بأس به، لأنك أخذت هذا واستحققته بسبب العمل في سيارة والدك، أما إذا كنت تعمل في سيارة والدك على أنك متبرع، وعلى أنه من بر والدك، فإنه لا يحل لك أن تأخذ في مقابل ذلك أجراً.

السؤال: إذا كان شخص حفر بئراً أو اشتراها ليجعلها في سبيل لله لمن أراد أن يشرب، ولمن أراد أن يأخذ من هذا الماء، فما حكم الشرع في نظركم فيمن يأخذ الماء من هذه البئر ويبيعها على الناس الآخرين، إما ليشربوا وإما ليسقوا به مزارعهم؟

الجواب: الواجب فيما وقف أن يتصرف فيه الناس على حسب شرط الواقف، فإذا كان هذا الواقف إنما وقفه لينتفع به الناس ويشربوا منه ما يحتاجون إليه، فإنه لا يحل لأحد أن يأخذ من هذا الماء ليبيعه، لا سيما إذا كان ماء البئر قليلاً بحيث إذا أخذه غوره على من بعده، وأما إذا كان الواقف أراد بهذا البئر مطلق الانتفاع، سواء انتفع الإنسان بشرب الماء من هذا البئر أو ببيعه، فإن الأمر يكون واسعاً، المهم أن الأشياء الموقوفة تستعمل على حسب شرط الواقفين.

السؤال: هل تصح الصلاة بدون أذان ولا إقامة؟

الجواب: الأذان والإقامة واجبان على الجماعة إذا لم يقم بهما أحد، فإن قام بهما أحد، مثل أن يكونوا في بلد يسمعون الأذان، فإن الأذان الذي في البلد يكفي، ولكن الإقامة تجب عند فعل الصلاة على الجماعة، وهما واجبان للصلاة، وليسا واجبين في الصلاة، ولهذا لو تركهما هؤلاء الجماعة، أي: لم يؤذنوا ولم يقيموا كانوا آثمين، ولكن صلاتهم صحيحة، لأن هذا الواجب خارج الصلاة وليس فيها، وهناك فرق بين الواجب للصلاة والواجب في الصلاة، ولذلك كان القول الراجح في صلاة الجماعة أنها واجبة للصلاة، وأن الإنسان لو ترك الجماعة من غير عذر وصلى منفرداً فهو آثم، ولكن صلاته صحيحة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن من ترك صلاة الجماعة بلا عذر فهو آثم وصلاته غير صحيحة.

السؤال: هل يصح حج من عليه دين وخصوصاً إذا كان الدين بمبلغ كبير لا يستطيع القضاء إلا بعد فترة زمنية طويلة ولا يستطيع تحديدها؟

الجواب: حج من عليه دين صحيح، ولكنه آثم إذا حج وعليه دين، لأن الدين يجب قضاؤه، والحج ليس واجباً عليه فيما إذا كان عليه دين، لأن الله تعالى اشترط في الحج الاستطاعة، فقال: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، ومن عليه دين فإنه لا يستطيع أن يحج إذا كان حجه يحتاج إلى مال، أما إذا كان حجه لا يحتاج إلى مال، كرجل في مكة يستطيع أن يحج على قدميه بدون أن يخسر شيئاً من المال، ففي هذا الحال يجب عليه الحج وليس آثماً فيه، لأن ذلك لا يضر غرماءه شيئاً، فيفرق بين رجل يحج بلا نفقة لكونه من أهل مكة، ويستطيع الحج على قدميه، وشخص آخر لا يستطيع أن يحج إلا بمال، فالأول له أن يحج ولو كان عليه دين، بل يجب عليه الحج إذا لم يكن أدى الفريضة، وأما الثاني فلا يلزمه الحج، ولا يحل له أن يحج وعليه دين، لأن الدين قضاء واجب، والحج في حال ثبوت الدين على الإنسان ليس بواجب.

السؤال: هل لسن البلوغ عمر معين، فإذا كان له فمن أي سنة يبلغ الرجل؟

الجواب: المشهور عند أهل العلم أن البلوغ له سن معينة وهو تمام خمس عشرة سنة، واستدل أهل العلم لذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، ورآني قد بلغت).

فإذا تم الإنسان خمس عشرة سنة فقد بلغ، وقد يبلغ الإنسان قبل أن يتم له خمس عشرة سنة، وذلك بنبات العانة، وهي الشعر الخشن الذي ينبت حول القبل، وقد يبلغ قبل ذلك، وذلك بنزول المني بشهوة، فإنه متى نزل منه المني بشهوة يقظة أو مناماً صار بالغاً، وإن لم يكن له إلا اثنتا عشرة سنة.

السؤال: لا يدري في أي سن بلغ، ولم يصم شهر رمضان في الصف الأول المتوسط، فإذا كنت لا أعلم بأني قد بلغت، فهل علي قضاء أم لا؟

الجواب: ليس عليك قضاء، وذلك لأن الأصل عدم بلوغك حتى تعلم أنك بلغت وتركت الصوم وأنت بالغ، ومادمت شاكاً هل صمت بعد بلوغك أو أنك تركت الصوم، فالأصل براءة ذمتك ولا يلزمك القضاء.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3902 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3690 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3640 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3493 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3474 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3432 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3431 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3415 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3337 استماع