خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [421]
الحلقة مفرغة
السؤال: هل يصح الذكر من تكبير وتهليل وتحميد وصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم من غير وضوء حتى يكون اللسان رطباً بذكر الله؟
الجواب: نعم يجوز للإنسان أن يذكر الله سبحانه وتعالى على غير طهارة؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه )، ولا يشترط للذكر أن يكون الإنسان طاهراً، لكن الأفضل أن لا يذكر الله إلا على طهارة، يعني: أن الأفضل أن يتطهر الإنسان إذا أراد أن يذكر الله، ولكن هذا ليس بواجب، حتى وإن كان الإنسان على جنابة، فإن له أن يذكر الله، إلا القرآن فإنه لا يقرأ القرآن على جنابة حتى يغتسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقرئ أصحابه القرآن ما لم يكن جنباً، أو ما لم يكونوا جنباً.
السؤال: إذا صليت أنا وصبي خلف الإمام، وهذا الصبي لم يبلغ الحلم، يعني: نحن ثلاثة بالإمام، فهل صلاتي صحيحة؟ وهل الصبي يكمل الصف؟ وهل وقوف الصبية في الصفوف الأمامية في الصلاة مقبول شرعاً، لقد قرأت حديثاً عن أبي موسى الأشعري في هذا المعنى، وهو أن يصف الرجال ويليهم الصبيان ثم النساء؟
الجواب: القول الراجح أن مصافة الصبي صحيحة، يعني: يجوز للإنسان أن يصف خلف الإمام وليس معه إلا صبي، لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قام يصلي بـأنس بن مالك ، فقام أنس بن مالك ومعه يتيم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كان هذا في صلاة النفل، ومن ثم اختلف العلماء رحمهم الله في جواز مصافة الصبي في صلاة الفرض، فمنهم من قال: إنه لا يجوز، ومنهم من قال: إنه جائز، وهذا هو القول الصحيح كما قلت آنفاً، لأنه من القواعد المقررة المعروفة أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل، وما ثبت في الفرض ثبت في النفل، إلا بدليل يدل على ذلك، ويدل لهذه القاعدة أن الصحابة رضي الله عنهم حكوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على راحلته حيث ما توجهت به، قالوا: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة؛ لئلا يتوهم واهم أن الفريضة مثل النافلة في هذه الحال، وهذا يدل على أن الفريضة ما ثبت في النفل ثبت فيها إلا بدليل، فالقول الراجح أنه يجوز للصبي أن يكون مصافاً للبالغ، سواء كان ذلك خلف الصف أو خلف الإمام.
وأما تقدم الصبيان إلى الصف الأول أو ما يليه فإنه لا بأس به أيضاً، فإذا تقدموا إلى الصف الأول ولم يحصل منهم ما يشوش على المصلين، فإنه لا يجوز إقامتهم من مكانهم، لأن من سبق إلى مكان فهو أحق به، وأما قول من قال من أهل العلم: إنهم يصفون وحدهم وراء الصفوف، فإنه لا دليل عليه، بل في ذلك مفسدة، لأن الصبيان إذا اجتمعوا
في صف واحد حصل منهم تشويش على المصلين، ولعبوا في الصلاة.
السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في أداء القسم على المصحف، وخاصة أن صيغته تؤدى كالآتي: أقسم بالله العظيم وكتابه الكريم، فهل يكفي أن يقول الإنسان: أقسم بالله العظيم فقط؟ وهل الزيادة في قوله: الكريم فيها شيء أرجو الإفادة حول هذا؟
الجواب: القسم على المصحف من الأمور المحدثة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أحدثت فيما بعد، وأما القسم بالله فهو قسم مشروع، لكن لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الإقسام بالله عز وجل، بل لا يقسم إلا عند الحاجة إلى القسم، وأما القسم بكتاب الله الذي هو القرآن فإنه لا بأس به، لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام الله تعالى من صفاته، والحلف بصفات الله جائز كما ذكر ذلك أهل العلم، أما الحلف بغير الله أو صفة من صفاته فإنه محرم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، وقال: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )، فلا يجوز الحلف بأحد من الخلق، لا رسولٍ ولا ملك ولا كعبة ولا غير ذلك، فلا يجوز أن يقول: والنبي لأفعلن كذا، أو والنبي ما فعلت كذا، ولا يجوز أن يحلف بملك من الملائكة كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ولا يجوز أن يحلف بالكعبة فيقول: والكعبة لأفعلن كذا، أو والكعبة ما فعلت كذا، لأن هذا محرم، وهو نوع من الشرك.
السؤال: رجل يعمل كصاحب مخبز ويساعد العمال أثناء مزاولة العمل، ويزداد حدة العمل في المخبز في صلاتي المغرب والعشاء، يقول: فهل يمكنني أن أصليها منفرداً في المخبز، مع أن المساجد قريبة من المخبز، وأترك صلاة المسجد مع الجماعة؟
الجواب: الواجب على الإنسان أن يصلي الجماعة في المساجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر ).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، وأخبر أنه يؤتى بالرجل المريض يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، فالواجب عليك أن تصلي مع الجماعة في المساجد، ولا يحل لك التخلف عن المسجد إلا من عذر شرعي، والأعذار الشرعية معلومة عند أهل العلم ذكروها رحمهم الله في أواخر باب صلاة الجماعة، فإذا كان لك عذر شرعي يبيح لك التخلف عن الجماعة فأنت معذور، وإن لم يكن لك عذر شرعي يبيح لك هذا، فالواجب عليك أن تصلي مع الجماعة.
السؤال: هل يجوز عقد النكاح في المساجد؟
الجواب: نعم يجوز أن تعقد الأنكحة في المساجد إذا لم يكن في هذا ضرر على المسجد، أو على أهل المسجد، فإن كان عليهم ضرر فإنه لا يجوز، وإنما تعقد في أماكن مخصوصة لها إن كان لها أماكن مخصوصة، في المحكمة مثلاً، وإلا ففي البيوت.
السؤال: هل يأثم الإنسان إذا لم يعمل بالأحاديث التي انفرد بروايتها شخص واحد؟
الجواب: هذا سؤال عار في الحقيقة، لأن الحديث الصحيح هو الذي رواه عدل بسند متصل غير معلل ولا شاذ، فالحديث الصحيح إذا تمت فيه شروط الصحة ولو كان من طريق واحد فإنه يجب العمل بمقتضاه، سواء في الأمور العملية أو في الأمور العلمية، لا فرق بين هذا وهذا على ما مشى عليه أهل السنة والجماعة، وكذلك الحديث الحسن يعمل به أيضاً، لأن الحديث الحسن ليس بينه وبين الحديث الصحيح إلا فرق خفيف جداً، وهو أن راويه لا يكون تام الضبط، يكون عنده ضبط لكنه ليس تاماً، وهو من الأحاديث المقبولة التي يعمل بها، وينبغي أن تعلم أن القاعدة العامة أن كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه معمول به، سواء جاء عن طريق واحد أو من طريقين أو من ثلاثة أو أكثر.
السؤال: ما هي العلوم التي تعلمها فرض كفاية؟ وهل هناك علم يجب على المسلمين معرفته جميعاً أو أن يعرفوه جميعاً؟
الجواب: نعم حفظ الشريعة واجب على المسلمين عموماً، فلا بد أن يكون في المسلمين من يقوم بحفظ الشريعة، وأما الفرض على الأعيان فإنه يختلف، فقد يجب على شخص من العلوم ما لا يجب على شخص آخر، فمثلاً من كان عنده مال وجب عليه أن يتعلم من أحكام الزكاة ما يستعين به على براءة ذمته، ولكن هذا لا يجب على من ليس عنده مال، من كان يشتغل بالبيع والشراء وجب عليه أن يتعلم من أحكام البيع والشراء ما يصحح معاملاته، ومن ليس مشتغلاً بالبيع والشراء فإنه لا يجب عليه ذلك، فالمهم أن حفظ الشريعة بطلب العلم فرض كفاية على عموم المسلمين، وأما الفرض العيني فهذا يختلف باختلاف الناس، فقد يجب على شخص ما لا يجب على الآخر كما سبق التمثيل به.
السؤال: هل كل ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر من السنة ويثاب على فعله المسلم، أقصد الأمور الخصوصية؟
الجواب: الأمور الخاصة بالرسول عليه الصلاة والسلام خاصة به ليس لنا فيها تعلق، ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، فالنكاح بالهبة لا ينعقد ولا يصح إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله قال: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، والوصال في الصوم، وهو ألا يفطر الإنسان بين اليومين، وهذا منهي عنه إلا للرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا لما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الوصال قالوا: ( يا رسول الله! إنك تواصل؟ فقال: إني لست كهيئتكم )، فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الأمة لا تساويه في هذا الحكم، فما كان خاصاً بالرسول عليه الصلاة والسلام فهو خاص به لا يشمل حكمه الأمة، وأما ما لم يقم دليل على الخصوصية به، فإن الأصل أن الأمة تتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل؛ لقوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب:21]، وهذا في الأمور التعبدية، ولهذا قال: لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب:21].
وأما الأمور العادية فإن فعل النبي عليه الصلاة والسلام لها يدل على إباحتها، ولكنها تكون تبعاً للعادة لا يحكم عليها بأنها سنة مطلوبة بعينها، وهناك أشياء يفعلها النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل الجبلة والطبيعة، كالأكل والشرب والنوم، فهذا ليس له حكم لأنه يفعله عليه الصلاة والسلام بمقتضى الطبيعة والجبلة، لكن قد يكون هذا النوع مشتملاً على أمور مشروعة، مثل النوم على الجنب الأيمن، مثل الأكل باليمين والشرب باليمين وما أشبه ذلك.
فالحاصل أن أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام قسمها أهل العلم على أقسام متعددة، والبحث فيها مطولاً موجود في أصول الفقه، فمن أحب أن يراجعه فليراجعه هناك.
السؤال: الحديث الشريف: ( أنت مع من أحببت )، كيف نكون مع الأنبياء والشهداء الذين نحبهم، وقد فضلوا علينا كثيراً، ونحن أقل منهم في العمل وفي الفضل وفي المنزلة بكثير جداً، أرجو بهذا توجيهي مأجورين؟
الجواب: ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( المرء مع من أحب )، والمعية لا تقتضي المساواة، المعية تدل على مطلق المصاحبة، ولا يلزم أن يكون مساوياً له في الدرجة وفي الأجر والثواب، أرأيت لو قلت: فلان مع فلان في الحجرة، لكن أحد الرجلين يجلس على كنب مستريحاً، وتقدم له الأكلات الطيبة الشهية، والآخر يجلس على حصير وتقدم له أكلات مناسبة، فهنا هما معاً في مكان واحد، لكن يختلف كل واحد من الآخر، فإذا كان المرء مع من أحب، المعنى أنه معهم مصاحب لهم، ولكنه لا يلزم من هذه المصاحبة والمعية أن يكونوا سواء في الثواب.
السؤال: حدثونا عن العباد والزهاد الذين أعرضوا عن زينة الحياة الدينا وزينتها، وأقبلوا على الله وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والحياة الحقيقية الدائمة التي فيها السعادة والطمأنينة في الدارين؟
الجواب: أولاً: يجب أن نعلم أن العباد والزهاد ليس كما يتصوره كثير من الناس هم الذين أعرضوا عن الدنيا كلها، وانزووا في زاوية بعيدين عن الناس، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، لا، إنما العباد هم الذين قاموا بعبادة الله على حسب ما تقتضيه الشريعة، والزهاد هم الذين تركوا ما لا ينفعهم في الآخرة، فما ينفعهم في الآخرة يفعلونه ولو كان في أمور الدنيا، ولهذا لما اجتمع نفر من الصحابة، وقال بعضهم: أنا لا أتزوج النساء، وقال الآخر: أنا لا آكل اللحم، وقال آخر: أنا أقوم ولا أنام، وقال رابع: أنا أصوم ولا أفطر، فوبخهم النبي عليه الصلاة والسلام، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أما أنا فأقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني )، فالزهد حقيقته أن يدع الإنسان ما لا ينفعه في الآخرة، لا أن يدع أمور الدنيا كلها، والعبادة أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما يوافق الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم العباد.
وأما أولئك الذين ينزوون في أماكن ولا يعرفون الناس ولا يعرفهم الناس، ولا ينالون شيئاً مما أباح الله لهم من الطيبات، فإن هؤلاء إلى الذم أقرب منهم إلى المدح، لأن الله تعالى يقول: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32]، فالحاصل أن العباد والزهاد هم أولاً العباد الذين يقومون بعبادة الله على ما تقتضيه الشريعة الظاهرة، والزهاد هم الذين يزهدون فيما لا ينفعهم في الآخرة، لا في أمور الدنيا كلها، فقد تكون من أمور الدنيا ما ينفع الإنسان في الآخرة، كالمال مثلاً، فالمال قد يكون نافعاً للإنسان في الآخرة، ونعم المال الصالح عند الرجل الصالح، وما أكثر الذين نفعوا المسلمين بأموالهم، واسوا الفقراء، وأصلحوا الطرق، وأعانوا في الجهاد، وطبعوا الكتب النافعة، وحصل في أموالهم خير كثير وهم يشتغلون بالمال.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3342 استماع |