فتاوى نور على الدرب [417]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم الصلاة خلف إمام مبتدع؟

الجواب: الصلاة خلف الإمام المبتدع إن كانت بدعته مكفرة فإنه لا يجوز أن تصلي خلفه؛ لأن صاحب البدعة المكفرة لا تقبل له صلاة؛ لأن الكفر يمنع من قبول الصلاة، وإذا كانت لا تقبل صلاته فكيف تقتدي أو تأتم بإمام لا صلاة له، لكن إذا كنت لا تدري عنه وصليت خلفه ثم تبين لك بعد ذلك أنه مبتدع بدعة مكفرة فإن صلاتك صحيحة؛ لقول الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، والإنسان لا يعلم الغيب.

أما إذا كانت البدعة مفسقة لا تخرج الإنسان من الإسلام فإن الصلاة خلفه صحيحة على القول الراجح، وهو أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة؛ لأنه -أعني: الفاسق- تصح صلاته وتقبل صلاته، وفسقه وعدالته لنفسه ليس علينا منها شيء مادام يأتي بالصلاة على الوجه المطلوب، أما إذا كان يخل بالصلاة فإنك لا تصلي خلفه ولو كان سليماً من البدعة والفسوق.

هذا هو حاصل ما يقال عن الرجل المبتدع، على أن بعض العلماء يقول: إن الفاسق مطلقاً لا تجوز الصلاة خلفه ولكن هذا قول مرجوح، والراجح أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة، ولكن كما قلت لك: إذا كان يخل بالصلاة فلا تصل خلفه، وكذلك أيضاً إن أمكنك أن تجد إماماً عدلاً مستقيماً في دينه فإن صلاتك خلفه أولى من صلاتك خلف هذا الرجل الفاسق.

السؤال: أخذ الأجرة مقابل التلاوة بالنسبة لقراءة القرآن، وخصوصاً الذين يقرءون القرآن في المناسبات؟

الجواب: أخذ الأجرة على قراءة القرآن حرام؛ وذلك لأن قراءة القرآن لا تقع إلا قربة، وكل عمل لا يقع إلا قربة فإن أخذ الأجرة عليه حرام، والقارئ إذا أخذ الأجرة على هذه القراءة فإن الأجرة عليه حرام ولا ثواب له من هذه القراءة.

وبهذا نعرف خطأ أولئك القوم الذين يستأجرون من يقرأ لميتهم في أيام وفاته، فإني أقول لهم: إن عملكم هذا عمل بائر ليس فيه فائدة بل فيه مضرة؛ لأنكم أعنتم هذا القارئ على الإثم حيث أخذ أجرةً على قراءته؛ ولأن هذه الدراهم قد تكون مأخوذة من تركة الميت، وقد يكون فيها وصية، وقد يكون في الورثة صغار، فيظلمون بأخذ شيء مما يستحقونه من هذه التركة، ثم إن ميتكم لن ينتفع بهذه القراءة إطلاقاً؛ وذلك لأن هذه القراءة ليس فيها ثواب عند الله، وإذا لم يكن فيها ثواب فمن أين تأتي الفائدة لهذا الميت.

إذاً: فالواجب البعد عن هذا العمل والتحذير منه والتناصح بين المسلمين من أجل القضاء عليه وإخلاء المسلمين منه.

السؤال: هل يستدل بالأحاديث الضعيفة؟

الجواب: الأحاديث الضعيفة لا يستدل بها ولا يجوز أن تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على وجه يبين فيه أنها ضعيفة، ومن حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )، فلا يجوز العمل بالحديث الضعيف.

لكن بعض أهل العلم رخص في ذكر الحديث الضعيف بشروط ثلاثة:

الشرط الأول: ألا يكون ضعفه شديداً.

والشرط الثاني: أن يكون له أصل.

والشرط الثالث: أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

فإن كان الضعف شديداً فإنه لا يجوز ذكر الضعيف أبداً إلا إذا كان الإنسان يريد أن يبين ضعفه، وإذا كان ليس له أصل فإنه لا يجوز ذكره أيضاً.

مثال الذي له أصل: أن يأتي حديث في فضل صلاة الجماعة مثلاً وهو ضعيف، فلا حرج من ذكره هنا للترغيب في صلاة الجماعة؛ لأنه يرغب في صلاة الجماعة ولا يضر؛ لأنه إن كان صحيحاً فقد نال الثواب المرتب عليه، وإن لم يكن صحيحاً فقد استعان به على طاعة الله، لكن مع ذلك يأتي الشرط الثالث: أن لا تعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، ولكن ترجو أن يكون قاله من أجل ما ذكر فيه من الثواب.

على أن بعض أهل العلم قال: إن الحديث الضعيف لا يجوز ذكره مطلقاً إلا مقروناً ببيان ضعفه، وهذا القول لا شك أنه أحوط وأسلم للذمة، ومسألة الترغيب والترهيب يكفي فيها الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السؤال: حلفت على زوجتي أنها إذا ذهبت إلى بيت فلان تكون محرمة عليّ مثل أختي، يقول المستمع: وذهبت وقالت لي إنني نسيت، فما الحكم في ذلك أفيدوني مأجورين؟

الجواب: أولاً: ننصحك عن إطلاق هذه الكلمات لأنها كلمات خطيرة جداً، والإنسان إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي أو كظهر أختي أو ما أشبه ذلك كان مظاهراً، وقد بين الله سبحانه وتعالى حكم الظهار في كتابه، فقال: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [المجادلة:2]، وبين أن كفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، ومع ذلك لا يجوز أن يقرب زوجته حتى يكفر، حتى يكفر بإعتاق الرقبة إن كان قادراً وبصيام شهرين متتابعين إن لم يكن قادراً على عتق رقبة وبإطعام ستين مسكيناً إن لم يكن قادراً على صيام الشهرين، فالأمر في هذا خطير.

أما في ما يتعلق بسؤالك فإذا كانت امرأتك ناسية فإنه لا حنث عليك، أي: ليس عليك كفارة؛ لأن القول الراجح أن من حنث غيره وهو ناسي فإن هذا الغير لا يحنث، كما أن الحالف نفسه إذا فعل الشيء وهو ناس، أي: إذا فعل الشيء الذي حلف عليه وهو ناس فإنه ليس عليه كفارة.

السؤال: رجل قابل زوجته في مطار جدة وهي محرمة بالعمرة وهو مقيم بمكة، فأحرم من المطار بجدة. فأرجو الافادة عن صحة عما فعلناه؟

الجواب: أما المرأة فهي محرمة كما ذكر السائل، والظاهر أنها قد أحرمت من الميقات فيكون إحرامها صحيحاً لا شيء فيه، وأما الرجل فإحرامه أيضاً صحيح؛ لأنه إذا كان مقيماً بمكة وأحرم من جدة فقد أحرم من الحل فيكون إحرامه صحيحاً ولا حرج عليه.

السؤال: أحد الطلاب المتمسكين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقول: وموفق في دراستي والحمد لله، ولكنني أنظم الشعر كثيراً، وأقوله في المناسبات وغير المناسبات، مما جعلني أقضي جل وقتي أقرأ كتب الشعر وأنظم الشعر، فما حكم هذا العمل؟

الجواب: إذا كنت تقول الشعر المباح أو الشعر الذي فيه الخير للناس وتوجيههم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم فلا حرج عليك في ذلك، أما إذا كنت تقول شعراً محرماً ساقطاً سافلاً فإن هذا حرام عليك.

ومع هذا فنقول: إن الأولى بك وأنت طالب علم أن تدع هذا العمل، وأن تقبل على طلب العلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والأئمة من بعدهم حتى ينفعك الله بذلك؛ لأن ما أنت عليه الآن إما أن تكون فيه سالماً، أو مأجوراً بأجر لا يساوي طلب العلم الشرعي المبني على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الصحابة والأئمة، وإما أن تكون مأزوراً إذا كان ما تقوله من الشعر شعراً ساقطاً سافلاً يدعو إلى الفجور والفحشاء.

فنصيحتي لك أن تدع ما أنت عليه الآن من الشعر ومراجعة الدواوين، وأن تقبل على العلم الشرعي لعل الله أن ينفعك بذلك.

السؤال: هل تغيير لون الشعر بالأصباغ الكيماوية الموجودة بالأسواق حرام؟

الجواب: أما تغيير لون الشعر من الأبيض إلى الأسود فإن هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتجنبه، وقد ورد حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام فيه وعيد على من خضّب شيبه بالسواد.

وأما تغيير الشعر بألوان أخرى فإن ذلك لا بأس به؛ لأن الأصل الإباحة حتى يقوم دليل على المنع، اللهم إلا أن يكون في هذا مشابهة لنساء الكفار فإن ذلك لا يجوز لأن مشابهة الكفار حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم ).

ثم إنها ذكرت في سؤالها بأنها كيماوية، وبناء على هذا يجب مراجعة الأطباء في ذلك هل تؤثر هذه الأصباغ على شعر الرأس وجلدته بضرر؛ فإنه لا يجوز استعمالها إذا ثبت هذا.

السؤال: امرأة يمتاز شعرها بتجعده، ولذلك تضطر أحياناً إلى إجراء بعض العمليات المتعارف عليها وهي اللف، جعل الشعر على شكل خصلات صغيرة وهو رطب ويلف على أسطوانات ثم بعد جفافه تزال هذه الأسطوانات فيكون الشعر بعد ذلك منسدلاً ويزول التجعد.

هل هذه العملية محرمة في كونها تغييراً لخلق الله، مع العلم بأن الشعر يرجع إلى طبيعته عند تعريضه للماء أي: يزول بمجرد الاستحمام، كما أن عملية اللف تستغرق وقتاً، حيث تبقى خصلات الشعر ملفوفة على هذه الأسطوانات إلى أن يجف الشعر، وقد يأتي وقت الصلاة فتصلى على هذه الحالة، فهل الصلاة صحيحة؟ علماً بأن الشعر لا يكون منسدلاً، بل كل خصلة منه تكون ملفوفة حول الأسطوانة الخاصة بها، كما أن حجم الرأس يكون كبيراً بسبب وجود الأسطوانات، نقول: كذلك عند الوضوء أعمد إلى تغطية رأسي بقطعة قماش فأمسح من فوقها حتى لا يتأثر ويفسد شعري بالماء، وذلك بالاعتماد على قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من لم يطهره المسح فوق العمامة فلا طهره الله) توجيه فضيلة الشيخ حول هذا السؤال؟

الجواب: الذي أرى أنه لا ينبغي للمرأة أن تضيع أوقاتها بمثل هذه الأمور التي لا تكتسب منها شيئاً، اللهم إلا جمالاً موهوماً في مدة معينة ثم يزول، وهي في هذا تخسر وقتاً كثيراً من وقتها وتخسر مالاً بحسب هذا الدواء أو هذا الشيء الذي جاءت به.

فنصيحتي لها أن تدع مثل هذه الأمور وأن تقبل على ما ينفعها في دينها ودنياها، وأن لا تكلف نفسها مشقة هذه الأعمال، ولكن لا أستطيع أن أقول: إن هذا حرام ما دامت تقوم بالواجب عليها من مسح الرأس مباشرة بدون أن تضع عليه هذه المنديل.

وأما ما ذكرت عن عمر فلا أدري عنه، ولكن عمر رضي الله عنه يتكلم عن العمامة، والعمامة لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته في وضوئه، والمسح على العمامة من الأمور المشروعة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما هذا المنديل الذي توضع على الرأس لوقايته من الماء في حال استعمال هذه الأنبوبات فإنه ليس من باب العمائم بشيء.

السؤال: هل يجوز أخذ أجرة مقابل تغسيل وتكفين الموتى؟

الجواب: إذا كانت هذه الأجرة أو هذا العطاء بدون شرط فلا شك في جوازه ولا حرج فيه؛ لأنه وقع مكافأة لهذا الغاسل المكفن على عمله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه ).

أما إذا كانت هذه الأجرة مشروطة فإنها بلا شك تنقص أجر الغاسل المكفن؛ لأن الغاسل المكفن ينال أجراً كبيراً، فتغسيل الميت وتكفينه من فروض الكفاية، فيحصل للغاسل والمكفن أجر فرض الكفاية، لكن إذا أخذ على ذلك أجرة فإن أجره سوف ينقص ولا حرج عليه إذا أخذ أجرة على هذا؛ لأن هذه الأجرة تكون في مقابل العمل المتعدي للغير، والعمل المتعدي للغير يجوز أخذ الأجرة عليه، كما جاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن على القول الصحيح.

السؤال: شاب كثير المزاح مع الأصدقاء والإخوان في الرحلات وفي المناسبات، وعرف بهذا، فهل يلحقه إثم بهذا؟

الجواب: إذا كان هذا المزاح حقاً بحيث لا يتضمن كذباً ولا يتضمن سخرية بأحد، وإنما هو مرح من أجل شرح صدور إخوانه وأصحابه فإنه لا بأس به، بل قد يكون مأجوراً عليه بالنية الطيبة، إذا قصد بذلك دفع السآمة عن إخوانه وإدخال السرور عليهم.

أما إذا تضمن كذباً أو سخرية بأحد فإنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له ).

وأما السخرية فهي حرام أيضاً؛ لأن المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه، والسخرية به من أكبر خدش عرض أخيه.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع