خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [398]
الحلقة مفرغة
السؤال: ما معنى هذا الحديث: قال عليه الصلاة والسلام: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء ).. الحديث؟
الجواب: معنى هذا الحديث أن الإنسان إذا صلى الصبح في جماعة كان في ذمة الله, أي: في عهد الله وأمانه, ومن كان في ذمة الله, أي: عهده وأمانه, فإنه على خير؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا أحد أوفى بعهده من الله, كما قال تعالى: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111].
وقوله: (فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) المعنى: الحث على صلاة الجماعة في صلاة الصبح؛ لأنك إذا لم تصل لم تكن في عهد الله ولا في أمانه, فيطلبك الله سبحانه وتعالى بذلك, وصلاة الجماعة في الفجر من أفضل الأعمال. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً )، وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى البردين -يعني: الفجر والعصر- دخل الجنة )، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا ).
والمهم أن هذا الحديث يدل على فضيلة صلاة الفجر, ولاسيما مع الجماعة, وأن من صلاها جماعة فهو في ذمة الله عز وجل.
السؤال: مستمعة تسأل عن هذا الحديث ومدى صحته عن عبد الله بن قتادة قال: دخل علي أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة، فقال: غسلك هذا من جنابة أو للجمعة, قلت: من جنابة قال: أعد غسلاً آخر, إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى ). رواه الطبراني في الأوسط؟
الجواب: نعم, هذا الحديث لا يحضرني الآن حكمه, هل هو صحيح أو غير صحيح, لكن غسل الجمعة مؤكد جداً, بل هو واجب على القول الراجح عندي, واجب على من يحضر الجمعة, ودليل ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم )، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل )، ولما دخل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يوم الجمعة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخطب, كأنه لامه على تأخره، فقال: والله ما عدوت على أن توضأت ثم جئت فقال: ووضوء أيضاً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل )، قال ذلك وهو يخطب الناس, وكأنه رضي الله عنه يرى أن هذا أمر لا بد منه, ومن المعلوم أننا لو وجدنا في كتاب المصنف غسل الجمعة واجب لم نفهم منه إلا الوجوب الذي يأثم الإنسان بتركه, فكيف والذي نطق به أفصح الخلق, وأنصح الخلق, وأعلم الخلق؟ يقول: غسل الجمعة واجب ثم يؤكد ذلك بذكر وصف مناسب, للتكليف والإلزام، وهو قوله: (على كل محتلم) أي: على كل بالغ, وليس لهذا الحديث ما يعارضه إلا الحديث الذي اختلف فيه حديث سمرة: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل ).
وفي القلب من هذا الحديث شيء, أولاً: من جهة اختلاف العلماء في سماع الحسن من سمرة إما مطلقاً, أو في ما سوى حديث العقيقة, وثانياً: أن التركيب اللفظي فيه, ليس كالتركيب المعهود من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح العرب, وسياق هذا الحديث فيه شيء من الركاكة, ففي القلب منه شيء, وإذا كان كذلك فإنه لا ينبغي أن يعارض به الحديث الصريح الصحيح الواضح: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم ). (وإذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل ). وإذا كان من المعروف عن أهل العلم أن الأصل في الأمر الوجوب, ثم أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوجوب في قوله: (غسل الجمعة واجب )، فلا مناص عن العمل بذلك, وإذا اجتمع على الإنسان غسل الجمعة, وغسل الجنابة, فلا بأس أن ينويهما بغسل واحد, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ). وكما لو دخل الإنسان المسجد فصلى الفريضة, فإنها تجزأ عن تحية المسجد, وقال بعض أهل العلم: إنه لا بد أن يغتسل أولاً للجنابة, ثم يغتسل ثانياً للجمعة, لكن القول الأول أولى, وهو الاكتفاء بغسل واحد عن الجنابة وعن غسل الجمعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لك امرئ ما نوى )، فإذا نوى الغسل عنهما جميعاً حصلا.
السؤال: إذا وضعت المرأة في وجهها بعض الأطعمة لغرض إزالة البقع, أو لصفاء البشرة, مثل: الليمون, والطماطم, والخيار, فما حكم الشرع في هذا العمل في نظركم فضيلة الشيخ؟
الجواب: الذي أرى أنه لا بأس به؛ لأن الله يقول: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وليس في استعمال هذه الأطعمة في الوجه تقليل لها, أو تنجيس لها, حتى يقال: إنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستجمار بالعظام؛ لأنها زاد إخواننا من الجن, ونص أهل العلم على تحريم الاستنجاء بالأطعمة, ومسح الوجه بها ليس من هذا الباب؛ لأن الوجه أشرف أعضاء الإنسان, فإذا استعملت هذه الأشياء فيه, إما لإزالة عيب كالبقع, أو لزيادة التجميل, فلا أعلم في هذا بأساً, والأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع, لكن إن أمكن أن يكون ذلك بأدهان أخرى فهذا أحسن وأولى؛ لأنه قد يقول قائل: إن استعمال الأطعمة في هذا فيه شيء من السرف والتجاوز؛ لأن الأطعمة للأكل, وليست لمسح الوجوه والتزين والتجمل, فإذا حصل العدول عنها إلى أشياء أخرى تحصل المقصود فهو أولى.
السؤال: كثير من الناس يشكون من الملل من كثرة الفراغ, فبماذا تنصحون هؤلاء مأجورين؟
الجواب: لا شك أن الملل قتل للنفس, وإفساد للبدن, وجلب للهموم والغموم, ومن أكبر أسبابه ما تسابق الناس عليه اليوم من جلب الخادمات في البيوت حتى أصبحت ربات البيوت ليس لهن شغل في البيت, فتجد المرأة دائماً في هم, تجلس في إحدى ربع البيت, يعني: زوايا البيت ليس لها إلا الهم, أو أن تخرج تتسكع في الأسواق, أو إلى الجيران, وتتعبهم وتملهم, ولو سلم الناس من هؤلاء الخدم وصارت المرأة هي التي تخدم في بيتها كما هو شأن نساء الصحابة, في عهد الصحابة, وكما هو شأن الناس إلى يومنا هذا, لكان هذا خيراً وأولى, وفيه حفاظ المرء على ماله, وحفاظه أيضاً على عرضه, وحفاظ أهله من الخواء الفكري والبدني, وبهذه المناسبة أنصح إخواني المسلمين عن جلب الخدم إلا للضرورة القصوى التي لا يمكن دفعها إلا بذلك, أما إذا كان الحامل على هذا زيادة الترف والتنعم فإن هذا يجر بلاء كثيراً, وتحصل به مفاسد إلا أن يشاء الله, ولاسيما إذا جاءوا بامرأة كافرة, فإن ذلك أقبح؛ لأن المرأة الكافرة ربما يكون هناك أطفال يغترون بها, وربما يكون هناك أطفال بلغوا سن التمييز, فيتساءلون: لماذا هذه لا تصلي, ولا تتوضأ, ولا تصوم؟ ويحصل في نفوسهم تهوين الدين والعمل به, ولاسيما إذا لم يكن معها محرم, فإن الخطر يكون أعظم وأكبر, والمهم أن هذه مشكلة في الواقع لا يمكن حلها إلا أن يتقلص الطلب على هؤلاء الخدم, ويرجع الناس إلى حالهم الأولى إلا عند الضرورة القصوى التي لا بد من وجود الخادم فيها.
السؤال: هل الصلاة أحب الأعمال إلى الله جل جلاله؟
الجواب: ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال، وهو يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله ) قال رضي الله عنه: ولو استزدته لزادني. فهذا الحديث نص واضح في جواب هذه السائلة أن الصلاة على وقتها أحب العمل إلى الله عز وجل.
السؤال: تسأل عن صحة هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً )؟
الجواب: هذا الحديث فيه مقال, فإن من أهل العلم من ضعفه, ومنهم من حسنه, وأظن أن بعض العلماء صححه, فإذا عمل به الإنسان رجاء الثواب, فإنه يرجى له حصول هذا الثواب وهو رحمة الله عز وجل, ولكن لا يدل على أن هذه الصلاة راتبة, ولهذا ليس للعصر راتبة لا قبلها ولا بعدها, لكن إذا صلى الإنسان فإنه يكون إن صح الحديث نائل لهذا الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال: هل صحيح أن من يقرأ سورة الكهف ليلة الجمعة يضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق؟
الجواب: لا, هذا ليس بصحيح, لكنه ورد حديث في فضل قراءتها يوم الجمعة, لا ليلة الجمعة, ولهذا ينبغي للإنسان أن يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة, والاحتياط أن يكون ذلك من بعد طلوع الشمس, ولا فرق بين أن يقرأها قبل الصلاة أو بعد الصلاة.
السؤال: ما الفرق بين طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع؟
الجواب: الفرق بينها, أن طواف القدوم إذا كان من القارن والمفرد سنة, وليس بواجب, يعني: لو تركه الحاج المفرد أو القارن فلا حرج عليه, ودليل ذلك أن عروة بن مضرس رضي الله عنه وافق النبي صلى الله عليه وسلم في صباح يوم العيد صلى معه في مزدلفة صلاة الصبح, وأخبره أنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه )، ولم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم طواف القدوم، وهذا يدل على أنه ليس بواجب, أما إذا كان طواف القدوم من معتمر, فإنه ركن في العمرة, سواء كانت العمرة عمرة تمتع أو عمرة مفردة.
وأما طواف الإفاضة, فإنه ركن في الحاج, وهو الذي يكون من بعد الوقوف في عرفة والوقوف في مزدلفة, ولا يتم الحج إلا به.
وأما طواف الوداع فهو واجب من واجبات الحج, وكذلك واجب من واجبات العمرة, لكنه ليس من ذات الحج ولا من ذات العمرة, ولهذا لا يجب على من لم يغادر مكة, والفرق بين الطواف الواجب والطواب الركن, أن طواف الركن لا يتم النسك إلا به, وأما الطواف الواجب وهو طواف الوداع, فإن النسك يتم بدونه, ولكن إذا تركه الإنسان فعليه فدية, وهي ذبح شاة في مكة يوزعها على الفقراء, فصار الفرق, كما يلي: طواف القدوم سنة, إلا طواف المعتمر فإنه ركن العمرة, طواف الإفاضة ركن في الحج, لا يتم الحج إلا به, طواف الوداع واجب, يتم النسك بدونه, ولكن في تركه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.
السؤال: ماذا تفعل المرأة إذا حاضت قبل الإحرام أو بعده أثناء المناسك؟
الجواب: إذا حاضت المرأة قبل الإحرام, فإنها تحرم إذا وصلت الميقات ولو كانت حائضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس حين نفست في الميقات أن تغتسل وتستذفر بثوب وتحرم, وهذا دليل على أن النفاس لا يمنع الإحرام وكذلك الحيض, وأما إذا حاضت بعد الإحرام ففيه تفصيل، فإذا كانت في العمرة, فإن حاضت قبل الطواف, انتظرت حتى تطهر, ثم تطوف بعد ذلك أو تسعى, وإن حاضت بعد الطواف, سعت ولو كانت حائضاً وقصرت وتتم عمرتها, وإن كان ذلك في الحج, حاضت بعد أن أحرمت بالحج, فإن كان هذا بعد طواف الإفاضة, أتمت حجها ولا شيء عليها, يعني: مثل أن يأتيها الحيض في يوم النحر بعد أن تطوف طواف الإفاضة, فإنها تتم حجها فتبيت في منى وترمي الجمرات ولو كانت حائضاً، وإذا أرادت أن تخرج والحيض لازال باقياً فإنها تخرج بلا وداع, وأما إن أتاها الحيض قبل طواف الإفاضة, انتهى في عرفة مثلاً: فإنها تبقى على إحرامها وتقف بعرفة وبمزدلفة, وترمي الجمرات, لكنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر, ودليل امتناع طواف الحائض أن صفية رضي الله عنها حاضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت )، وهذا دليل على أن الحائض لا تطوف؛ لأنها لو كانت تطوف لم تكن لتحبس النبي صلى الله عليه وسلم, وكذلك حديث عائشة حين حاضت بسرف فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: (ما يبكيك لعلك نفست؟ قالت: نعم, قال: هذا شيء كتبه على بنات آدم, ثم أمرها أن تحرم بالحج وأن تفعل ما يفعله الحاج غير ألا تطوف بالبيت ولا بالصفا والمروة )، وإنما تركت الطواف بالصفا والمروة؛ لأنه يكون بعد الطواف بالبيت, وإلا فإن الطواف بالصفا والمروة, لا يمتنع على الحائض.
السؤال: ما حكم السلام بعد الصلاة على من يجلس عن يمينك وشمالك؟ هل هي بدعة أحدثتها بعض الفرق كما سمعنا؟ وما الواجب علي في هذه الحالة بالرغم من انتشارها بين الناس؟
الجواب: أما السلام على من يمينك ويسارك بعد السلام من الصلاة مباشرة كما يفعله بعض الناس بحيث يبدأ به قبل أن يقول: أستغفر الله وقبل أذكار الصلاة, فهذا لا شك أنه ليس بمشروع, وأنه ينبغي أن ينبه الناس عليه وأما إن انتهى من أذكار الصلاة وفرغ منها, ثم سلم على من كان على يمينه وعلى شماله, للتودد والتحبب, لا من أجل أن ذلك مشروع عقب الصلاة, فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه, لكن من اعتقد أن هذا مشروع وفعله على سبيل التعبد والمشروعية, فإن ذلك بدعة ينهى عنه, ففرق بين من يتعبد بفعل الشيء غير المشروع ويعتقد مشروعيته وبين من يفعله على سبيل التودد والتحبب بعد أن يفعل ما يشرع دبر الصلاة, فالأول بدعة, والثاني لا يظهر أن فيه بأساً, ولكن يظهر من فعل بعض الناس أنهم يعتقدون أنه سنة؛ لأنهم يبادرون به بعد السلام مباشرة؛ ولأن بعضهم قد يكون هو وأصحابه قد دخلوا جميعاً, ثم إذا سلم من الصلاة سلم عليهم, وهذا يدل على أنه يظن أو يعتقد أن ذلك من السنة وليس من السنة.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3342 استماع |