فتاوى نور على الدرب [296]


الحلقة مفرغة

السؤال: نحن نعلم بأن الله سبحانه وتعالى قد أعد الحور العين لعباده المؤمنين يوم القيامة في الجنة, فإذا كان هنالك امرأة مؤمنة, وأدخلها الله سبحانه وتعالى الجنة برحمته, أما زوجها لسوء سعيه في الدنيا لم يدخل الجنة, فمن يكون زوجها يومئذٍ؟

الجواب على سؤاله هذا يؤخذ من عموم قوله تعالى: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:31-71] ومن قوله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71] .

فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال, -وهم أعني: من لم يتزوج من الرجال- لهم زوجات من الحور, ولهم زوجات من أهل الدنيا إذا شاءوا, واشتهت ذلك أنفسهم, وكذلك نقول بالنسبة للمرأة إذا لم تكن ذات زوج أو كانت ذات زوج في الدنيا ولكن زوجها لم يدخل مع أهل الجنة: إنها إذا اشتهت أن تتزوج فلا بد أن يكون لها ما تشتهيه؛ لعموم هذه الآيات, ولا يحضرني الآن نص خاص في هذه المسألة, والعلم عند الله تعالى.

السؤال: امرأة تخصص ثوباً للصلاة وهو من ثياب الرجال هل تجوز صلاتها؟ وهل يدخل ذلك في باب التشبه بالرجال؟

الجواب: إذا كان الثوب الذي تلبسه المرأة من الثياب الخاصة بالرجال فإن لبسها إياه حرام، سواء كان في حال الصلاة أو في غير حال الصلاة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( لعن المتشبهات من النساء بالرجال، ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء ) فلا يحل لامرأة أن تلبس ثوباً خاصاً بالرجل, ولا يحل للرجل أن يلبس ثوباً خاصاً بالمرأة, ولكن يجب أن نعرف ما هي الخصوصية؟

ليست الخصوصية في اللون, ولكنها في اللون والصفة, ولهذا يجوز للمرأة أن تلبس الثوب الأبيض إذا كان تفصيله ليس على تفصيل ثوب الرجل, وإذا تبين أن لبس المرأة ثوباً يختص بالرجل حرام, فإن صلاتها فيه لا تصح عند بعض أهل العلم الذين يشترطون في السترة أن يكون الساتر مباحاً, وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم: فمن العلماء من اشترط في الثوب الساتر أن يكون مباحاً, ومنهم من لم يشترط ذلك.

وحجة القائلين باشتراطه أن ستر العورة من شروط الصلاة, ولا بد أن يكون الشرط مما أذن الله فيه, فإذا لم يأذن الله فيه لم يكن ساتراً شرعاً لوقوع المخالفة.

وحجة من قالوا بصحة الصلاة فيه مع الإثم أن الستر قد حصل, والإثم خارج عن نطاق الستر وليس خاصاً بالصلاة, بتحريم لبس الثوب المحرم في الصلاة وخارجها, وعلى كل حال فالمصلي في ثوب محرم عليه على خطر في أن ترد صلاته ولا تقبل منه.

السؤال: امرأة أرادت أن توكل إنساناً ليحج لها لعلمه وثقتها فيه بأن يؤدي المناسك كاملة ولقلة معرفتها بمناسك الحج, ثم إنها تخاف على نفسها من ظروف العادة وغيرها, ولكي تقوم بتربية أولادها ومراعاتهم في البيت, هل يجوز ذلك شرعاً في نظركم يا فضيلة الشيخ؟

الجواب: توكيل الإنسان من يحج عنه لا يخلو من حالين:

الحال الأولى: أن يكون ذلك في فريضة.

والحال الثانية: أن يكون ذلك في نافلة, فإن كان ذلك في فريضة فإنه لا يجوز أن يوكل غيره ليحج عنه ويعتمر إلا إذا كان في حال لا يتمكن بنفسه من الوصول إلى البيت لمرض مستمر لا يرجى زواله أو لكبر ونحو ذلك, فإن كان يرجى زوال هذا المرض فإنه ينتظر حتى يعافيه الله ويؤدي الحج بنفسه, وإن لم يكن لديه مانع من الحج بل كان قادراً على أن يحج بنفسه, فإنه لا يحل له أن يوكل غيره في أداء النسك عنه؛ لأنه هو المطالب به شخصياً, قال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] فالعبادات يقصد بها أن يقوم الإنسان بنفسه فيها ليتم له التعبد والتذلل لله سبحانه وتعالى, ومن المعلوم أن من وكل غيره فإنه لا يحصل على هذا المعنى العظيم الذي من أجله شرعت العبادات.

وأما إذا كان الموكل قد أدى الفريضة, وأراد أن يوكل عنه من يحج أو يعتمر فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم, فمنهم من أجازه, ومنهم من منعه, والأقرب عندي المنع, وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه أو يعتمر إذا كان ذلك نافلة؛ لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه, وكما أنه لا يوكل الإنسان أحداً يصوم عنه, مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عنه وليه, فكذلك في الحج, والحج عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه, وليست عبادة مالية يقصد بها نفع الغير, وإذا كان عبادة بدنية يقوم بها الإنسان ببدنه فإنها لا تصح من غيره عنه إلا فيما وردت به السنة, ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حتى نعم, وهذه إحدى الروايتين عن أحمد , أعني: أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في نفل حج أو عمرة سواء كان قادراً أم غير قادر.

ونحن إذا قلنا بهذا القول صار في ذلك حث على الأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم, لأن بعض الناس تمضي عليه السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام, فيفوته المعنى الذي من أجله شرع الحج على أساس أنه يوكل من يحج عنه.

السؤال: دخلت المسجد لأصلي, وفوجئت بإمام لا أحب أن أقتدي به, فماذا يجب علي أن أفعل لكي أكسب أجر صلاة الجماعة؟

الجواب: إذا دخلت المسجد لأداء صلاة الجماعة ووجدتهم يصلون فصل معهم, حتى وإن كان الإمام ممن تكرهه؛ لأن صلاة الجماعة واجبة, وقد حصلت لك فلا يحل لك أن تفرط فيها, ولكن يبقى النظر لماذا كرهت هذا الرجل؟ هل هو لخلل في دينه أو لعداوة شخصية بينكما؟ إن كان لعداوة شخصية بينكما فإن الواجب على المسلم نحو أخيه أن يزيل ما بينه وبين أخيه من الأحقاد, وأن يجعل بدل هذه الأحقاد ألفة ومحبة؛ لأن الله تعالى قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] والأخوة ينافيها الحقد والعداوة والبغضاء, وبإمكان الإنسان أن يذلل كل الصعاب التي تحول بينه وبين حلول الألفة مع إخوانه المؤمنين.

وأما إذا كانت كراهتك له لخلل في دينه فإن الواجب عليك أن تناصحه, وتبين له ذلك الخلل حتى يقوم بإصلاحه ويستقيم على أمر الله, وأما ترك الناس بعضهم بعضاً إذا رأوا منهم خللاً في دينهم وإضمار الحقد والعداوة لهم, فإن هذا خلاف حال المؤمنين الذين قال الله فيهم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] وهذا هو الخسارة التي قال الله فيها: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] فواجب المسلمين نحو بعضهم بعضاً أن يتناصحوا فيما بينهم, ويتآمروا بالمعروف, ويتناهوا عن المنكر.

السؤال: ما مدى صحة الحديث فيما معناه: ( من بر الوالدين بعد مماتهما أن تصلي لهما مع صلاتك, وأن تصوم لهما مع صيامك

الجواب: هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن من بر الوالدين بعد مماتهما أن تستغفر لهما, وتدعو الله لهما, وتكرم صديقهما, وتصل الرحم التي هم الصلة بينك وبينهما, هذا من بر الوالدين بعد موتهما, وأما أن تصلي لهما مع صلاتك الصلاة الشرعية المعروفة أو أن تصوم لهما, فهذا لا أصل له.

السؤال: في غزوة مؤتة هل كان استشهاد القادة الثلاثة: زيد بن حارثة و جعفر بن أبي طالب و عبد الله بن رواحة السبب الأساسي وراء هزيمة المسلمين في هذه الغزوة أم الكثرة العددية للروم وحلفائها من القبائل هو السبب؟

الجواب: السبب هو كثرة أعداء المسلمين في هذه الغزوة, ولهذا لما أخذ الراية خالد بن الوليد رضي الله عنه وانحاز بهم في مكان آمن قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثم أخذها خالد , ففتح الله عليه ) أو قال: ( فتح الله على يديه ) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم السلامة من الهزيمة فتحاً لأن بها خلاصاً للمؤمنين من عدوهم.

السؤال: إنني أبعث إليكم هذه الرسالة طالباً من فضيلتكم التكرم بإلقاء نصيحة لبعض الآباء هداهم الله, والذين يطلبون على بناتهم مهراً لا يقدر عليه الشباب, وإنني واثق أن كثيراً من الشباب والشابات قد حرموا من الزواج, والسبب هو أهل البنت وطمعهم عندما يتقدم أحد لطلب بناتهم؟

الجواب: إن نصيحة هؤلاء الآباء الذين يجعلون بناتهم سلعاً يتجرون بها متوفرة ولله الحمد في خطباء المساجد وفي كلمات الوعاظ فيما أظن, ولكن لا مانع من أن أضم صوتي إلى أصواتهم فأقول: إن الله سبحانه وتعالى جعل الولاية للرجال على النساء, وجعل الرجال قوامين عليهم لما في الرجال من القوة العقلية والبدنية والنظر البعيد ومعرفة الأمور، وغير ذلك مما فضل الله به الرجال؛ كما قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، وقال سبحانه وتعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] ومن ثم جعل الله للرجال الولاية على النساء في عقد النكاح, فلا يصح نكاح إلا بولي, ولكن هذا الولي يجب عليه أن يتقي الله عز وجل, وأن يؤدي الأمانة فيمن ولاه الله عليها من النساء، سواء كانت ابنته أو أخته أو أي امرأة كانت ممن له ولاية عليها, ولا يحل له أن يخون هذه الأمانة فيجبرها على الزواج بمن لا تريد, ولا أن يخون هذه الأمانة فيمنعها من الزواج ممن تريد وهو كفؤ في دينه وخلقه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ).

ويجب على الولي أن يكون أول مراعاة له مصلحة المرأة؛ لأنه إذا كان الله عز وجل يقول: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152] فكيف بنفس الشخص, فلا يجوز لنا أن نتصرف إلا بما هو أحسن له, ومنع النساء من الزواج من بعض الأولياء أهل الجشع والطمع الذين فقدت فيهم كمال الرحمة والشفقة هذا المنع منع محرم؛ لأنه خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ) ولأنه جناية وعدوان على المرأة إذا خطبها من هو كفو لها فمنعها منه وهي تريده.

وما أدري لو أن أحداً منع هؤلاء الأولياء من النكاح بمن يريدون وهم في حاجة إليه, أفلا يرون أن ذلك جناية عليهم؟ وإذا كانوا يرون ذلك جناية عليهم فلماذا لا يرونه جناية على النساء اللاتي ولاهم الله عليهنّ؟

فعليهم أن يتقوا الله عز وجل, وإنني أقول: لا يحل للرجل سواء كان أباً أو غير أب أن يشترط لنفسه شيئاً من المهر لا قليلاً ولا كثيراً, فالمهر كله للزوجة، قال الله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4] فأضاف الصداق إلى النساء, وجعل التصرف فيه إليهن: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4] فإذا كان الصداق للمرأة وهي صاحبة التصرف فيه, فإنه لا يحل لوليها سواء كان أباً أم غير أب أن يشترط منه شيئاً لنفسه, لكن إذا تم العقد وملكت الزوجة الصداق فلأبيها أن يتملك منه ما شاء بشروط جواز التملك التي ذكرها أهل العلم، ومنها: أن لا يلحقها ضرر بذلك.

وأما غير الأب فليس له أن يتملك من مهرها شيئاً إلا ما رضيت به بشرط أن تكون رشيدة، أي: بالغة عاقلة تحسن التصرف في مالها وتأذن له بأخذ شيء منه.

وأقول ذلك حتى ينتهي هؤلاء الجشعون الطامعون عن أخذ شيء من مهور النساء, وفي ظني والعلم عند الله أنه إذا علم الولي أنه لا حق له في المهر, وأنه إذا أخذ منه قرشاً واحداً على غير الوجه الشرعي فهو آثم وأكله إياه حرام, في علمي أنه إذا كان الأمر كذلك سهل على الولي أن يجيب الخاطب إذا كان كفواً ورضيت المرأة.

وأما ما يقع لبعض هؤلاء الأولياء أهل الجشع والطمع الذين نزع من قلوبهم كمال الرحمة والشفقة من اشتراطهم جزءاً كبيراً من المهر لأنفسهم, فإن ذلك حرام عليهم, ولا يحل لهم, ونرجو الله سبحانه وتعالى أن ييسر حلاً لهذه المشكلة المعضلة, والذي أرى في توجيه العامة أنه ينبغي أن يبدأ وجهاء البلدان وأعيانهم وأشرافهم بالنكاح بمهور قليلة, ويعلنوا ذلك.

ومن المعلوم أن العامة تبع لرؤسائهم ووجهائهم وأعيانهم, فإذا بدأ به الأعيان وانتشر وقيل: إن فلاناً تزوج فلانة من أهل الشرف والحسبة, وأن مهرها كان كذا وكذا مهراً قليلاً مستطاعاً لأكثر الناس, فإن هذا يكون من أسباب حلها, والله الموفق.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع