الشباب مسئولية من؟


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على خير خلق الله أجمعين، محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

إنه بقدر اتساع مشاكل الشباب، وهمومهم، وواجباتهم، وكذلك بقدر واجبنا نحوهم؛ يكون موضوع (مسئولية الشباب) موضوعاً واسعاً جداً، لا يمكن بأي حالٍ أن يستوعبه كلام عابر في لقاء محدود؛ بل يجب أن يكون قضية عامة في أي مجلس، وأن تخصص لـه مراكز وأجهزة ومؤسسات لدراسته؛ ولا سيما في هذا العصر المعقد.

زيادة الشباب في أمتنا الإسلامية وقلتهم في الغرب

إن أولى البشائر التي نبشر بها إخواننا الشباب، أن هذه الأمة أمةٌ شابة في جملتها وفي مجموع حياتها؛ ثم إنها أمة شابة في واقعها الذي تعيشه الآن وفي هذه الظروف، فأكثر أمم الأرض شباباً هي الأمة الإسلامية والحمد لله.

كانت أكثر الأمم عدداً في أوائل هذا القرن هي أمم الغرب، فقد كانت دول الغرب تعد بعشرات الملايين؛ في حين كانت بعض الدول الإسلامية مثل: مصر -قبل مائة سنة- كانت خمسة أو ستة ملايين فقط، بينما كانت بريطانيا تزيد على 20 مليوناً، وكذلك فرنسا وأمثالها.

فكانت أمم الغرب أكثر أمم الأرض شباباً، ولكن من حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن أترف هؤلاء في الحياة الدنيا، وأعطاهم زينة ومتاعاً يستدرجهم به، ويمهلهم حتى يأتي اليوم الذي يأخذهم فيه أخذ عزيز مقتدر.

لقد جاء الوقت الذي اشتغلت فيه هذه الأمم بلذاتها وشهواتها من جهة، ومن جهة أخرى استفاقت أمتنا -والحمد لله- واستيقظت، والعوامل في ذلك كثيرة - عوامل انحدار أولئك، وعوامل إفاقة هذه الأمة- لا مجال لعرضها، وهناك عوامل أوسع وأعم من عوامل الانحدار أو الإفاقة، وهي عوامل بشرية بحتة.

فهذه العوامل بجملتها أدت إلى أن تصبح الأمة الإسلامية هي -والحمد لله- أكثر أمم الأرض شباباً؛ ولو أخذنا مثالاً على ذلك تركيا -مثلاً- سكانها الآن أكثر من 70 مليوناً، نسبة الشباب فيهم عالية جداً، لا تكاد تقارن هذه النسبة لو قارناها بـألمانيا وتركيا، فهما أكثر دولتين بينهما نوع من العلاقة العمالية وما أشبه ذلك؛ حتى إن ألمانيا لما أرادت أن تضع إعانات لزيادة عدد السكان كان أكثر من حصل على هذه الإعانات هم العمال الأتراك، الذين يعملون في ألمانيا.

إذن نحن أمام خير كثير -والحمد لله- فالأمة شابة، نحمد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليها؛ لكن هذا يستتبع مشكلات ومسؤوليات وتبعات كثيرة جداً، فمن يربي هؤلاء الشباب ومن يوجههم ويقومهم؟

قبْل أيام قليلة فقط أصدرت الأمم المتحدة بياناً عن الإحصاء العام للعالم، وذكرت أنه في نهاية عام (2000م) سيصبح عدد المسلمين (ألف وستمائة مليون).

أحوال المجتمع وواجبه تجاه الشباب

إننا لو افترضنا أن الشباب فقط (ستمائة مليون) معنى هذا أن الشباب المسلم وحده سوف يكون أكثر من عدد سكان أوروبا بشيوخها وشبابها وصغيرها وكبيرها، وهذا يستتبع مسئولية عظيمة جداً؛ فهم يخافون منا، ونحن إلى الآن لم ندرك قيمتنا، ولم نعرف واجبنا، ولم نضع نوعاً من الأسس العامة لتربية هذا الشباب واحتضانه؛ بل إن أكثر ما عندنا من توجيه للشباب هو: لوم هؤلاء الشباب، فإن تحدثنا عن الشباب فباللوم، فالشباب المنحرف يلام من الدعاة ومن الشباب المستقيمين؛ ومن الوعاظ، والخطباء، ومن رجال الأمن، ومن كل من يهمه صلاح المجتمع، ومن كل من يصطلي بنار الفساد والانحراف الذي يأتي من قبل هؤلاء الشباب، فنجد اللوم الشديد لهم، وهذا الكلام هو بالنسبة إلى الشباب المنحرف، وأما الشباب المستقيم، فإنه يذم ويطعن فيه، ويتهم بالتهم التي لا تخفى على أمثالكم.

إذاً فعماد الأمة، وقوام وجودها، وأساس نهضتها -بإذن الله تبارك وتعالى- هم الشباب المستقيم، فكيف توجه إليهم التهم من كل مكان؟!

فإن تعرض متعرض أو متحدث لواقع الشباب، فأول ما ينصرف إلى أن الشباب لا يقدرون المسئولية، والشباب لا يقوم بواجباته، ويعزف عن الأعمال الضرورية للأمة والمجتمع إلى أعمال أخرى، ويضيع أوقاته و.. وهكذا؛ لكن أين البديل؟

أين ما خُطِّط له ليكون هذا الشباب كما نريد من الاستقامة؟

وكما يريد الله تبارك وتعالى لـه؟

نحن نعيش في هذا الوضع الحرج الصعب، وحال شبابنا أشبه ما يكون بقول القائل:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

إن أولى البشائر التي نبشر بها إخواننا الشباب، أن هذه الأمة أمةٌ شابة في جملتها وفي مجموع حياتها؛ ثم إنها أمة شابة في واقعها الذي تعيشه الآن وفي هذه الظروف، فأكثر أمم الأرض شباباً هي الأمة الإسلامية والحمد لله.

كانت أكثر الأمم عدداً في أوائل هذا القرن هي أمم الغرب، فقد كانت دول الغرب تعد بعشرات الملايين؛ في حين كانت بعض الدول الإسلامية مثل: مصر -قبل مائة سنة- كانت خمسة أو ستة ملايين فقط، بينما كانت بريطانيا تزيد على 20 مليوناً، وكذلك فرنسا وأمثالها.

فكانت أمم الغرب أكثر أمم الأرض شباباً، ولكن من حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن أترف هؤلاء في الحياة الدنيا، وأعطاهم زينة ومتاعاً يستدرجهم به، ويمهلهم حتى يأتي اليوم الذي يأخذهم فيه أخذ عزيز مقتدر.

لقد جاء الوقت الذي اشتغلت فيه هذه الأمم بلذاتها وشهواتها من جهة، ومن جهة أخرى استفاقت أمتنا -والحمد لله- واستيقظت، والعوامل في ذلك كثيرة - عوامل انحدار أولئك، وعوامل إفاقة هذه الأمة- لا مجال لعرضها، وهناك عوامل أوسع وأعم من عوامل الانحدار أو الإفاقة، وهي عوامل بشرية بحتة.

فهذه العوامل بجملتها أدت إلى أن تصبح الأمة الإسلامية هي -والحمد لله- أكثر أمم الأرض شباباً؛ ولو أخذنا مثالاً على ذلك تركيا -مثلاً- سكانها الآن أكثر من 70 مليوناً، نسبة الشباب فيهم عالية جداً، لا تكاد تقارن هذه النسبة لو قارناها بـألمانيا وتركيا، فهما أكثر دولتين بينهما نوع من العلاقة العمالية وما أشبه ذلك؛ حتى إن ألمانيا لما أرادت أن تضع إعانات لزيادة عدد السكان كان أكثر من حصل على هذه الإعانات هم العمال الأتراك، الذين يعملون في ألمانيا.

إذن نحن أمام خير كثير -والحمد لله- فالأمة شابة، نحمد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليها؛ لكن هذا يستتبع مشكلات ومسؤوليات وتبعات كثيرة جداً، فمن يربي هؤلاء الشباب ومن يوجههم ويقومهم؟

قبْل أيام قليلة فقط أصدرت الأمم المتحدة بياناً عن الإحصاء العام للعالم، وذكرت أنه في نهاية عام (2000م) سيصبح عدد المسلمين (ألف وستمائة مليون).

إننا لو افترضنا أن الشباب فقط (ستمائة مليون) معنى هذا أن الشباب المسلم وحده سوف يكون أكثر من عدد سكان أوروبا بشيوخها وشبابها وصغيرها وكبيرها، وهذا يستتبع مسئولية عظيمة جداً؛ فهم يخافون منا، ونحن إلى الآن لم ندرك قيمتنا، ولم نعرف واجبنا، ولم نضع نوعاً من الأسس العامة لتربية هذا الشباب واحتضانه؛ بل إن أكثر ما عندنا من توجيه للشباب هو: لوم هؤلاء الشباب، فإن تحدثنا عن الشباب فباللوم، فالشباب المنحرف يلام من الدعاة ومن الشباب المستقيمين؛ ومن الوعاظ، والخطباء، ومن رجال الأمن، ومن كل من يهمه صلاح المجتمع، ومن كل من يصطلي بنار الفساد والانحراف الذي يأتي من قبل هؤلاء الشباب، فنجد اللوم الشديد لهم، وهذا الكلام هو بالنسبة إلى الشباب المنحرف، وأما الشباب المستقيم، فإنه يذم ويطعن فيه، ويتهم بالتهم التي لا تخفى على أمثالكم.

إذاً فعماد الأمة، وقوام وجودها، وأساس نهضتها -بإذن الله تبارك وتعالى- هم الشباب المستقيم، فكيف توجه إليهم التهم من كل مكان؟!

فإن تعرض متعرض أو متحدث لواقع الشباب، فأول ما ينصرف إلى أن الشباب لا يقدرون المسئولية، والشباب لا يقوم بواجباته، ويعزف عن الأعمال الضرورية للأمة والمجتمع إلى أعمال أخرى، ويضيع أوقاته و.. وهكذا؛ لكن أين البديل؟

أين ما خُطِّط له ليكون هذا الشباب كما نريد من الاستقامة؟

وكما يريد الله تبارك وتعالى لـه؟

نحن نعيش في هذا الوضع الحرج الصعب، وحال شبابنا أشبه ما يكون بقول القائل:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

فماذا فعل الأب؟

وماذا فعلت الأم؟

بل ماذا فعلت المدرسة؟

وماذا فعلت وسائل الإعلام والصحافة؟

وماذا فعل المسجد؟

فلو اختبرنا هذه العناصر الأساسية في بناء الشباب وتربيته وتوجيهه؛ لوجدنا التقصير الشديد في حق هؤلاء الشباب، وقد يطول المقام لو ضربنا الأمثلة على هذه كلها؛ أما الآباء فأجزم جزماً -وعندي الأمثلة والأدلة عليه- أن بعضهم لا يدري عن ابنه أين ينام؟

وأين يذهب؟

ومن أين يأكل؟

ومن أين يأخذ مصروفه؟

بل بعضهم لا يدري في أية سنة يدْرس أبناؤه! وحصلت أمثلة كثيرة من ذلك.

فقد حدثني أحد مديري المدارس في الثانوية: أنه أرسل إلى أحد الآباء يطلب منه الحضور لمعالجة وضع ابن لـه، وهذا الابن طالب في الأولى الثانوية؛ قال: فتأخر الأب فقال لـه: لماذا تأخرت؟

قال الأب: ذهبت إلى المتوسطة، فقد كنت أظن أن ابني في الثالثة المتوسطة، فذهب إلى المتوسطة وهي في حي بعيد، وقال للمدير: طلبتموني فجئت، فقال له المدير: ما طلبناك، قال: بل فعلتم وأنا أبو فلان، فقال له المدير: سامحك الله؛ إن ابنك تخرج العام الماضي، فاذهب وابحث عنه في أية ثانوية ففكر الأب واتصل بالأم، ثم بحث عنه فوجده في مدرسة أخرى.

وهذا الموقف هو واحد من نماذج كثيرة، تبين أن الأب لا يدري شيئاً عن ولده، وبعض الآباء يقولون: شباب اليوم خائب، وليس فيه خير، وشباب اليوم كذا... وينسون واجبهم هم.

إن مثل هذا النموذج قد يكون كثيراً، وإن التقصير أيضاً كثير، وإن عقوق الآباء للأبناء موجود، وكذلك الأم، فكثير من الأمهات يهمها حضور الحفلات والزيارات والتسوق والتجول، وتذهب هنا وهناك، ولا تدري عن أبنائها أو حتى عن بناتها شيئاً، والخادمات هن اللاتي يتولين تربية الأبناء، ولهذا فإن هناك من المفاسد والأضرار ما لا يتسع لـه المقام، قد حدثت كثيراً حتى من ناحية الصلة المعنوية والإحساس والشعور النفسي.

ولا بد أن كثيراً منكم قد سمع عن هذه الأسر: عندما سافرت الخادمة، بكى الأبناء بكاءً مراً، وهم يودعونها إلى المطار؛ والأم تسافر في العطلة، وتذهب أينما تشاء، ولا يبكي أحد من أبنائها.. لماذا؟

لأن الطفل يبكي على الحنان الذي سيفقده، وأما الحنان الذي لم يره ولم يشعر به فلا يبكي عليه؛ إنما يبكي على هذه التي عطفت وشفقت عليه، وحملته وربته وأرضعته.

إذاً: فالذي قام بهذه التربية هن أولئك مع أن فيهن ما فيهن، فمنهن التي ليست بمسلمة أصلاً، ومنهن التي لا تعرف من دينها شيئاً، ومنهن التي لو كانت عابدة تقية فأقل ما يمكن أن يتربى عليه الطفل أنه يتربى على لغتها وعلى مفاهيمها؛ وأمه تلك التي قد تكون عاملة أو مثقفة، لم يستفد ولم ينل من ثقافتها شيئاً.

إذاً: فنحن أضعنا البيت؛ الأم والأب أضاعوا الشباب، وهذه إيماءة أو إشارة إلى ما وراءها، ولا يخفى عليكم ما بعد ذلك.

لو نظرنا إلى المدرسة فإننا نجد أن العدل والإنصاف يقتضي منا أن نقول: إن الشباب مظلوم في المدرسة؛ نعم!

كثير من الشباب لا يقبل التوجيه، وكثير من المدارس والمدرسين فيهم من الخير ما فيهم، لكن يبقى للشباب حق، وأنه يحتاج إلى صوت يقول لهؤلاء: أنا مظلوم وأنا لم أنل حقي الذي يجب عليكم شرعاً أن تعطوني إياه، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته).

وهذا النص وهذا الكلام هو من جوامع كلمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي أوتيها، ولو جمعنا كل علماء القانون والتربية والاجتماع وعلم النفس، وكل هؤلاء الذين يبحثون ويضيعون الأعمار في تأصيل مسئولية الأمة وأجهزتها تجاه ما عليها من الحقوق، لم نصل أبداً إلى مثل هذا النص الجامع الصريح الواضح: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، ابتداءً بالإمام فهو راع للأمة ومسؤول عنها كما قال عمر -رضي الله عنه-: [[لو أن بغلة تعثرت في العراق لسئل عنها عمر]] وانتهاء بالزوجة وفي رواية: بالعبد الرقيق الذي هو راعٍ في مال سيده وهو مسئول عن رعيته.

إنَّ الأحكام يشترط لمن يؤديها أن يكون حراً ذكراً بالغاً أما العبد فقد سقطت عنه كثير من الأحكام والواجبات؛ ومع ذلك فإن مسؤوليته لا تسقط أبداً مع أنه أقل عضو أو عنصر في الأمة.

إذاً، لو نظرنا أو تأملنا المدرسة لوجدنا أن هناك خللاً كبيراً في التربية، ولا يتسع المجال هنا لتفصيله؛ من حيث تعامل المدرسين، ومن حيث المناهج، ومن حيث الأسلوب العلمي أو الطريقة التي تمكن للنظام أو المنهاج العام غير المنهج الدراسي.

فنحن نعيش الآن -كما ترون- كثيراً من آثار هذا التذبذب وهذا الاقتراب، أما من حيث المدرس؛ فالمدرس: إما أن يكون نموذجاً للجيل الضائع -جيل الطفرة الذي لم يتربَّ ولم يعرف كيف يسير في هذه الحياة- وُكِّل إليه أبناء وهو لا يحسن تربية نفسه فضلاً عن أن يحسن تربيتهم؛ وإما أن يكون لديه جانب علمي جيد، ولكنه ليس لديه جانب تربوي؛ فكيف يعطي؟!

وكيف يبلغ هذا العلم؟!

فليس الحل هو المواد التربوية التي يزعمونها، فهذه مواد في الحقيقة هي: فلسفة التربية أو هي عبارة عن فلسفة غربية للتربية، وليست هي التربية النبوية التي يجب أن تكون عليها الأمة، إلا ما عُدِّل وما يحاول أن يعدَّل، ففيها شيء من ذلك.

وإن كان المدرس ناجحاً مستكملاً للشروط؛ فإن مدرسين آخرين يخذلونه في واجبه، فما يرتقه يفتقونه، وما يصلحه يفسدونه، بالإضافة إلى المفسدات أو العوامل الأخرى المثبطة في المدرسة، فالأمة تحتاج إلى تكامل، وهذا واقع نراه جميعاً في هذا الميدان وحده في مدارسنا أو في كثير منها.

فساد مناهج التربية في المدرسة وتناقضها

إن نظرنا إلى المناهج؛ فسبحان الله! إن العقل البشري فطره الله تعالى على الانضباط، وجعل الفطرة لا تتناقض معه، ولهذا لو نظرنا إلى كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه يخاطب الفطر، ويخاطب العقول أَلَّا تتناقض، فمثلاً: خطابه للمشركين كيف تعرفون وتقرون: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9] وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [الزخرف:87]، فكيف تتناقضون، وتقولون: إنَّ الله هو الخالق ثم تعبدون غيره، وهذا كثير جداً؟!

إذاً: هذه هي أهم قضية وهي قضية التوحيد؛ فنجد القرآن دائماً لا يخاطب النفس بمنهج مضطرب؛ لأنها ترفض التناقض، لكننا نجد مناهجنا متناقضة، ففي مادة التوحيد يدرس الطالب أن هذا من الشرك، ويدرس في الحديث أو في مادة الثقافة أن دين الإسلام دين شامل كامل... إلى آخره -وهذا حق-.

ثم تأتي مادة أخرى كمادة الاجتماع أو الأدب أو غير ذلك -فتصنف بعض العلوم، أو بعض المجالات والميادين على أنها خارجة عن نطاق الإسلام وعن نطاق الدين؛ فيقرأ الطالب حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلاً في مادة الحديث كقوله: {كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} أو حديث: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت} إلى آخره -وهذه أشياء بدهية- ويجده يقرأ في مادة الأدب قطعة تحتوي موضوعاً عن الهجاء، أو موضوعاً عن الغزل -من أوله إلى آخره- وأنواعه، ومن الذين بلغوا القمة فيه؟ فيكون فيه القذف، وفيه الكذب، الافتراء، وفيه ما فيه مما يخالف ما قرأه في المادة الأخرى.. وهكذا.

وهذا غير التناقض الذي نجده في مواد أخرى مثل الذي نجده بين العقيدة والتاريخ، فيدْرُس في العقيدة أن الباطنية فرقة هدامة كافرة ومرتدة -هذا إن درسها- وقد ألغيت المادة التي تتعلق بهذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يَدْرُس في التاريخ أن العبيديين أو الفاطميين لهم حضارة، ولهم ولهم... من الأمجاد الكثيرة، وربما ترفق صور للقباب التي بنوها، والضرائح التي عملوها، وهذه من الشرك؛ لأنها تخالف ما تقرر في التوحيد، وهكذا يتناقض الشباب، ولا يدري كيف يفكر، ومن أين يأخذ، فأقل ما في هذه المناهج أن يعيش الطالب وقد استقر في ذهنه هذا الانفصال الكبير، بين حقائق إيمانية دينية وبين أمور أخرى قد تكون علمية؛ كما تسمى وتصنف لهم.

شمولية المنهج التعليمي في الإسلام

نأتي إلى موضوع المنهج العام للأمة الذي يجب أن تسير عليه في تعليمها، فنحن -والحمد لله- الأمة التي علمت العالم، والأمة التي علمت الدنيا كلها.

فهذا تاريخ الحضارات الموجود أمامنا، وما عرفت الدنيا كلها تعليماً عالمياً أبداً، ولا حضارة عالميةً أبداً إلا بالإسلام ومن المسلمين؛ فكل الحضارات الماضية -الرومانية واليونانية- كلها حضارات محلية محدودة، لم تكن تفكر تفكيراً عالمياً، ولم تعط نظرة تربوية عالمية أبداً، فجاءت هذه الأمة، بهذه الحضارة التي انبثقت من خلال أمة تؤمن بالله واليوم الآخر، ونظرها أبعد من هذا العالم؛ لأنها تؤمن بالآخرة التي هي المجال الرحب والواسع جداً، أما هذه الدنيا فقد استوعبتها، وكل أنواع ووسائل التعليم وطرائقه وأساليب التلقين، قد دُرِست وهضمت في هذه الأمة -والحمد لله- وكُتب عنها المؤلفات.

أما أوروبا، ويؤسفنا أننا نضطر أن نقارن دائماً؛ لكن واقعنا هو أن الفكر الغربي يسيطر على أكثر أمور حياتنا ومناهجها؛ فنضطر أن نقارن هذه الأمة بأوروبا التي مرّ عليها أكثر من ستة قرون لم يؤلف فيها كتاب واحد، في أي علم وفي أي فن، ولا حتى وريقات؛ في الوقت الذي كان في هذه الأمة يؤلف بعض علمائها (200) كتاب أو (300) أو أكثر.

ومن ذلك ما يتعلق بتربية الإنسان وبتربية الشاب منذ أن يولد؛ بل من قبل ذلك -والحمد لله- من الزواج، فقد علَّمنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف نختار، ثم علَّمنا العشرة مع الزوجة، ثم علَّمنا أول ما يولد الطفل ماذا نفعل، إلى أن يربى وإلى أن يكبر، فهناك منهج مرسوم وواضح.

ومن الناحية العملية رسم لنا علماؤنا منهجاً عجيباً فريداً جداً لا نظير لـه في الدنيا، ويكفينا أن نعلم أن خيرة علماء الأمة وحفاظها تصدروا للتعليم والتدريس والإفتاء، وبعضهم دون العشرين، وبعضهم قريب من العشرين، فكيف وصل هؤلاء؟ ابتداءً من عبد الله بن عباس ونظرائه من الصحابة، وانتهاءً بالإمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم؛ ففي سن مبكرة يصبح اسم هذا العالم يتردد في جنبات الدنيا شرقاً وغرباً، رغم أنه كانت وسائل الإعلام محدودة جداً، فكيف حصل هذا؟!

نحن الآن يدرس الطالب (18سنة)، وتأتي إليه وهو شبه أمي! (6 سنوات) مرحلة ابتدائية و(6 سنوات) مرحلة متوسطة وثانوية، فهذه (12 سنة)، وبعد ذلك يأخذ (4 سنوات) في الجامعة -وبعضهم لا يكتفي بالأربع، فالذي يتخرج الآن من الجامعة بعد (4 سنوات) يعد مجتهداً أو مثالياً، وكذلك قد يكمل البعض أكثر من ذلك (18 - 20 سنة) حتى يتخرج مع من يرسب ومع من يعيد؛ فتجده يكاد أن يكون أمياً ما أتقن شيئاً؛ وهذا خلل كبير في المناهج وخلل في أسلوب التعليم، إذن فهذا حال الشباب في المدرسة.

إن نظرنا إلى المناهج؛ فسبحان الله! إن العقل البشري فطره الله تعالى على الانضباط، وجعل الفطرة لا تتناقض معه، ولهذا لو نظرنا إلى كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه يخاطب الفطر، ويخاطب العقول أَلَّا تتناقض، فمثلاً: خطابه للمشركين كيف تعرفون وتقرون: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9] وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [الزخرف:87]، فكيف تتناقضون، وتقولون: إنَّ الله هو الخالق ثم تعبدون غيره، وهذا كثير جداً؟!

إذاً: هذه هي أهم قضية وهي قضية التوحيد؛ فنجد القرآن دائماً لا يخاطب النفس بمنهج مضطرب؛ لأنها ترفض التناقض، لكننا نجد مناهجنا متناقضة، ففي مادة التوحيد يدرس الطالب أن هذا من الشرك، ويدرس في الحديث أو في مادة الثقافة أن دين الإسلام دين شامل كامل... إلى آخره -وهذا حق-.

ثم تأتي مادة أخرى كمادة الاجتماع أو الأدب أو غير ذلك -فتصنف بعض العلوم، أو بعض المجالات والميادين على أنها خارجة عن نطاق الإسلام وعن نطاق الدين؛ فيقرأ الطالب حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلاً في مادة الحديث كقوله: {كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} أو حديث: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت} إلى آخره -وهذه أشياء بدهية- ويجده يقرأ في مادة الأدب قطعة تحتوي موضوعاً عن الهجاء، أو موضوعاً عن الغزل -من أوله إلى آخره- وأنواعه، ومن الذين بلغوا القمة فيه؟ فيكون فيه القذف، وفيه الكذب، الافتراء، وفيه ما فيه مما يخالف ما قرأه في المادة الأخرى.. وهكذا.

وهذا غير التناقض الذي نجده في مواد أخرى مثل الذي نجده بين العقيدة والتاريخ، فيدْرُس في العقيدة أن الباطنية فرقة هدامة كافرة ومرتدة -هذا إن درسها- وقد ألغيت المادة التي تتعلق بهذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يَدْرُس في التاريخ أن العبيديين أو الفاطميين لهم حضارة، ولهم ولهم... من الأمجاد الكثيرة، وربما ترفق صور للقباب التي بنوها، والضرائح التي عملوها، وهذه من الشرك؛ لأنها تخالف ما تقرر في التوحيد، وهكذا يتناقض الشباب، ولا يدري كيف يفكر، ومن أين يأخذ، فأقل ما في هذه المناهج أن يعيش الطالب وقد استقر في ذهنه هذا الانفصال الكبير، بين حقائق إيمانية دينية وبين أمور أخرى قد تكون علمية؛ كما تسمى وتصنف لهم.

نأتي إلى موضوع المنهج العام للأمة الذي يجب أن تسير عليه في تعليمها، فنحن -والحمد لله- الأمة التي علمت العالم، والأمة التي علمت الدنيا كلها.

فهذا تاريخ الحضارات الموجود أمامنا، وما عرفت الدنيا كلها تعليماً عالمياً أبداً، ولا حضارة عالميةً أبداً إلا بالإسلام ومن المسلمين؛ فكل الحضارات الماضية -الرومانية واليونانية- كلها حضارات محلية محدودة، لم تكن تفكر تفكيراً عالمياً، ولم تعط نظرة تربوية عالمية أبداً، فجاءت هذه الأمة، بهذه الحضارة التي انبثقت من خلال أمة تؤمن بالله واليوم الآخر، ونظرها أبعد من هذا العالم؛ لأنها تؤمن بالآخرة التي هي المجال الرحب والواسع جداً، أما هذه الدنيا فقد استوعبتها، وكل أنواع ووسائل التعليم وطرائقه وأساليب التلقين، قد دُرِست وهضمت في هذه الأمة -والحمد لله- وكُتب عنها المؤلفات.

أما أوروبا، ويؤسفنا أننا نضطر أن نقارن دائماً؛ لكن واقعنا هو أن الفكر الغربي يسيطر على أكثر أمور حياتنا ومناهجها؛ فنضطر أن نقارن هذه الأمة بأوروبا التي مرّ عليها أكثر من ستة قرون لم يؤلف فيها كتاب واحد، في أي علم وفي أي فن، ولا حتى وريقات؛ في الوقت الذي كان في هذه الأمة يؤلف بعض علمائها (200) كتاب أو (300) أو أكثر.

ومن ذلك ما يتعلق بتربية الإنسان وبتربية الشاب منذ أن يولد؛ بل من قبل ذلك -والحمد لله- من الزواج، فقد علَّمنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف نختار، ثم علَّمنا العشرة مع الزوجة، ثم علَّمنا أول ما يولد الطفل ماذا نفعل، إلى أن يربى وإلى أن يكبر، فهناك منهج مرسوم وواضح.

ومن الناحية العملية رسم لنا علماؤنا منهجاً عجيباً فريداً جداً لا نظير لـه في الدنيا، ويكفينا أن نعلم أن خيرة علماء الأمة وحفاظها تصدروا للتعليم والتدريس والإفتاء، وبعضهم دون العشرين، وبعضهم قريب من العشرين، فكيف وصل هؤلاء؟ ابتداءً من عبد الله بن عباس ونظرائه من الصحابة، وانتهاءً بالإمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم؛ ففي سن مبكرة يصبح اسم هذا العالم يتردد في جنبات الدنيا شرقاً وغرباً، رغم أنه كانت وسائل الإعلام محدودة جداً، فكيف حصل هذا؟!

نحن الآن يدرس الطالب (18سنة)، وتأتي إليه وهو شبه أمي! (6 سنوات) مرحلة ابتدائية و(6 سنوات) مرحلة متوسطة وثانوية، فهذه (12 سنة)، وبعد ذلك يأخذ (4 سنوات) في الجامعة -وبعضهم لا يكتفي بالأربع، فالذي يتخرج الآن من الجامعة بعد (4 سنوات) يعد مجتهداً أو مثالياً، وكذلك قد يكمل البعض أكثر من ذلك (18 - 20 سنة) حتى يتخرج مع من يرسب ومع من يعيد؛ فتجده يكاد أن يكون أمياً ما أتقن شيئاً؛ وهذا خلل كبير في المناهج وخلل في أسلوب التعليم، إذن فهذا حال الشباب في المدرسة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2595 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2572 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2504 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2457 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2345 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2260 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2253 استماع
الممتاز في شرح بيان ابن باز 2246 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2195 استماع
الشرك قديماً وحديثاً 2129 استماع