الممتاز في شرح بيان ابن باز


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعــد:

السؤال: ما هو الفرق بين الكفر والشرك؟

الجواب: الأصل أن المعنى واحد، فكل كافر مشرك، وكل مشرك كافر، لكن يختص كل واحد منهما بمعنى غير الذي يختص به الآخر، وذلك أن الكفر في اللغة هو الجحد، والستر، والتغطية، ومن هنا سمي الفلاحون أو الزُراع كفاراً؛ لأن الفلاح يستر ويغطي البذرة بالتربة.

فالكافر يستر الإيمان والفطرة التي فطره الله عليها، ويستر الدين ويجحده ويغطيه، ويكفر بآيات الله تبارك وتعالى، فهناك مناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي.

أما الشرك فإنه كما يدل عليه لفظه: هو جعل ند مع الله، أي: اتخاذ إله مع الله، فهذا هو الشرك، وهذه حقيقته.

فإذا ذُكِرَا معاً فلكل منهما دلالته، كما في قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:1] فهاهنا أهل الكتاب المقصود بهم: اليهود والنصارى، والمشركون المقصود بهم: الأميون من العرب وأشباههم.

وإذا أُفرد ذكر الشرك أو الكفر مطلقاً، فإنه يعم اليهود والنصارى ومشركي الأمم والعرب، فكلهم يشملهم هذا التعبير، فالكفار هم كفار، وهم مشركون، فمن شركهم: أنهم قالوا: إن عيسى ابن الله، وإنه إله، كما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهم مشركون وهم كفار، قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:72] وإذا أُطلق الشرك، فإنه يشمل أولئك أيضاً، فبهذا يكون المعنى قد اتضح.

وندخل الآن في موضوع كثر عنه السؤال والكلام في هذه الأيام، والذي طلب فيه الكثير من الإخوة إيضاح حقيقته أو المراد به، أو كما يعبرون: وضع النقاط على الحروف فيه، وهو البيان الذي أصدره سماحة الوالد الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين وعن الدعاة وطلبة العلم خير الجزاء، فهو أب كريم وموجه ومربٍ حكيم، وهو ناصحٌ مشفق، وهو الذي رتب هذه البرامج الدعوية، وتخرجت هذه الأجيال على يديه وبأثر علمه، وهو الذي ذب عن أعراضهم لما رأى النيل والقدح والطعن فيهم، فهو جدير أن يشكر بعد شكر الله تبارك وتعالى منا جميعاً، من الذين دافع عن أعراضهم، ومن كل المسلمين الذين من حقهم أن يشكروا سماحته على هذا الجهد، ونسأل الله تعالى أن يذب النار عنه يوم القيامة، فإن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر عن ذلك بقوله: (من ذب عن عرض أخيه المسلم ذب الله عنه النار يوم القيامة).

الدفاع عن النفس والدفاع عن الدعوة

وهذا البيان ما كنت أريد أن أتحدث عنه، ولا أن أبينه بنفسي لما في ذلك من دفاع عن النفس، وإنني -كما تعلمون والحمد لله- لم أكن في أي يوم من الأيام لأجعل من نفسي أو شخصي قضية لأحد؛ لأن أمر الدعوة أهم، نحن نجعل أنفسنا ودماءنا وأرواحنا وأموالنا وأعراضنا فداءً لدين الله، ونسخرها لخدمة كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن نحتسب كل ما يصيبنا من أذىً في سبيل الله، ونعلم أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد قال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31].

فلا بد من العداوات والأذى والحسد، ولا بد أن يقع الدعاة فيما وقع فيه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وأقوامهم من قبل، وهذا أمر نعلمه، فمنذ أن بدأنا طريق الدعوة، ونحن موقنون به، وكل ما يقع لا نجد فيه جديداً أبداً.

لكن الموجب لهذا الإيضاح الموجز هو سوء الفهم والتفسير والتدليس الذي حصل نتيجة هذا البيان الذي أراد به سماحته أن يكون كالماء يطفئ النار -وهو كذلك والحمد لله- فإن كلَّ طُلاَّب العلم قد عرفوا ما يريد ويقصد الشيخ، وقد أطفأ الفتنة والحمد لله، وأظهر الحق وأبانه، ودافع عن المظلومين والمهضومين، ونصح المعتدين والباغين، بأجلى وأوضح بيان وعبارة، وإن كان قد ترك الأسماء فلمصلحة ولحكمة.

بيان المقصود من بيـان ابن باز

وليس مقصود البيان ذكر الأسماء، بقدر ما هو بيان الحقيقة لمن يعلمها ومن لا يعلمها، فهي بالنسبة له موعظة عامة، ونصيحة عامة، يجب أن تؤخذ كما يؤخذ غيرها من النصائح، لكن لوجود بعض محامل السوء والتدليس، سواء ما ظهر من عناوين بعض الجرائد مع الأسف، أو من بعض الناس الذين افتروا افتراءات عجيبة، وإن كانت نادرة وقليلة ولا يقبلها عاقل، كقولهم: إن الشيخ أراد بها الرد على الدعاة والانتصار للعلمانيين -والعياذ بالله- فهل هذا يعقل؟!

ولوجود هذا الاشتباه، ولأن المسألة تحتاج إلى تجلية، ليؤدي هذا البيان القيم العظيم حقه ودوره كاملاً كما أراد منه كاتبه حفظه الله فنقول:

إن المقصود هم فئة محدودة معدودة قليلة جداً؛ لأنه قال: ''إن كثيراً من المنتسبين إلى العلم والدعوة'' إذاً هي قضية دعاة وطلاب علم ''وهم فئة قليلة جداً، يقعون في أعراض كثير من إخوانهم الدعاة المشهورين'' فالقضية قضية دعاة لا دخل فيها للعلمانيين ولا للخرافيين ولا للمشركين ولا لدعاة الشرك؛ لأنهم ليسوا من الدعاة، ولا من إخوان الدعاة، وإنما هم أعداء الدعوة.

إذاً ما الذي فعل هؤلاء؟

لقد وقعوا في أعراض إخوانهم الدعاة المشهورين، ولا بأس أن نسمي؛ لأنه إن لم نسمِّ لن تتضح الحقيقة، فالدعاة المشهورون الذين تكلم في حقهم هم: فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة حفظه الله، وفضيلة الشيخ: عائض القرني حفظه الله، وفضيلة الشيخ: ناصر العمر حفظه الله، وفي أخيكم العبد الفقير إلى الله، وكذلك تُكِّلم في أعراض كثير من الدعاة، حتى لم يكد يسلم أحد من هؤلاء الناس، والأدلة موجودة.

وكما ذكر الشيخ حفظه الله قال: ''يفعلون ذلك سراً في مجالسهم'' فيأتي أحدهم من المدينة ويعقد جلسة في جدة مع بعض الخاصة ثم يذهب بعضهم إلى الطائف، وبعضهم إلى الشرقية، وبعضهم إلى حائل، فيقطعون هذه المفاوز ليجمعون من يجتمع لهم من طلاب العلم، ويحرصون دائماً على الصغار أو المبتدئين، أو حديثي عهد بالدعوة، ويجلسون ويذكرون لهم أشخاصاً، ويلصقون بهم التهم، ويأتون بألوان من التهم والظلم والبهتان والافتراء،وقد علم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعلم خلقه الذين يسمعون، أن هذا كذب وزور وافتراء واختلاق ليس له أي أساس من الصحة، فهم يفعلون هذا سراً في مجالسهم.

أثر الطعن في العلماء على طلاب العلم

ثم وجدوا أن هذا لا يكفي، فأصبحوا يسجلون ما في الجلسة وينشرونه على الناس، ويأتي شاب قد يكون حديث عهد بالاهتداء يريد أن يعرف الحقيقة، وأن يعرف طريق الجنة والنار، فيقال له: خذ هذا الشريط واسمع، فيذهب ويسمع، فماذا تكون النتيجة؟

إذا سمع الطعن في فلان وفلان وفلان وفلان، فهل سيهتدي؟!

هل سيحب الدعاة؟!

هل سيخلص لله؟!

هل سيقنت في طاعة الله؟!

هل سيشعر بالخشوع في صلاته؟!

هل سيقبل على قراءة القرآن برغبة؟!

عندما يسمع هذه الطعون في العلماء والدعاة والمشايخ، الذين كل الناس من حوله يتحدثون عنهم ويسمعون لهم، فيزدادون إيماناً إذا سمعوا كلامهم، فسيتبلبل ذهنه لا شك بسبب هذا الكلام، لما فيه من بهتان وظلم يمرض قلوب الخاصة، وقد شكا من هذا بعض العلماء الكبار، وقال: عندما سمعت هذا تأثرت وتألمت وتكدرت! وهو من العلماء الذين هم في درجة عالية من العلم، فكيف بطالب علم مبتدئ؟!

ماذا تتوقعون أثر مثل هذا الكلام على هذا المسكين في عبادته وإيمانه؟

قد ينتكس.

وقد كُتِبَ إليَّ أن بعض حالات الانتكاس حدثت! ويقولون: قد كنا نثق في هؤلاء!

إذاً لا خير فيهم جميعاً، وخاصة أن الطاعنين متهورون؛ فمن أول مرة تجلس معه يطعن في المعروف الموثوق، والنتيجة أنك تخسر هذا وهذا قطعاً، فأنت عادة إذا سمعت أن إنساناً يشكو ويخاصم إنساناً، تتحفظ عما يقول عنه، لأنك تعلم أن هذا من منطلق عداوة وخصومة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمرنا أن يكون حالنا عند الخصومة: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] حتى لو عاداك ولو ظلمك، فكيف بإخوانٍ لكم لم يظلموكم، ولم يمسوكم، أو يتكلموا عنكم بسوء، ولم يقعوا في أعراضكم؟!

أقول عن نفسي وإخواني هؤلاء: ما عملنا شيئاً من هذا بعد أن افتروا وظلموا وبهتوا، فكيف نفعله قبل ذلك؟! لا نستحله ولا نستزيده، ونحن نترفع عن هذه الأمور عملاً بقول الله تبارك وتعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] وقوله: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55] وقوله: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72] وهذه آداب تأدبنا بها والحمد لله، لكنهم لم يكونوا كذلك!

أما أسماء الأشرطة فمتعددة، فواحد "الجماعات" وواحد باسم "السرورية" وواحد باسم "البراءة إلى الله"... إلخ.

فالأسماء مختلفة، والمضمون واحد، وهو مثل هذا البهتان والإفك المبين.

بعض أوصاف الخوارج

وهنا تجدون أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد وصف الخوارج وهم أهل البدع، الموصوفون والمسمون بأسمائهم، الذين تواتر الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيان حالهم ووصفهم فقال: {يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان}.

وهذا الذي عبر عنه أحد العلماء لما سمع أحد الناس يقع في أعراض العلماء، قال له: يا بني أقاتلت الروم؟

قال: لا. قال: أقاتلت الترك؟

قال: لا. قال: أسلم منك الروم والترك ولم يسلم منك المسلمون؟!

وهؤلاء الناس هل ردوا على الرافضة ووزعوا الأشرطة عنها، فـالرافضة يشكلون الربع أو الثلث من أهل المدينة كما هو معلوم، هل ردوا عليهم واجتهدوا سراً أو جهراً وأوصلوها إلى بيوتهم؛ ليبينوا لهم ما هم عليه من الشرك والضلال؟

لم يفعلوا ذلك!!

هل ردوا على الصوفية وأشباههم؟

هل ردوا على أعداء السنة الحقيقيين الذين يسخرون بعلماء السنة؟

فيقول أحدهم: ذاك لحيته مثل التيس، وآخر يقول: كل ما عندهم: حدثنا كحكوح بن سمعان... إلخ ما تسمعون.

وهذا الكلام يقال في صحف ينشر من بعضها مليون نسخة، أو مليون ونصف نسخة، فيكون فيها استهزاء بالسنة.

والآخر يدافع عن أبي رية بأنه مجتهد، وهو الذي أبطل سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... وغيره كثير.

وهم يومياً -تقريباً- يعتدون على القرآن وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويهدمونهما هدماً صريحاً.

أتطعنون فقط في من تصدروا وتصدوا للدفاع عن هذا الدين؟!

وإذا أخطئوا هم انصبت عليهم الردود من كل حدب وصوب، وكلنا نعلم أنهم ليسوا بمعصومين، فمن قال منهم: إنه معصوم؟

وصدق الشاعر:

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها            كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

فإذا وجدت عيباً فابذل نصيحتك، وإن لم تُقبل فاكتبها إلى سماحة الشيخ واسمع الجواب منه، أما الاعتداء والهجوم والظلم والعدوان، بغير سبب وبغير مبرر، فهذا فعلاً هو مقاتلة لأهل الإسلام وترك لأهل الأوثان.. نسأل الله العفو والعافية!

ثم إن من صفات الخوارج أيضاً -ونحن لا نقول: إنهم من الخوارج، كما قالوا هم في حقنا لكن نبين من أقرب الطائفتين إلى هذه الصفة- أنهم يعمدون إلى آيات نزلت في الكفار، فيجعلونها في أهل الإسلام، وهذا كما ذكر ابن عباس رضي الله عنه وعلي وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم وغيرهم ممن رأى الخوارج وناظرهم، فهؤلاء يأتون إلى أبواب من أبواب العقيدة العظيمة؛ التي ذكرها العلماء في بيان أهل البدع، والتحذير منهم، وتنفير الناس عنهم، وهي أبواب عظيمة، ونحن -والحمد لله- شرحناها، ومن أطول الكتب التي ذَكَرتها فيما أعلم، هو كتاب اللالكائي، وقد بينا خطرها، وحاضرنا في هذا الموضوع -أيضاً- مستقلاً ومنفرداً لأهميته وخطره.

فهؤلاء يعمدون إلى هذه الأبواب -أحاديث أهل البدع، وآثار أهل البدع- ويجعلونها في هؤلاء الدعاة، فهؤلاء الدعاة عندهم هم أهل بدع.

إذاً: هذا وصف آخر وهو: أنهم عمدوا إلى آثار وأحاديث في أهل البدع فأنزلوها على إخوانهم المؤمنين أهل السنة، كما وصفهم الشيخ، ولا نزكي أنفسنا على الله تبارك وتعالى، ولكن هذه الظواهر والله تعالى هو العليم بالبواطن، وهو من يحاسب الناس عليها.

وقد فعلوا ذلك علانية في شريط معلن موجه إليَّ بعنوان: نصيحة إلى فلان، ومنه -أيضاً- الرد على الشيخ سلمان في شريطه "جلسة على الرصيف" وغيرها، والله تعالى حسيبهم في ذلك.

من صور التعدي على الدعاة

ثم يقول الشيخ ابن باز: '' وهذا المسلك مخالف لما أمر الله به ورسوله من جهات عديدة منها:

1- أنه تَعدٍّ على حقوق الناس من المسلمين، بل من خاصة الناس من طلبة العلم ومن الدعاة، الذين بذلوا وسعهم في توعية الناس وإرشادهم وتصحيح عقائدهم ومناهجهم، واجتهدوا في تنظيم الدروس والمحاضرات، وتأليف الكتب النافعة ''.

وهذا واضح، فمن جهة الاعتداء على الحق يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) وواضح أن (أربى الربا هو الاستطالة في عرض أخيك المسلم)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا مخالف لما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره ) (حق المسلم على المسلم... الحديث) فهذه براهين عظيمة، وهذا موضوع واسع لو استطردنا فيه لطال المقام.

وهذا يدلك على عظم حق المسلم -أي مسلم- فكيف بمن كان من الدعاة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذين نفع الله بهم بقدر وحسب اجتهادهم، وبما بذلوا من دعوة أو محاضرة أو تأليف أو أي منفعة حصلت منهم للدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

'' أنه تفريق لوحدة المسلمين، وتمزيق لصفهم ''

وهذا ليس فيه شك وواضح -أيضاً- من عملهم.

يقول الشيخ: '' وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة، والبعد عن الشتات، والفرقة، وكثرة القيل والقال فيما بينهم '' تصور أنهم (دبلجوا) أشرطة شيخ يتكلم، وشيخ آخر يرد عليه، فهذا يقول كلمة وهذا يرد عليه.

أليس التفرق -إذاً- هو المقصود؟!

وكم يحصل بهذا من الشتات ومن الفرقة والقيل والقال!

ومن يسمع الشريط فإنه لا يخلو إما أن يؤيد هذا أو يؤيد ذاك، مع أن أحدهما ليس مخالفاً للآخر.

فمثلاً: محاضرة تلقى قبل أربع أو خمس سنوات، فتقتطع منها عبارة، ويلقى محاضر آخر محاضرة في مكان آخر بعد سنوات فتقتطع منها عبارة، وتضرب هذه بهذه فما النتيجة؟!

ولو جلس المحاضران وتكلما وتبادلا أطراف الحديث لما اختلفا، لكن لما ضربت العبارة بالعبارة أحدثت بلبلة، فيأتي طالب علم مبتدئ، فيسمع هذا ويسمع ذلك فيستغرب، ويندهش وقد ينتكس -كما ذكرنا- ويأتي طالب علم ويقول: الحق مع هذا! فيقول له أخوه: بل الحق مع هذا! فيتناقشان ويتجادلان بالليل والنهار، وقد يتهاجران ويتدابران فمن المستفيد؟

لا أحد.

فهذه هي الفرقة والشتات، والأمة في أشد ما تكون إلى الوحدة، وإلى التعاون على الخير والبر والتقوى، والبعد عن الشتات والفرقة وكثرة القيل والقال.

ثناء ثم تهم باطلة

ثم قال رحمه الله: ''خاصة وأن الدعاة الذين نيل منهم هم من أهل السنة والجماعة، المعروفين بمحاربة البدع والخرافات، والوقوف في وجه الداعين إليها، وكشف خططهم وألاعيبهم''.

إذاً: ليسوا كما قال أولئك: أنهم من أهل البدع، وأنهم يوالون أهل البدع ويلبسون ويدلسون على الشباب، بل قالوا كلاماً يستحي الواحد أن يذكره، قالوا: إنهم أخطر من اليهود والنصارى -أعوذ بالله- وإنهم وراء المظاهرة النسائية التي قامت في الرياض، وإن هؤلاء ليسوا على عقيدة أهل السنة والجماعة، فهم إنما يتخذون العقيدة وسيلة ومطية لما يريدون! نعوذ بالله.

والكفار لا يقولون هذا، بل يقولون: هؤلاء وهابية متعصبون، وكلنا قرأنا وسمعنا الصحافة الأمريكية، وكثرة تردادها لهذه الكلمات: وهابيون متعصبون، أي: دعاة هذا البلد، ودعوتهم هي الدعوة والعقيدة الصحيحة -والحمد لله- وإن سموهم الوهابية فهي عقيدة أهل السنة والجماعة وما جاء في الكتاب والسنة.

وبعد كل هذا، يأتي أخوك المسلم ويطعنك هذه الطعنة النجلاء، ويجعلك أخطر من اليهود والنصارى، ويقول: كل كلامهم عن العقيدة وعن الدين والدعوة ما هو إلا ستار، ومحاولة للوصول إلى مآرب أخرى، مع أن الناس وطلاب العلم يسمعون هؤلاء المشايخ والدعاة المظلومين منذ أعوام، فلو كانوا يرون شيئاً أما كانوا سيقولونه؟!

أيكتمونه طوال هذه السنين؟!

سبحان الله ما أكثر الظلم! وما أعظم الظلم والبهتان!

وهل يريد هؤلاء الدعاة إلا أن يبينوا الحق ويوضحوه للناس، ثم إن هذا اتهام بالنفاق! فمن الذي أطلعكم على نيتهم وما في بواطنهم، فإذا قال أحد: كلامهم نافع وأشرطتهم نافعة ومحاضراتهم نافعة؟

قال: نعم. ولكن لهم أهداف أخرى.

سبحان الله! من أين علمت هذا؟

فرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعرف المنافقين، وقد أنبأه الله تعالى عنهم، وأطلعه على أحوالهم ومعرفته لهم بسيماهم، فقال له: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30] وغير ذلك، ومع ذلك فعاملهم على الظاهر، عاملهم معاملة المسلمين، وقال في حديث المقاتلة: (وحسابهم على الله) وأنت تقول : لا. مهما أظهروا!

وقد كلمهم كثيرون، ونصحوهم وقالوا لهم: اتقوا الله! من أين لكم هذا؟

فيقولون: أنتم لا تعلمون شيئاً، فيقال لهم: هؤلاء قد زكاهم العلماء، فيقلون: لا يعلم العلماء عنهم شيئاً، وهناك أمور أخرى، سبحان الله! فكيف عرفتموها؟

ثم إن من العجب أن هؤلاء قليلو المخالطة للدعاة المظلومين المفترى عليهم، فكيف عرفتم حقيقتهم وأنتم لا تجالسونهم؟

فلو أن واحداً منهم خدمه -مثلاً- أو رافقه أو صحبه؛ لكان في كلامهم شيئاً من القبول، ولكن لم يحدث شيء من ذلك.

ولهذا فالقريبون منهم يعلمون براءتهم، والبعيد يفتري عليهم، ويبهتهم بما ليس فيهم.

إذاً: هذا دليل على شحناء -والعياذ بالله- غلٍ وضغينة وحقد يترفع عنه طالب العلم.

أما الخلاف الفقهي، فلا ننكره، بل نقول: إنه إثراء للقضية، وسيأتي -إن شاء الله- عندما نشرح كلام الشيخ عن هذا الموضوع.

مصلحة الأعداء من الشقاق

ثم قال: ''ولا نرى مصلحة في مثل هذا العمل إلا للأعداء المتربصين من أهل الكفر والنفاق، أو من أهل البدع والضلال'' وصدق والله... فالمصلحة -والله- لهؤلاء وأضرب لكم مثالاً:

اتهام منهاج الجماعات الإسلامية بالابتداع، ويقولون: الإخوان والتبليغ... إلخ، ويتكلمون عنهم كثيراً، فكيف سيكون حال الناس إذا ظنوا أن هؤلاء الدعاة مع هذه المناهج -خاصة بعدما استفادوا من علمهم وأشرطتهم ومحاضراتهم بالآلاف- عندما يقال لهم: إن فلاناً وفلاناً ممن يدعون إلى هذه المناهج، لاشك أن الناس سيتبعونهم؛ لأنهم قد أحبوهم وألفوهم، كما أنهم لا يلقون بالاً للتسميات، فإذا علموا أن فلاناً الذي أحبوه ووثقوا به من الجماعة الفلانية، قالوا: نحن معك، وأنا قد جاءتني رسائل تعبر عن إرادة المساعدة، وحب الخدمة، والاستعداد لذلك.

إن التسميات ليست مذمومة لذاتها، فليس في القرآن ذم لكلمة (إخوان، تبليغ) فيقول الناس إذا كان الأمر كذلك وكان القائمون عليها أمثال هؤلاء الرجال، فنحن معهم ومنهم، ولا يهمنا الاسم، وتكون النتيجة عكس ما أراد هؤلاء المصرون.

فإذا كان غرض هؤلاء محاربة الدعاة؛ ويقولون: نحن نحارب أهل البدع، وهؤلاء من أهل البدع، فسيقول الناس: هذه البدع على عيوننا ورءوسنا، وإذا كان أحد من أهل البدع فهو أنتم، وقد يردون بعض الحق الذي يقوله أولئك، وسبب هذا أن الافتراء العظيم يقابله عادةً غلو وتعصب عظيم.

ومثال آخر: تصوروا لو جاء رجل من المعتزلة، وقال: الإمام أحمد بن حنبل منا، فجاء رجل من أهل السنة، وقال: هذا صحيح، ليس الإمام أحمد منا، بل من المعتزلة، فسيقول المعتزلة: أحسنت. أهديت لنا هدية عظيمة.

إن الروافض إلى الآن يحرصون على أن ينسبوا الصحابة من أهل بدر ونحوهم إليهم، لماذا؟ لأن كل عاقل يعلم أنك عندما تأتي إلى أناس لهم خير وفضل فتنسبهم إليك، فإن هذا أقوى وأفضل، بالنسبة إلى هؤلاء -سبحان الله- الذين انتكست عقولهم، فيأتي ويقول: هؤلاء ليسوا من أهل السنة.

ولهذا أجابهم بعض طلبة العلم وقالوا لهم: حسن، لقد عرفنا الآن من هم أهل البدع، فإذا ذهبت إلى القصيم فلن أحضر لا للشيخ سلمان بن فهد العودة أو من كان على شاكلته، وإذا ذهبت إلى جدة فلن أحضر عند سفر الحوالي ولا إلى من هو مثله، وإذا ذهبت إلى أبها فلن أحضر لا للشيخ عائض القرني ولا إلى من هو مثله، وإذا ذهبت إلى الرياض فلن أحضر لا للشيخ: ناصر العمر ولا إلى من هو مثله؛ لأنهم كلهم أهل بدع، ومجالسهم مجالس بدعية، فمن أهل السنة غير هؤلاء لنحضر لهم في هذه المدن الثلاث؟

والحمد لله، لا تجد أي داعية يحمل غلاً أو ضغينة على الآخر.

فلو ذهبت إلى أبها، فأكثر إنسان أحب أن أراه، الشيخ: عائض القرني، ولو جاء إلى جدة كان كذلك، أو مكة كلنا كذلك والحمد لله، إنها محبة إيمانية، فكل منا يريد بل ويفرح أن يسمع أن الناس يسمعون محاضرات أخيه وأشرطته وكتبه، وكأنه هو الذي كتب، لا فرق عندنا، لأن هذا هو الحق، ولو كان مكتوباً في أقاصي البلاد، لكن أولئك أفسدوا ويظنون أنهم يصلحون.

أصحاب الصف الواحد

إن هذا العمل فيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين من العلمانيين والمستغربين، وغيرهم من الملاحدة الذين اشتهر عنهم الوقيعة في الدعاة، والكذب عليهم والتحريض ضدهم فيما كتبوه وسجلوه، فعندما جاءت الفتنة أو الأزمة -والتي يسمونها "أزمة الخليج"- تكلم من تكلم منا وأبرأ ذمته، ولا أدل على أن الأمر هو براءة للذمة من اختلافنا نحن الأربعة -الذين يقال عنا ما يقال- فكل واحد منا لو سمعته تجده قد أخذ الموضوع من منحى خاص، وصحيح أن الهدف والمؤدى واحد، ولكن لكل واحد وسيلته، ليس كما ذكر هؤلاء أنها اخطبوطات في الخفاء، أو كما اتهمونا بأننا يديرنا جهات خارجية.

إننا نعتبر أن هذا البلد بلد القيادة -لا نقول هذا فخراً، لكنها الحقيقة- فهنا المنبع، فكيف ندار من الخارج؟

قد يكون لنا إخوة في الله يشاركوننا من أهل السنة في بعض آرائنا ومواقفنا، وطبيعة أهل السنة أنهم أمة واحدة، وفرقة واحدة، في كل مكان، لكنا لا ندار أو نوجه من الخارج.

فهؤلاء الذين كتبوا وطعنوا كانوا يمدحون ويثنون عليّ بما أنا أعلم أنه كان فيه نوع مبالغة، وأقول لأحدهم: لا تبالغ بارك الله فيك، وهذا حادث ويشهد به المئات، إن لم أقل الألوف من الذين يحضرون مجالسهم، حتى جاءت هذه الأزمة، وكان لنا رأي فيه مخالفة أو معارضة للموقف الرسمي للدولة؛ إبراءً للذمة، فنحن في هذا البلد ليس لدينا معارضة سياسية أو معارضة حزبية، بل عندنا كلمة حق تقال، لا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير فيهم إن لم يسمعوها، فإن أخذوا بها فالحمد لله، وإن لم يأخذوا بها برئت ذمتنا وهم حسيبهم الله تعالى، وقد يكون اجتهادهم هو الصواب.

ونحن نقول، وما زلنا نقول: إن هذا رأي ليس فيه وحي نزل من السماء، ونحن عندما قلنا هذا الكلام انقلبت هذه المحبة والمبالغة في المدح إلى عداوة مقيتة شديدة غريبة -سبحان الله- واشترك فيها الطائفتان، حتى تعرفوا من يعاون هؤلاء، فيأتي: غازي القصيبي في كتاب حتى لا تكون فتنة فيقول: وافتتح هذه الفتنة "سفر الحوالي بشريطه (ففروا إلى الله) ثم ثنى بفلان، وخص كل واحد من الإخوة الثلاثة برد خاص مستقل، ويوزع الكتاب بالكراتين.

وفي نفس الوقت تكيل الصحافة السب والشتم الصريح لـحسن الترابي، وراشد الغنوشي، وعباس مدني، وعلي بلحاج وأشياعهم عندنا هنا، فمن يقصدون بأشياعهم هنا -إنهم معروفون- وأتباعهم في دول الخليج؟

ومع هذا السب والشتم سكتنا، واستمرت دروسي إلى أن أوقفت، ثم عادت، وتركنا موضوع الأزمة جانباً، وانصرفنا إلى قضايا علمية بحتة، وقامت الحرب، ولم نعلق على هذه الأحداث، وواصلنا كما كنا، وهذا فيه دليل على أنه لا غرض نريده إلا بيان الحق.

لكن العلمانيين غضبوا وقالوا: ما دام هؤلاء قد خالفوا الحكومة، فإنهم يريدون الكراسي والمناصب والحكم مثل حسن الترابي وراشد الغنوشي وعباس مدني، وفي هذا الوقت بالذات كُتب غازي القصيبي توزع، وكلام الجرائد يومياً إلا ما رحم الله منها، فلا نعني الجميع طبعاً، وتأتي الأشرطة وتوزع في وقت واحد.

إذاً أليس المصدر واحد؟

أليس العقل المدبر واحداً؟

وسوف ندع ما خفي جانباً، وإن كان عندنا حقائق لا نظهرها، ولكن نتكلم عن الظاهر الآن، وهو أنك أنت والعلماني الملحد والمستغرب قد وقفتم في صف واحد ضد أخيك هذا المسكين، الذي قال كلمة وانتهت، فتأكل عرضه، وتنهش لحمه، ليل نهار من أجل ماذا!

ثم إن هذه الآراء اجتهادية وقد أوضحها الشيخ -رحمه الله- فهي مما يقبل النقاش، ولكن المسألة بدت رداً للسنة وإنكاراً لها، وأنهم أتباع فلان القبوري، وفلان الشركي، ثم إغواء الشباب أن هذا شيء لا ينصره العدل.

فإذا كان الذبح يحتاج إلى الإحسان: (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) ولو رأيت كائناً صغيراً أتطلق عليه الرشاش؟

لا. بل كل بحسبه.

فالمسألة ولو كانت خطأ، فلا يكون الرد بهذه الصورة، لكن هؤلاء ما أحسنوا حتى القتلة والذبحة.

الفتنة تفسد قلوب العامة والخاصة

ثم قال الشيخ ابن باز : ''إن في ذلك إفساداً لقلوب العامة والخاصة'' وحقاً -والله- لقد وقع، فعندما امتلأت الدنيا نشراً وترويجاً للأكاذيب والإشاعات الباطلة، كثرت الغيبة والنميمة، وفتح أبواب الشر بمصاريعها لضعاف النفوس، الذين يدأبون على بث الشبه، وإثارة الفتن، وممن يحرصون على إيذاء المؤمنين بغير ما اكتسبوا.

''وقد تبلبلت الأذهان، وتفلتت الألسن، وصرف الشباب عن طلب العلم النافع، ومدارسة الكتاب والسنة، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووقع التهاجر والتباغض فيما بينهم، وراجت الإشاعات والأكاذيب والأباطيل'' فراجت على مستوى العامة، وعلى مستوى الحكومة، وعند أعداء الدعوة، وراجت في كل مكان، ويقولون: إن هؤلاء لهم أهداف خبيثة، ووراءهم أشياء عظيمة، ولهم علاقة بالخارج، وهكذا دواليك حتى تشوشت أذهان كانت من أصفى ما يكون، فكيف بالذي هو حديث عهد وابتلاء؟!

وقد بلغت الضغينة مبالغ عجيبة جداً، وهناك أمثلة كثيرة مشهودة على هذا الشيء.

فمثلاً: سافر الشيخ عائض القرني حفظه الله إلى المدينة ودعاه أحد المشايخ المحترمين الفضلاء، والذي يعرفه الناس، وجاء بعض أولئك من غير دعوة، ودخل الشيخ، ومعلوم أنك تفرح إذا لقيت شيخاً وسلمت عليه، وهذا أمر ملموس، ومن طباع الكرام والمؤمنين، ولكن هذا لم يقم ولم يسلم مع أنه جاء بغير دعوة وأساء الأدب، أليست هذه ضغينة وبلبلة؟!

وآخر بعدما بلغه خطأ وكذباً أن الشيخ سلمان بن فهد العودة قد اعتقل، سجد سجدة شكر.. وهكذا تكون الضغينة!!!

مع أن المخالفة هينة، أو خلاف فقهي كما يقولون، فلو بلغك أن الشافعي كلامه راجح، وكلام مالك مرجوح أتسجد؟!

لكن هذا دليل على أن هناك ضغينة، ولقد بلغ التدليس والتلبيس شيئاً لا يطاق.

حتى أنهم بلغ بهم الحال أن سجلوا شريطاً في المدينة ونسبوه إلى أحد هؤلاء المشايخ الذين يطعنون فيهم، وزعموا أنه من إصدار أحد التسجيلات المشهورة في جدة، وهي تسجيلات ذات سمعة حسنة، وكل مادة الشريط كانت مملوءة بكلام غيبة ونميمة وافتراء.

فهل هذا مجرد خلاف -فعلاً- حتى يصل إلى درجة الكذب والبهتان والتزوير، وينشر هكذا ليضلل على الناس؟

هذه أمثلة على كلام الشيخ ابن باز -حفظه الله- في البيان.

تهم متوهمة

ثم يقول رحمه الله: '' إن كثيراً من الكلام الذي قيل لا حقيقة له، وإنما هو من التوهمات التي زينها الشيطان لأصحابها وأغراهم بها'' وقد أنطق الله بعضهم، وقالوا: هذه أوهام، فأهل البدع يزرعون بيننا الأوهام، ليفرقوا بيننا؛ لكن بعد فترة رجع إلى هذه الأوهام والخيالات، فمثلاً: وهم الحزبية، وأن هناك حزب وهمي يسيطر ويدير كثيراً من الناس ومنهم: حسن الترابي وراشد الغنوشي وجبهة الإنقاذ... إلخ، هذه خيالات الغربيين، فقد وضعوا فيلماً عن أحداث آخر الزمان من نبوءاتهم وأوهامهم الباطلة.

وهذا الوهم ركَّبه بعضهم، وصارت كلمة يقولونها: الإخوان، ونحن بيننا هنا إخوة سودانيون، سلوهم هل حسن الترابي فعلاً ينتمي إلى منهج حسن البنا وسيد قطب والإخوان أم أنه مخالف له؟

بل لقد خرج بمدرسة مستقلة.

سلوا الإخوة الجزائريين: هل عباس مدني من الإخوان أو من مدرسته؟

إن الإخوان لهم حزب مستقل تماماً بـالجزائر عن جبهة الإنقاذ.

ثم قالوا: وهؤلاء الإخوان تعانوا مع صدام، وقالوا: والذين هنا تحفظوا على وجود القوات الأمريكية الأجنبية، إذاً هم صداميون وإخوان! انظروا الوهم، كيف يكون! فقد جعلوا كل حادثة تبع.

فعندما جاءت حادثة كنر، وقالوا: وراءها الإخوان -ونحن والله مع أهل السنة وسننصرهم بإذن الله تعالى- لم يتفهموا الموضوع، ولم يسمعوا تفاصيله، بل قالوا في البيان: لقد لبس الإخوان على الشيخ، وضحكوا عليه.

ووهم آخر توهموه، وهو قولهم: إن هؤلاء يعادون العلماء، ونحن -والحمد لله- نحضر كل رابع أسبوع اجتماعاً مع سماحة الشيخ، وهذا من بعد الأزمة، وهذا غير اللقاءات الأخرى التي تقع أحياناً بعد أسبوعين أو أقل من ذلك، وغير الاتصالات والمراسلات والمشاورات في أمور الدعوة، وغير ما نرفع به إلى سماحة الشيخ: محمد بن عثيمين ويعلم الجميع حبنا له، وفرحنا بمجيئه، وكلامه فينا ثناءً ومدحاً والحمد لله، أما إذا خالفت عالماً في فتوى فإنه لن يغضب.

وهو معنى كلام الشيخ عبد العزيز بن باز: ''ما يسوغ فيه الاجتهاد لا يؤاخذ'' فالأمر ليس فيه أي شيء، خاصة إذا لم يسم، فإذا قيل -مثلاً- بعض العلماء قال كذا، ولكن بعض العلماء ما قال هذا، فهل يعني هذا المعاداة والطعن والتجريح للعلماء؟!

بل نحن -والحمد لله- معهم، ونحن أبناؤهم وطلابهم، حتى أن من الأقوال التي يقولون أني قلتها: ما كان فينا من خير فهو من فضلهم وتربيتهم، حتى هذا القول جعلوه ضمن ما يقال أنه عداوة للعلماء، ويؤولون ويقلبون الحقائق والعبارات، وهذا من الافتراء وسوء الظن.

ولذلك يقول الشيخ: ''والمؤمن ينبغي أن يحمل كلام أخيه المسلم على أحسن المحامل'' وقد قال بعض السلف: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً، وأنت تجد لها في الخير محملاً، حتى لو قال: هذا الحديث لا أعمل به؛ فظن ب

وهذا البيان ما كنت أريد أن أتحدث عنه، ولا أن أبينه بنفسي لما في ذلك من دفاع عن النفس، وإنني -كما تعلمون والحمد لله- لم أكن في أي يوم من الأيام لأجعل من نفسي أو شخصي قضية لأحد؛ لأن أمر الدعوة أهم، نحن نجعل أنفسنا ودماءنا وأرواحنا وأموالنا وأعراضنا فداءً لدين الله، ونسخرها لخدمة كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن نحتسب كل ما يصيبنا من أذىً في سبيل الله، ونعلم أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد قال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31].

فلا بد من العداوات والأذى والحسد، ولا بد أن يقع الدعاة فيما وقع فيه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وأقوامهم من قبل، وهذا أمر نعلمه، فمنذ أن بدأنا طريق الدعوة، ونحن موقنون به، وكل ما يقع لا نجد فيه جديداً أبداً.

لكن الموجب لهذا الإيضاح الموجز هو سوء الفهم والتفسير والتدليس الذي حصل نتيجة هذا البيان الذي أراد به سماحته أن يكون كالماء يطفئ النار -وهو كذلك والحمد لله- فإن كلَّ طُلاَّب العلم قد عرفوا ما يريد ويقصد الشيخ، وقد أطفأ الفتنة والحمد لله، وأظهر الحق وأبانه، ودافع عن المظلومين والمهضومين، ونصح المعتدين والباغين، بأجلى وأوضح بيان وعبارة، وإن كان قد ترك الأسماء فلمصلحة ولحكمة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2598 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2575 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2509 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2461 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2349 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2264 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2261 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2198 استماع
الشباب مسئولية من؟ 2167 استماع
الشرك قديماً وحديثاً 2134 استماع