خطب ومحاضرات
المناهج
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
السؤال: يقول أحد الإخوة: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصحابي الذي قتل الرجل بعد قوله الشهادة: (أشققت عن قلبه) الحديث, هل هذا إقرار بالإسلام بدليل الكلمة؟ أم أنه كان يجب على الصحابي التيقن؟
الجواب: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أشققت عن قلبه) وأمثاله كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [النساء:94] يدل على وجوب التثبت أو التبين، وقد قرأ بالوجهين فتبينوا أو فتثبتوا، لأن إجراء الحكم هو على الظاهر لا على الباطن, فكون الإنسان يقتل رجلاً كما وقع في حديث أسامة, فكأنه علم أنه لم يقل الشهادة إلاّ لينجو بها وليتعوذ بها من السيف, وهذا حكم بالباطن، ولا يجوز الحكم على الباطن لأنه من علم الغيب, وفي الظاهر أن من قال الكلمة أُلزم بالشرائع الظاهرة, ونَكِلُ أمره إلى الله، وهذا في الحكم الظاهر, كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة, فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم, إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) أي: في البواطن, فقد يقولون ذلك ويفعلونه, وهم في الباطن منافقون في الدرك الأسفل من النار, فحسابهم على الله في بواطنهم, وفي هذا حكمة عظيمة لكل من يريد إجراء الأحكام، أو يصدر أحكاماً، فلك أن تحكم على الأقوال، ولك أن تحكم على الأعمال, أما البواطن فلا يحكم عليها إلا الله الذي يطلع عليها.
السؤال: هل هناك فرق بين كفر العمل وكفر الردة؟
الجواب: ليسا متجانسين, ولا وجه لاقترانهما، لأن كفر العمل ليس بكفر ردة، وإذا كان المقصود بكفر العمل ارتكاب عمل من الأعمال التي بها يكفر صاحبها ويخرج من الملة, فهو ردة بالأعمال, فكما أن الردة تكون بالأقوال, فكذلك تكون بالأعمال, كمن يسب الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أشبه ذلك.
والردة بالأعمال كمن يدوس المصحف أو يهينه، أو يفعل أي عمل من الأعمال؛ كأن يسجد للأصنام ويعبدها، أو يتحاكم للطواغيت، فهذه ردة بالأعمال.
فالردة تكون بالأقوال وتكون بالأعمال, إلا أننا نطلق كفر العمل في مقابل كفر الاعتقاد, فيكون المقصود الكفر الأصغر, أي: الذي لا يخرج صاحبه من الملة, ولكنه بأي حال من الأحوال هو أكبر من الكبائر الأخرى, وما سماه الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفراً -وإن لم يكن الكفر الأكبر- فهو أعظم وأشد مما لم يسمه الله تبارك وتعالى كذلك من الذنوب والمعاصي.
فمثلاً: يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سباب المسلم فسوق, وقتاله كفر)، فنعلم بهذا أن قتال المسلم مع أنه لا يخرج من الملة، كما قال تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] إلا أنه من حيث الجرم أكبر وأعظم من أي ذنب آخر كسرقة المسلم أو سبابه، أو غير ذلك مما لم يسمه الشارع كفراً.
السؤال: هل الزاني وشارب الخمر وما شابهما في المعصية سواء؟ وما معنى انتفاء الإيمان عنه؟ وهل المقصود به مطلق الإيمان؟ وإذا بقي مسلماً؛ فما الذي ينتفي عنه؟
الجواب: معنى النفي هنا أنه ترك الكمال الواجب من الإيمان، ولا ننفي عنه مطلق الإيمان, بمعنى أنه غير مسلم، وإنما ننفي عنه الإيمان المطلق ونقيده.
أي: ننفي المطلق ونثبت المقيد, فنقول: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته, حتى نخرج عن مذهب الخوارج الذي يقول: إنه كافر, وعن مذهب الإرجاء الذي يقول: إنه كامل الإيمان, ويبقى مسلماً ما لم يستحل ذلك، فإن فعل الزنا أو الخمر أو الربا أو أية كبيرة من الكبائر مستحلاً لها, معتقداً أن هذا جائز , معرضاً عن كل ما جاء في ذلك من آيٍ أو أحاديث, فهذا يكون كافراً , وهذا يُسمَّى كفر استحلال، وهو نوع آخر من أنواع الكفر والردة.
السؤال: هل يمكن أن يكون في شخص إسلام ولا يكون فيه إيمان؟ إذا كان ممكناً فكيف يكون ذلك؟
الجواب: هذا ظاهر حديث سعد الذي قال فيه الإمام أحمد: ''حديث سعد أحب إليّ''؛ لأنه أوضح عندما قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أو مسلماً؟) فهو يقول: (يا رسول الله! إني لأراه مؤمناً, فيقول النبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أو مسلماً؟)، فالفرق بينهما واضح, وقد يكون الرجل مسلماً, ولكن لا يكون مؤمناً؛ لأنه لم يأتِ بمرتبة الإيمان ولم يحققها، وهي فعل الواجبات وترك المحرمات.
وهناك موضوع مؤلم جداً, كتب عنه الكاتبون في عكاظ وغيرها, وتحدث عنه بعض الإخوة، ورَدَّ بعض الإخوة على من كتبوا عن هذا الموضوع, وهو موضوع المناهج, وهو موضوع مؤلم جداً , وأوسع وأكبر مما نظن أو نتخيل, إنه موضوع توجه، وإن لم يكن كلياً -وقد يصبح كلياً- فهو بداية خطيرة لتغيير كبير في عقيدة الأمة وولائها وبرائها وانتمائها.
فالمسألة ليست كما نظن أنها مجرد تعديلات خفيفة أو تخفيفات وضعت بغرض التعديل والتغيير، وإنما وضعت بغرض حذف العلوم الإسلامية والمواد الدينية بالدرجة الأولى، وبالذات على الموضوعات المتعلقة بحقيقة التوحيد في هذا العصر، في ضوء الواقع المعاصر الذي نعيشه, وبما يتعلق بالولاء والبراء لليهود والنصارى, فبعض الأحكام الفقهية المهمة في حياتنا، والتي لا بد أن يتعلمها المسلمون، ولا ينبغي أن تخفى عليهم حذفت.
فالحقيقة هذا موضوع جلل يجب علينا أن نتنبه له؛ لأننا إما أن نكون مُعلمين نُعلم الخير ودعاةً إلى الله تبارك وتعالى, وإما أن نكون معلمين في المدارس، وهم -أيضاً- معلمون للخير يجب أن يتنبهوا إلى هذا وينكروا ويستنكروا ذلك.
وكذلك المسئولون عن التعليم في كل مكان، وكذلك نحن آباء, وإن لم نكن آباء فهؤلاء هم من أبنائنا، ولم يتعلموا الحقائق العلمية، وإذا لم يتعلموا الولاء والبراء، وإذا مسخوا وأصبحوا لا يشعرون بأي انتماء لهذه الأمة؛ فماذا نريد منهم أن يكونوا؟!
فإن ما يحدث من تغيير في المناهج مرتبط ارتباطاً واضحاً بما يُسمى: عملية السلام، والتطبيع بين المسلمين وبين اليهود والنصارى, وإن شئت تعبيراً أعم, فقل: هو يتعلق بالنظام الدولي الجديد الذي يريد أن يُفرض هيمنته على العالم, ويدعو إلى وحدة إنسانية مشتركة كما يزعمون!!
يريدون عالماً يكون فيه الأوائل هم اليهود ثم النصارى , والمسلمون تحت الأقدام, هذا الجديد في النظام الدولي الجديد باختصار.
ما الذي حدث في مناهج أبنائنا؟! أكثرنا لا يدري! ولم يسأل أبناءه عن مناهجهم.
كتاب التوحيد للسنة الثالثة الابتدائية, نسبة الحذف فيه تصل إلى (60%)!
يا أهل التوحيد في بلاد التوحيد, (60%) من مقرر التوحيد يحذف!
ويبرر الحاذفون -كما ذكر في عكاظ- بأن هذا صعب!
سبحان الله! نترك الرياضيات ويراد أن يقرر الإنجليزي والتربية الوطنية والموسيقى والكمبيوتر وما إلى ذلك, والصعب فقط والذي يحذف هو التوحيد, والذي لا يريدونه هو التوحيد, ولا يبقى منه إلا معانٍ عامة.
حذفت منه فوائد كثيرة متنوعة دون بديل لها , وحُذِفَ منه موضوع الشرك الخفي -وهو من أنواع الشرك- مع أنه سهل مفهوم للطلاب, ويقع فيه كثير من الناس.
حذفت أنواع الكفر الأكبر الخمسة.
حذفت القواعد الأربع.
وحذفت نواقض الإسلام العشرة كلها.
فما المقصود من حذف هذه المسائل؟
المقصود هو أن يبقى الإنسان مؤمناً بالله واليوم الآخر إيماناً سطحياً, وإذا سألته قال: أنا أومن بالله واليوم الآخر، وليس لديه إلا مفاهيم عامة لدينه، أما نواقض الإسلام، وأنواع الكفر, وأنواع الشرك، فلا يدري عنها شيئاً،وربما يقع فيها ولا يشعر.
إن الغلو أو ما يسمونه بالتطرف ينتشر في بعض البلدان؛ لأن العقيدة لم تدرس في المناهج, فيأتي شباب لم يدرسوا العقائد، أو درسوا في معاهد قديمة أو جامعات نحت منحىً إرجائياً، فيدرسون الإسلام من زاوية معينة , فيأتي الآخرون ويدرسون الإسلام من زاوية أخرى، فيقع هؤلاء في الغلو وهؤلاء في الغلو.
لكن إذا درَّسنا أبناءنا من الابتدائي أن الكفر درجات وأنواع, فإن الشاب منهم يتخرج وقد صحت نظرته واستقامت، فلا يذهب إلى غلو هؤلاء المرجئة، ولا إلى غلو هؤلاء الخوارج.
فهذا الذي حُذف من المناهج هو الذي يميز بين أهل السنة والجماعة وبين غيرهم، فكيف يحذف ما يتعلق بأنواع الكفر؟
كيف تحذف القواعد الأربع المهمة التي تعتبر من أهم مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وهي أساس عظيم لا بد منه للعامة وللخاصة؟ ثم تحذف نواقض الإسلام العشرة.. حتى يرى الإنسان أنه ما زال مسلماً مهما فعل ومهما ارتكب!
الفقه نسبة الحذف فيه (30%) تقريباً.
أولاً: حذف باب الجنائز كله, حتى لا يدرس موضوع يُحدث الطلبة عن الموت ويذكرهم بالله، فمتى يسمع أطفالنا المساكين -الذين لا يتربون إلا على أفلام الكرتون وعلى المجلات الفاسدة، وعلى المجالس مع الأمهات والآباء التي لا خير فيها- عن الموت؟ متى يتذكرون الموت؟
متى يعرفون أحكامه؟
ثانياً: حذف اشتراط وجوب المحرم للمرأة في الحج, لأننا في عصر النظام الدولي والتقارب والخادمات، وهذا الموضوع يسبب إشكالاً عند الطالب, فهو يرى الخادمة في البيت ليس معها محرم وتحج مع أمه وأبيه, ولا يمكن أن نطرد الخادمات من البيوت، والأسهل أن تغير المناهج لذلك..!
ثالثاً: حُذِفت المواقيت، والأنساك الثلاثة، وصفتي الحج والعمرة, أي: حذف الحج كله؛ لأن معرفة الحج تتطلب أن توضح للطالب المواقيت، وتبين له الأنساك الثلاثة، وتبين له صفتي الحج والعمرة، أي: أننا نلغي ركن الحج مرة واحدة.
والأمر هو كما ذكر الإخوة الذين يقومون بتدريس هذه المواد أن كتاب العلوم الدينية لا يعادل كتاب الرياضيات, فهو صغير بالنسبة لحجم كتاب الرياضيات، ثم يحذف منه (30%) وتقطع أوصاله, وهم يقولون: هذه علوم مهمة وعلوم العصر.
الإنسان الآن يعيش في عصر الكمبيوتر, والحاسب والرياضيات وما إلى ذلك!
إن الإنسان في كل العصور وفي كل الأحوال أحوج إلى أن يعرف الله، ويعرف الإيمان الصحيح، والتوحيد والشرك والعبادة الصحيحة، وأن يتفقه في الدين, فهو أحوج إليها من حاجته إلى الغذاء والماء والطعام والشراب والهواء -التي قد يعيش ببعضها- إلا الإيمان بالله تبارك وتعالى فهو بغيره حيوان، بل أضل من الأنعام, ولا قيمة له أبداً، وإن كان يشاهد البث المباشر ويأتي الكمبيوتر ويفعل كل شيء ويتحضر، كما يقولون.
فمهما عمل وهو مجرد عن الإيمان بالله عز وجل فلا خير فيه ولا في أعماله في أي حال من الأحوال, بل حتى حياته لا تكون إلا نكداً وضيقاً، كما قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124]، نسأل الله العفو والعافية.
الحذف في المستوى الرابع الابتدائي
وقد يقال: إن هذه حذفت لأنها سوف تتكرر في سنوات قادمة, ونقول: إنها تتكرر لأننا بحاجة لتأصيل حقيقة الشرك والتوحيد والمواضيع الفقهية، فنحن بحاجة لتكرارها في كل سنة, بل في كل يوم, وهذا كتاب الله بين أيدينا, ألم يتكرر فيه الإيمان بالله واليوم الآخر, والدلائل على نبوة رسول الله، والدلائل على البعث، والدلائل على ما وقع وما حلّ على الأمم السابقة، وتكررت قصصهم وتحدث عنها مراراً كثيرة؟
وليس هذا عبثاً -تعالى الله وتقدس- وكتابه أجل من ذلك, وإنما لأنه لا بد من التكرار, لأن الناس يحتاجون إلى التذكير الدائم المستمر بهذا, ثم ليس هذا التكرار فقط في علم التوحيد، فكل العلوم فيها تكرار, فالرياضيات والكيمياء والجغرافيا كلها فيها تكرار, الكل إذاً قائم على تكرار, إما إعادة الشيء لغرض وإما تفصيل بعد إجمال, وإما شرح بعد تبسيط وهكذا.
حذف أيضاً من الفقه (30%) للسنة الرابعة, والتفسير حذف أيضاً وبُتر, وتفسير سورة الفاتحة حُذف منه وصف اليهود بأن الله غضب عليهم ولعنهم, وحذف وصف النصارى بأنهم افتروا على مريم بهتاناً عظيماً, وإذا كانت هذه الأوصاف في القرآن وسهلة وقصيرة، فلماذا تحذف؟ وما الذي يضر هذا الطفل أن يدرس ألفاظاً سهلة وواضحة؟
لكن لأنها تربي الطفل على أن اليهود أعداء الله, والنصارى أعداء الله، وهم يريدون أن يكون أبناؤنا مثل الدواجن, التي تتربى في محاضن وتفرخ وتسمن، لا توالي ولا تعادي, همُّ أحدهم الطعام والشراب, ينسى الموت ويحاول لمدة طويلة أن يشتري سيارة, وبعد مدة طويلة -ربما عندما يبلغ الستين- أن يحصل على بيت, وهو طوال عمره يفكر كيف يحصل على بيت، ويقول: الليلة أشاهد التلفاز أو الفيديو عند فلان، فهذا ليس إنساناً, لأن الإنسان بعقيدته وبإيمانه, وبمقدار ولائه وبرائه وبحقيقة انتمائه لدينه, فحقيقة الإنسان هي في انتمائه.
ولهذا تسأل أي إنسان تقابله عن بلده وعن دينه حتى تعرف انتماءه إن كان يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً، ولا تحكم عليه رأساً، لأن الإنسان إنما يعرف بانتمائه لا بمظهره الخارجي، فهناك أناس هم أحقر خلق الله ديناً وخلقاً ولديهم الأموال الطائلة, وهناك دول كذلك.
ويوجد من أفضل خلق الله ديناً وخلقاً مثل الأنبياء صلوات الله عليهم، وهم من أفقر الناس وأزهدهم في حياتهم الدنيا, ومنهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي خير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام على الحصير حتى أثر في جنبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلا تقدم تكنولوجي ولا رفاهية ولا تنمية ولا شيء من هذا , ومع ذلك كان هو سيد ولد آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ولم ينزل هذا من قدره شيئاً؛ لأن الله يعطي الدنيا من أحب ومن لم يحب كما قال: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ [الإسراء:20].
فتقليص المناهج الدينية الشرعية بحجة أننا حريصون على التنمية وعلى التطور من أجل أن يحل محلها علوم أخرى يقتضيها التطور أمر باطل، مع أن المقصود ليس هو التطور ولا التنمية, إنما المقصود هدم عقيدة الولاء والبراء بالدرجة الأولى.
الحذف في المستوى الخامس الابتدائي
حذفت أيضاً المسائل الثلاث المهمة في التوحيد: وهي الغاية من الخلق وأن الله لم يخلقنا هملاً، ولم يخلقنا عبثاً، والنهي عن الشرك, وحذفوا وجوب المعاداة في الله والبراء من الشرك وأهله , ولم يستبدل بها أي شيء أيضاً, فلماذا تحذف الآيات والمقررات والأحاديث التي تتحدث عن الولاء والبراء، ونحن نرى المسلمين يذبحون في كل مكان؟!
فتارة يقتلهم النصارى في البوسنة والهرسك, وهناك في إفريقيا أكثر من دولة يباد فيها المسلمون كما في بعض دول غرب إفريقيا, وتارة يبيدهم الهندوس إبادة كاملة كما في كشمير, وكذلك في بورما وفي غيرها, وتارة تبيدهم الشيوعية، كما في طاجكستان وفي أماكن أخرى، وأينما اتجهت تجد أتباع الديانات المحرفة يبيدون المسلمين في كل مكان, ونحن نحذف ما يتعلق بالولاء والبراء ومعاداة الشرك وأهله!
الفقه حذف منه (50%)؛ فقد حُذِفَ المسح على الجورب، وهذا مهم, والناس مقبلون على الشتاء, صحيح أن بعض المناطق مثل: مكة وجدة لا يحتاجون الجوارب؛ لأنه لا يوجد برد عندهم، لكن الناس يحتاجون مثل هذه الأحكام حتى الصغار منهم, وقد حذف حتى مدة المسح وبدايتها ونهايتها, وهو حكم ليس بصعب, وحذفت آداب المشي إلى الصلاة جميعاً, وحذفت صفة الصلاة كلها, ويستصعبون على الطالب في الصف الخامس أن يقرأها كلها، ولو قرروا ذلك في الخامسة ثم أعادوه في السادسة وأول متوسطة, ولكن بتفصيل أكثر, أما أن تحذف حذفاً كلياً فلا يدرس الطالب كيفية الصلاة, فماذا يدرس إذن؟! وماذا يهمه إذن من الفقه ومن حياته؟! وقد حُذِفَ حكم صلاة الجماعة, وهو الوجوب، وبقي ما يدل أنها سنة فقط؟
وهم يريدون -حسب ظنهم- ألَّا يكون الطالب متطرفاً، لا يقول لأبيه: المؤذن يؤذن وأنت تصلي في البيت؟ فلذلك حذفوا ما يدل على أن صلاة الجماعة واجبة، بل ينقدح في ذهنه أنها سنة ومستحبة, فيكون طالباً معتدلاً، قد ربي على الاعتدال مع اليهود والنصارى ومع تاركي الصلاة, ومع المتخلفين عن الجماعة, ويكون شجاعاً على الدعاة فقط؛ لأن هؤلاء هم المتطرفون وهم الأعداء, أما بقية الناس فهم يعاملون بالحكمة والنصيحة.
وبعد هذا -كما ذكر الأخ الذي كتب هذا وهو متخصص- يقول: الذي تولى الحذف والتعديل شخص واحد غير متخصص، لكنه أجاد دوره, فهو يعرف ماذا يحذف، الانتقاء واضح فليس خبطاً عشوائياً!!
يقول: رغم أن العلوم الدينية الأربعة: التوحيد، والحديث، والفقه، والتجويد، مجموعة في كتاب واحد, يقل حجمه عن كتاب الرياضيات أو العلوم، إلا أن الحاذف قد أثخن فيه حذفاً وشطباً وإلغاءً, حتى أنه ألغى من كتاب سنة رابعة (30 %) من الفقه, و(75%) تقريباً من التجويد, حتى القرآن لماذا؟ لأن العصر عصر كمبيوتر, وهو عصر التغيير..!
وهي نفس الحجة التي قالها مشعل السديري أو غيره ممن يكتبون في عكاظ, ممن يُسر ويعلن أنها مناهج ثقيلة, وللعلم أنهم بعد تخفيض المنهج بدءوا يقولون: المنهج صغير.
إذاً فهو لا يحتاج إلى كل هذه الحصص، لا بد أيضاً من تخفيض الحصص، فالغرض هو التخفيض المستمر.
ومن أعجب التخفيضات أنك تجد الطالب في الفصل الدراسي كله يحفظ سورة واحدة, كالغاشية أو عبس أو الانشقاق أو غير ذلك, في فصل دراسي كامل.
حتى أن بعض مدرسي التربية الإسلامية يقول: والله لا أعرف ماذا أُسَمِّعُ في الحصة؟ آية أو نصف آية؟! كيف أوزعها؟!
الطلاب في هذه المرحلة يستطيعون أن يحفظوا كل شيء, لأن عقولهم مهيأة، وهم أذكياء؛ لأنهم من أبناء هذه البلاد الأصيلة التي هي معروفة بالحفظ، وهم يقولون: الحفظ يشتت الذهن, ولكنهم لا يقبلون هذا الكلام في الرياضيات ولا في الكيمياء, فترى الطالب يحفظ المعادلات التي لا يحتاج إليها في حياته أبداً, وبمجرد أن يتخرج ينساها, والكثير ممن تخصص في الرياضيات أو في غيرها ثم تخرج، فتسأله عن بعض المعادلات، فيقول لك: درسناها قبل ثلاث سنوات, ولا يتذكر منها شيئاً، كما أنه لا يستفيد منها شيئاً ولا يطبقها في حياته, ولن يستخدمها طوال عمره لا في بيته ولا مع الناس.
وهناك أحكام علمية شرعية يحتاجها في عباداته لا يدري عنها شيئاً، وكتاب الله أجل من ذلك وهو أعظم لا يُحفَظُ منه في الفصل الدراسي إلا سورة واحدة..!
فأصبحنا ننظر إلى الدنيا على أنها هي الأساس ونعظمها، وبعضنا يقول: نحن والحمد لله مجتمع التوحيد وبلد التوحيد, حتى إذا لم ندرس الدين فليس هناك مشكلة!
سبحان الله! إنها أماني، وقد قال الله تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123].
إن الإنسان الذي لا يعرف التوحيد ولا مقررات التوحيد, ثم يقول: "الحمد لله! نحن من بلاد المسلمين" هو إنسان خدعته الأماني.
وإذا ألغينا مقررات الفقه بحجة أن بلادنا بلاد الإسلام، ولم نعمل بالشريعة لأننا بلاد الشريعة؟
وإذا ألغيناها وعملنا على هوانا فلن تنفعنا الشعارات، ولا يريد الله منا هذه الشعارات، كما قال تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123] المسألة مسألة حساب بين يدي الله.
وإن اليهود هم الذين قالوا: "نحن شعب الله المختار, كما قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18] والصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- ما قالوا هذا, وفي جيل الصحابة في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لم يقل الناس: نحن أصحاب الإسلام وأهل الدين وأهل التوحيد, فكل عمل نرتكبه فلا حرج.
والآن إذا قلت لأحدهم: اتق الله! لِمَ تفعل هذا؟! أو قلت: هذه المصائب زادت عندنا، قال: نحن أحسن من غيرنا! لا تنظروا إلا إلى هذا الجانب, ذهبت أمور كثيرة وضاعت أصول عظيمة, والكذب والتحريف وصل إلى مقررات التوحيد في مناهجنا, وما زلنا نقول: أهل التوحيد , بلاد التوحيد, عقيدة التوحيد.... إلى آخر هذه الشعارات التي لا تنفع إلا بالعلم والعمل والدعوة والصبر على العداء في سبيل هذه الدعوة.
أما ما يقال من أن هدف التعديل هو التيسير على الطلاب -وهذا ما يُذكر في الصحف- فهذا كلام غير صحيح، فإن التيسير لا يكون بحذف الموضوع بأكمله، وإلا فلماذا لا يستخدمون هذه الطريقة في الجبر والكيمياء؟
بل إنهم في هذه المواد يريدون أن يضيفوا بعض الإضافات.
ما حذف من النصوص والمطالعة
أولاً: موضوع حديث الجهاد.
ثانياً: فلسطين.
ثالثاً: أول شهيدة في الإسلام.
رابعاًً: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
خامساً: الهجرة.
سادساً: أبو عبيدة رضي الله عنه أمين هذه الأمة، لأنه ذهب مع وفد نجران بعد أن قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هذا أمين هذه الأمة) وذلك أن وفد نجران طلبوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أميناً، والذي يقرأ القصة يتعجب من حذفها.
سابعاً: "كيف ضاعت الأندلس؟"
أُلغي هذا الموضوع، لأنهم يريدون القضاء على الأمة كلها, ولا يتفق هذا مع تذكير الناس بضياع الأندلس, وهم يريدون إلغاء قضية البوسنة وكشمير والفلبين وإرتيريا, والصومال... إلخ، يريدون إلغاء هذه القضايا من أذهان الناس.
ثامناً: معركة القادسية: هذه المعركة ألغيت، لأننا نريد تحسين العلاقة مع الروافض.
تاسعاً: فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ [الكهف:13]، التي هي صور من غزوة بدر: حذفت لأن لها علاقة بالجهاد والشرك والمشركين.
عاشراً: معركة اليرموك: حذفت أيضاً، لكيلا يغضب الروم والنظام الدولي الجديد، وهم أحبابنا وأسيادنا، فلا داعي لذكر اليرموك، رحمهم الله ورحم الله من قادها...!
الحادي عشر: أحمد بن حنبل: حذفت سيرته لما فيها من ذكر السنة والبدعة وخلق القرآن، ومقاومة الظلم، والصبر على أذى السلاطين, ولا داعي له , فيحذف حتى لا يفسد عقول الشباب.
الثاني عشر: إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب حذفت سيرته إرضاءً لمن يقول: إن الوهابية يكفرون المسلمين، وإرضاءً للشيعة والصوفية وكثير من الطوائف التي لا يعجبها ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
كما أن الروافض قبحهم الله يقولون: إن أولادنا لا يستطيعون دراسة مقرر الثانوية لوجود الصحابة, فحتى لا يتخلف أبناؤهم عن المدارس، أُلغي ذكر الصحابة وعلماء أهل السنة.
الثالث عشر: الكتاب الذي كتبه الشيخ صالح الفوزان, أُلغي كاملاً لأن الرافضة لا يريدون ذلك, والصوفية تريد الموالد وما يتعلق بها, وهكذا نقطع ديننا, حتى تبقى مقررات المواد الدينية مجرد توجيهات وآداب عامة, ليرضى بها الدرزي والنصيري والرافضي والصوفي والبدعي, ولو أن أهل السنة تخلف أبناؤهم لقالوا: هذا إضراب، وطبق عليهم خمسة عشر سنة سجن، فالكيل بمكيالين ليس فقط عند النظام الدولي الجديد, وإنما أيضاً في التعامل مع أهل السنة, وأهل البدع, والخارجين عن عقيدة أهل السنة والجماعة.
الرابع عشر: حطين: أيضاً حذفت, فلا داعي لـصلاح الدين ولا لـحطين, ولا لتذكير الناس بأن فلسطين أرض إسلامية, وأنا ضحيّنا مراراً من أجلها.
الخامس عشر: موضوع القدس عاصمة فلسطين: حذف أيضاً لأنها يمكن أن تصير عاصمة لإسرائيل, والسفارة الأمريكية تنتقل إليها, لا حرج في أن تبقى القدس عاصمة لـإسرائيل.
في كتاب النصوص, أيضاً أربعة نصوص عن فلسطين, هي (من -أمين- لاجئ)، و(صرخة في أرض المسجد الأقصى), و(الشهيد), وهكذا نرى أنه حتى الأشعار التي تتعلق بالمسجد الأقصى, وبـالقدس وصلتها هذه الأيادي, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مقرر التوحيد للسنة الثالثة المتوسط
كما ألغي موضوع "نظرة الإسلام إلى الوجود" و"ثروة الشريعة الإسلامية" و"ضرورة تحكيم الشريعة الإسلامية في جميع شئون الحياة".
فكأنهم يقولون: يكفي بعض الجوانب, أما كلها فهذا تطرف.
وحذفت "أساليب الدعوة الحديثة" وموضوع "إعداد الطالب روحياً وفكرياً واجتماعياً ليكون قدوة حسنة".
وحذف موضوع "سماحة الإسلام" ويُسر تعاليمه وأسئلة على الموضوعات, "ونبذة عن العقيدة الإسلامية" كل هذه الموضوعات حذفت, في مقرر التوحيد للسنة الثالثة المتوسط, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأنا -أيها الإخوة- لم أذكر إلا جزءاً، ولذلك فإن علينا مسئولية كبيرة لا نعفى عنها, لا في الدنيا, ولا بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, بل ربما يحاسبنا عليها أبناؤنا أنفسهم في هذه الدنيا، ويسألوننا: لماذا لم ننكر هذا؟
فعلى كل واحد منا أن يكتب ويقدم، وتصوروا لو أن كل أب غيور, سأل أبناءه وتأكد ولاحظ ما قلته، وقارن بين منهج هذه السنة ومنهج السنة الماضي وكتب , فلا شك أن يتغير المنهج ويعود إلى الأصل الصحيح, بل يزاد فيه, فإذا كان الروافض طالبوا واستجيب لهم بالباطل, فيجب أن تطالبوا أنتم ويستجاب لكم بالحق, فهذه أمانة عظيمة أنا ألقيها في أعناقكم, وأنتم آباء وأنتم مدرسون، وأن كل واحد منا يتنبه لأبنائه, وهذه أمانة عظيمة, وليس هذا المنكر مثل أي منكر أو مثل أية حادثة عابرة، ليس كحفلة فيها اختلاط, ولا كصورة عليها صليب, بل إنها أكبر من ذلك بكثير.
إنها أجيال كاملة تتربى على غير وضوح في العقيدة, وعلى غير فهم للتوحيد, وعلى غير معرفة لأحكام دينها الأساسية.
إن ذلك تقليص لدينها وإضافة لمواد أخرى لا تنفعها.. جيل بأكمله, قد ينصر فيما بعد, قد يُرفَّض قد يصوّف!
وهذه قضية خطيرة, أخطر من أية قضية أخرى قد تتصورونها, لعلاقتها الأساسية والمباشرة بتوحيد الله وهو أساس كل شيء، وبالعقيدة وبالأحكام الأساسية في حياة الإنسان المسلم.
فلا بد من الإنكار من الجميع كلُّ بحسبه, وبالأسلوب الذي يستطيع, وليكن الإنكار في الصحف, وأنا أشكر الإخوة الذين كتبوا وأعطوني صوراً من مقالات ذكرت في الصحف سواءً نشرتها الصحف أم لم تنشرها, لكن اكتبوا وأكثروا على الصحف, وسوف ترون أثر ذلك -إن شاء الله- بل إن بعضها قد نشر.
وحتى لو قالوا: نحذف بعض المنهج فلماذا الحذف؟ ولماذا يعاد كل سنة طبعات جديدة بملايين الريالات؟ لماذا يريدون هذا التخفيف على الطلاب؟ حتى يتفرغوا لمتابعة الكرة والبث المباشر واللهو! أو أننا نريد أمة عالمة بدينها, غير جاهلة ولا مجهلة.
ولم نستوعب كل التعديلات.
فهذا أحد المعلمين يقول: إن هناك حذفاً في التاريخ، وهذا يدل على أن الإخوة المعلمين لديهم شعور بأن هذا الموضوع في غاية الحساسية والخطورة والأهمية, ويقول: لا يكفيني مجرد كلام عابر، بل لا بد من رصد لهذه الحركات, ووضع البرامج اللازمة لمقاومة ذلك.
والمعلم يستطيع أن يُدرك أكثر من غيره الفروق بين المنهج القديم الذي لم يُلغَ والذي ألغي, ويستطيع أن يبرئ ذمته بأن يعطي كل طالب من طلابه بياناً بذلك، ويوضح لهم حتى يستنكر آباؤهم, ولا يكن همَّ المعلمين أن يأخذ الراتب، فلن تنفعنا هذه الرواتب وهذه المناصب وهذه الدنيا إن كنا نضحي بديننا.
يا أخي! أخبر كل طالب بأن عليه أن يحدث أباه أن المناهج قد حذفت وقد غيرت, لعل أباه يتصرف.
يجب علينا جميعاً أن نتعاون في هذا وأن نطالب، والحمد لله أن الموضوع سبق فيه مطالبة, ونحن إن طالبنا نحركها, وتقدم بعض الغيورين إلى سماحة الشيخ عبد العزيز وإلى هيئة كبار العلماء, وطالبوا بأن تبقى المناهج، بل أن تزاد وتقوى من الناحية الإسلامية, فمطالبتنا تزيد الموضوع قوة وتحريكاً , أي: أن الموضوع من قبل قد طولب به, ومن المنطقة الغربية لا أظن أن أحداً سبق أن تحرك وتكلم, فلذلك نستعرض لكم هذا لنقوم بواجبنا أسوة بإخواننا في المناطق الأخرى, جزاهم الله خيراً.
حذف من التوحيد الأمثلة على أنواع العبادة كالدعاء, والذبح، والنذر, مع أنها أمثلة مهمة توضح سعة مفهوم العبادة وحقيقة العبادة, وتعين الطالب على معرفة ما يقبح فعله من العبادة لغير الله، فإذا حذفت هذه فماذا بقي؟
وقد يقال: إن هذه حذفت لأنها سوف تتكرر في سنوات قادمة, ونقول: إنها تتكرر لأننا بحاجة لتأصيل حقيقة الشرك والتوحيد والمواضيع الفقهية، فنحن بحاجة لتكرارها في كل سنة, بل في كل يوم, وهذا كتاب الله بين أيدينا, ألم يتكرر فيه الإيمان بالله واليوم الآخر, والدلائل على نبوة رسول الله، والدلائل على البعث، والدلائل على ما وقع وما حلّ على الأمم السابقة، وتكررت قصصهم وتحدث عنها مراراً كثيرة؟
وليس هذا عبثاً -تعالى الله وتقدس- وكتابه أجل من ذلك, وإنما لأنه لا بد من التكرار, لأن الناس يحتاجون إلى التذكير الدائم المستمر بهذا, ثم ليس هذا التكرار فقط في علم التوحيد، فكل العلوم فيها تكرار, فالرياضيات والكيمياء والجغرافيا كلها فيها تكرار, الكل إذاً قائم على تكرار, إما إعادة الشيء لغرض وإما تفصيل بعد إجمال, وإما شرح بعد تبسيط وهكذا.
حذف أيضاً من الفقه (30%) للسنة الرابعة, والتفسير حذف أيضاً وبُتر, وتفسير سورة الفاتحة حُذف منه وصف اليهود بأن الله غضب عليهم ولعنهم, وحذف وصف النصارى بأنهم افتروا على مريم بهتاناً عظيماً, وإذا كانت هذه الأوصاف في القرآن وسهلة وقصيرة، فلماذا تحذف؟ وما الذي يضر هذا الطفل أن يدرس ألفاظاً سهلة وواضحة؟
لكن لأنها تربي الطفل على أن اليهود أعداء الله, والنصارى أعداء الله، وهم يريدون أن يكون أبناؤنا مثل الدواجن, التي تتربى في محاضن وتفرخ وتسمن، لا توالي ولا تعادي, همُّ أحدهم الطعام والشراب, ينسى الموت ويحاول لمدة طويلة أن يشتري سيارة, وبعد مدة طويلة -ربما عندما يبلغ الستين- أن يحصل على بيت, وهو طوال عمره يفكر كيف يحصل على بيت، ويقول: الليلة أشاهد التلفاز أو الفيديو عند فلان، فهذا ليس إنساناً, لأن الإنسان بعقيدته وبإيمانه, وبمقدار ولائه وبرائه وبحقيقة انتمائه لدينه, فحقيقة الإنسان هي في انتمائه.
ولهذا تسأل أي إنسان تقابله عن بلده وعن دينه حتى تعرف انتماءه إن كان يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً، ولا تحكم عليه رأساً، لأن الإنسان إنما يعرف بانتمائه لا بمظهره الخارجي، فهناك أناس هم أحقر خلق الله ديناً وخلقاً ولديهم الأموال الطائلة, وهناك دول كذلك.
ويوجد من أفضل خلق الله ديناً وخلقاً مثل الأنبياء صلوات الله عليهم، وهم من أفقر الناس وأزهدهم في حياتهم الدنيا, ومنهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي خير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام على الحصير حتى أثر في جنبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلا تقدم تكنولوجي ولا رفاهية ولا تنمية ولا شيء من هذا , ومع ذلك كان هو سيد ولد آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ولم ينزل هذا من قدره شيئاً؛ لأن الله يعطي الدنيا من أحب ومن لم يحب كما قال: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ [الإسراء:20].
فتقليص المناهج الدينية الشرعية بحجة أننا حريصون على التنمية وعلى التطور من أجل أن يحل محلها علوم أخرى يقتضيها التطور أمر باطل، مع أن المقصود ليس هو التطور ولا التنمية, إنما المقصود هدم عقيدة الولاء والبراء بالدرجة الأولى.
التوحيد حذف منه (30%) حذفت المسائل الأربع المهمة الواردة في سورة العصر، والتي هي: العلم والإيمان والعمل والدعوة إليه والتواصي بالصبر عليه، فلماذا حذفت هذه؟ وما الذي يخسره الطالب إذا قرأها وحفظها؟
حذفت أيضاً المسائل الثلاث المهمة في التوحيد: وهي الغاية من الخلق وأن الله لم يخلقنا هملاً، ولم يخلقنا عبثاً، والنهي عن الشرك, وحذفوا وجوب المعاداة في الله والبراء من الشرك وأهله , ولم يستبدل بها أي شيء أيضاً, فلماذا تحذف الآيات والمقررات والأحاديث التي تتحدث عن الولاء والبراء، ونحن نرى المسلمين يذبحون في كل مكان؟!
فتارة يقتلهم النصارى في البوسنة والهرسك, وهناك في إفريقيا أكثر من دولة يباد فيها المسلمون كما في بعض دول غرب إفريقيا, وتارة يبيدهم الهندوس إبادة كاملة كما في كشمير, وكذلك في بورما وفي غيرها, وتارة تبيدهم الشيوعية، كما في طاجكستان وفي أماكن أخرى، وأينما اتجهت تجد أتباع الديانات المحرفة يبيدون المسلمين في كل مكان, ونحن نحذف ما يتعلق بالولاء والبراء ومعاداة الشرك وأهله!
الفقه حذف منه (50%)؛ فقد حُذِفَ المسح على الجورب، وهذا مهم, والناس مقبلون على الشتاء, صحيح أن بعض المناطق مثل: مكة وجدة لا يحتاجون الجوارب؛ لأنه لا يوجد برد عندهم، لكن الناس يحتاجون مثل هذه الأحكام حتى الصغار منهم, وقد حذف حتى مدة المسح وبدايتها ونهايتها, وهو حكم ليس بصعب, وحذفت آداب المشي إلى الصلاة جميعاً, وحذفت صفة الصلاة كلها, ويستصعبون على الطالب في الصف الخامس أن يقرأها كلها، ولو قرروا ذلك في الخامسة ثم أعادوه في السادسة وأول متوسطة, ولكن بتفصيل أكثر, أما أن تحذف حذفاً كلياً فلا يدرس الطالب كيفية الصلاة, فماذا يدرس إذن؟! وماذا يهمه إذن من الفقه ومن حياته؟! وقد حُذِفَ حكم صلاة الجماعة, وهو الوجوب، وبقي ما يدل أنها سنة فقط؟
وهم يريدون -حسب ظنهم- ألَّا يكون الطالب متطرفاً، لا يقول لأبيه: المؤذن يؤذن وأنت تصلي في البيت؟ فلذلك حذفوا ما يدل على أن صلاة الجماعة واجبة، بل ينقدح في ذهنه أنها سنة ومستحبة, فيكون طالباً معتدلاً، قد ربي على الاعتدال مع اليهود والنصارى ومع تاركي الصلاة, ومع المتخلفين عن الجماعة, ويكون شجاعاً على الدعاة فقط؛ لأن هؤلاء هم المتطرفون وهم الأعداء, أما بقية الناس فهم يعاملون بالحكمة والنصيحة.
وبعد هذا -كما ذكر الأخ الذي كتب هذا وهو متخصص- يقول: الذي تولى الحذف والتعديل شخص واحد غير متخصص، لكنه أجاد دوره, فهو يعرف ماذا يحذف، الانتقاء واضح فليس خبطاً عشوائياً!!
يقول: رغم أن العلوم الدينية الأربعة: التوحيد، والحديث، والفقه، والتجويد، مجموعة في كتاب واحد, يقل حجمه عن كتاب الرياضيات أو العلوم، إلا أن الحاذف قد أثخن فيه حذفاً وشطباً وإلغاءً, حتى أنه ألغى من كتاب سنة رابعة (30 %) من الفقه, و(75%) تقريباً من التجويد, حتى القرآن لماذا؟ لأن العصر عصر كمبيوتر, وهو عصر التغيير..!
وهي نفس الحجة التي قالها مشعل السديري أو غيره ممن يكتبون في عكاظ, ممن يُسر ويعلن أنها مناهج ثقيلة, وللعلم أنهم بعد تخفيض المنهج بدءوا يقولون: المنهج صغير.
إذاً فهو لا يحتاج إلى كل هذه الحصص، لا بد أيضاً من تخفيض الحصص، فالغرض هو التخفيض المستمر.
ومن أعجب التخفيضات أنك تجد الطالب في الفصل الدراسي كله يحفظ سورة واحدة, كالغاشية أو عبس أو الانشقاق أو غير ذلك, في فصل دراسي كامل.
حتى أن بعض مدرسي التربية الإسلامية يقول: والله لا أعرف ماذا أُسَمِّعُ في الحصة؟ آية أو نصف آية؟! كيف أوزعها؟!
الطلاب في هذه المرحلة يستطيعون أن يحفظوا كل شيء, لأن عقولهم مهيأة، وهم أذكياء؛ لأنهم من أبناء هذه البلاد الأصيلة التي هي معروفة بالحفظ، وهم يقولون: الحفظ يشتت الذهن, ولكنهم لا يقبلون هذا الكلام في الرياضيات ولا في الكيمياء, فترى الطالب يحفظ المعادلات التي لا يحتاج إليها في حياته أبداً, وبمجرد أن يتخرج ينساها, والكثير ممن تخصص في الرياضيات أو في غيرها ثم تخرج، فتسأله عن بعض المعادلات، فيقول لك: درسناها قبل ثلاث سنوات, ولا يتذكر منها شيئاً، كما أنه لا يستفيد منها شيئاً ولا يطبقها في حياته, ولن يستخدمها طوال عمره لا في بيته ولا مع الناس.
وهناك أحكام علمية شرعية يحتاجها في عباداته لا يدري عنها شيئاً، وكتاب الله أجل من ذلك وهو أعظم لا يُحفَظُ منه في الفصل الدراسي إلا سورة واحدة..!
فأصبحنا ننظر إلى الدنيا على أنها هي الأساس ونعظمها، وبعضنا يقول: نحن والحمد لله مجتمع التوحيد وبلد التوحيد, حتى إذا لم ندرس الدين فليس هناك مشكلة!
سبحان الله! إنها أماني، وقد قال الله تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123].
إن الإنسان الذي لا يعرف التوحيد ولا مقررات التوحيد, ثم يقول: "الحمد لله! نحن من بلاد المسلمين" هو إنسان خدعته الأماني.
وإذا ألغينا مقررات الفقه بحجة أن بلادنا بلاد الإسلام، ولم نعمل بالشريعة لأننا بلاد الشريعة؟
وإذا ألغيناها وعملنا على هوانا فلن تنفعنا الشعارات، ولا يريد الله منا هذه الشعارات، كما قال تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123] المسألة مسألة حساب بين يدي الله.
وإن اليهود هم الذين قالوا: "نحن شعب الله المختار, كما قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18] والصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- ما قالوا هذا, وفي جيل الصحابة في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لم يقل الناس: نحن أصحاب الإسلام وأهل الدين وأهل التوحيد, فكل عمل نرتكبه فلا حرج.
والآن إذا قلت لأحدهم: اتق الله! لِمَ تفعل هذا؟! أو قلت: هذه المصائب زادت عندنا، قال: نحن أحسن من غيرنا! لا تنظروا إلا إلى هذا الجانب, ذهبت أمور كثيرة وضاعت أصول عظيمة, والكذب والتحريف وصل إلى مقررات التوحيد في مناهجنا, وما زلنا نقول: أهل التوحيد , بلاد التوحيد, عقيدة التوحيد.... إلى آخر هذه الشعارات التي لا تنفع إلا بالعلم والعمل والدعوة والصبر على العداء في سبيل هذه الدعوة.
أما ما يقال من أن هدف التعديل هو التيسير على الطلاب -وهذا ما يُذكر في الصحف- فهذا كلام غير صحيح، فإن التيسير لا يكون بحذف الموضوع بأكمله، وإلا فلماذا لا يستخدمون هذه الطريقة في الجبر والكيمياء؟
بل إنهم في هذه المواد يريدون أن يضيفوا بعض الإضافات.
أقرأ عليكم الموضوعات التي حذفت من اللغة العربية, والنصوص, والمطالعة:
أولاً: موضوع حديث الجهاد.
ثانياً: فلسطين.
ثالثاً: أول شهيدة في الإسلام.
رابعاًً: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
خامساً: الهجرة.
سادساً: أبو عبيدة رضي الله عنه أمين هذه الأمة، لأنه ذهب مع وفد نجران بعد أن قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هذا أمين هذه الأمة) وذلك أن وفد نجران طلبوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أميناً، والذي يقرأ القصة يتعجب من حذفها.
سابعاً: "كيف ضاعت الأندلس؟"
أُلغي هذا الموضوع، لأنهم يريدون القضاء على الأمة كلها, ولا يتفق هذا مع تذكير الناس بضياع الأندلس, وهم يريدون إلغاء قضية البوسنة وكشمير والفلبين وإرتيريا, والصومال... إلخ، يريدون إلغاء هذه القضايا من أذهان الناس.
ثامناً: معركة القادسية: هذه المعركة ألغيت، لأننا نريد تحسين العلاقة مع الروافض.
تاسعاً: فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ [الكهف:13]، التي هي صور من غزوة بدر: حذفت لأن لها علاقة بالجهاد والشرك والمشركين.
عاشراً: معركة اليرموك: حذفت أيضاً، لكيلا يغضب الروم والنظام الدولي الجديد، وهم أحبابنا وأسيادنا، فلا داعي لذكر اليرموك، رحمهم الله ورحم الله من قادها...!
الحادي عشر: أحمد بن حنبل: حذفت سيرته لما فيها من ذكر السنة والبدعة وخلق القرآن، ومقاومة الظلم، والصبر على أذى السلاطين, ولا داعي له , فيحذف حتى لا يفسد عقول الشباب.
الثاني عشر: إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب حذفت سيرته إرضاءً لمن يقول: إن الوهابية يكفرون المسلمين، وإرضاءً للشيعة والصوفية وكثير من الطوائف التي لا يعجبها ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
كما أن الروافض قبحهم الله يقولون: إن أولادنا لا يستطيعون دراسة مقرر الثانوية لوجود الصحابة, فحتى لا يتخلف أبناؤهم عن المدارس، أُلغي ذكر الصحابة وعلماء أهل السنة.
الثالث عشر: الكتاب الذي كتبه الشيخ صالح الفوزان, أُلغي كاملاً لأن الرافضة لا يريدون ذلك, والصوفية تريد الموالد وما يتعلق بها, وهكذا نقطع ديننا, حتى تبقى مقررات المواد الدينية مجرد توجيهات وآداب عامة, ليرضى بها الدرزي والنصيري والرافضي والصوفي والبدعي, ولو أن أهل السنة تخلف أبناؤهم لقالوا: هذا إضراب، وطبق عليهم خمسة عشر سنة سجن، فالكيل بمكيالين ليس فقط عند النظام الدولي الجديد, وإنما أيضاً في التعامل مع أهل السنة, وأهل البدع, والخارجين عن عقيدة أهل السنة والجماعة.
الرابع عشر: حطين: أيضاً حذفت, فلا داعي لـصلاح الدين ولا لـحطين, ولا لتذكير الناس بأن فلسطين أرض إسلامية, وأنا ضحيّنا مراراً من أجلها.
الخامس عشر: موضوع القدس عاصمة فلسطين: حذف أيضاً لأنها يمكن أن تصير عاصمة لإسرائيل, والسفارة الأمريكية تنتقل إليها, لا حرج في أن تبقى القدس عاصمة لـإسرائيل.
في كتاب النصوص, أيضاً أربعة نصوص عن فلسطين, هي (من -أمين- لاجئ)، و(صرخة في أرض المسجد الأقصى), و(الشهيد), وهكذا نرى أنه حتى الأشعار التي تتعلق بالمسجد الأقصى, وبـالقدس وصلتها هذه الأيادي, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حذف من المنهج من (95-110) وحذف "موقف العقيدة الإسلامية من التيارات والمذاهب الفكرية الحديثة" لأن هذا الكلام يغضب البعثيين والقوميين والاشتراكيين والعلمانيين والحداثيين, فهم لا يريدون هذا الكلام, أيكون الأب حداثياً، وولده يدرس موقف العقيدة الإسلامية من التيارات الفكرية الحديثة؟! فحتى يوفقوا بين ما يهوونه وما يدرسونه قاموا بإلغائها.
كما ألغي موضوع "نظرة الإسلام إلى الوجود" و"ثروة الشريعة الإسلامية" و"ضرورة تحكيم الشريعة الإسلامية في جميع شئون الحياة".
فكأنهم يقولون: يكفي بعض الجوانب, أما كلها فهذا تطرف.
وحذفت "أساليب الدعوة الحديثة" وموضوع "إعداد الطالب روحياً وفكرياً واجتماعياً ليكون قدوة حسنة".
وحذف موضوع "سماحة الإسلام" ويُسر تعاليمه وأسئلة على الموضوعات, "ونبذة عن العقيدة الإسلامية" كل هذه الموضوعات حذفت, في مقرر التوحيد للسنة الثالثة المتوسط, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأنا -أيها الإخوة- لم أذكر إلا جزءاً، ولذلك فإن علينا مسئولية كبيرة لا نعفى عنها, لا في الدنيا, ولا بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, بل ربما يحاسبنا عليها أبناؤنا أنفسهم في هذه الدنيا، ويسألوننا: لماذا لم ننكر هذا؟
فعلى كل واحد منا أن يكتب ويقدم، وتصوروا لو أن كل أب غيور, سأل أبناءه وتأكد ولاحظ ما قلته، وقارن بين منهج هذه السنة ومنهج السنة الماضي وكتب , فلا شك أن يتغير المنهج ويعود إلى الأصل الصحيح, بل يزاد فيه, فإذا كان الروافض طالبوا واستجيب لهم بالباطل, فيجب أن تطالبوا أنتم ويستجاب لكم بالحق, فهذه أمانة عظيمة أنا ألقيها في أعناقكم, وأنتم آباء وأنتم مدرسون، وأن كل واحد منا يتنبه لأبنائه, وهذه أمانة عظيمة, وليس هذا المنكر مثل أي منكر أو مثل أية حادثة عابرة، ليس كحفلة فيها اختلاط, ولا كصورة عليها صليب, بل إنها أكبر من ذلك بكثير.
إنها أجيال كاملة تتربى على غير وضوح في العقيدة, وعلى غير فهم للتوحيد, وعلى غير معرفة لأحكام دينها الأساسية.
إن ذلك تقليص لدينها وإضافة لمواد أخرى لا تنفعها.. جيل بأكمله, قد ينصر فيما بعد, قد يُرفَّض قد يصوّف!
وهذه قضية خطيرة, أخطر من أية قضية أخرى قد تتصورونها, لعلاقتها الأساسية والمباشرة بتوحيد الله وهو أساس كل شيء، وبالعقيدة وبالأحكام الأساسية في حياة الإنسان المسلم.
فلا بد من الإنكار من الجميع كلُّ بحسبه, وبالأسلوب الذي يستطيع, وليكن الإنكار في الصحف, وأنا أشكر الإخوة الذين كتبوا وأعطوني صوراً من مقالات ذكرت في الصحف سواءً نشرتها الصحف أم لم تنشرها, لكن اكتبوا وأكثروا على الصحف, وسوف ترون أثر ذلك -إن شاء الله- بل إن بعضها قد نشر.
وحتى لو قالوا: نحذف بعض المنهج فلماذا الحذف؟ ولماذا يعاد كل سنة طبعات جديدة بملايين الريالات؟ لماذا يريدون هذا التخفيف على الطلاب؟ حتى يتفرغوا لمتابعة الكرة والبث المباشر واللهو! أو أننا نريد أمة عالمة بدينها, غير جاهلة ولا مجهلة.
ولم نستوعب كل التعديلات.
فهذا أحد المعلمين يقول: إن هناك حذفاً في التاريخ، وهذا يدل على أن الإخوة المعلمين لديهم شعور بأن هذا الموضوع في غاية الحساسية والخطورة والأهمية, ويقول: لا يكفيني مجرد كلام عابر، بل لا بد من رصد لهذه الحركات, ووضع البرامج اللازمة لمقاومة ذلك.
والمعلم يستطيع أن يُدرك أكثر من غيره الفروق بين المنهج القديم الذي لم يُلغَ والذي ألغي, ويستطيع أن يبرئ ذمته بأن يعطي كل طالب من طلابه بياناً بذلك، ويوضح لهم حتى يستنكر آباؤهم, ولا يكن همَّ المعلمين أن يأخذ الراتب، فلن تنفعنا هذه الرواتب وهذه المناصب وهذه الدنيا إن كنا نضحي بديننا.
يا أخي! أخبر كل طالب بأن عليه أن يحدث أباه أن المناهج قد حذفت وقد غيرت, لعل أباه يتصرف.
يجب علينا جميعاً أن نتعاون في هذا وأن نطالب، والحمد لله أن الموضوع سبق فيه مطالبة, ونحن إن طالبنا نحركها, وتقدم بعض الغيورين إلى سماحة الشيخ عبد العزيز وإلى هيئة كبار العلماء, وطالبوا بأن تبقى المناهج، بل أن تزاد وتقوى من الناحية الإسلامية, فمطالبتنا تزيد الموضوع قوة وتحريكاً , أي: أن الموضوع من قبل قد طولب به, ومن المنطقة الغربية لا أظن أن أحداً سبق أن تحرك وتكلم, فلذلك نستعرض لكم هذا لنقوم بواجبنا أسوة بإخواننا في المناطق الأخرى, جزاهم الله خيراً.
هذا بيان إخوانكم في الاتحاد الإسلامي الصومالي، مكتب العلاقات الخارجية والإعلام أرسلوه إلى بعض الصحف، وأكثرها لم يستجب لهم, وكذلك بعض الإذاعات العالمية المشبوهة, مثل: لندن، ومونتكارلو، وأشباهها, لم تستجب لهم ومن واجبنا جميعاً أن نبلغه للأمة يقول الإخوة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وبعد..
البيان رقم (13) بتاريخ: 7/6/ 1413 هـ , 1/ 12/ 1992م
وبعد:
فقد تناقلت وكالات الأنباء خبر التدخل العسكري الأمريكي في الصومال بقوات قوامها (30.000) جندي تحت غطاء هش باسم الأمم المتحدة بحجة حماية الإمدادات الإغاثية وترحيل أطراف صومالية, بهذا التدخل العسكري الأمريكي الواضح, بالرغم من أننا نتألم من معاناة شعبنا وبلدنا من جراء هذه الحرب المفروضة عليه من قبل أولئك الذين فقدوا كل إحساس بالمسئولية, والذين أوصلوا الشعب إلى هذه الدرجة من الإحباط واليأس, إلا أننا نرى أن هذا التدخل العسكري الأجنبي لا يحمل أي حل لمشكلة الصومال وإنما سيسبب لنا ضرراً دينياً جسيماً للأجيال الحاضرة والقادمة, تهون دونه الأنفس والأموال، والفتنة أشد من القتل, ونود أن نشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتحفظ باستمرار منذ بداية الأزمة من تدخل الأمم المتحدة في القضية, كلنا كنا نسمع هذا، فقد كانت أمريكا لا تريد أن تتدخل الأمم المتحدة في قضية الصومال, عندما كان الشعب الصومالي يتعرض للإبادة والتشريد, وكانت الأوضاع أسوأ مما هي عليه الآن, ولم تتحرك إنسانية الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت, لذلك فإن التغير الأمريكي المفاجئ، وبهذا الحجم الكبير من القوة العسكرية يثير الشكوك, لا سيما أنه جاء بعد حملة إعلامية مضخمة في الإعلام الغربي حول ما سموه الأصولية المتنامية في الصومال كما في الواشنطن بوست، و الهردزسرديون، والجارديان, وبعض وكالات التلفزة... إلخ.
كذلك فإن المعلومات التي ذكرتها الأمم المتحدة ما بين (70 -80%) من إمدادات الإغاثة تتعرض للنهب, هي معلومات مضللة, حسب تعبير منظمات إغاثية دولية -في الجارديان- وإنما جاءت هذه المعلومات المضللة وغيرها من الممهدات الإعلامية, من أجل تبرير الغزو الأمريكي المشبوه, لذلك يعلن الاتحاد الإسلامي الصومالي, رفضه القاطع لهذا التدخل الأمريكي الصارخ, ويعتبره غزواً لدولة مستقلة وانتهاكاً صريحاً لسيادة أمة, ويُحذر الإدارة الأمريكية من عواقب هذا الغزو.
وإنا ندعو الشعب الصومالي المسلم إلى اليقظة والانتباه للأضرار الدينية والاجتماعية الجسيمة التي تترتب على الاحتلال الأمريكي, وندعوه أن يفوت الفرصة على عدوه، ويدرك أن الحل الصحيح يكمن في الأخذ بأيدي السفهاء وحل مشاكلهم, وفقاً لكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59].
ونناشد إخواننا المسلمين في كل مكان, أن يقفوا مع الشعب الصومالي المسلم في محنته هذه؛ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].
مكتب العلاقات الخارجية والإعلام.
التعليق على تقرير الاتحاد الإسلامي الصومالي
أولاً: الله تبارك وتعالى له سنن: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَن [آل عمران:137]، أي: سنن ربانية: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] وما ينزل بـالصومال, وبغيرها من البلدان لا بد أن وراءه أسباباً وفقاً للسنن الربانية, فهذا المجرم الطاغية زياد بري ومن معه عاثوا في الأرض الفساد, قتَّلوا العلماء وشردوهم, كمموا أفواه الدعاة, أغلقوا المساجد, منعوا المناهج الإسلامية, والأشرطة الإسلامية, وعملوا كل جهد للقضاء على الدعوة, وكانت استخباراتهم ورجال أمنهم همّها الأكبر القضاء على الدعوة الإسلامية, وكان الشعب -إلا القليل- في غفلة عن هذا كله, ولا يبالي، ولا يهمه، ولم يثأر لدعوته، ولعقيدته ولعلمائه.
لم يناصح الظالمين المجرمين، زياد بري ومن معه، ولم يأخذوا على أيديهم، بل سكتوا, وانشغلوا باللهث وراء الطعام والشراب, حتى جاءت هذه الكارثة عقوبة للجميع, عوقبت الحكومة الكافرة التي لم تحكم بما أنزل الله, وعوقب شيوخها وعلماؤها، ومنهم وزير الأوقاف وغيره, الذين كانوا لا يصرحون إلا ضد الشباب المسلم، ولا يتكلمون عن غيرهم, ذهبوا مع تلك الدولة الظالمة, وعوقب الدعاة لأنهم لم يقوموا بالواجب الشرعي من بيان الحق والدعوة إليه, وإنما قام به بعض قليل منهم، لم يكن يكفي على مستوى الأمة, وعوقب الشعب الذي سكت, حين رأى الدعوة انتهت، ورأى العقيدة تضمحل وتدمر, وآثر الدنيا على الآخرة, عوقب بهذا التشريد وهذا الجوع.
لا يعني هذا أننا نتشفى، معاذ الله! ولكنها سنة الله لتتذكر بها الأمم جميعاً, وأن ما حل بهم يمكن أن يحل بغيرهم, فالسنة جارية على الجميع, فلما فعلوا ذلك نالهم ما نالوا من هذا العذاب, نالهم الكيد الذي لم يحل بينه وبينهم التقوى والصبر، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] فالكيد الصليبـي تآمر عليهم, الحبشة من جهة, والصليبيون من كينيا وغيرها من جهة أخرى.
أهداف أمريكا من هذا الغزو
عاصمة دولة أنتم اعترفتم بها في مجلس الأمن الأمريكي، ومع ذلك لا يصلها الطعام, وهؤلاء الوحوش يبقرون بطون الأمهات, ويشوهون الأولاد، وينتهكون الأعراض, ويقتلون الشيخ الطاعن في السن بالفأس, وبالخناجر وبأنواع الأذى, ترون هذا ولم ترسلوا جندياً واحداً, ولم توصلوا أية إمدادات إلى سراييفو, أما الصومال فليست القضية قضية إمدادات, ولا قضية حرب خارجية أو اعتداء خارجي, بل هي فتنة داخلية, والأصل في الفتن الداخلية ألِّا يقع تدخل مع أحد من الأطراف, وما دامت منظمات الإغاثة تقول: نحن نقوم بأعمالنا فمن الطبيعي في الفتنة أن يتعرضوا لشيء من الأذى, لكن أن تترك عدواً معتدياً غازياً وحشياً بمثل وحشية الصرب يعبث ويفعل ما يشاء، وتذهب إلى دولة أخرى وتنزل هذا العدد الكبير, فهذا الغطاء الإنساني كذب وافتراء, ولا ينطلي إلا على أسذج خلق الله.
أما في الحقيقة فلها عدة أهداف, هدفها الأول: تحقيق استراتيجيات وضعت من قبل للتحكم والسيطرة على منابع الثروة من النفط والغاز الطبيعي وغيره, فالعالم كله يحتاج هذه المنطقة, وأهم منطقة في العالم من ناحية الثروة بعد الخليج, هي منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بـالمحيط الهندي, لأن خطوط الملاحة العالمية المهمة والثروات جميعاً تمر بها، فهي منطقة مهمة جداً.
والثاني: وهو جزء من الأول أو تابع له: إثبات الوجود الأمريكي في ظل غياب القوة السوفييتية، فمنذُ مدة وأمريكا تتطلع إلى قاعدة لها في الصومال, وكان الروس هم الذين يمنعونها، وقد سبقوها إلى ذلك، وعندما كانت عدن موالية للشيوعيين في أيام الاتحاد السوفيتي في وقته, وكذلك الصومال، وكان هذا أحرج وضع مر بـأمريكا من ناحية السيطرة على هذه المناطق, ثم بعد ذلك استمالوا الصومال وبقيت عدن مع الروس, وخف الأمر عليهم، ولكنهم الآن يبنون ما يشاءون ويسيطرون كما يشاءون بلا حسيب ولا رقيب؛ لأن القوة المنافسة غير موجودة, أما دول العالم الإسلامي فإنها لن تفعل شيئاً غير الاجتماعات الطويلة، والنداءات المتكررة وبعد الموت، وبعد المذابح يجتمعون، ويصدرون توصية أو قرار مطالبة للأمم المتحدة, فلا يحسب حساب لهذه القوة أصلاً.
وأما جامعة الدول العربية -والصومال عضو فيها- فلا أحد يحسب حسابها، لم تحل مشاكل العرب حتى تحل مشاكل الصومال, ولا يمكن أن ترسل جيشاً، ولا يمكن أن تتدخل.
فهي إذاً فرصة لهيمنة أمريكا وإثبات أنها شرطي العالم الذي يؤدب من يشاء كما يشاء، ويدع من يشاء يقتل كما يشاء, لأنه شرطي مجرم في نفس الوقت, وليس شرطياً عادياً, فهو يتحكم بإجرامه في هذا الكون ليفرض سيطرته كما يشاء.
الثالث: المحافظة على أمن إسرائيل من جميع النواحي, فإسرائيل مثل ما قال أحمد شوقي قال:
إن للظالم بطناً يشتكي من غير علة |
الظالم دائماً بطنه يوجعه, مع أنه لا علة به؛ لأنه يريد أن يأكل أموال الناس, فإسرائيل تقول: باب المندب خطير, كيف لو أغلقوه؟
من أين أحصل على إمدادات من بعض الأشياء؟
والقناة مهمة لا بد أن نفتحها, وجبل طارق مهم بالنسبة لـإسرائيل لا بد يكون فيه كذا, وألمانيا النازية لا بد أن نتحارب فيها, ومقابر اليهود في باريس لا أحد يتعرض لها, واليهودي الفلاني في نيويورك لا أحد يتكلم عليه، العالم كله يشتكي بطنه من مشاكل اليهود في جميع أنحاء العالم, لأنها تريد أن تلتهم المنطقة كلها كما تشاء، وأن يكون لها فيها قواعد، وتريد باسم علم الجيش أمريكي أو الأمم المتحدة الأمريكية أو الأمم المتحدة اليهودية سموها كما شئتم فلا فرق حقيقة أن تسيطر على المنطقة بأكملها, وتصبح السيدة الأولى فيها، وتتحكم في ثرواتها وفي مستقبل أجيالها كما تشاء.
الرابع: ظهرت حركات جهادية؛ ففي إرتيريا حركة جهادية, وفي أوجادين حركة جهادية, في الصومال حركة سلفية دعوية, وهي حركة سلفية إسلامية نقية أصيلة وتنتمي إليها كل القبائل, وليست حزبية طائفية, والنصارى في الحبشة محصورون, فهم أقلية في الحبشة وفي السودان, وهذا خطر كبير بالنسبة للغرب, يكاد النصارى يخرجون نهائياً من جنوب السودان, والسودان فيه نظام أصولي, كما يعبرون بالمصطلح الغربي، فهم يريدون أن يرغموا هذه القوى الجهادية وهذا النظام الأصولي, ويضربوها بجيش أمريكي مباشر, بحيث لا يستطيع أحد أن يرفع رأسه داخل الصومال.
ومع وجود السلاح في أيدي المجاهدين فيمكن أن تتحول إلى أفغانستان ثانية، خاصة أوجادين, ولو اتحد المجاهدون في الصومال وفي إرتيريا, لتقوّضت النصرانية بشرق إفريقيا بأكمله, وهذا لا يريده الغرب أبداً أن تصبح من الصومال إلى الحبشة إلى السودان إلى تشاد إلى مالي إلى المحيط الأطلسي منطقة إسلامية, لا يمكن أن يقرّ الصليبيون العالميون هذا أبداً.
فهم يخافون من هذا الخطر, ولذلك هم يريدون أن يوجدوا قوة مباشرة ترغم السودان للخضوع لهم, وتقوّي بشكل مباشر أو غير مباشر النصارى في جنوب السودان وفي كينيا، وتجهض أي محاولة جهادية إسلامية في هذه الدول, هذه كلها مصالح تريد أمريكا تحقيقها.
ولا يعني ذلك أن أمريكا تريد أن تحتل الصومال إلى الأبد, فهذا خطأ دائماً نقع فيه.
يظن الناس أن الاحتلال معناه وجود قوة مباشرة ودائمة، وهذا غير صحيح، فالقوة إذا حققت أهدافها يبقى منها ما يكفي لتحقيق باقي الهدف، وينسحب الباقي.
أي: إذا انتهت المهمة تقول أمريكا: الآن الإمدادات أصبحت تصل، والقضية الإنسانية انحلت، فنرجع أبناءنا، وانتهى الموضوع, وهو لم ينته.
هل تصدقون أن أمريكا تريق قطرة دم جندي أمريكي واحد من أجل غرض إنساني فقط, ليس لها فيه أية مصلحة؟! هذا مستحيل, المائتين وأربعين أو مائتين وخمسين في بيروت المارينـز الذين قتلوا أحدثوا ضجة هائلة في أمريكا كلها, فكيف لو حدث هذا للأربعين ألف أو أكثر؟ فهم لا يعملون هذا إلا على استراتيجية بعيدة.
والغرض منه بالنسبة لنا من الناحية الإسلامية ومن الناحية العقدية، هو تقوية شوكة الصليبية في قلب العالم الإسلامي, فـالصومال كل سكانها مسلمون، فعندما تنزل هذه الجيوش بنصرانيتها، وقد كانوا يشتكون من هيئات الإغاثة الصليبية, فكيف ستتحول إذا كان جيشاً صليبياً؟ كم سيرحل من أناس؟ وكم سَيُنصّر من أناس؟
إلى أي مدى ستتغير التركيبة الاجتماعية بالفساد والمخدرات والدعارة التي يحملها الجيش الأمريكي معه أينما نزل وحيثما ما حلّ؟
لا بد أن اختلالاً كبيراً يقع -على الأقل في أذهان الناس- وهذه منطقة مهمة جداً يمكن أن تكون رديفاً وسنداً لهذه الجزيرة -جزيرة العرب- التي هي جزيرة الإسلام.
ولا ننسى أن هذه بادرة قد يتبعها بوادر أخرى, فلو أن اليمن-وهي أقرب مثال- ساءت الأحوال فيها, والأحزاب متناحرة مثل: الصومال، وهم قبائل مثل الصومال, فما الذي سوف يحدث؟ ما دامت أمريكا ضبطت الصومال -والله يجزي المحسنين خيراً- وأحسنت إليهم واستقرت الأوضاع, ووصلت الإمدادات, فيمكن أن يتحججوا بأن اليمن فيها فتنة، فأفضل شيء أن ينتقلوا من الصومال إلى اليمن, فهي قريبة, والمبدأ قد أقر... وهكذا, وهذا يمكن أن يقع، ونقول كلاماً للمسلمين عامة وفي أي مكان: الخلاف شر، والفرقة والفتنة شر, يتسبب عنه مثل هذا التدخل، والحل هو بالالتفاف حول علماء الأمة، فإنه لا يجمع الأمة إلا علماؤها.
أما إذا تحولت إلى فصائل قبلية فلن تجتمع أبداً, فها هو زياد بري يحارب عيديد، وعيديد يحارب فلاناً، وفلان يحارب فلاناً, لكن إذا التفت الأمة حول العلماء فإنهم سوف يجمعون الأمة، ولذلك قلت: إن علماء الصومال للأسف تخلوا عن دورهم وعن واجبهم, فبعضهم خرج من البلاد, وبعضهم سار في ركب السلطة, والذي على الحق وقال كلمة الحق أودع السجن, أو منعت كتبه وأشرطته من الانتشار, وسكت الناس, فكانت هذه العقوبة.
فالذي يجمع الأمة هم العلماء, ولهذا يجب أن يكون للعلماء مواقف خالصة مخلصة متجردة ناصحة, يقولون كلمة الحق ولا يخافون في الله لومة لائم, ويقفون موقفاً قوياً وسداً منيعاً في وجه دعاة الفرقة والضلالة والبدعة والشرك والانحلال, وكل نوع مما حرم الله تبارك وتعالى مما يمكن أن يؤدي إلى تدمير الأمة وإلى تفكيكها.
فإذا لم يقم العلماء بهذا الواجب, فتوقع للأمة أن تنهار، ويمكن أن تقسم وأن تجزأ، فلن تجمعها أية رابطة إذا لم يجتمع علماؤها, هذه قاعدة, طبقوها وجربوها في أية دولة أو في أي مكان.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية | 2575 استماع |
العبر من الحروب الصليبية | 2509 استماع |
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم | 2461 استماع |
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول | 2349 استماع |
من أعمال القلوب: (الإخلاص) | 2264 استماع |
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] | 2261 استماع |
الممتاز في شرح بيان ابن باز | 2251 استماع |
خصائص أهل السنة والجماعة | 2198 استماع |
الشباب مسئولية من؟ | 2167 استماع |
الشرك قديماً وحديثاً | 2134 استماع |