روسيا وعنق الزجاجة اليمنية
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الأخبار جيدة في تعز، تتوالى بأن ثمة تحركًا جادًا من قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية التي تقدمت في "معظم الجبهات الغربية والشرقية وجبهات الضباب والصلو والأحكوم" ما مكنها من فك الطوق عن تعز بعد تحرير حاجز غراب، هذا أمر يدعو للفأل عند اليمنيين، تتوارد أنباء أخرى عن أن معركة تحرير صنعاء توشك أن تبدأ. تلك أمور تدعو إلى التفاؤل، على أن الحذرين لديهم ما يعزز شكهم في حل سريع للأزمة اليمنية، لاسيما إذا كان هناك توجه دولي يدير دفة الصراع بحيث يحاكي "أبدية الصراع السوري".
سيغادر اليمنيون عنق الزجاجة يومًا، لكن من غير المؤكد ما إذا كانوا سيغادرون للخارج أم إلى داخل الزجاجة نفسها؛ فعدا ما يقال عن تراجع قوة الحوثيين ورفيقهم علي عبدالله صالح، وبخلاف ما يحصل في تعز، وما يتردد عن اقتراب معركة تحرير العاصمة؛ فإن المعطيات الأخرى مزعجة؛ فطول مدة الحرب، والأخطر طول مدة الهدنة الفائتة أهدت إلى القوات الانقلابية المتمردة فرصة كبيرة لتكديس أسلحة وجلب أخرى متطورة صعبت من مهمة قوات "الشرعية" اليمنية، والضغوط الأمريكية الشديدة على التحالف العربي لحمله على القبول بحكومة توافقية وائتلافية مع الانقلابيين، والإبقاء على ميليشياتهم وأسلحتهم، وربما تسليمهم الوزارات السيادية في حكومة تسمح لميليشيات الحوثيين وصالح بالهيمنة على مراكز القوى في النظام القادم قيدت حركة التحالف العربي لحد ما، والتدخل المتزايد للروس بعد الإيرانيين هو ثالثة أثافي هذه المعطيات.
تمسك واشنطن بأوراق عديدة في المنطقة تمكنها من ضبط عمليات التحرير في سوريا واليمن، وعدم خروجها عن إطار يسمح للأمريكيين بالتدخل ضمن قاعدة شديدة الخطورة والأثر على دول المنطقة.
بلا مواربة، ثمة إرادة غربية وصهيونية تقضي بالإبقاء على جيش يحكمه النصيريون في سوريا، واستحداث جيش يسيطر عليه الحوثيون في اليمن، في وقت تستمر فيه عملية الإحلال والتجديد لتمكين شيعة العراق من كل مفاصل القوى العسكرية والأمنية والاستخبارية...
هو حكم الأقليات الذي نصح به بن جوريون قبل نصف قرن أو يزيد.
بالعودة إلى "ثالثة الأثافي" -تزايد احتمالات التدخل الروسي المباشر لدعم نظام الحوثيين في صنعاء-: لا تعود خطورته إلى وضع ثقل الآلة العسكرية الروسية في كفة المتمردين فحسب؛ وإنما الأهم من هذا هو الإنتقال من حالة "الشرعية الوحيدة" في اليمن إلى تنازع "شرعيتين" بعد اعتراف إيران وروسيا بالمجلس الرئاسي الذي نجم عن مسرحية البرلمان اليمني الذي اجتمع دون نصاب شرعي لإفرازه.
إيران كدولة إقليمية ليس هو ما تخشاه دول الخليج، وإنما هذا الإعتراف الروسي يعني تلقائيًا احتمال التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب الحوثيين وصالح، والعمل على توسيع دائرة الإعتراف الدولي بالمجلس الرئاسي الذي اصطنعه الحوثيون كبديل عن شرعية الرئيس هادي منصور التي يعترف بها العالم.
على ذكر "اعتراف العالم"، الذي لم يزل يتمسك به هادي من موقعه خارج البلاد؛ فهو يذكرنا بالإعتراف الذي كان يحظى به الرئيس البوسني الأسبق علي عزت بيجوفيتش، ولم يحل دون صمت العالم على خطفه داخل سراييفو قبل عقدين من الزمان، حينها كان الصرب لا يعترفون به أيضًا، والروس من ورائهم ظهير.
الآن يمكن لطائرات التحالف الخليجي قصف مواقع الميليشيات الحوثية والمتمردة الأخرى، غدًا لا يمكن بسهولة لهذه الطائرات قصف مواقع تتمركز بها قوات روسية، كما لن يمكنها شن حرب مباشرة على الروس لاعتبارات عسكرية وأممية سياسية، خصوصًا لو كان الروس يتدخلون هذه المرة باسم "مجلس رئاسي"، كذريعة للتدخل لمساندة نظام هي على الأقل تعترف به، وإن لم يعترف به العالم على شاكلة اعترافه بنظام بشار الأسد في دمشق.
الخيارات التي كانت متاحة أمام دول الخليج ليست كما كانت بالأمس، وسوف لن تكون متاحة مثلما هي اليوم في الغد، ولا مناص أن تتخذ هذه الدول قرارًا حاسمًا بإنهاء الصراع، بعمليات خاطفة تتجاوز الغرب أو تضعه في خلفية الاعتبارات لا أولوياتها.
نعم، هذا خطير، لكنه هو الملاذ الأخير، وإلا، فلننتظر نظامًا حوثيًا معترفًا به دوليًا من قريب.
في الشمال، وجدت تركيا أن آخر الدواء الكي؛ فصعقت به ظهر الكيان الموازي لكي ينعم الجسد التركي بالشفاء.
في لحظات فارقة لا يبقى في الجعبة إلا قرار حاسم لا يأبه بكافة الضغوط الدولية، قبل أن يحكم الروس والإيرانيون طوقهم علىا لمنطقة ثم يشرعوا بمعية الأمريكيين في تفتيتها...
لا مناص.
أمير سعيد