أرشيف المقالات

القاديانية الزائغة(1)

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
القاديانية الزائغة (1)

الجواب: الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، محمد رسول الله الذي ختم الله به النبوة، وأغلق به باب الوحي من السماء، وجعل كتابه باقيًا إلى قيام الساعة، محفوظًا مِن أن تناله يد تحريف ولا تبديل، وجعل طائفة من أمته قائمة على الحق لا يضرها من خالفها ولا من خذلها، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
 
صلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد خاتم الأنبياء، وآخر المرسلين، وصفوة الخلق أجمعين.
 
ولعن الله كل دجال دَعِيٍّ زنيم أفاك يفتري على الله وعلى عباد الله، ويدِّعي النبوة بعد خاتم الأنبياء زورًا وبهتانًا، وهو في الواقع كذاب أثيم؛ ﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، وويل لهم مما يقولون ويكتبون بأيديهم، وويل لهم مما يكسبون.
 
أما بعد:
فإن طغمة القاديانية أقل من أن يُعنى بشأنها، وكذبهم وضلالهم أبين وأوضح من أن يخاف منه على أي عامي فضلاً عن متعلم، وطالما طلب مني أن أكتب عنهم - وأنا أعرض عن ذلك استصغارًا لهم، وأربأ بصفحات الهدي النبوي أن تلوث بذكر اسمهم واسم شيطانهم الخبيث غلام أحمد الكذاب - ولكن من أسبوعين مضيا قد جاءني بعض إخواني وذكر لي أنهم خدعوا بحيلهم، واشتروا بذهبهم ضمير نجار جاهل مسكين، ممن كان يتردد على جماعة أنصار السنة في بعض الفترات القليلة، وطلب إليَّ أن أقابل ذلك المخدوع المسكين؛ لأبين له مقدار سحق الهاوية التي يلقيه فيها أولئك الضلال المارقون، وأنه إذا خسر دينه فلن ينفعه شيء مما ينال من عرض فان ومتاع قليل.
 
فتواعدت معه على ليلة معلومة، ثم ذهبت إلى منزل ذلك الغر المسكين، فلما بلغت منزله وجدت خمسة نفر معه زعموا أنهم قاديانيون، وهم جميعًا عوام بكل معنى العامية: أحدهم عامل تطريز، وثانيهم عامل تبع شركة المياه يجلس على حنفية الصدقة، وثالثهم عجوز بدال أو صانع لا أدري.
 
ورابعهم كذلك عامل في محل بقال أو جزمجي أو نحو ذلك وكذلك خامسهم على هذا المنوال، ليس فيهم من يمكن أن يميز بنفسه بين الدليل والمدلول، ولا بين القرآن والبهتان؛ ولا بين قول الرسول وقول المعتوه المجنون، لم يؤتوا من العلم لا قليلاً ولا كثيرًا، ولا من العقل كبيرًا ولا صغيرًا.
 
فما كاد المجلس يستقرُّ بي حتى بدؤوا يعرضون عليَّ نِحْلتهم؛ وأخذ عامل التطريز (يدعى: عبدالحميد خورشيد) يذكر كيف قَبِل هذه الملة الخاطئة، وسبب اعتناقه لها في أسلوب لبق وعبارة مزوقة؛ تبينت منها أنه زعيم أولئك النفر وقائدهم إلى الضلال، وزعم أنه تلقَّى تعاليمها عن رجل هندي اجتمع به في إحدى دور التبشير النصراني من سنين عدة، وأنه لم يقتنع كل الاقتناع إلا بعد أن سافر إلى قاديان بالهند، واجتمع برؤساء نحلتهم وزعماء ملتهم، وكان أشد عجبي لهذا العامل البسيط الفقير أن يسافر إلى الهند، وعلى نفقة مَن سافر؟ وأي الخزائن بذلت له المال الكثير في سبيل وصوله إلى الهند وعودته منها، وبماذا عاد في جيوبه من أموال أنطقت لسانه وملأته حماسة لذلك الباطل الواضح والضلال المبين؟ الله أعلم بكل ذلك.
 
والناس والحمد لله لهم عقول يعرفون بها كيف يربطون النتائج بالمقدمات؛ ويعرفون - أيضًا - كيف ولماذا يتحمَّس طالبان - لا يزالان في سبيل الدراسة الأزهرية الأولية - لهذه الدعوات البينة الكذب والبهتان، وأي أيدٍ تحركهما مختفية وراء أستار؟ الله أعلم بها.
 
وذلك الخيط الدقيق الذي يحرك هذين الطالبين ويضع في أيديهما المال والرسائل الدجلية، وينطق على لسانهما بذلك البهتان ومنكر القول وزوره، والأمر أوضح من أن يحتاج إلى دقة بحث وعميق استقصاءٍ، ولجانٍ تؤلف لهذا البحث والتنقيب لو كشفت الأغشية الوهمية عن القلوب والأبصار.
 
وللإسلام رب يحميه ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما كدت آخذ مجلسي حتى بدأ النجار المسكين يتكلم بما زعمه هداية، جاءته صدقة على يد معلمه عبدالحميد خورشيد.
 
فقلت له: أنت تعلمت هذه النحلة وفهمتها فهما جيدًا تستطيع أن تبينها وتدعو إليها؟
فقال: لم أدرسها دراسة تامة، ولا أزال أبحثها وأطالع كتبها.
 
ثم تكلم عامل الحنفيات، وأخذ يسرد كلاما يذكر في أثنائه متنبئهم، ويصلي ويسلم عليه، ويزعم مع هذا أنهم لا يحيدون عن القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأراد أن يفيض في هذا الكلام الفارغ الذي لا يدري أوله من آخره ولا صحيحه من باطله، فتصدى خورشيد للكلام بمثل كلامه؛ ولكن في ظاهر اقتناع، محاولاً أن يصبغ قوله بتأثر لعله يؤثر عليَّ بهذا الهراء؛ وكان يذكر كلامًا عن غلام أحمد ويسميه نبيًّا ويصلي عليه، ويزعم أن له معجزات، وأن في القرآن آيات كثيرة على نبوته فقلت: لهم دعوا هذا، ولا تخوضوا معي في القول حتى تطلعوني على كتبكم فأقرأها، ثم إذا رأيت فيها حقًّا اقتنعت به، وإذا رأيت باطلاً بينته لكم.
 
فلما سمعوا طلب الكتب دهشوا وتلكَّأ عبدالحميد في الكلام؛ وزعم أنهم ليس عندهم الآن كتب حاضرة - هذا مع أنهم في أول المجلس ذكروا أنهم قد أحضروا كتبًا كثيرة من نحلتهم - ولكنهم خشوا أن يعطوني شيئًا منها إلا بعد أن يراجعوا أنفسهم ويتخيروا أقل الكتب تصريحًا بباطلهم.
 
وانتهى المجلس على أني لا أقبل منهم كلامًا إلا بعد أن يعطوني كل كتبهم أدرسها وأعرف كل ما فيها، ولعلهم كانوا يظنون - لغبائهم وتحكم الهوى والشيطان والجهل على عقولهم - أني لم أعرف نحلتهم، ولم أطلع على ضلال دجالهم الكذاب، مع أني قرأتها وعرفتها من أكثر من عشرين سنة مضت والحمد لله، وعندي منها ما فيه الكفاية في بيان فجور دجالهم وقحته، وعندي فتاوى علماء الهند وغيرهم في كفره ومروقه، إذا كان سليم العقل والحواس أو أنه مهووس مجنون كالبهائم التي لا تعقل فلا تؤاخذ، وإنما تقيد وتحبس عن التمرد والإفساد.
 
وبعد أيام أرسلوا إليَّ بكتابين اسم أحدهما: "التعليم" ألفه باللغة الأوردية غلام أحمد باسم "فلك نوح" وعربه المدعو زين العابدين باسم "التعليم"، طبع في دمشق بمطبعة المفيد، والآخر اسمه: "التبليغ إلى مشايخ الهند وأفغانستان" تأليف غلام أحمد، مطبوع بمطبعة الشباب بمصر.
 
قال في الكتاب الأول في الصفحة الأولى: "أخطأ المشايخ في تعريف النبوة، لا يعلمون قطعًا ما النبوة وما الوحي، وماذا أريد بهما في الكتاب العزيز، وما شأنهما عند الله وعند أربابهما - إلى أن قال - ثم هم على هذا يزعمون للنبوة معنى يستلزم لصاحبها نزول الشريعة، ويقولون: إن النبي هو الذي يؤتي الكتاب - إلى أن قال - وإنما هي بقطع النظر عن نزول الكتاب أو عدم نزوله مقام روحاني بحد ذاته متى ما بلغه الإنسان تشرف بالتجليات الإلهية، وبالمكالمة الربانية المشتملة على كثر الغيب وكان في عداد الأنبياء - ثم قال في صفحة 2: الفرق بين شروط النبي وبين خصوصياتها: وهكذا تمامًا كان من شروط النبوة اللازمة التشرف بالمكالمة الإلهية، وكثرة الاطلاع على مغيبات الأمور المشتملة على التبشير والإنذار - إلى أن قال في صفحة 4: ما نحن معتقدين في نبوة أحمد عليه السلام إلا نفس الاعتقاد الذي هم يعتقدونه في نبوة المسيح الناصري".
 
ونقتصر الآن على هذه الأسطر المظلمة من كتاب "التعليم"؛ لنعرف من هذه الكلمات التي هي أساس دعوتهم، وحُشِيَتْ كل كتبهم بذلك، وعندي منها كتاب مواهب الرحمن وكتاب الاستفتاء، أساسها وحقيقتها دعوى المسيح الهندي الدجال للنبوة، وأن الوحي كان يتنزل عليه، وأنه مرسل لإبطال الجهاد الإسلامي، وليقف القارئ عند هذه الجملة الأخيرة: "إبطال الجهاد الإسلامي"، ويتأمل فيها طويلاً؛ ليُعلَمَ تمام العلم من أي ناحية كان يتنزل على هذا المسيح الدجال هذا الوحي الشيطاني الذي يُحالُ به أن يضرب على المسلمين الذلة والمهانة والصغار بتركهم الجهاد، وليتحقق من أي الخزائن كان يغترف المال، ويغترف أتباعه لنشر دعايتهم اتباعًا لخطوات هذا الشيطان الرجيم.
 
وإنهم ليحاولون هدمَ القول الحق الذي هو أرسخ من الجبال الرواسي في الأرض والقلوب والسماء، في قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ [الأحزاب: 40]، بمحاولة يضحك منها الأطفال، وهراء من القول السمج يسخر منه الصبيان فضلاً عن العقلاء؛ وكذلك يصنعون في غيرها من آي الذكر الحكيم وأحاديث الصحيحين، ((مثلي في النبيين كمثل رجل بني دارًا فأحسنها وأكملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة؟ فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة ختم بي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام)).
 
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي ولكن المبشرات، قيل: وما المبشرات؟ قال: رؤيا الرجل المسلم)).
 
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي)).
 
قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية:
وقد أخبر الله تعالى في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه: أنه لا نبي بعده؛ ليعلموا أن كل مَن ادَّعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل، ولو مخرق وشعبذ؛ وأتى بأنواع السحر والطلاسم والنيرنجيات - فكلها محال وضلال عند أولي الألباب، كما أجرى الله سبحانه على يد الأسود العنسي باليمن ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ما علم كل ذي لب وفهم وحجًى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله.
 
وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة؛ حتى يختموا بالمسيح الدجال - الذي هو غلام أحمد مسيح الهند إن شاء الله - فكل واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله تعالى معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها، وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه؛ فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر إلا على سبيل الاتفاق، أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره، ويكونون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم كما قال تعالى ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُون ﴾ [الشعراء: 221 - 223]، وهذا بخلاف حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فإنهم في غاية البر والصدق والرشد والاستقامة، والعدل فيما يقولونه ويفعلونه ويأمرون به وينهون عنه.
ا.هـ.
 

المجلة

السنة

العدد

التاريخ

الهدي النبوي

الجزء الخامس من السنة الثالثة

التاسع والعشرون

شعبان سنة 1358 هـ

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١