فتاوى نور على الدرب [281]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما الحكم في تطويل الأظافر مع العلم أنها نظيفة, وهل قصها سنة أم فرض؟

الجواب: تقليم الأظافر, أو قصها من سنن الفطرة, التي فطر الله الخلق على استحسانها قدراً, وسنها لهم شرعاً, وقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم فيها, وفي قص الشارب, وحلق العانة, ونتف الآباط, أن لا تترك فوق أربعين يوماً, وعلى هذا فلا تترك الأظافر فوق أربعين يوماً لا تقص, سواء كانت نظيفة أم وسخة؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وعدم قصها مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها, وإبقاؤها أكثر من أربعين يوماً إذا كان الحامل له على ذلك الاقتداء بالكفار الذين انحرفت فطرهم عن السلامة, فإن ذلك يكون حراماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تشبه بقوم فهو منهم ). رواه الإمام أحمد بإسناد جيد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أقل أحوال هذا الحديث التحريم, وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم, أما إذا كان الحامل لإبقائها وتركها أكثر من أربعين يوماً، مجرد هوى في نفس الإنسان, فإن ذلك خلاف الفطرة وخلاف ما وقته النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.

السؤال: ما هي الأقوال الصحيحة في صلاة الفرد وحده خلف الإمام؟

الجواب: صلاة المنفرد خلف الصف وحده فيها للعلماء ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنها صحيحة, لكن الإنسان مخالف للسنة, سواء كان الصف الذي أمامه تاماً أم غير تام, وهذا هو المشهور من مذاهب الأئمة الثلاثة, مالك ، و أبي حنيفة ، و الشافعي ، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله, ورحم أئمة المسلمين جميعاً, وحملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف ), على نفي الكمال لا نفي الصحة.

والقول الثاني: أن صلاة الإنسان منفرداً خلف الصف ركعة فأكثر باطلة, سواء كان الصف الذي أمامه تاماً أم غير تام, واستدل هؤلاء بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف ), وبأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة ).

والقول الثالث: الوسط, وهو أنه إذا كان الصف تاماً, فإن الصلاة خلفه منفرداً جائزة وصحيحة, وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الصواب, فإذا أتيت إلى المسجد ووجدت الصف تاماً من اليمين والشمال, فلا حرج عليك أن تصلي منفرداً, وصلاتك صحيحة؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]. ولا استطاعة لك فوق ذلك؛ لأن ما سوى هذه الحال إما أن تجر أحداً من الصف ليصلي معك, وإما أن تتقدم فتصلي مع الإمام, وإما أن تدع الصلاة مع الجماعة وتصلي وحدك, وإما أن تصلي مع الجماعة منفرداً خلف الصف لعدم القدرة على الدخول في الصف, فهذه أربع حالات.

أما الحال الأولى: وهي أن تجر أحداً ليصلي معك, فإن هذا يستلزم أربعة محاذير فإنه يستلزم: فتح فرجة في الصف, وفي هذا قطع للصف, ويستلزم نقل الرجل من مكان فاضل إلى مكان مفضول, ويستلزم التشويش عليه غالباً, ويستلزم حركة جميع الصف؛ لأن العادة أنه إذا حصلت فرجة تقارب الناس بعضهم من بعض فحصلت حركة لجميع الصف بدون سبب شرعي.

أما كون الإنسان يتقدم ليصلي مع الإمام, ففيه محظورات، فمن ذلك: أنه إذا تقدم وقام مع الإمام صار هذا خلاف السنة في كون السنة أن ينفرد الإمام وحده في مكانه, ليكون إماماً يقتدى به, فإذا صف معه آخر صار كأن الناس بإمامين, ولا يرد على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في أثناء الصلاة و أبو بكر يصلي بالناس, وجلس عن يسار أبي بكر وأتم الصلاة و أبو بكر على يمينه؛ لأن هذه الحال ضرورة, و أبو بكر رضي الله عنه قد لا يكون له مكان في الصف الذي خلفه, ومن المحظور في تقدم الإنسان للإمام, أنه يتخطى رقاب الناس في الصف الأول, وإن كان في المسجد صفان تخطى صفين, وإن كان فيه ثلاثة, تخطى ثلاثة وهكذا, وهذا يوجب التشويش على المصلين مع الأذية لهم، ثم إذا قلنا له: تقدم إلى الإمام, ودخل رجل آخر فلم يجد مكاناً آخر في الصف, وقلنا تقدم إلى الإمام فتقدم, وجاء ثالث, وقلنا: تقدم فتقدم, صار الذي بجانب الإمام صفاً كاملاً, وهذا بلا شك مخالف للسنة.

أما كونه يدع الجماعة ويصلي وحده, ففيه: تفويت الجماعة, وتفويت المصافة, ومن المعلوم أن كونه يصلي مع الجماعة مع الانفراد بالصف, خير من كونه ينفرد في المكان والعمل, فينفرد عن الجماعة لا يوافقهم لا في صفوفهم ولا في أعمالهم, وهذا القول كما ترى قد دل على رجحانه الأثر والنظر, والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها, فالقول الراجح عندي أنه إذا جاء الإنسان والصف قد تم, أنه يصلي خلف الصف مع الجماعة.

السؤال: تقول: الحديث الذي ما معناه, ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، أريد الشرح لهذا الحديث, وهل الكبر معناه التكبر على الناس فقط؟

الجواب: معنى الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أنه: ( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ), وهذا النفي لدخول الجنة على نوعين, فإن كان هذا الكبر مقتضياً لكفره وخروجه عن الإسلام, كما لو تكبر عن شريعة الله وردها أو رد بعضها, فإن هذا النفي نفي للدخول بالكلية؛ لأن الكافر لا يدخل الجنة أبداً, ومأواه النار خالداً فيها مخلداً.

أما إذا كان الكبر تكبراً على الخلق وعدم الخضوع لما يجب عليه نحوهم, بدون رد لشريعة الله, ولكن طغياناً وإثماً, فإن نفي الدخول هنا, نفي للدخول الكامل, أي: أنه لا يدخل الجنة دخولاً كاملاً, حتى يعاقب على ما أضاع من حقوق الناس, ويحاسب عليه؛ لأن حقوق الناس لا بد أن تستوفى كاملة, وبهذا يتبين الجواب عن الفقرة التالية في سؤالها وهو أن الكبر ليس هو احتقار الناس فقط, بل الكبر كما فسره النبي عليه الصلاة والسلام: ( بطر الحق), أي: رده وعدم الاكتراث به ( وغمط الناس), أي: احتقارهم وازدراؤهم.

السؤال: زوجي رمى عليّ يمين الطلاق, وقال: أنت محرمة علي كأمي وأختي, وحصل نصيب ورجعنا لبعض مرة ثانية, وكنت حاملاً في الشهر السابع, وأهلي حكموا عليه أن يطعم ثلاثين مسكيناً قبل حالة الوضع, وأنا الآن وضعت ولشهرين, وزوجي ظروفه صعبة, وفي نيته أن يطعم ثلاثين مسكيناً, ولم يطعم حتى الآن, وأنا مسلمة ومتدينة وأخاف الله جداً وخائفة أن أكون عائشة مع زوجي في الحرام؟

الجواب: هذا اللفظ الذي أطلقه زوجك عليك ليس طلاقاً, ولكنه ظهار؛ لأنه قال: أنت محرمة عليّ كأمي وأختي, والظاهر كما وصفه الله عز وجل منكر من القول وزور, فعلى زوجك أن يتوب إلى الله مما وقع منه, ولا يحل له أن يستمتع بك, حتى يفعل ما أمره الله به, وقد قال الله سبحانه وتعالى في كفارة الظهار: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:3-4].

فلا يحل له أن يقربك, ويستمتع بك, حتى يفعل ما أمره الله به, ولا يحل لك أنت أن تمكنيه من ذلك, حتى يفعل ما أمره الله به, وقول أهله له: إنه عليه أن يطعم ثلاثين مسكيناً خطأ, ليس بصواب, فإن الآية كما سمعت تدل على أن الواجب عليه عتق رقبة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين, فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً, وعتق الرقبة معناه: أن يعتق العبد المملوك ويحرره من الرق, وصيام شهرين متابعين معناه: أن يصوم شهرين كاملين لا يفطر بينهما يوماً واحداً, إلا أن يكون هناك عذر شرعي, كمرض أو سفر, فإنه إذا زال العذر بنى على ما مضى من صيامه وأتمه, وأما إطعام ستين مسكيناً, فله كيفيتان: فإما أن يصنع طعاماً يدعو إليه هؤلاء المساكين حتى يأكلوا, وإما أن يوزع عليهم رزاً أو نحوه مما يطعمه الناس لكل واحد مد من البر ونحوه ونصف صاع من غيره.

السؤال: إني مصاب بمرض الصرع, ولم أتمكن من صوم شهر رمضان المبارك, وذلك لاستمراري على العلاج ثلاثة أوقات يومياً, وقد جربت صيام يومين ولم أتمكن علماً أنني متقاعد, وتقاعدي يصل إلى ثلاث وثمانين دينار شهري, وصاحب زوجة, وليس لي أي وارد غير تقاعدي, فما حكم الشرع في نظركم في حالتي إذا لم أتمكن من إطعام ثلاثين مسكيناً خلال شهر رمضان أفيدوني بارك الله فيكم وما هو المبلغ الذي أدفعه؟

الجواب: إذا كان هذا المرض الذي ألم بك يرجى زواله في يوم من الأيام, فإن الواجب عليك أن تنتظر حتى يزول هذا المرض ثم تصوم؛ لقول الله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].

أما إذا كان هذا المرض مستمراً لا يرجى زواله, فإن الواجب عليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً, ويجوز أن تصنع طعاماً غداء أو عشاء وتدعو إليه مساكين بعدد أيام الشهر وتبرأ ذمتك بذلك, ولا أظن أحداً يعجز عن هذا إن شاء الله تعالى, ولا حرج عليك إذا كنت لا تستطيع أن تطعم هؤلاء المساكين في شهر واحد, لا حرج عليك أن تطعم بعضهم في شهر, وبعضهم في شهر, وبعضهم في شهر, حسب ما تقدر عليه.

السؤال: إنني محافظ على الصلوات الخمس يومياً منذ حوالي أكثر من سنتين, عندما أحلت على التقاعد, ولكن عندما يؤثر المرض علي لم أتمكن من صلاة الفجر إلا في الساعة العاشرة صباحاً, أفيدوني بارك الله فيكم في هذا علماً أنني لم أستطع من شدة المرض أو الصرع؟

الجواب: الواجب عليك أن تصلي الصلاة في وقتها على أي حال كنت, حتى لو كنت مضطجعاً أو قاعداً, وحتى لو كنت لا تستطيع أن تؤدي الركوع والسجود إلا بالإيماء برأسك, فعليك أن تصلي على حسب حالك, أما إذا كنت لا تستطيع إطلاقاً, كما لو كنت في غيبوبة, فإنه إذا كانت هذه الغيبوبة قد لزمتك من قبل طلوع الفجر حتى طلعت الشمس, فإنه ليس عليك قضاء؛ لأن هذا من زوال العقل, ومن شروط وجوب الصلاة, أن يكون الإنسان عاقلاً.

السؤال: إنني أصلي في بيتي وذلك للأسباب التالية: أني مصاب بشدة الخجل, مع أنني كثير النوافل, وكثير الدعاء, والتسبيح, وأيضاً هل صلاتي البيت لا تقبل؟

الجواب: الواجب عليك أن تصلي في المسجد مع الجماعة, والخجل الذي يؤدي إلى ترك الواجب الشرعي, خجل يعتبر جبناً, ولا يجوز للإنسان أن يترك الواجب من أجل هذا الخجل, وعليه أن يرغم نفسه على أن يصلي مع الجماعة, وهو إذا خجل يوماً لم يخجل اليوم الثاني, أما إذا كنت لا تستطيع الخروج إلى المسجد إطلاقاً, وصليت في بيتك فإنه لا إثم عليك؛ لأن هذا من العذر وقد قال الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في رجل أقعده المرض من أداء فريضة الحج, وليس له أولاد, وأيضاً حالته المادية صعبة جداً, ما حكم هذا بارك الله فيكم؟

الجواب: الحج لا يجب إلا على من استطاع إليه سبيلاً, كما قال الله سبحانه وتعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]. فإذا كنت لا تستطيع السبيل إلى الحج لقلة المال, فإنه لا حج عليك ولو مت في هذه الحال فإنه لا إثم عليك؛ لأن الواجب يسقط بالعجز.

السؤال: لقد ارتكبت ذنباً ثم توجهت بالتوبة إلى الله عن هذا الذنب, فقضيت عنه كفارة, ثم ارتكبت الذنب مرة أخرى وقضيت الكفارة عن هذا الذنب مرة أخرى وحتى الآن وأنا تائب عن هذا الذنب, ما حكم الشرع في نظركم في عملي هذا؟

الجواب: إذا أذنب الإنسان ذنباً, ثم تاب إلى الله توبةً نصوحاً مستوفية لشروط التوبة الخمسة, وهي أن تكون توبته خالصة لله عز وجل, وأن يندم على ما حصل منه من الذنب, وأن يقلع عنه في الحال, وأن يعزم على أن لا يعود في المستقبل, وأن تكون التوبة في وقت تقبل فيه, بأن تكون قبل حلول الأجل, وقبل طلوع الشمس من مغربها, أقول: إن الإنسان إذا تاب هذه التوبة, فإن الله تعالى يتوب عليه, ثم إن عاد إلى الذنب مرة أخرى وتاب, فإن الله تعالى يتوب عليه, وهكذا كلما تاب تاب الله عليه, ومادام الحال كما ذكر السائل عن نفسه على الاستقامة والتوبة، فإنه يرجى له الخير في المستقبل, ونسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليه بالتوبة النصوح.

السؤال: أنا شاب أعمل في مكان فيه رشوة. ومرتبي لا يكفي سوى عشرة أيام من الشهر, فهل آخذ قيمة معقولة من الرشوة لسد حاجات الأسرة أم لا, وما حكم الشرع في نظركم في هذه المسألة؟

الجواب: أخذ الرشوة من السحت, وأكل المال بالباطل, وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها من الوعيد ما يستلزم لكل مؤمن أن يبتعد عنها, ولا يحل لك أن تأخذ الرشوة من أجل حاجتك, بل الواجب عليك أن تقوم بالوظيفة على التمام, وتعطي كل ذي حق حقه, وقد جعل لك مقابل عملك هذا ذلك الراتب الذي تُعطى, وإذا كان لا يكفيك الراتب إلا لمدة عشرة أيام من الشهر, فلعلك تجد لك مهنة أخرى تستغني بها كل وقتك, ومن اتقى الله جعل له مخرجاً, كما قال الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]. وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].