فتاوى نور على الدرب [235]


الحلقة مفرغة

السؤال: كنت متزوجاً من امرأة، وحسب الظروف العائلية طلقتها، إلا أنني عند ذهابي إلى المحكمة الشرعية كان معي والدي واثنان من الشهود، لكن والدي قال لي: قل للقاضي: طلقتها منذ ستة أشهر لئلا تكون ملزماً بالنفقة خلال الفترة الماضية عند مطالبتهم لك فيما بعد، ولجهلي وعدم معرفتي نفذت ما قاله لي والدي، فهل علي ذنب في ذلك، وهل الطلاق صحيح علماً بأنني طلقتها بالثلاث وصدر بذلك صك شرعي؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً فأنا لست مرتاحاً نفسياً مما نصحني به والدي وعملت به.

الجواب: لا شك أن ما أمرك به والدك محرم؛ لأنه تضمن الكذب، وإسقاط حق المرأة بالإنفاق عليها مدة العدة، وعليه أن يتوب إلى الله ويرجع إليه لعل الله أن يتوب عليه، أما بالنسبة لحق الزوجة فإن عليك أن تؤدي إليها نفقتها في العدة منذ كتبت طلاقها، وأما طلاقك إياها وإقرارك بأنك طلقتها منذ ستة أشهر فإن كنت قد نويت وقوعه في الحال فإن الطلاق يقع ويلغو قولك: قبل ستة أشهر، وإن لم تنو وقوعه في الحال فلابد من مراجعة القاضي حتى يحكم لك بمقتضى قولك بما يراه في هذه المسألة.

وإني أنصح والدك وكل من يستمع إلى هذا البرنامج بأن يتقوا الله عز وجل، وأن يعلموا أن كل كسب يكسبونه أو كل غرامة تندفع عنهم بسبب الكذب فإنه لا خير لهم في ذلك، وأن يعلموا أن الدنيا دار ممر ومتاعها قليل ولكن الأعمال الصالحة أغلى وأنفس، فإن تسبيحة أو تكبيرة أو تحميدة خير من الدنيا وما فيها، وهذه الحقوق التي تنتهك بسبب الكذب سوف يأخذها أصحابها يوم القيامة من أعمالهم الصالحة.

السؤال: لدي بنت من المرأة المطلقة، وكنت أعطيهم نفقتها منذ بداية طفولتها لفترة من الزمن إلا أنهم أنكروا ما قد أعطيتهم من مصروف لابنتي، وتوقفت عن إعطائهم أي شيء خوفاً من نكراني فيما بعد عند مطالبتي لابنتي أو عند مطالبتي بابنتي، والآن بلغت البنت سبع سنوات فهل لي الحق في أخذها وكيف يمكن لي إعطاؤهم مصروف السنوات الماضية؟ وكيف يقدر هذا المصروف منذ طفولتها إلى أن بلغت سبع سنوات؟

الجواب: جواب هذه المسألة يكون عند المحكمة، فإن تراضيت معهم علي شيء وتصالحتم على شيء فأنتم على ما تصالحتم عليه مادام في نطاق الحدود الشرعية، وإن لم يكن اتفاق وصلح فلن يزيل هذه المشكلة ولن يفض النزاع إلا الحاكم الشرعي.

السؤال: شاب بلغ من العمر إحدى وثلاثين سنة، وخلال هذه الفترة من الزمن وبعد سن الرشد ترك الصوم والصلاة لمدة سنتين فقط من هذا العمر، فهل لهذا كفارة علماً بأنه الآن يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان إلا أنه متألم وخائف من الله حسرة على ما فاته في تلك السنتين لركنين من أركان الإسلام؟

الجواب: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم فيمن ترك العبادات المؤقتة حتى خرج وقتها بدون عذر، فمنهم من قال: إنه يجب عليه القضاء، ومنهم من قال: إنه لا يجب عليه القضاء، مثال ذلك: رجل ترك الصلاة عمداً حتى خرج وقتها بدون عذر، أو لم يصم رمضان عمداً حتى خرج وقته بدون عذر، فمن أهل العلم من يقول: إنه يجب عليه القضاء؛ لأن الله تعالى أوجب على المسافر والمريض في رمضان القضاء، فإذا أوجب الله القضاء على المعذور فغيره من باب أولى، وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، فأوجب النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة على من نسيها حتى خرج وقتها، وأوجب على من نام عنها حتى خرج وقتها أوجب عليه أن يقضيها، قالوا: فإذا وجب القضاء على المعذور فغير المعذور من باب أولى. والقول الثاني في المسألة: أنه لا يجب القضاء على من ترك عبادة مؤقتة حتى خرج وقتها بدون عذر؛ لأن العبادة المؤقتة عبادة موصوفة بأن تقع في ذلك الزمن المعين، فإذا أخرجت عنه بتقديم أو تأخير فإنها لا تقبل، فكما أن الرجل لو صلى قبل الوقت لم تقبل منه على أنها فريضة، ولو صام قبل شهر رمضان لم يقبل منه على أنه فريضة، فكذلك إذا أخر الصلاة عن وقتها بدون عذر فإنها لا تقبل منه، وكذلك لو أخر صيام رمضان بدون عذر فإنه لا يقبل منه، وهذا القول هو الراجح؛ لأن الإنسان إذا أخرج العبادة عن وقتها وعملها بعده فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وإذا كان عمله مردوداً فإن تكليفه لقضائه تكليف لا فائدة منه.

وعلى هذا فنقول لهذا السائل: ما دمت قد تركت الصلاة سنتين والصيام سنتين بدون عذر فإن عليك أن تتوب إلى الله توبة صادقة نصوحاً، وتكثر من الأعمال الصالحة ولا تقضي ما فات؛ لأنك لو قضيته لم تنتفع منه، ولكن التوبة تجب ما قبلها كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

السؤال: ما هي الكتب التي تفقه المسلم في أصول دينه وتوضح له الأحكام الشرعية الصحيحة، علماً أنني سمعت في برنامجكم أن بعض الكتب غير مستندة إلى صحة فيما تشتمل عليه، فأرجو إرشادي إلى أهم تلك الكتب الصحيحة؟

الجواب: أهم الكتب كتاب الله عز وجل، تقرؤه وتتعلم معناه، إما من خلال التفاسير الموثوقة وإما على أحد من أهل العلم، ثم تتذكر بما في القرآن من مواعظ وأحكام، كقول الله تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29]، وبعد ذلك سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن الكتب المؤلفة فيها: كتاب منتقى الأخبار، وكتاب بلوغ المرام تدرسهما وتراجع شروحهما وتسأل عما أشكل عليك فيهما أهل العلم الموثوقين بعلمهم ودينهم، ثم ما تيسر لك من كتب الفقه على حسب توجيه من يكون عندك من أهل العلم في بلدك، وإذا حصل للإنسان نية صحيحة في طلب العلم فإن الله تعالى ييسر له طريقه، وفي الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ).

السؤال: أنا شاب في السادسة والعشرين من عمري متزوج ولكن منذ زواجي وأنا أعيش حياة غير سعيدة؛ لأنني تزوجت هذه الزوجة لأجل أخي الأصغر والتي كان يريد الزواج من أختها الصغرى والتي تمسك والدها ألا يزوجه إياها إلا إذا تزوجت الكبرى، ولما أحسست بأن أخي سوف يضيع مستقبله بسبب هذه الفتاة تزوجت الكبرى وأنا أكرهها، والآن أريد طلاقها، فهل في ذلك إثم علي لأني أعرف أن أبغض الحلال عند الله الطلاق، علماً أنني أمضيت معها سبع سنوات هي أسوأ سنوات عمري، وبسببها تركت بلدي لأعمل هنا بالمملكة، ولمدة أربع سنوات على التوالي لم أعد إليها، وقد أنجبت منها طفلة فهل يجوز لي ذلك؟ وهل علي إثم في هجرها تلك المدة الطويلة؟

الجواب: ما دمت يمكنك أن تصبر عليها فالصبر خير، لقوله تعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، لا سيما وأنها قد أنجبت منك ابنةً، فإنك لو فارقتها لكان في ذلك خطر على هذه البنت أن تضيع بينك وبين أمها وزوجها الذي يتزوجها بعدك، وعلى هذا فالأولى لك الصبر، أما غيابك عنها لمدة أربع سنوات متوالية فإن الحق لها مادامت لم تطالبك بذلك وأنت واثق أو أنت مطمئن عليها في بلدها فإنه لا حرج عليك أن تبقى هذه المدة، وأما إذا كنت تخشى عليها في بلدها أو كانت تطالبك بالحضور فلابد من الحضور إلا إذا كان بقاؤك هنا أمراً ضرورياً لطلب المعيشة فإنك معذور في ذلك، ولك أن تخيرها بعد هذا فتقول: إن شئتِ أن تصبري على هذا وإن شئت وسعت لك.

مداخلة: هذه العادة التي قد يتخذها بعض أولياء أمور الفتيات من عدم تزويج الصغرى وإن طلبت قبل الكبرى هذه ليس فيها شيء؟

الشيخ: أما هذه العادة التي ذكرت فإنها عادة سيئة، ولا يحل لأحد أن يمنع امرأة خطبت منه والخاطب كفء وهي قد رضيت من أجل أن أختها الكبرى لم تتزوج، فإن هذا عدوان على حق المخطوبة، وما ذنبها أن تمنع حتى تتزوج الكبيرة وربما أن الله سبحانه وتعالى لا ييسر للكبيرة زوجاً، ليس خطبة المرأة الكبيرة أمراً محتماً بل هو أمر محتمل وتضييع مستقبل البنت الصغيرة من أجل الكبيرة هذه جناية وخطأ ولا يجوز مع موافقتها ورضاها بالخاطب وكونه كفواً لها.

السؤال: بعض الناس عندنا يذبحون الذبائح لغير الله للإمام علي رضي الله عنه مثلاً أو للشيخ عبد القادر ، وأحياناً يكلفني بعضهم بأن أذبح له بتلك النية ولكني في داخل نفسي أقول: هي لله تعالى لعلمي أن ذلك لا يجوز، فهل في هذا شيء، وهل يلحقني شيء من الإثم، وهل يجوز الأكل من لحوم تلك الذبائح؟

الجواب: الذبح لغير الله شرك لأن الذبح عبادة كما أمر الله به في قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] وقوله: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163]. فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركاً مخرجاً عن الملة والعياذ بالله، سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء، كل ذلك شرك بالله عز وجل ومخرج عن الملة، والواجب على المرء أن يتقي الله تعالى في نفسه وألا يوقع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله تعالى فيه: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، ولا يحل لك أنت أن تذبح له هذه الذبيحة وأنت تعلم أنه ينوي بذلك ذبحها لغير الله عز وجل فإن فعلت فقد شاركته في الإثم حتى ولو نويت لله فإن ذلك لا ينفع؛ لأن الاعتبار بنية صاحبها الذي وكلك فلا تفعل هذا.

وأما الأكل من لحوم هذه الذبيحة فإنه محرم لأنه أُهِلَّ لغير الله بها، وكل شيء أهِلَّ لغير الله به أو ذبح على النصب فإنه محرم كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3] ، فهي من قسم المحرمات لا يحل أكلها لا لذابحها ولا لك ولا لغيركما.

السؤال: لي صديق أراد أن يتزوج من إحدى الفتيات عندنا، فعندما تقدم لخطبتها اشترط أهلها أن تكون أخته بديلة لها يتزوجها أحدهم فهل يجوز لو وافق على تزويج أحدهم أخته ويدفع لهم مهراً زيادة أم لا يجوز ذلك ما دام مشروطاً هذا الزواج بذاك؟

الجواب: لا يجوز أن يمتنع أحد من تزويج موليته إلا إذا زوجه الخاطب موليته، فإن هذا محرم ولا يجوز وهو من نكاح الشغار الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ وذلك لأن المرأة أمانة بيد وليها، فإذا فُتح الباب للأولياء في هذا صارت النساء لُعباً بأيدي أوليائهن يزوجها من يحقق له رغبته ولو كان غير كفء، ويمنعها ممن لا يحقق له رغبته وإن كان كفواً، وهذا خلاف الأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها إلى أهلها، وهو من الخيانة التي نهى الله عنها، قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27] .

السؤال: لي أخ قد رضع من امرأةٍ أكثر من خمس رضعات، ولهذه المرأة أخت، فهل تصبح هذه الأخت خالة لأخي وتحرم عليه لأنه رضع من أختها أم لا، وبالنسبة لي أنا هل تحرم علي هذه المرأة التي أرضعت أخي وأختها أم لا؟ علماً أنني لم أرضع منها نهائياً؟

الجواب: أخوك الذي رضع من هذه المرأة خمس رضعات فأكثر قبل الفطام والحولين يكون ابناً لها، وعلى هذا فتكون أختها خالةً له لا يحل له أن يتزوج بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) وكما أن أخت أمك من النسب لا تحل لك وهي خالتك، فكذلك أخت أمك من الرضاع لا تحل لك وهي خالتك.

وأما بالنسبة لك أنت فإن الرضاع لا ينتشر حكمه إليك؛ لأن الرضاع لا ينتشر من قبل المرتضع إلا للمرتضع ومن تفرع منه من الذرية، وأما إخوته وآباؤه وأمهاته فإنه لا ينتشر إليهم التحريم، وعلى هذا فيجوز لك أن تتزوج المرأة التي أرضعت أخاك، وأن تتزوج أختها أيضاً وأن تتزوج بنتها التي هي أخت أخيك.

والمهم فالقاعدة في هذا الباب أن الرضاع لا ينتشر بالنسبة للمرتضع إلا له ولمن تفرع منه من الذرية من ذكور وإناث وأولادهم وإن نزلوا، أما آباؤه وأمهاته وإخوته وأخواته وأعمامه وعماته وخالاته وأخواله فلا ينتشر إليهم التحريم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )، وأنت بالنسبة إلى هذه المرأة التي أرضعت أخاك لا علاقة لك بها، فهي ليست أمك وليست خالتك وليست أختك ولا عمتك، فإذن لا علاقة بينك وبينها، وكذلك بقية أقارب المرتضع غير من تفرع من الذرية، أما من تفرع منه من الذرية فإن الرضاع ينتشر إليهم؛ لأن المرأة التي أرضعت والدهم هي جدتهم وأخواتها خالات للمرتضع وخالة الرجل خالة لمن تفرع منه، كما أن عمة الرجل عمة لمن تفرع منه والله أعلم.

مداخلة: يعني حتى أولاد هذه المرأة التي أرضعت هذا الرجل أولاده أيضاً لا يجوز أن يتزوجوا من بعض؟

الشيخ: أولاد هذه المرأة يكونون إخوة للرضيع ويكون هذا الرضيع عماً لأولاد الذكور وخالاً لأولاد الإناث.

السؤال: إنني أعمل في دائرة، وهذه يكثر فيها النصارى جداً ونحن نتعامل معهم ونودهم أحياناً أكثر من المسلمين، وأنا سمعت وقرأت أن هذا لا يجوز على الرغم من أنني أصوم وأصلي وأرتدي الحجاب الشرعي وأخاف الله، وأحياناً أجادلهم إلى درجة الخصومة ولكن دون جدوى، وأحياناً أو كثيراً ما يكذبون ما أقول، ولكن بعد يوم أعود وأتكلم معهم طمعاً في إسلامهم؛ لأنهم يودونني كثيراً وأنا أظل في حيرة من هذه الصداقة، وخصوصاً مع إحداهن فهي لا تؤذيني ولا تسيء إلي ولكني أخاف الله تعالى، وأخشى أن يكون علي إثم في صداقتي لها وإخلاصي لها، ولكن يعلم الله أنني أطمع كثيراً في دخولها ورفاقها في الإسلام ولذلك حافظت على علاقتي بها، فهل علي شيء في هذا؟

الجواب: لاشك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله، وأن يتبرأ منهم؛ لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4]، وقال تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22]، وعلى هذا فلا يحل لك أن يقع في قلبك محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء لك في الواقع، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1]، أما كونكِ تعاملينهم باللين والرفق طمعاً في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به؛ لأنه من باب التأليف على الإسلام، ولكن إذا أيست منهم فعامليهم بما يستحقون أن تعامليهم به.

مداخلة: ماذا عن مودتهم أكثر من المسلمين أو عن مدحهم أو ربما يكون مدحهم بصفة عامة، كمن يقول مثلاً: إن المسيحيين -يعني: غير المسلمين- قد يكونون أفضل من المسلمين في بعض المعاملات أو في شيء بصفة عامة؟

الشيخ: لاشك أن الذي يوادهم أكثر من المسلمين أن هذا الفعل محرم عظيم، فإنه يجب عليه أن يحب المؤمنين، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، أما أن يود أعداء الله أكثر من المسلمين فهذا خطر عليه عظيم وحرام عليه، بل لا يجوز أن يودهم ولو أقل من المسلمين كما سمعت من الآية: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1]، وكذلك أيضاً من أثنى عليهم ومدحهم وفضلهم على المسلمين في العمل وغيره فإنه قد فعل إثماً وأساء الظن بإخوانه المسلمين، وأحسن الظن بمن ليسوا أهلاً لإحسان الظن، والواجب على المؤمن أن يقدم المسلمين على غيرهم في جميع الشئون في الأعمال وفي غيرها، وإذا حصل من المسلمين تقصير فالواجب عليه أن ينصحهم وأن يحذرهم وأن يبين لهم مغبة الظلم لعل الله أنْ يهديهم على يده.