تاريخ القرآن الكريم [6]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

نأتي الآن إلى مسألة وهي: إذا كان عثمان جمع الوجوه كلها فكيف عمل في هذه الوجوه.

نقول: الوجوه على قسمين:

وجوه يمكن كتابتها, ووجوه لا يمكن كتابتها, ما هي الوجوه التي يمكن كتابتها؟ التي بمثل: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا[البقرة:25], (تجري تحتها) هذه يمكن كتابتها, (وصى) و (أوصى), (سارعوا) (وسارعوا) ، وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ[التكوير:24], (بظنين), هذه وجوه يمكن كتابتها وتفريقها في المصحف أو في المصاحف.

طرق الصحابة في كتابة القراءات في المصاحف

كيف كانت طريقة الصحابة في كتابتها فيما يمكن كتابته؟ بالاستقراء يمكن نقسمها إلى طرق ثلاثة:

الطريق الأول: نشرها في المصاحف يعني: يجعلون في مصحف: (وصى) وفي مصحف آخر: (أوصى) , على حسب، هل هي في جميع المصاحف أو في مصحف واحد، أو المقصد أنه توزع بين المصاحف؟ إذاً توزيعها بين المصاحف.

الطريق الثاني: توزيع الخلاف في المقروء في مصحف واحد, مثل: (إبراهيم) و(إبراهام) يعني: قراءة (إبراهيم) و(إبراهام) في مصحف واحد، نجدها في مصحف واحد ،كتبت (إبراهام) و(إبراهيم) في مصحف واحد, هذا إشارة إلى خلاف في مصحف واحد.

الطريق الثالث: أن يختاروا أحد أوجه الرسم ويتركوا الأوجه الأخرى للإقراء وهذه قد ينازع فيها منازع، بل أنا لا أشك أنه قد يقع فيها نزاع, لكن أقول: إننا إذا نظرنا إلى ما رسمه الصحابة رضي الله عنهم في مصاحفهم سنجد عندنا ثلاثة أمثلة واضحة جداً, وإن كانت عند بعضهم قليلة؛ لكن نقول: هي معتبرة؛ لأنه كان في القدرة أن يفعلوا هذا وتركوه, فكونهم يتركون في أكثر من مثال يدل على أنهم لا يريدون دائماً النوع الأول، الذي هو التوزيع, هم يوزعون أحياناً ويتركون أحياناً, ولاحظ أن الذي وزعوه في الغالب مرتبط باختلاف حرف أو زيادة ونقص.

أما إذا اشتبهت الصورة - يعني: تقاربت الصورة - فإنه يتركونه في تقارب, والذي سماه العلماء من بعد احتمالاً، وزادوا في مسألة احتمال فقالوا: أن يوافق الرسم العثماني ولو احتمالاً, من هذا النوع أمثلته: (الصراط) فقد أجمعت جميع المصاحف التي كتبتها بالصاد وقرئت بالسين, و(لأهب) كتبت بالهمزة وقرئت بالياء: (ليهب).

أيضاً وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ[التكوير:24], بالضاد كتبت في جميع المصاحف وقرئت بالظاء, وهذه الأمثلة ترجعنا إلى القاعدة التي ذكرتها لكم: أن القراءة قاضية على الرسم فيما لو ظن التعارض, وهو لا تعارض؛ لكن ما يأتي واحد يقول: جميع المصاحف بضنين من أين جئتم إذاً (بظنين)؟!.

قلنا: لا ننطلق نحن من مصحف دائماً.

وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ[التكوير:24], كلمة: بِضَنِينٍ[التكوير:24], وفيها قراءة أخرى: (بظنين), فلم يجتهد الصحابة أن يكتبوا في مصحف آخر: (بظنين) فتركوها على: (بضنين) لكن القراء الحفظة ثابت عندهم.

فإذاً: ما صار في إشكالية بالنسبة للنقل في هذا, فتداخل المقروء والمرسوم واضحة جداً في عمل الصحابة رضي الله عنهم.

هذه الأقسام الثلاثة وإن كان قد ينازع البعض في القسم الثالث؛ لكنه معتبر، وقد نص الإمام الداني في كتابه المقنع في قرابة ثمانين موضوعاً، ما رسم بوجه واحد وله أكثر من قراءة, هذا من أوضحها، التي هي الآيات الثلاث التي ذكرتها لكم.

إذاً: لا يقال مطلقاً بأن عثمان ترك شيئاً من هذه الوجوه، التي يحتملها الرسم؛ لكنها من ناحية المقروء لم تترك.

ثم تأتي عندنا الوجوه التي لا يمكن كتابتها, قلنا: إن الصراط فيه ثلاثة أوجه ثابتة، وهي: الصاد والسين وإشمام الصاد زاياً, وهذه ثلاثة أوجه متواترة.

فهل يمكن كتابة الإشمام كتابة صاد فيها إشمام.

وإذا قيل: (غيض) وأمثالها فهل فيها الإشمام أم لا؟ وهل يمكن كتابة الإشمام في هذا.

وأيضاً: نوع آخر من الإشمام: لا تَأْمَنَّا[يوسف:11], فيها إشمام, فهل يمكن كتابة الإشمام في هذا؟ لا، إذاً نلاحظ أن الإشمام وجه قرائي (صوتي) لا يمكن رسمه, يؤخذ بالتلقي.

الرد على من قال: إن الأوجه القرائية ليست مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم

هل يمكن لأحد المسلمين أن يقول: إن هذه الأوجه القرائية ليست مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ نقول: بل هي مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي قرآن، أي: من القرآن قطعاً.

إذاً: الذي نريد أن ننتبه له حتى الوجوه القرائية الصوتية هي مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم, والصوتيات لا يمكن تدوينها ورسمها لكنها تتلقى.

كيف كانت طريقة الصحابة في كتابتها فيما يمكن كتابته؟ بالاستقراء يمكن نقسمها إلى طرق ثلاثة:

الطريق الأول: نشرها في المصاحف يعني: يجعلون في مصحف: (وصى) وفي مصحف آخر: (أوصى) , على حسب، هل هي في جميع المصاحف أو في مصحف واحد، أو المقصد أنه توزع بين المصاحف؟ إذاً توزيعها بين المصاحف.

الطريق الثاني: توزيع الخلاف في المقروء في مصحف واحد, مثل: (إبراهيم) و(إبراهام) يعني: قراءة (إبراهيم) و(إبراهام) في مصحف واحد، نجدها في مصحف واحد ،كتبت (إبراهام) و(إبراهيم) في مصحف واحد, هذا إشارة إلى خلاف في مصحف واحد.

الطريق الثالث: أن يختاروا أحد أوجه الرسم ويتركوا الأوجه الأخرى للإقراء وهذه قد ينازع فيها منازع، بل أنا لا أشك أنه قد يقع فيها نزاع, لكن أقول: إننا إذا نظرنا إلى ما رسمه الصحابة رضي الله عنهم في مصاحفهم سنجد عندنا ثلاثة أمثلة واضحة جداً, وإن كانت عند بعضهم قليلة؛ لكن نقول: هي معتبرة؛ لأنه كان في القدرة أن يفعلوا هذا وتركوه, فكونهم يتركون في أكثر من مثال يدل على أنهم لا يريدون دائماً النوع الأول، الذي هو التوزيع, هم يوزعون أحياناً ويتركون أحياناً, ولاحظ أن الذي وزعوه في الغالب مرتبط باختلاف حرف أو زيادة ونقص.

أما إذا اشتبهت الصورة - يعني: تقاربت الصورة - فإنه يتركونه في تقارب, والذي سماه العلماء من بعد احتمالاً، وزادوا في مسألة احتمال فقالوا: أن يوافق الرسم العثماني ولو احتمالاً, من هذا النوع أمثلته: (الصراط) فقد أجمعت جميع المصاحف التي كتبتها بالصاد وقرئت بالسين, و(لأهب) كتبت بالهمزة وقرئت بالياء: (ليهب).

أيضاً وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ[التكوير:24], بالضاد كتبت في جميع المصاحف وقرئت بالظاء, وهذه الأمثلة ترجعنا إلى القاعدة التي ذكرتها لكم: أن القراءة قاضية على الرسم فيما لو ظن التعارض, وهو لا تعارض؛ لكن ما يأتي واحد يقول: جميع المصاحف بضنين من أين جئتم إذاً (بظنين)؟!.

قلنا: لا ننطلق نحن من مصحف دائماً.

وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ[التكوير:24], كلمة: بِضَنِينٍ[التكوير:24], وفيها قراءة أخرى: (بظنين), فلم يجتهد الصحابة أن يكتبوا في مصحف آخر: (بظنين) فتركوها على: (بضنين) لكن القراء الحفظة ثابت عندهم.

فإذاً: ما صار في إشكالية بالنسبة للنقل في هذا, فتداخل المقروء والمرسوم واضحة جداً في عمل الصحابة رضي الله عنهم.

هذه الأقسام الثلاثة وإن كان قد ينازع البعض في القسم الثالث؛ لكنه معتبر، وقد نص الإمام الداني في كتابه المقنع في قرابة ثمانين موضوعاً، ما رسم بوجه واحد وله أكثر من قراءة, هذا من أوضحها، التي هي الآيات الثلاث التي ذكرتها لكم.

إذاً: لا يقال مطلقاً بأن عثمان ترك شيئاً من هذه الوجوه، التي يحتملها الرسم؛ لكنها من ناحية المقروء لم تترك.

ثم تأتي عندنا الوجوه التي لا يمكن كتابتها, قلنا: إن الصراط فيه ثلاثة أوجه ثابتة، وهي: الصاد والسين وإشمام الصاد زاياً, وهذه ثلاثة أوجه متواترة.

فهل يمكن كتابة الإشمام كتابة صاد فيها إشمام.

وإذا قيل: (غيض) وأمثالها فهل فيها الإشمام أم لا؟ وهل يمكن كتابة الإشمام في هذا.

وأيضاً: نوع آخر من الإشمام: لا تَأْمَنَّا[يوسف:11], فيها إشمام, فهل يمكن كتابة الإشمام في هذا؟ لا، إذاً نلاحظ أن الإشمام وجه قرائي (صوتي) لا يمكن رسمه, يؤخذ بالتلقي.

هل يمكن لأحد المسلمين أن يقول: إن هذه الأوجه القرائية ليست مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ نقول: بل هي مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي قرآن، أي: من القرآن قطعاً.

إذاً: الذي نريد أن ننتبه له حتى الوجوه القرائية الصوتية هي مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم, والصوتيات لا يمكن تدوينها ورسمها لكنها تتلقى.

وهنا نقول: أي معترض على شيء من الصوتيات فإنه يفرق بين متلازمين: بين الحرف المقروء, وطريقة قراءته, فمثلاً: المشتهر المنتشر قراءة حفص عن عاصم , هل يستطيع أحد أن يقرأ: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا[هود:41], أم (مُجراها)؟ ما يستطيع لا بد أن يقول: (مجراها) بالإمالة لأن هذه قضية صوتية ما تكتب, لما نكتب (مجِريها) نكتبها راء وبعدها ياء وبعدها هاء, هكذا رسمها؛ لكن الإمالة هذه لا يمكن رسمها.

ولهذا فعلماء الضبط لما رأوا مثل هذه أدخلوا علم الضبط فدخل ما يختلط عند علم الضبط بعلم الرسم.

الصحابة رسموا، والتابعون ومن جاء بعدهم ضبطوا، أي: دخل علم الضبط فيما بعد؛ هذا الذي نراه هو علم الضبط وليس علم الرسم, الذي هو الإِشارة إلى الإشمام أو إلى الإمالة أو غيرها.

فإذاً: الصوت متلازم مع الحرف لا ينفك؛ ولهذا نجزم يقيناً أن ما ورد عن القراء بالتواتر أنه متلقى من الحضرة النبوية قطعاً بلا ريب؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يدخل في الاجتهاد في مثل هذه الأمور.

تأتينا مشكلة وهي: الآثار الواردة بوقوع الخطأ في كتابة مصحف عثمان , أي أن: بعص الصحابة نسب خطأ للكاتب في مصحف عثمان ، ويقولون: أخطأ الكاتب أو أن فيه حروفاً ستقيمها العرب بألسنتها، أي: إن عندنا آثاراً بعضها صحيح؛ لكن كيف نرجحها؟ وبعضها باطل ليس فيه حجة, إما منقطع وإما مكذوب, أما الآثار التي قد يكون فيها ضعف لكنها محتملة, كيف نوجه مثل هذه الآثار؟ من جهة المتن، أي: من جهة العقل ليست من جهة الأسانيد.

هذه رواية عند ابن أبي داود وغيره يقول: عبد الله بن عامر القرشي لما فرُغ من المصحف أوتي به عثمان فنظر فقال: " أحسنتم وأجملتم, أرى فيه شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها، وأورد رواية أخرى قال أيضاً: "ستقيمه العرب بألسنتها" قال: أبو بكر بن أبي داود - ولاحظوا هذا الفقه من ابن أبي داود - : أي: بلغتها، وإلا لو كان فيه لحن لا يجوز في كلام العرب جميعاً لما استجاز أن يبعث به إلى قوم يقرءونه, وهذا من فقه النص, أي: هل نتصور أن عثمان لما قال هذا الكلام يثبت أن فيه لحناً أي: خطأ، فهل هو متفق على أنه خطأ ثم يرسل المصاحف إلى الأمصار يقرءون بها؟ لا, لو كان فيه لحن لعدله؛ فتعديل اللحن سهل.

فإذاً: عثمان إن ثبت عنه هذا فهو لا يريد أنه لحن بمعنى: خطأ, ولكن الذي يحمل عليه كلامه سيأتي كلام الداني في هذا, الذي يحمل عليه كلامه اختلاف المرسوم عن المقروء, الصلاة كيف تكتب؟ الزكاة, (لأذبحن) مكتوبة لا أذبحن, (لأوضع) مكتوبة لا أوضعوا، أي: لو قرأناها بالرسم, لقرأناها: (لا أوضعوا) (لا أذبحن) فتكون نفي.

فهذا الذي قصد فيه عثمان أن العرب ستقيمه بلسانها؛ لأنه لما يقرأ القارئ الآية: لَأَذْبَحَنَّهُ[النمل:21], ويقرأها: (لا أذبحنه) فهل يستقيم الكلام؟ لا، ما يستقيم؛ لأنه بهذا الرسم فيه نفي للذبح.

فهذا معنى كلام عثمان : إن المرسوم كونه لا يطابق الملفوظ تماماً؛ فإن العرب ستفهم أنه هذا المرسوم ينطق كذا, وهذا هو الواقع.

يقول الداني بعد ما ذكر هذه الآثار الواردة عن عثمان , بالرغم أنه ضعف هذه الآثار الواردة عن عثمان لكنه قال: فإن قال قائل: فما وجه ذلك عندك لو صح عن عثمان رضي الله عنه؟ قلت: وجهه أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد باللحن المذكور في التلاوة دون الرسم, إذ كان كثير منه لو تلي على رسمه لانقلب بذلك معنى التلاوة وتغيرت ألفاظه, ألا ترى قوله: أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ [النمل:21], و وَلَأَوْضَعُوا [التوبة:47], و مِنْ نَبَإِ المُرْسَلِينَ [الأنعام:34], نبأ مكتوبة: مِنْ نَبَإِ [الأنعام:34], ألف عليها همزة ثم ياء, سَأُرِيكُمْ [الأعراف:145], همزة بعدها واو بعدها راء, الرِّبَا [البقرة:275], الراء بعدها الواو بعدها ألف.

قال: وشبهه مما زيد في الألف والياء والواو وفي رسمه لو تلاه تال لا معرفة له بحقيقة الرسم على صورته في الخط لصير الإيجاب ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من أصله, فأتى من اللحن بما لا خفاء به على من سمعه, مع كون رسم ذلك كذلك جائزاً مستعملاً؛ فأعلم عثمان رضي الله عنه إذ وقف على ذلك أن من فاته تمييز ذلك، وعزبت معرفته عنه ممن يأتي بعده سيأخذ ذلك عن العرب، إذ هم الذين نزل القرآن بلغتهم فيعرفونه بحقيقة تلاوته، ويدلونه على صواب رسمه, فهذا وجهه عندي، والله تعالى أعلم. وهذا كلام من محقق، وهو كلام محقق.

إذاً هذا أحد الأوجه التي نأخذها، أي: في تخريج مثل هذا الكلام أن قصد عثمان : أن صورة المرسوم تخالف الملفوظ, وإذا كانت صورة المرسوم تخالف الملفوظ فنرجع إلى القاعدة التي ذكرتها وهي أن الملفوظ يقدم على المرسوم؛ لأنه هو الأصل.

إذاً: المقروء حفظاً هو الأصل, والمرسوم صورة له, لو قرأنا من المرسوم وقعنا في هذا الإشكال.

ومن باب الفائدة: تجدون أحياناً يأتي من حسن النية يأمر بكتابة المصحف إملائياً, طبعاً كتابة المصحف إملائياً هي مخالفة لإجماع عمل الصحابة, لكن من باب الفائدة تاريخياً أنه هناك مصاحف طبعت واتبعت الرسم الإملائي في بعض الكلمات، ليس في جميع الكلمات فخالفت المصحف الإمام؛ لكنها من جهة الإقراء ليست عمدة.

علماء المغرب هم الذين عنوا عناية تامة بما يتعلق بالرسم والضبط, ولا زالوا إلى اليوم عندهم عناية تامة بالرسم والضبط, وطريقة عنايتهم بالرسم والضبط هي: أن يتعلم الطالب رسم المصحف وضبطه بالتدوين المباشر, ويتعلم الإملاء عند عالم العربية، فيتعلم رسمين: الرسم الإملائي المعاصر, والرسم العثماني, ولا سمعنا أنه في يوم من الأيام استشكل أحد من المغاربة شيئاً أو اختلط عليه الرسم الإملائي بالرسم العثماني.

إذاً ليس هناك أي إشكالية في قضية الرسم العثماني, الإشكالية عندنا نحن, أي: النقص عندنا نحن وليس في صعوبة هذا الرسم, فالذي صعب يتعلم, لو كان يتعلم الرسم العثماني مع مبادئ التعلم ما وقع إشكال, ولو جرب أحد مع طلابه الرسم العثماني؛ فسيجد أنهم خلال أسابيع يكونون بإذن الله قد تعلموا وفرقوا بين الرسم العثماني والرسم الإملائي، بدون أي صعوبة, وقد يكون صعب لكن يبدأ يتعلم, فيعطيه صفحة يكتبها بدون نقط أو شكل أو زوائد، فيكتب كل يوم صفحتين مثلاً ثم يبدأ بعد ذلك بالتمرس على الكتابة بالرسم العثماني، وبذلك سيسهل عليه هذا الرسم. إذاً ليست الصعوبة في هذا العلم، إنما الصعوبة هي عدم تعلمه، وإلا كيف ضبط العلماء قضية هذا الرسم؟ إلا بقضية الممارسة والتعليم, مشكلتنا أننا لا نتعلم؛ فإذا رأيناه؛ نقول: والله هذا صعب! إلا إذا كان يقرأها من المصحف، لا تأخذوا القرآن من مصحفي؛ لأن سيصحف قطعاً, فإذاً أقول: إنه لا إشكال في قضية الرسم, وإنما الإشكال عندنا.

هذا الوجه الاول الذي يحمل عليه ما ورد من قولهم: أخطأ الكاتب, أو أن فيه حروفاً ستقيمه العرب بلسانهم.

الوجه الثاني: أن يحمل التخطئة على عدم علم المخطئ بالوجه المرسوم الثاني, بمعنى: أنه لما يرد عن عائشة رضي الله عنها قولها: أخطأ الكاتب, نقول: من حيث هي صدقت؛ لأنها لا تعلم إلا هذا النوع من الرسم الذي عندها ولا تعلم الوجه الآخر, ويمكن لو رسمت عائشة رضي الله عنها هذه اللفظة وعرضت على الكاتب لقال: أخطأت عائشة رضي الله عنها؛ لأنه لا يعلم إلا هذا الوجه.

معنى ذلك أن نقول بين قوسين: (تنوع الرسم) , نريد أن نثبت تنوع الرسم, من فقه ابن أبي داود رحمه الله تعالى لما أورد الآثار الواردة عن عثمان في قوله: إن فيه لحناً ستقيمه العرب بألسنتها؛ أورد أثراً مهماً في هذا الباب الذي نذكره، الذي هو قضية التنوع. هذا الأثر عن ابن عون قال: ربما اختلف الناس في الأمرين وكلاهما حق, أنا جلست أتأمل هذا الأثر في كتاب المصاحف لـابن أبي داود , وقد أورده هنا رغم أنه غريب! لكن هذا من فقه ابن أبي داود في هذه المسألة, كأنه يريد أن يشير أن ما قاله عثمان أو ما خطأ به بعض الصحابة؛ الأمر فيه جاء على سبيل التنوع, فاختلف الأمران وكلاهما حق, فالرسم الذي رسمه زيد ومن معه من الصحابة صحيح, والرسم الذي احتجت به عائشة صحيح, أي: اختلاف تنوع. وهذا يمكن أن يرد، بل هو وارد إلى اليوم عندنا مثال ذلك: (شؤون) فهل نكتبها على نبرة أو على واو؟ في خلاف بين الإملائيين, وأيضاً كلمة (الرحمن) فالمغاربة يثبتون الألف, والمشارقة لا يثبتون الألف, وهذا اختلاف تنوع, أي: لو جاء واحد وقال: كتابة (الرحمان) بهذا الرسم خطأ؛ لأنه ما تعود إلا الرسم الذي يحذف الألف, والثاني الذي يكتب الألف في (الرحمن) إذا رأى (الرحمن) من دون ألف قال: خطأ, فيذهب ويعدلها.

إذاً: هذه قاعدة كلية نحمل عليها اختلاف الصحابة، أو كل نقد ورد من الصحابة في اختلاف المرسوم, وقد يكون بعضه من غير هذا الباب, لكن الذي يدخل في باب اختلاف التنوع, أنها اختلاف كما في المرسومات, وإذا كانت اختلاف في المرسومات؛ فلا إشكال في ذلك.

بعض القواعد التي بنى عليها الصحابة تدوينهم للقرآن

إذاً: نتج عندنا مجموعة من القواعد ننتبه لها فيما يتعلق بقضية تدوين المصحف:

القاعدة الأولى: أن الصحابة كتبوا كما يعلمون من الروسم التي علموها ولم يجتهدوا بافتعال رسم جديد؛ لأن هذا كله من عمل الصحابة.

القاعدة الثانية: أن الصحابة اجتهدوا في تدوين الوجوه المختلفة من وجوه القراءات التي يمكن كتابتها, أما الصوتيات فأمرها متأخر.

والقاعدة الثالثة: أن كل صحابي كان يكتب على حسب ما تعلم من الرسم, الذي قد يخالفه فيه غيره.

ومن الأمثلة الواضحة في قضية هذا التنوع: التابوت، فكان الخلاف بين زيد والصحابة، فـزيد يرى أنها تكتب (التابوه), والقرشيون يرون أنها تكتب (التابوت)، فلما رجعوا إلى عثمان قال: اكتبوها بلغة قريش, أي: بالموافق لملفوظها ومنطوقها فإنه بلسانها نزل؛ فكتبوا (التابوت), هذا من أكبر الأدلة على اختلاف التنوع فيما يبينهم.

إذا فهمنا ما يتعلق بالمرسوم بهذا الشكل فإنه يزول عندنا إشكال كثير فيما يتعلق بهل وقع خطأ في المرسوم أو ما وقع, هل هناك لحن أو ما هناك، كل هذا يزول.

ومما يتعلق بهذه المسألة أيضاً هي قاعدة مرتبطة بهذا, أي لحن نسب إلى الكتاب سواءً كان لحناً في العربية أو لحناً في الإملاء؛ فهو خطأ من الملحن الذي أوقع اللحن هذا, الذي يزعم أن فيه لحناً؛ لأنه إذا ثبت أن الصحابة اجتهدوا، حتى لو اجتهدوا في كلام محمد صلى الله عليه وسلم فهو في بذاته حجة عربية، أي: لو تنازلنا مع الخصم هذا التنازل, قلنا: والله هذا من اجتهاد الصحابة أو بزعمك أنه رفع قليل قال: هذا من قول محمد صلى الله عليه وسلم، فيما يزعمون, سواء قالوا بهذا وبهذا، هل يسمى هذا لحناً؟ لا يسمى لحناً؛ لأن هؤلاء ممن تؤخذ منهم اللغة.

فإذاً: لا يوجد لحن إطلاقاً على أي وجه من الوجوه, ولا يمكن أن ينسب اللحن في العربية إلى القرآن بأي وجه من الوجوه، إطلاقاً.

قضية ثانية في الإملاء: إذا نسب اللحن في الإملاء؛ فإن القضية ارتبطت باختلاف الاصطلاح, فكل ما تقدم الزمن يختلف الاصطلاح في قضية الإملاء؛ ولهذا الفراء رحمه الله تعالى و ابن قتيبة وهما قريبان من جيل الصحابة, الفراء في مائتين وست, و ابن قتيبة مائتين وست وسبعين. لما جاء عند: وَلَأَوْضَعُوا[التوبة:47], و لَأَذْبَحَنَّهُ[النمل:21], قال: وهذا من سوء هجاء المتقدمين. وأقول: عفا الله عنه في عبارته هذه, فهي في الحقيقة ليست من سوء هجاء المتقدمين, هذا من اختلاف الاصطلاح, وإلا: لو رأينا خط الفراء نفسه الذي رسمه هو وقارناه أو وازناه بالرسم الذي عندنا؛ لقلنا: هذا من سوء هجاء الفراء , مع أنه ليس بسوء هجاء، وهذا هجاء مصطلح عليه في عصره, فإذاً: الهجاء اصطلاح يتغير فلا نحاكم رسم المصحف العثماني بما تغير وتطور من الرسوم بعده إطلاقاً, وهذه قاعدة كلية ينتبه لها.

إذاً: لا يقال: إن هناك خطأً إملائياً أو إن الصحابة ما كانوا يعرفون الكتابة فهذا ليس بصحيح إطلاقاً, بل كانوا يعرفون الكتابة وكتبوه واجتهدوا فيه كما وصلنا, وهو اليوم ولله الحمد والمنة موجود عندنا وبين يدينا, تريدون أن تنظروا إلى رسم الصحابة؟ أي واحد منكم يمكن بالفوتوشوب أو غيره يأخذ صفحة من المصحف ثم يزيل كل ما يتعلق بالشكل والنقط ويبقي فقط سورة الكلمة ويتأملها, ينظر هذا هو رسم الصحابة، بس بخط نسخ جميل، الذي هو الخط الحادث, وإلا فهو نفس رسم الصحابة بدون نقط ولا شكل.




استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
تاريخ القرآن الكريم [2] 3326 استماع
تاريخ القرآن الكريم [4] 3244 استماع
تاريخ القرآن الكريم [5] 3196 استماع
تاريخ القرآن الكريم [7] 2328 استماع
تاريخ القرآن الكريم [1] 2217 استماع
تاريخ القرآن الكريم [3] 2123 استماع