تاريخ القرآن الكريم [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فهذا هو الدرس الثاني في موضوع تاريخ القرآن، وقد أخذنا في الدرس السابق بعض المواضيع المتعلقة بتأصيل هذا المبحث، وقد أخذنا موضوع الوحي وما يتعلق به، ثم ذكرنا ما يتعلق بالإشارة إلى القرآن في الكتب السابقة، ثم ذكرنا ما يتعلق بالفرق بين القرآن وبين الكتب السابقة، ثم تحدثنا عن تعريف القرآن أو ما يسمى بمصطلح القرآن، وهل هناك مشكلة في تعريف القرآن، ثم ذكرنا بعض ما يتعلق بأسماء القرآن وأوصافه.

ومن باب الفائدة فيما يتعلق بأسماء القرآن وأوصافه وهي مسألة فيها كلام، لكن التحرير فيها قليل.

أقول: إنه لا يؤثر على القرآن من أي جهة من جهاته الاختلاف في: هل هذا اسم وهل هذا صفة؟ لا يؤثر في ذات القرآن وإنما التأثير فيه كمسألة علمية هل هذه بالفعل من الأوصاف أو من الأسماء.

وهناك فائدة أخرى وهي: عن الأثر والنتيجة للقضية العلمية التي نناقشها، أي: هل لها أثر ونتيجة فإن قلنا بالإيجاب فما هي النتيجة وما هو الأثر؟ وإن قلنا بالسلب فما هي النتيجة وما هو الأثر سواءً كانت نتيجة عليمة أو نتيجة عملية؟

ثم النظر إلى الأثر العلمي، هل هذه المسألة لها أثر في القضية العلمية التي نناقشها أم لا؛ لأنه قد يكون لها أثر علمي، لكن ليس محطها القضية العلمية التي نناقشها، فهذه أمور يجب أن ننتبه لها ونحن نناقش هذه القضايا المرتبطة بتاريخ القرآن أو ما يمكن أن نقول عنه: نقل القرآن.

نبتدئ بالموضوع الذي سيكون تتمة لما ذكرته سابقاً وسيتركز على مسألتين: ما المراد بمصطلح تاريخ القرآن؟ فقد يسأل سائل ويقول: ما المراد بمصطلح تاريخ القرآن؟ وما الفرق بين تاريخ القرآن وبين علوم القرآن وبين علوم التفسير؟ أي: عندنا مصطلحات تتكرر وقد تكون متقاربة، وقد تكون متداخلة أحياناً، فاضطررنا إلى أننا نناقشها كمصطلح، أي: ما المراد بتاريخ القرآن؟ ولماذا نذكر هذا المصطلح بالذات ولم نذكره بأسلوب آخر؟

وهذه التسمية بالذات؛ لأن هذا المصطلح صار يستخدم حتى كاد يكون مختصاً بأهل الاستشراق وغيرهم، وهذا ليس بصحيح؛ لأن القرآن وما يتعلق به من تاريخ، الأصل أن يكون المتحدث عنه هم أهل الاختصاص من أهل الإسلام، ولكن لما طرق هذا الموضوع من فئات متعددة وبعضهم ليس من أهل هذا الدين أصلاً، فإننا نريد أن نوضح أن ما يتعلق بما ذكروه بهذا المصطلح الذي اسمه: تاريخ القرآن هو في الحقيقة من حيث المصطلح ليس فيه إشكال، لكن المشكلة فيما طرحوه في هذا الموضوع.

فلو تأملنا الموضوعات التي طرحت في تاريخ القرآن فسنجد أنها تكلمت عن هذا الموضوع إما عن مصدره وإما عن جمعه وتدوينه ورسمه وقراءاته، وإما عن المصاحف المكتوبة سواءً كانت المصاحف القديمة أو المصاحف المتأخرة، وإما عن تاريخ طباعته، وإما عن ترجمته، فجملة هذه الموضوعات كلها تدخل ضمن تاريخ القرآن، وإذا تأملنا هذه الموضوعات فسنجد أنها في الحقيقة جزءاً من علوم القرآن التي ندرسها من خلال علوم القرآن، لكن ليس بهذه الطريقة التي نعرضها اليوم؛ لأننا حينما نتكلم عن علوم القرآن نعرضها من جهة التقرير، أما هنا فسنناقشها من جهة التقرير، وقد نضطر أحياناً إلى مناقشة بعض الأفكار الخاطئة في هذا الموضوع.

كيف يدرس تاريخ القرآن؟

إذا رجعنا إلى الكتب التي كتبت حول هذا الموضوع سواءً بهذا العنوان أو بغيره، فنقسم مراحل تدريسه إلى مرحلتين: الكتب المتقدمة التي لعلمائنا المتقدمين، والكتب المعاصرة.

فإذا نظرنا إلى كتب العلماء المتقدمين فيمكننا أن نقسمها من جهة العناوين إلى أقسام، فمثلاً: نجد أن بعض العلماء كان لهم كتب فيما يتعلق برسوم هذه المصاحف، أي: كيف كتبت هذه اللفظة، وكيف كتبت في هذا المصحف، وهل هناك إجماع على هذا الرسم أم لا؟ فهذه نسميها رسوم المصاحف.

فمن الكتب التي كتبت عند علمائنا المتقدمين كتاب لـسهل بن محمد بن عثمان السجستاني اللغوي البصري توفي سنة مائتين وخمسين، له كتاب اسمه: اختلاف المصاحف، ويعتبر هذا الكتاب من أوائل كتب المتقدمين، وهذا الحصر ليس حصراً نهائياً وإنما نذكر منه أمثلة.

ونجد أيضاً محمد بن عبد الله بن محمد الأشجه ، وله كتاب مشهور باسم اختلاف المصاحف، توفي سنة ثلاثمائة وستين، وقبله محمد بن بشار بن الأنباري له كتاب في الرد على من طعن في مصحف عثمان ، وهو في رسوم المصاحف، و ابن مقسم اللغوي المقرئ المشهور محمد بن الحسن بن يعقوب توفي سنة ثلاثمائة واثنتين وخمسين له كتاب أيضاً بعنوان: المصاحف.

فإذا دخلنا إلى قرن متأخر عنهم، في أواخر القرن السادس، فسنجد لـمحمد بن محمود السمرقندي كتاباً بعنوان: إيضاح في رسم المصاحف.

وهناك كتب كثيرة مؤلفة في اختلاف المصاحف، منها ما هو قديم، ومنها ما هو متأخر، ويمكن الرجوع إلى كتب مثل كتاب الفرست لـابن النديم ، والمعاجم التي هي كشف الظنون وغيرها، ستجدون جملة كبيرة جداً مما يتعلق برسوم المصاحف، فهذه الكتب التي كتبها العلماء في رسوم المصاحف يمكن أن نقول: إنها سارت على منهجين:

المنهج الأول: منهج الجمع والتقدير

المنهج الأول: منهج الجمع والتقرير.

والمنهج الثاني: منهج الرد على الخصوم، مثلما كان عند ابن الأنباري وهذه الكتب سواء كانت منهج الجمع والتقرير أو منهج الرد على الخصوم تجمع ما يتعلق بالاختلاف في رسوم المصاحف؛ فأي كاتب يكتب ما يتعلق برسم المصحف لا بد أن يتعرض للاختلاف في رسوم المصاحف.

هل وقع الاختلاف في رسم المصحف أم لم يقع؟

نقول: الاختلافات في رسوم المصاحف وقعت وسيأتينا إن شاء الله تحليل سبب هذه الاختلافات عندما نتكلم عن جمع عثمان بن عفان رضي الله عنه، لكن الكلام الآن هو عن المنهج العام الذي سارت عليه هذه الكتب.

هذه الكتب خصوصاً المتقدم منها التي كانت في عصر الإسناد كانت تعتمد على الإسناد، وكان بعضها يعتمد على الجمع دون التحرير، بمعنى: أنها لم تلتزم الصحة، فقد كانت تعتمد على الجمع، ولم يكن من مقاصد مؤلفيها النظر في الآثار الصحيحة من غيرها، ولهذا يمكن أن نجد في مثل كتاب المصاحف لـابن أبي داود وهو مطبوع، له طبعات متعددة وأول من أخرجه المستشرق، لما نتأمل في هذا الكتاب لا يمكن أن نجعل كل ما ورد فيه صحيحاً، وكذلك ليس كل ما ورد فيه باطلاً، ففيه الصحيح والضعيف الذي لا يحتج به.

وهنا يجب أن ننتبه إلى منهج العلماء؛ لأن بعض المعاصرين خاصة بعض طلبة العلم في الجامعات الذين صارت عندهم القضايا العلمية يمكن أن نمثلها في: إما وإما، يعني: إما أن يكون أبيض وإما أن يكون أسود، تجد بعضهم لما يحرر مثل هذا الكتاب أو ينقد هذا الكتاب يعنف على المؤلف إيراده للآثار الباطلة والضعيفة و.. و.. إلى آخره، التي اعتمد عليها أعداء الإسلام.

وهذا الانتقاد لما كتبه العلماء فيه نظر؛ لأننا أولاً: لا بد أن ننظر إلى منهج المؤلف ومراده.

ثانياً: بعدما ننظر إلى منهج المؤلف ننظر إلى هل بالفعل كان بهذا الكتاب أثر أو أن الأثر جاء عند المعاصرين، والمعاصرون ليسوا حجة؛ لأن كثيراً من المعاصرين خصوصاً من يريد إبطال دين الإسلام يعتمد على الأباطيل للإسقاط.

فقصدي من ذلك كونهم يجدون في كتاب ابن أبي داود أثراً أو أثرين أو عشرة، ويعتمدون عليها ليس الخطأ منه، وإنما الخط والخلل ممن يستفيد من هذه ويدرسها بهذا الأسلوب.

فالذي أريده أن يكون عندنا نظرة متوازنة متعادلة في التعامل مع تراث العلماء، وإلا فـابن أبي داود من المحدثين ولا يجهل أن هذا الحديث ضعيف، وبعض الحديث أشد ضعفاً، وهذا الحديث متكلم فيه، وهذا الأثر فيه من كلام كذا، هذا لا يجهله.

لكنه فعل هذا لمنهجية معتادة معتمدة عند العلماء قديماً، وهي منهجية الجمع؛ لأنه قد يكون هذا الحديث الذي تكلم فيه من جهة ما له طرق أخرى، ويستفاد من هذا الذي جاء، أيضاً قد يستفاد من هذه الأحاديث الباطلة إثبات أنها باطلة، بحيث أنه إذا استشهد أحد بحديث ما نقول: هذا الذي استشهدت به لم يروَ إلا من هذا الطريق وهو موجود عند ابن أبي داود وهذا الحديث متكلم فيه بكذا وكذا وكذا.

فإذاً: هذه المنهجية التي كان يسلكها هؤلاء ليس عليها أي إشكال، لكن الإشكال جاء عندنا نحن؛ لأننا لم نستطع أن نتعامل مع هذه الكتب، ونتعامل مع مناهج العلماء المتقدمة؛ لأن طريقتنا في التعلم والمنهجية التي نسلكها اليوم منهجية في كثير من الأحيان، وأعتذر عن كلمة كثير؛ لكنها في كثير من الأحيان تكون منقطعة عن طريقة العلماء المتقدمين، فيقع التصادم عندنا نحن وإلا فالذين كتبوا أولاً من علمائنا لم يكن عندهم مثل هذه المشكلة.

ولا يفهم مني فاهم أن هذا يعني عصمة كل ما كتب، ولكني أتكلم عن جمهور مناهج العلماء المتقدمين، وكيفية التعامل معهم، وأيضاً لا يفهم من ذلك أننا لا ننتقد الآثار الواردة في كتاب المصاحف لـابن أبي داود أو غيره من الآثار التي فيها ضعيف شديد وأن نعتمد عليها، هذا لا يفهم من كلامي، وإنما قصدت أن ننتبه للمنهجية العامة في هذا الموضوع، وأرجو أن يفهم الكلام على ما أردته؛ لأنه أحياناً بعض الناس يقول مثل هذا ويبني عليه أنه يجوز أن نأخذ بالضعيف والموضوع في مثل هذه الأمور، وهذا ليس بصحيح فليس مرادي هذا، وإنما مرادي أن ننتبه للمنهجية العامة التي كان يسير عليها العلماء، وألا ننتقد هذه المنهجية؛ لأننا افترضنا لأنفسنا منهجية جديدة، صحيح لو جاء أحد المعاصرين وأراد أن يكتب وكتب على هذه المنهجية القديمة يمكن أن يعترض عليه بأن أسلوب الكتابة ومنهجية الكتابة اختلفت الآن، وصار القصد إلى تحديد الآثار واردة، أما مع العلماء المتقدمين فيجب أن نأخذ كتبهم بالنظر التاريخي الذي كان يعيشه هذا المؤلف، ومنهجه الذي سلكه فيه.

النوع الثاني: منهج الرد على المخالف

النوع الثاني من الكتب هو: كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان لـابن الأنباري ، وهذا الكتاب كتاب كما نلاحظ رد، لكنه أيضاً يعمد إلى الآثار ويناقشها، وهذا الكتاب مع الأسف غير موجود، والموجود منه نقول فقط لا تكفي لإعطاء صورة متكاملة عن هذا الكتاب، ولا عن سبب تأليفه، لكن ظاهر جداً منه أن هناك من تكلم فيما يتعلق برسم المصحف و ابن الأنباري تصدى للرد عليه.

ومن الكتب أيضاً التي تدخل في هذا الباب وهو: باب اختلاف المصاحف بعض الكتب المتقدمة أيضاً التي كتبت في فضائل القرآن قد تشير إلى اختلاف رسوم مصاحف ولا يوجد عندنا لكي نذكره إلا كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام فضائل القرآن؛ لأنه خصص جزءاً منه لما يتعلق باختلاف رسوم المصاحف، ويذكرها بالسند.

أيضاً من الكتب الكتب التي كتبت في الانتصار للقرآن، والانتصار مناهج العلماء فيه على أنواع، قد يكون أحياناً انتصاراً لنظمه، وقد يكون انتصاراً لما يتعلق برسمه، فعندنا مجموعة من الكتب بهذا العنوان، فيحتمل أن تكون من هذا الباب، ويحتمل أن تكون من باب غيره.

من أمثلة كتب الانتصار كتاب: الانتصار لـابن أخشيد وهو: أبو بكر أحمد بن علي البغدادي المعتزلي، له كتاب في الانتصار للقرآن، يعني: في النقل، توفي سنة ثلاثمائة وست وعشرين.

بعده يأتينا كتاب مهم جداً وقد طبع جزء منه كتاب الانتصار لنقل القرآن لـلباقلاني توفي أربعمائة وثلاث وهو من فضلاء الأشاعرة، وقد كتب هذا الكتاب للرد على من طعن في نقل القرآن، وهذا الكتاب عمدة لما جاء بعده في النقاش أو في الجدل العقلي للرد على أمثال هؤلاء؛ لأن الباقلاني رحمه الله تعالى المنهج العام عنده في كثير من كتاباته كانت المنحى العقلي، وفي هذا الكتاب نحى نفس المنحى لكن باعتماد الأثر، فهو كتاب مفيد، وأقول: إنه من المفيد جداً دراسة المنهج الجدلي في الرد على من طعن في نقل القرآن من خلال كتاب الباقلاني ، يعني: كيف نجادل من طعن في نقل القرآن ؟ ندرس كيف تعالم الباقلاني مع هؤلاء، ونستخرج من المنهج الجدلي الباقلاني في هذا الكتاب، لأنه يمكن أن نستفيد منه حتى في هذا الوقت.

وعندنا أيضاً من المصادر التي تتعلق بهذا الموضوع: كتب علوم القرآن، ونلاحظ أن جل الموضوعات التي تناقش في تاريخ القرآن هي في الحقيقة جزء من علوم القرآن لا تنفك منه؛ ولهذا تجد من كتب في تاريخ القرآن بهذا المصطلح لا يمكن أن ينفك من كتاب الإتقان لـلسيوطي ؛ لأنه أكثر انتشاراً، ومثله كتاب البرهان، ومثله أيضاً: الزيادة والإحسان لـابن عقيلة ، فكتب علوم القرآن عموماً المتقدمة والمتأخرة هي في الحقيقة مصدر من مصادر تاريخ القرآن، أو ممكن أن نقول: إنها تكلمت عن جزء كبير مما يتعلق بقضية تاريخ القرآن.

بعض الكتب المعاصرة في تاريخ القرآن

وقريب من هذا العصر بدأت تخرج كتب بهذا العنوان: تاريخ القرآن، عندنا كتاب منسوب لـموسى جار الله رستف دوني الروسي، له كتاب في هذا وقد طبع عام ألف وثلاثمائة وثلاث وعشرين في المطبعة الإسلامية ببطرس برق.

ومن الكتب الأقرب معاصرة عندنا وأهم كتاب يمكن أن ننتبه له هو كتاب للمستشرق نول دكة بعنوان: تاريخ القرآن، وهذا الكتاب يعد عند المستشرقين ككتاب سيبويه عند النحاة، المصدر الأول في النحو، يعني: قيمته العلمية كبيرة، أيضاً بالنسبة للمستشرقين القيمية العلمية لكتاب نول دكة تاريخ القرآن قوية جداً، بل إنهم يعتمدون عليه ويرونه فتحاً، بل إن هذا الكتاب لما كتبه نول دكة وكان كتبه وعمره خمس وعشرون سنة، في مسابقة وفاز بهذه المسابقة، لما كتب هذا الكتاب أحدث نقلة تاريخية نوعية في الكتابة عن تاريخ القرآن للمستشرقين الذين جاءوا بعده، فصارت جل دراساتهم تدور حول أفكار نول دكة هذا، ولهذا الكتاب هو في الحقيقة نقض لكل الدراسات التي قامت عليه.

ومن باب الفائدة هذا الكتاب إذا قرأه المسلم يلاحظ فيه الخلط الكثير، ويلاحظ فيه أشياء كثيرة، سآتي إن شاء الله إلى ذكر المنهجيات التي كان يستخدمها المستشرقون في تناولهم ما يتعلق بتاريخ القرآن.

كذلك أيضاً تاريخ القرآن لـمحمد طاهر الكردي ، وهذا الكتاب في بعض قضايا علوم القرآن مرتبطة به وأخص ما فيها كان عما يتعلق برسمه، و محمد طاهر الكردي رحمه الله تعالى كان خطاطاً فاعتنى كثيراً بما يتعلق بقضية الرسم.

ومن الكتب أيضاً المعاصرة وهو قريب جداً كتاب مدخل إلى القرآن الجزء الأول منه التعريف بالقرآن للدكتور محمد عابد الجابري ، وهذا الكتاب فيه محاولة طرح جديد لدراسة تاريخ القرآن على نمط الدكتور محمد الجابري في نقاشه للتراث أو للعقل العربي، والقضية التي ظهر بها بفلسفته الجديدة، فانتقد ما يتعلق بتاريخ القرآن بهذه الطريقة.

والآراء التي طرحها هذه ليست الآن موضوعنا، لكن أقصد أن هذه من الكتب التي طرحت ما يتعلق بتاريخ القرآن، ولعلي آتي إلى بعض الملحوظات على هذه المنهجية التي سلكها في هذا الموضوع.

المنهج الأول: منهج الجمع والتقرير.

والمنهج الثاني: منهج الرد على الخصوم، مثلما كان عند ابن الأنباري وهذه الكتب سواء كانت منهج الجمع والتقرير أو منهج الرد على الخصوم تجمع ما يتعلق بالاختلاف في رسوم المصاحف؛ فأي كاتب يكتب ما يتعلق برسم المصحف لا بد أن يتعرض للاختلاف في رسوم المصاحف.

هل وقع الاختلاف في رسم المصحف أم لم يقع؟

نقول: الاختلافات في رسوم المصاحف وقعت وسيأتينا إن شاء الله تحليل سبب هذه الاختلافات عندما نتكلم عن جمع عثمان بن عفان رضي الله عنه، لكن الكلام الآن هو عن المنهج العام الذي سارت عليه هذه الكتب.

هذه الكتب خصوصاً المتقدم منها التي كانت في عصر الإسناد كانت تعتمد على الإسناد، وكان بعضها يعتمد على الجمع دون التحرير، بمعنى: أنها لم تلتزم الصحة، فقد كانت تعتمد على الجمع، ولم يكن من مقاصد مؤلفيها النظر في الآثار الصحيحة من غيرها، ولهذا يمكن أن نجد في مثل كتاب المصاحف لـابن أبي داود وهو مطبوع، له طبعات متعددة وأول من أخرجه المستشرق، لما نتأمل في هذا الكتاب لا يمكن أن نجعل كل ما ورد فيه صحيحاً، وكذلك ليس كل ما ورد فيه باطلاً، ففيه الصحيح والضعيف الذي لا يحتج به.

وهنا يجب أن ننتبه إلى منهج العلماء؛ لأن بعض المعاصرين خاصة بعض طلبة العلم في الجامعات الذين صارت عندهم القضايا العلمية يمكن أن نمثلها في: إما وإما، يعني: إما أن يكون أبيض وإما أن يكون أسود، تجد بعضهم لما يحرر مثل هذا الكتاب أو ينقد هذا الكتاب يعنف على المؤلف إيراده للآثار الباطلة والضعيفة و.. و.. إلى آخره، التي اعتمد عليها أعداء الإسلام.

وهذا الانتقاد لما كتبه العلماء فيه نظر؛ لأننا أولاً: لا بد أن ننظر إلى منهج المؤلف ومراده.

ثانياً: بعدما ننظر إلى منهج المؤلف ننظر إلى هل بالفعل كان بهذا الكتاب أثر أو أن الأثر جاء عند المعاصرين، والمعاصرون ليسوا حجة؛ لأن كثيراً من المعاصرين خصوصاً من يريد إبطال دين الإسلام يعتمد على الأباطيل للإسقاط.

فقصدي من ذلك كونهم يجدون في كتاب ابن أبي داود أثراً أو أثرين أو عشرة، ويعتمدون عليها ليس الخطأ منه، وإنما الخط والخلل ممن يستفيد من هذه ويدرسها بهذا الأسلوب.

فالذي أريده أن يكون عندنا نظرة متوازنة متعادلة في التعامل مع تراث العلماء، وإلا فـابن أبي داود من المحدثين ولا يجهل أن هذا الحديث ضعيف، وبعض الحديث أشد ضعفاً، وهذا الحديث متكلم فيه، وهذا الأثر فيه من كلام كذا، هذا لا يجهله.

لكنه فعل هذا لمنهجية معتادة معتمدة عند العلماء قديماً، وهي منهجية الجمع؛ لأنه قد يكون هذا الحديث الذي تكلم فيه من جهة ما له طرق أخرى، ويستفاد من هذا الذي جاء، أيضاً قد يستفاد من هذه الأحاديث الباطلة إثبات أنها باطلة، بحيث أنه إذا استشهد أحد بحديث ما نقول: هذا الذي استشهدت به لم يروَ إلا من هذا الطريق وهو موجود عند ابن أبي داود وهذا الحديث متكلم فيه بكذا وكذا وكذا.

فإذاً: هذه المنهجية التي كان يسلكها هؤلاء ليس عليها أي إشكال، لكن الإشكال جاء عندنا نحن؛ لأننا لم نستطع أن نتعامل مع هذه الكتب، ونتعامل مع مناهج العلماء المتقدمة؛ لأن طريقتنا في التعلم والمنهجية التي نسلكها اليوم منهجية في كثير من الأحيان، وأعتذر عن كلمة كثير؛ لكنها في كثير من الأحيان تكون منقطعة عن طريقة العلماء المتقدمين، فيقع التصادم عندنا نحن وإلا فالذين كتبوا أولاً من علمائنا لم يكن عندهم مثل هذه المشكلة.

ولا يفهم مني فاهم أن هذا يعني عصمة كل ما كتب، ولكني أتكلم عن جمهور مناهج العلماء المتقدمين، وكيفية التعامل معهم، وأيضاً لا يفهم من ذلك أننا لا ننتقد الآثار الواردة في كتاب المصاحف لـابن أبي داود أو غيره من الآثار التي فيها ضعيف شديد وأن نعتمد عليها، هذا لا يفهم من كلامي، وإنما قصدت أن ننتبه للمنهجية العامة في هذا الموضوع، وأرجو أن يفهم الكلام على ما أردته؛ لأنه أحياناً بعض الناس يقول مثل هذا ويبني عليه أنه يجوز أن نأخذ بالضعيف والموضوع في مثل هذه الأمور، وهذا ليس بصحيح فليس مرادي هذا، وإنما مرادي أن ننتبه للمنهجية العامة التي كان يسير عليها العلماء، وألا ننتقد هذه المنهجية؛ لأننا افترضنا لأنفسنا منهجية جديدة، صحيح لو جاء أحد المعاصرين وأراد أن يكتب وكتب على هذه المنهجية القديمة يمكن أن يعترض عليه بأن أسلوب الكتابة ومنهجية الكتابة اختلفت الآن، وصار القصد إلى تحديد الآثار واردة، أما مع العلماء المتقدمين فيجب أن نأخذ كتبهم بالنظر التاريخي الذي كان يعيشه هذا المؤلف، ومنهجه الذي سلكه فيه.

النوع الثاني من الكتب هو: كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان لـابن الأنباري ، وهذا الكتاب كتاب كما نلاحظ رد، لكنه أيضاً يعمد إلى الآثار ويناقشها، وهذا الكتاب مع الأسف غير موجود، والموجود منه نقول فقط لا تكفي لإعطاء صورة متكاملة عن هذا الكتاب، ولا عن سبب تأليفه، لكن ظاهر جداً منه أن هناك من تكلم فيما يتعلق برسم المصحف و ابن الأنباري تصدى للرد عليه.

ومن الكتب أيضاً التي تدخل في هذا الباب وهو: باب اختلاف المصاحف بعض الكتب المتقدمة أيضاً التي كتبت في فضائل القرآن قد تشير إلى اختلاف رسوم مصاحف ولا يوجد عندنا لكي نذكره إلا كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام فضائل القرآن؛ لأنه خصص جزءاً منه لما يتعلق باختلاف رسوم المصاحف، ويذكرها بالسند.

أيضاً من الكتب الكتب التي كتبت في الانتصار للقرآن، والانتصار مناهج العلماء فيه على أنواع، قد يكون أحياناً انتصاراً لنظمه، وقد يكون انتصاراً لما يتعلق برسمه، فعندنا مجموعة من الكتب بهذا العنوان، فيحتمل أن تكون من هذا الباب، ويحتمل أن تكون من باب غيره.

من أمثلة كتب الانتصار كتاب: الانتصار لـابن أخشيد وهو: أبو بكر أحمد بن علي البغدادي المعتزلي، له كتاب في الانتصار للقرآن، يعني: في النقل، توفي سنة ثلاثمائة وست وعشرين.

بعده يأتينا كتاب مهم جداً وقد طبع جزء منه كتاب الانتصار لنقل القرآن لـلباقلاني توفي أربعمائة وثلاث وهو من فضلاء الأشاعرة، وقد كتب هذا الكتاب للرد على من طعن في نقل القرآن، وهذا الكتاب عمدة لما جاء بعده في النقاش أو في الجدل العقلي للرد على أمثال هؤلاء؛ لأن الباقلاني رحمه الله تعالى المنهج العام عنده في كثير من كتاباته كانت المنحى العقلي، وفي هذا الكتاب نحى نفس المنحى لكن باعتماد الأثر، فهو كتاب مفيد، وأقول: إنه من المفيد جداً دراسة المنهج الجدلي في الرد على من طعن في نقل القرآن من خلال كتاب الباقلاني ، يعني: كيف نجادل من طعن في نقل القرآن ؟ ندرس كيف تعالم الباقلاني مع هؤلاء، ونستخرج من المنهج الجدلي الباقلاني في هذا الكتاب، لأنه يمكن أن نستفيد منه حتى في هذا الوقت.

وعندنا أيضاً من المصادر التي تتعلق بهذا الموضوع: كتب علوم القرآن، ونلاحظ أن جل الموضوعات التي تناقش في تاريخ القرآن هي في الحقيقة جزء من علوم القرآن لا تنفك منه؛ ولهذا تجد من كتب في تاريخ القرآن بهذا المصطلح لا يمكن أن ينفك من كتاب الإتقان لـلسيوطي ؛ لأنه أكثر انتشاراً، ومثله كتاب البرهان، ومثله أيضاً: الزيادة والإحسان لـابن عقيلة ، فكتب علوم القرآن عموماً المتقدمة والمتأخرة هي في الحقيقة مصدر من مصادر تاريخ القرآن، أو ممكن أن نقول: إنها تكلمت عن جزء كبير مما يتعلق بقضية تاريخ القرآن.

وقريب من هذا العصر بدأت تخرج كتب بهذا العنوان: تاريخ القرآن، عندنا كتاب منسوب لـموسى جار الله رستف دوني الروسي، له كتاب في هذا وقد طبع عام ألف وثلاثمائة وثلاث وعشرين في المطبعة الإسلامية ببطرس برق.

ومن الكتب الأقرب معاصرة عندنا وأهم كتاب يمكن أن ننتبه له هو كتاب للمستشرق نول دكة بعنوان: تاريخ القرآن، وهذا الكتاب يعد عند المستشرقين ككتاب سيبويه عند النحاة، المصدر الأول في النحو، يعني: قيمته العلمية كبيرة، أيضاً بالنسبة للمستشرقين القيمية العلمية لكتاب نول دكة تاريخ القرآن قوية جداً، بل إنهم يعتمدون عليه ويرونه فتحاً، بل إن هذا الكتاب لما كتبه نول دكة وكان كتبه وعمره خمس وعشرون سنة، في مسابقة وفاز بهذه المسابقة، لما كتب هذا الكتاب أحدث نقلة تاريخية نوعية في الكتابة عن تاريخ القرآن للمستشرقين الذين جاءوا بعده، فصارت جل دراساتهم تدور حول أفكار نول دكة هذا، ولهذا الكتاب هو في الحقيقة نقض لكل الدراسات التي قامت عليه.

ومن باب الفائدة هذا الكتاب إذا قرأه المسلم يلاحظ فيه الخلط الكثير، ويلاحظ فيه أشياء كثيرة، سآتي إن شاء الله إلى ذكر المنهجيات التي كان يستخدمها المستشرقون في تناولهم ما يتعلق بتاريخ القرآن.

كذلك أيضاً تاريخ القرآن لـمحمد طاهر الكردي ، وهذا الكتاب في بعض قضايا علوم القرآن مرتبطة به وأخص ما فيها كان عما يتعلق برسمه، و محمد طاهر الكردي رحمه الله تعالى كان خطاطاً فاعتنى كثيراً بما يتعلق بقضية الرسم.

ومن الكتب أيضاً المعاصرة وهو قريب جداً كتاب مدخل إلى القرآن الجزء الأول منه التعريف بالقرآن للدكتور محمد عابد الجابري ، وهذا الكتاب فيه محاولة طرح جديد لدراسة تاريخ القرآن على نمط الدكتور محمد الجابري في نقاشه للتراث أو للعقل العربي، والقضية التي ظهر بها بفلسفته الجديدة، فانتقد ما يتعلق بتاريخ القرآن بهذه الطريقة.

والآراء التي طرحها هذه ليست الآن موضوعنا، لكن أقصد أن هذه من الكتب التي طرحت ما يتعلق بتاريخ القرآن، ولعلي آتي إلى بعض الملحوظات على هذه المنهجية التي سلكها في هذا الموضوع.

نأتي الآن إلى قضية المناهج في دراسة تاريخ القرآن:

القرآن في نظر المسلمين

لو نظرنا إلى الكتاب لهذا الموضوع، فإذا كان من المسلمين فما هي نظرة المسلمين للقرآن؟ وكيف يتلقون الأخبار؟

وهذه قضية مهمة جداً، المستشرقون لم يحرصوا على الاعتناء بها؛ لأنهم لو اعتنوا بها اعتناءً حقيقياً لأوصلتهم إلى رفض كثير من آرائهم التي أقاموها؛ ولذا أقول: إنه من المهم جداً أن ننتبه إلى هذه القضية المنهجية، التي هي: كيف يتلقى المسلمون القرآن والسنة؟ كيف يتلقون هذا العلم؟

طريقة تلقيهم لهذا العلم لم يحرص المستشرقون ولا غيرهم على دراستها، وإنما كانوا يشككون في أفراد مما يتعلق بهذه القضية ليسقطوا كليات، والذي يؤسف عليه ليس أن يفعل هؤلاء هذا، وإنما الذي يؤسف عليه أن يوجد أحياناً عندنا نحن طلبة العلم من يتشرب مثل هذه الأمور فتقع مشكلة في هذا.

فإذاً أقول: إنه يجب أن ننتبه إلى هذا الأمر، فلا يوجد مسلم يخالف في تقديس القرآن، وأنه منزل من عند الله؛ لأنه لا يمكن أن يكون مسلماً وهو ينكر هذا.

فإذاً: هذه النظرة من المسلمين وطريقة تلقي القرآن عندهم والسنة قضية كلية، ويمكن أخذها واستلهامها من خلال القراءة في طبقات التراجم وفي طريقة تدوين القرآن وطريقة تدوين السنة، وهي طريقة كبيرة جداً جداً لا يدانيها أي عمل من أعمال البشر في وقتهم، فلو جئت إلى كل الحضارات التي كانت حولهم أو التي كانت قبلهم لا يوجد ما يداني ما عمله المسلمون في تدوين كتابهم، وتدوين سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

وهنا إشكالية لا بد من ذكرها فيما يتعلق بالمسلمين، وهي رأي الرافضة في نقل القرآن، فالرافضة مختلفون في نقل القرآن هل القرآن الموجود هذا كامل أو ناقص؟ يتفقون في أن الموجود الآن من القرآن لكنهم يقولون: إنه ناقص، فهم يدعون النقص، طبعاً ليس كل الرافضة، ولكن هناك جمهور من الرافضة يرون هذا، فإذا جئت تناقش هؤلاء دخلت في مشكلة التقية عندهم، وأحسنهم حالاً من إذا احتججت عليه برأي فلان أو علان يقول لك: هذا رأيه وأنا لا ألتزم به، مع أن عندهم مقدمات لا يمكن أن تسهم في هذه النتيجة؛ فعندهم أن رأي بعض الأئمة لا يجوز تجاوزه، فإذا نقلت له رأي أحد أئمتهم اعتذر لك أن هذا رأي فلان وأنا لا أتحمل هذا الرأي ولا أقبله.

إذاً: ليس عندهم في هذا الموضوع قضية النقل والاعتماد على المنقول، إنما هو تهرب، وإلى اليوم وهم يتهربون من هذا ويتخوفون منه، فإن كانت لهم سطوة أخرجوا ما يزعمون بأنه مصحف فاطمة أو غيره، وإذا لم يكن كمنوا وخمدوا.

فالمسألة مع الرافضة والكلام معهم أنا لا أرى أنها تجدي، وليس هذا نقاشنا اليوم، لكني أردت أن أشير إلى أنه لا يمكن تجاوز هذه النقطة والتنبه لها، وأنه ما زال جمهور من الرافضة يرون هذا الرأي، لا نستطيع أن نعمم، لكن نقول: جمهور من الرافضة يرون هذا الرأي، ويرون أن المصحف الذي بين أيدينا ناقصاً، ولا شك أن هذا كلام باطل وليس عليه أي دليل، وإن كانوا يعتمدون على أحاديث عندنا بالنسبة لنا صحيحة وغير صحيحة، لكنهم يعتمدون عليها من باب التشبيه والتدليس، وستأتي إشارة إن شاء الله إليها حين نتكلم عن القراءات الشاذة والقراءات المنسوخة بإذن الله.

منهج أهل الإلحاد في دراسة تاريخ القرآن

عندنا أيضاً من الدارسين أهل الإلحاد سواءً من المتقدمين مثلما ذكرنا ردود بعض العلماء عليهم أو من المعاصرين، ولو تأملتم الإنترنت اليوم ستجدونه طافحاً مليئاً بكلام هؤلاء فيما يتعلق بقضية القرآن ونقل القرآن.

وأهل الإلحاد المشكلة فيهم أنهم حينما يدخلون إلى هذا الموضوع أو غيره ليس مرادهم الوصول إلى الحق، ولهذا يأتون بحجج واهية جداً جداً لا يقولها الطفل الصغير، وكذلك يحتجون بما أنت تعلم أنه باطل وموضوع عندك؛ لأجل فقط إثبات ما يريدون، وليس لأجل غرض آخر.

فلهذا نقاش هؤلاء لا يجدي؛ لأنهم لا يريدون الحق أصلاً، هذا يريد أن يطعن في دينك فقط، ولا يعني هذا أنهم لا يرد عليهم، لكن نقول: نقاشهم والمجادلة معهم لا تجدي، وأنا أعجبني أحد المفكرين الإسلاميين مرة كان يناقش في موضوع مع بعض هؤلاء الملحدين، فهو يشبه هذا الأمر بإنسان خارج من بيته نظيف لابس هندام واحد أكرمكم الله خارج من وسط بيارات ممتلئ بالقاذورات ويقول للرجل النظيف: تعال أصارعك، من الذي سيخسر؟!! النتيجة واضحة.

إذاً: هو ما عنده شيء يخسره وليس عنده أصلاً ثوابت أو مبدأ لكي نقول: والله إذا نوقش سيرجع عنها، فقضية أهل الإلحاد بالذات النقاش معهم عسير؛ لأنهم لا يريدون أن يصلوا إلى الحق، لكن لا يعني هذا أن يترك لهم الزمام ولكن قصدت أن ننتبه إلى هذه الحيثية.

منهج المستشرقين والمنصرين في دراسة تاريخ القرآن

القسم الثاني: المستشرقون والمنصرون، أما المنصرون فالأصل فيهم هو: الطعن في القرآن؛ لأن هذا يخالف نصرانيتهم وهذا طبيعي، وأما المستشرقون فمن باب العدل أن ننتبه إلى أن بعضهم قد يريد العلم لذات العلم، لكنهم قليل جداً، وكثير من هؤلاء المستشرقين لا يخلو إما أن يكون منطلقه توراثياً، يعني: يريد أن يثبت صحة ما جاء في كتبهم، وقد يكون مستشرقاً علمانياً، لكن إذا جاءت مسألة الإسلام والنصرانية، يقدم النصرانية على الإسلام وإن كان يتذرع بالعلمانية، وهذا موجود في كتبهم.

الثاني: أن يكون مدعوماً من جهات تنصيرية وهذا أيضاً موجود، فإذا كان بعض المستشرقين لم يدعم فإن بعض المستشرقين قد دعم، ودفع له؛ لكي يكتب ضد الإسلام سواء في القرآن أو غيره، ومن باب الفائدة بدأت مراكز البحث العلمي تحتل مكانة المستشرقين القديمة، يعني: المستشرق القديم الذي كنا نراه يأتي إلى الأزهر أو إلى لبنان أو إلى سوريا ويدرس ويتعلم العربية، ثم يذهب ويسمى مستشرقاً، ويدرس الإسلام، ويخرج كتباً هذا مازال موجوداً، لكن الآن بدأت تحتل مكانته التي كانت موجودة سابقاً مراكز البحث العلمي، فيجب أن ننتبه إلى ما تخرجه مراكز البحث العلمي، والذي ذكر سؤالاً أمس ما قام به اليهود من تفسير للقرآن جديد، أو كذلك ما قامت به أمريكا في الكتاب الذي يسمونه: الفرقان الحق، وسيقوم غيرها وكل هذه تخرج عن مراكز دراسات وليس عن شخص معين، فإذاً: يجب أن ننتبه إلى أن الهجمة بدأت تتغير من كون المستشرق يكتب إلى كونه جماعة من المفكرين تحت ما يسمى بمركز علمي يكتبون في الطعن ضد القرآن.

فهؤلاء المستشرقون والمنصرون منطلقاتهم متعددة، لكن الجامع بينهم هو: محاولة إسقاط هذا الكتاب، في النهاية أي كتابة لهم فهي محاولة إسقاط هذا الكتاب، سواءً فيما يتعلق بنقله يعني: كيف نقل إلينا؟ أو ما يتعلق بمضمونه وهذا ليس مجاله الآن ولو كان الحديث عن مضمون القرآن فسنجد كيف يتعاملون مع مضمون القرآن.

وأيضاً من باب الفائدة: لو نحن رجعنا إلى نظر التاريخ فيما يسمى: بالسامية، التاريخ السامي، لما يتكلمون عن السامية يذكرون اليهود الذين هم العبريون، ويذكرون أيضاً العرب، ويذكرون جملة من الأقوام الأخرى ويدخلونها في مصطلح السامية مع أنه مصطلح لا واقع له، لكن هكذا الآن هو موجود.

السؤال الذي أريد أن ننتبه له: إذا كان هؤلاء ساميين، فهل نعتمد ما جاء عن العرب على أنهم ساميون أو لا؟ هذا من خلال البحث عند هؤلاء سواءً كانوا باسم منصرين أو مستشرقين أو باحثين أين كانوا.

العجيب أنهم كلهم يجمعون على أنهم لا يعتدون بأي مكتوب صادر من هذه الجزيرة لا سابقاً ولا لاحقاً؛ ففي هذه الدراسات عدم الاعتداد بالعرب ولا بكتابات العرب جملة وتفصيلاً.

لو نظرنا إلى الكتاب لهذا الموضوع، فإذا كان من المسلمين فما هي نظرة المسلمين للقرآن؟ وكيف يتلقون الأخبار؟

وهذه قضية مهمة جداً، المستشرقون لم يحرصوا على الاعتناء بها؛ لأنهم لو اعتنوا بها اعتناءً حقيقياً لأوصلتهم إلى رفض كثير من آرائهم التي أقاموها؛ ولذا أقول: إنه من المهم جداً أن ننتبه إلى هذه القضية المنهجية، التي هي: كيف يتلقى المسلمون القرآن والسنة؟ كيف يتلقون هذا العلم؟

طريقة تلقيهم لهذا العلم لم يحرص المستشرقون ولا غيرهم على دراستها، وإنما كانوا يشككون في أفراد مما يتعلق بهذه القضية ليسقطوا كليات، والذي يؤسف عليه ليس أن يفعل هؤلاء هذا، وإنما الذي يؤسف عليه أن يوجد أحياناً عندنا نحن طلبة العلم من يتشرب مثل هذه الأمور فتقع مشكلة في هذا.

فإذاً أقول: إنه يجب أن ننتبه إلى هذا الأمر، فلا يوجد مسلم يخالف في تقديس القرآن، وأنه منزل من عند الله؛ لأنه لا يمكن أن يكون مسلماً وهو ينكر هذا.

فإذاً: هذه النظرة من المسلمين وطريقة تلقي القرآن عندهم والسنة قضية كلية، ويمكن أخذها واستلهامها من خلال القراءة في طبقات التراجم وفي طريقة تدوين القرآن وطريقة تدوين السنة، وهي طريقة كبيرة جداً جداً لا يدانيها أي عمل من أعمال البشر في وقتهم، فلو جئت إلى كل الحضارات التي كانت حولهم أو التي كانت قبلهم لا يوجد ما يداني ما عمله المسلمون في تدوين كتابهم، وتدوين سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

وهنا إشكالية لا بد من ذكرها فيما يتعلق بالمسلمين، وهي رأي الرافضة في نقل القرآن، فالرافضة مختلفون في نقل القرآن هل القرآن الموجود هذا كامل أو ناقص؟ يتفقون في أن الموجود الآن من القرآن لكنهم يقولون: إنه ناقص، فهم يدعون النقص، طبعاً ليس كل الرافضة، ولكن هناك جمهور من الرافضة يرون هذا، فإذا جئت تناقش هؤلاء دخلت في مشكلة التقية عندهم، وأحسنهم حالاً من إذا احتججت عليه برأي فلان أو علان يقول لك: هذا رأيه وأنا لا ألتزم به، مع أن عندهم مقدمات لا يمكن أن تسهم في هذه النتيجة؛ فعندهم أن رأي بعض الأئمة لا يجوز تجاوزه، فإذا نقلت له رأي أحد أئمتهم اعتذر لك أن هذا رأي فلان وأنا لا أتحمل هذا الرأي ولا أقبله.

إذاً: ليس عندهم في هذا الموضوع قضية النقل والاعتماد على المنقول، إنما هو تهرب، وإلى اليوم وهم يتهربون من هذا ويتخوفون منه، فإن كانت لهم سطوة أخرجوا ما يزعمون بأنه مصحف فاطمة أو غيره، وإذا لم يكن كمنوا وخمدوا.

فالمسألة مع الرافضة والكلام معهم أنا لا أرى أنها تجدي، وليس هذا نقاشنا اليوم، لكني أردت أن أشير إلى أنه لا يمكن تجاوز هذه النقطة والتنبه لها، وأنه ما زال جمهور من الرافضة يرون هذا الرأي، لا نستطيع أن نعمم، لكن نقول: جمهور من الرافضة يرون هذا الرأي، ويرون أن المصحف الذي بين أيدينا ناقصاً، ولا شك أن هذا كلام باطل وليس عليه أي دليل، وإن كانوا يعتمدون على أحاديث عندنا بالنسبة لنا صحيحة وغير صحيحة، لكنهم يعتمدون عليها من باب التشبيه والتدليس، وستأتي إشارة إن شاء الله إليها حين نتكلم عن القراءات الشاذة والقراءات المنسوخة بإذن الله.

عندنا أيضاً من الدارسين أهل الإلحاد سواءً من المتقدمين مثلما ذكرنا ردود بعض العلماء عليهم أو من المعاصرين، ولو تأملتم الإنترنت اليوم ستجدونه طافحاً مليئاً بكلام هؤلاء فيما يتعلق بقضية القرآن ونقل القرآن.

وأهل الإلحاد المشكلة فيهم أنهم حينما يدخلون إلى هذا الموضوع أو غيره ليس مرادهم الوصول إلى الحق، ولهذا يأتون بحجج واهية جداً جداً لا يقولها الطفل الصغير، وكذلك يحتجون بما أنت تعلم أنه باطل وموضوع عندك؛ لأجل فقط إثبات ما يريدون، وليس لأجل غرض آخر.

فلهذا نقاش هؤلاء لا يجدي؛ لأنهم لا يريدون الحق أصلاً، هذا يريد أن يطعن في دينك فقط، ولا يعني هذا أنهم لا يرد عليهم، لكن نقول: نقاشهم والمجادلة معهم لا تجدي، وأنا أعجبني أحد المفكرين الإسلاميين مرة كان يناقش في موضوع مع بعض هؤلاء الملحدين، فهو يشبه هذا الأمر بإنسان خارج من بيته نظيف لابس هندام واحد أكرمكم الله خارج من وسط بيارات ممتلئ بالقاذورات ويقول للرجل النظيف: تعال أصارعك، من الذي سيخسر؟!! النتيجة واضحة.

إذاً: هو ما عنده شيء يخسره وليس عنده أصلاً ثوابت أو مبدأ لكي نقول: والله إذا نوقش سيرجع عنها، فقضية أهل الإلحاد بالذات النقاش معهم عسير؛ لأنهم لا يريدون أن يصلوا إلى الحق، لكن لا يعني هذا أن يترك لهم الزمام ولكن قصدت أن ننتبه إلى هذه الحيثية.

القسم الثاني: المستشرقون والمنصرون، أما المنصرون فالأصل فيهم هو: الطعن في القرآن؛ لأن هذا يخالف نصرانيتهم وهذا طبيعي، وأما المستشرقون فمن باب العدل أن ننتبه إلى أن بعضهم قد يريد العلم لذات العلم، لكنهم قليل جداً، وكثير من هؤلاء المستشرقين لا يخلو إما أن يكون منطلقه توراثياً، يعني: يريد أن يثبت صحة ما جاء في كتبهم، وقد يكون مستشرقاً علمانياً، لكن إذا جاءت مسألة الإسلام والنصرانية، يقدم النصرانية على الإسلام وإن كان يتذرع بالعلمانية، وهذا موجود في كتبهم.

الثاني: أن يكون مدعوماً من جهات تنصيرية وهذا أيضاً موجود، فإذا كان بعض المستشرقين لم يدعم فإن بعض المستشرقين قد دعم، ودفع له؛ لكي يكتب ضد الإسلام سواء في القرآن أو غيره، ومن باب الفائدة بدأت مراكز البحث العلمي تحتل مكانة المستشرقين القديمة، يعني: المستشرق القديم الذي كنا نراه يأتي إلى الأزهر أو إلى لبنان أو إلى سوريا ويدرس ويتعلم العربية، ثم يذهب ويسمى مستشرقاً، ويدرس الإسلام، ويخرج كتباً هذا مازال موجوداً، لكن الآن بدأت تحتل مكانته التي كانت موجودة سابقاً مراكز البحث العلمي، فيجب أن ننتبه إلى ما تخرجه مراكز البحث العلمي، والذي ذكر سؤالاً أمس ما قام به اليهود من تفسير للقرآن جديد، أو كذلك ما قامت به أمريكا في الكتاب الذي يسمونه: الفرقان الحق، وسيقوم غيرها وكل هذه تخرج عن مراكز دراسات وليس عن شخص معين، فإذاً: يجب أن ننتبه إلى أن الهجمة بدأت تتغير من كون المستشرق يكتب إلى كونه جماعة من المفكرين تحت ما يسمى بمركز علمي يكتبون في الطعن ضد القرآن.

فهؤلاء المستشرقون والمنصرون منطلقاتهم متعددة، لكن الجامع بينهم هو: محاولة إسقاط هذا الكتاب، في النهاية أي كتابة لهم فهي محاولة إسقاط هذا الكتاب، سواءً فيما يتعلق بنقله يعني: كيف نقل إلينا؟ أو ما يتعلق بمضمونه وهذا ليس مجاله الآن ولو كان الحديث عن مضمون القرآن فسنجد كيف يتعاملون مع مضمون القرآن.

وأيضاً من باب الفائدة: لو نحن رجعنا إلى نظر التاريخ فيما يسمى: بالسامية، التاريخ السامي، لما يتكلمون عن السامية يذكرون اليهود الذين هم العبريون، ويذكرون أيضاً العرب، ويذكرون جملة من الأقوام الأخرى ويدخلونها في مصطلح السامية مع أنه مصطلح لا واقع له، لكن هكذا الآن هو موجود.

السؤال الذي أريد أن ننتبه له: إذا كان هؤلاء ساميين، فهل نعتمد ما جاء عن العرب على أنهم ساميون أو لا؟ هذا من خلال البحث عند هؤلاء سواءً كانوا باسم منصرين أو مستشرقين أو باحثين أين كانوا.

العجيب أنهم كلهم يجمعون على أنهم لا يعتدون بأي مكتوب صادر من هذه الجزيرة لا سابقاً ولا لاحقاً؛ ففي هذه الدراسات عدم الاعتداد بالعرب ولا بكتابات العرب جملة وتفصيلاً.




استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
تاريخ القرآن الكريم [4] 3243 استماع
تاريخ القرآن الكريم [5] 3196 استماع
تاريخ القرآن الكريم [6] 3000 استماع
تاريخ القرآن الكريم [7] 2327 استماع
تاريخ القرآن الكريم [1] 2217 استماع
تاريخ القرآن الكريم [3] 2123 استماع