عنوان الفتوى : الحكمة من جعل خدم أهل الجنة ولدانًا مخلدين صغارًا في السن
ما الحكمة من جعل خدم أهل الجنة ولدانًا مخلدين صغارًا في السن -حسب ما فهمت-؟ وهل السبب في ذلك أنه لو جعلهم رجالًا أو نساء بالغين، فقد يسببون إثارة جنسية للزوج أو الزوجة في الجنة، وهم لا يحلّون لهم للنكاح؛ لذلك فهيئة الصغير في السن لا تسبب إثارة جنسية، أم غير ذلك؟ وشكرًا لكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحكمة التي نصّ عليها من اطّلعنا على كلامه من أهل العلم في جعل خدم أهل الجنة ولدانًا، وليسوا كبارًا، تدور على كون هذه السن: أنشط وأخف في الخدمة، وأسرع في الاستجابة، وأقرب لرفع الحرج عن المخدوم، قال القرطبي في جامعه: يخدمهم ولدان مخلدون؛ فإنهم أخف في الخدمة. ثم قال: مخلدون، أي: باقون على ما هم عليه من الشباب، والغضاضة، والحسن، لا يهرمون، ولا يتغيرون، ويكونون على سن واحدة على مر الأزمنة. اهـ.
وقال ابن عاشور في «التحرير والتنوير»: وأحسن من يتخذ للخدمة الولدان؛ لأنهم أخف حركة، وأسرع مشيًا. ولأن المخدوم لا يتحرج إذا أمرهم أو نهاهم. اهـ.
وجاء في «التفسير الوسيط لمجمع البحوث»: ولعل الحكمة في أَن الله فطرهم وخلقهم على تلك الصورة، أَنهم في سنهم هذه يكونون أَخف في الخدمة، وأَسرع في الاستجابة؛ تلبية لمخدوميهم، وإِرضاءً لهم، وهم مع ذلك باقون ودائمون على ما هم عليه من الشباب، والغضاضة، والحسن، لا يهرمون، ولا يتغيرون. اهـ.
ويؤكد هذا أن هؤلاء الولدان لم يذكروا في القرآن إلا مع ذكر الطواف على أهل الجنة بالخدمة، وهذا في ثلاث مواضع في كتاب الله تعالى: قوله -عز وجل-: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ [الطور:24]، وقوله: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [الواقعة:17] وقوله: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا [الإنسان:19].
والطواف ليس مجرد ذهاب أو إياب، بل فيه تكرار واستمرار، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: الطواف: المشي المكرر حول شيء، وهو يقتضي الملازمة للشيء. ووصف الولدان بالمخلدين، أي: دائمين على الطواف عليهم، ومناولتهم، لا ينقطعون عن ذلك. وإذ قد ألفوا رؤيتهم، فمن النعمة دوامهم معهم. وقد فسر مخلدون بأنهم مخلدون في صفة الولدان، أي: بالشباب، والغضاضة. اهـ.
وأما ما ذكره السائل من الحكمة، فليس بسديد! فإن الجنة ليست محلًّا للمعاصي والفتن، وليست هي دار تكليف، بل هي دار نعيم وإكرام، ولأهلها فيها -رجالًا، ونساءً- ما يشاؤون، وما يشتهون، ويجدون فيها ما يطلبون.
والله أعلم.