فتاوى نور على الدرب [225]


الحلقة مفرغة

السؤال: نحن نعيش في إحدى قرى الجنوب وقد بنينا مسجداً للصلاة فيه، ولكننا عندما بدأنا نبنيه وجدنا فيه قبوراً فقمنا بأخذ الجثث منه ووضعناها في مكانٍ آخر علماً أنه يوجد لدينا مسجد قديم وليس فيه قبور ولكنه صغير ومبني من الطين، فهل تجوز لنا الصلاة في هذا المسجد الجديد أم ماذا علينا أن نفعل؟

الجواب: هذه قبور لا تخلو: إما أن تكون قبوراً جاهلية -قبور كفار- فلا حرمة لها، وإما أن تكون قبور مسلمين، فإن كانت قبور مسلمين فإنه ليس لكم الحق في نبشها وبناء المسجد مكانها، وما فعلتموه من النبش وبناء المسجد فإنكم قد أخطأتم في ذلك، وعليكم الآن أن تراجعوا المسئولين في بلادكم عن هذه المسألة، والجهات المسئولة في هذا إما المحكمة وإما وزارة الأوقاف حتى تنظر في هذا الأمر: هل يُهدم المسجد وترد الرمم إلى مكانها أو يقال: إنه لما بني المسجد ونقلت الجثث إلى المقبرة مع الناس فإنه يبقى على ما هو عليه، فما رأته الجهات المسئولة في هذا الأمر فنرجو الله عز وجل أن تكون فيه موفقة للصواب، كما أننا نرجو من عامة إخواننا المسلمين ألا يقدموا لمثل هذه الأعمال إلا بعد سؤال أهل العلم أو مراجعة المسئولين في ذلك.

السؤال: أنا أعمل مزارعاً عند رجل بالعراق، وحصل بيني وبينه ذات مرة خصام وكنت وقتها في حالة غضب شديد ولم أمتلك أعصابي، فحلفت بالطلاق والمحرمات أنني لا أزرع عنده ولكنني وبعد أن هدأت ثورتي فكرت في مصيري وفي حاجتي للعمل للاكتساب فرجعت أعمل عنده، وحصلت مرة أخرى مشكلة معه فتشاجرنا على إثرها إلى أن بلغ الغضب مني أشده، فقلت: تكون زوجتي محرمة علي إن زرعت عندك بعد هذه المرة، ولكنني أيضاً ما لبثت أن عدت أزرع عنده إلى أن حصدت تلك الثمرة ولم أزرع عنده بعدها، فما الحكم فيما صدر مني في المرتين علماً أنني سألت فقيل لي: ليس علي شيء ولكنني أريد التأكد مما يجب علي نحوهما؟

الجواب: الحكم فيما فعلت وهو أنك حلفت بالتحريم على أن لا تشتغل عند هذا الرجل حينما بلغ الغضب منك أشده، الحكم في هذا أنا نقول لك: ينبغي لك أن تضبط نفسك، وأن تمنع غضبك وأن تهدئ أعصابك وإذا أردت أن تحلف فلتحلف بالله ولا تحلف بطلاق ولا بمحرمات، فإن ذلك خلاف ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( من كان حالفاً فليحلف بالله )، ولكن الذي وقع لا يمكن رده، والواجب عليك حين رجعت إلى العمل عند هذا الرجل الذي حرمت العمل عنده أو حلفت بالتحريم على أن لا تعمل عنده، الواجب عليك أن تكفر كفارة يمين، وكفارة اليمين ذكرها الله تعالى في سورة المائدة في قوله: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89]، والدليل على أن التحريم تلزم فيه كفارة اليمين قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2]، فجعل الله تعالى التحريم يميناً، وعلى هذا فيلزمك كفارة يمين حين حنثت في هذا التحريم، ولكن نصيحتي لك أعيدها مرة ثانية ولكل من يسمع ألا تتسرع في هذه الأمور، وألا تجعل هذه الأمور على لسانك، بل إذا كنت حالفاً ولابد من الحلف فاحلف بالله عز وجل.

السؤال: كانت زوجتي نفساء، وأتى عليها شهر رمضان ولم تصمه، وقبل أن تقضي هذا الشهر وبعد خمسة أشهر فقط حملت بالمولود الثاني، وفي خلال الأشهر الخمسة لم تتمكن من القضاء نظراً لأنها كانت مرضعة ولأنها تتعب تعباً شديداً في بداية الحمل مما يتسبب في ضعفها ويضطرها أن ترقد في المستشفى، ثم مرة ثانية جاءها شهر رمضان وهي حامل في شهرها بالمولود الثالث، فحاولت أن تصوم ولكنها لم تستطع الصيام فأفطرت وأطعمت عن باقي الأيام عن كل يوم مسكيناً كما أنها أطعمت عن الشهر الأول، فهل يكفي الإطعام عن الصيام أسوة بالشيخ الكبير العاجز أم يلزمها القضاء، وإذا كان يلزمها القضاء فهل عن الحالتين أم عن إحداهما، وإذا كان الجواب بالقضاء فما معنى كلام الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عندما سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها وشق عليها الصيام، فقال: تفطر وتطعم عن كل يوم مسكيناً مداً من حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا اعتبرنا هذا صحيحاً بالنسبة للحامل فهل تدخل فيه النفساء علماً بأن الإطعام حصل في الحالتين: في المرة الأولى بالنقد وزع المبلغ على المساكين، وفي المرة الثانية كان أيضاً بإفطار أحد المساكين طعاماً جاهزاً يأكل ويشرب يومياً حتى نهاية رمضان، فهل هذا الأمر صحيح ويجزئ بهذا الشكل أم لا؟

الجواب: إذا كان هذا العمل الذي عملته مبنياً على استفتاء لأحد من أهل العلم فأنت على ما أفتيت به، وإذا كان مبنياً على غير علم فإن القول الراجح في هذه المسألة: أن الحامل والمرضع يجب عليهما قضاء الصوم ولابد؛ لأن غاية الأمر أن نلحقهما بالمريض، وقد أوجب الله تعالى على المريض القضاء، فقال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، والواجب القضاء دون الإطعام، لكن لو فرض أن هذه المرأة يستمر معها العجز عن الصيام في كل السنة فإنها حينئذٍ تلحق بالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام؛ لأنها أصبحت لا يرجى زوال علتها التي تمنعها من الصيام وحينئذٍ فتطعم عن كل يوم مسكيناً ولابد من الإطعام لا يجزئ إخراج الفلوس عنه، ثم لابد من أن يكون المساكين بعدد الأيام، فتكرار الإطعام لمسكين واحد كما هو ظاهر السؤال لا يجزئ حتى لو كرره عليه طيلة الشهر، بل لابد من أن يطعم تسعة وعشرين مسكيناً إن كان الشهر تسعة وعشرين، أو ثلاثين مسكيناً إن كان الشهر ثلاثين يوماً.

مداخلة: وكونه أخرج نقوداً في بعض الأيام؟

الشيخ: ذكرت أنه إن كان مستنداً على فتوى أحد من أهل العلم فهو على ما أفتاه به وإلا فإنه لابد من الإطعام وتكون هذه النقود التي أخرجها تكون صدقة ولا تجزئ عن الواجب.

السؤال: ماذا تعني كلمة الإلحاد وهل هناك فرق بين الملحد والكافر الذي كان مسلماً أو هو كافر بأصله كاليهودي والنصراني؟

الجواب: كلمة الإلحاد لها معنى لغوي ولها معنى عرفي:

أما معناها اللغوي: فهو الميل عن طاعة الله سبحانه وتعالى بمعصيته، إما بترك الواجب وإما بفعل محرم، لقوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25] ، وعلى هذا فكل عاصٍ لله سبحانه وتعالى يكون ملحداً، ولكن الإلحاد ينقسم إلى قسمين: قسم مخرج عن الملة وهو ما أوجب الكفر، وقسم لا يخرج من الملة وهو ما أوجب الفسوق.

وأما المعنى العرفي: فالإلحاد هو إنكار الألوهية يعني: إنكار وجود الله والعياذ بالله أو ارتداد المسلم هذا هو الذي أعرفه من معنى الإلحاد في العرف، وعلى هذا فاليهود والنصارى في العرف لا يعتبرون ملحدين، ولكن هذا العرف ليس بصحيح؛ لأن العرف إذا خالف الشرع وجب إلغاؤه وطرحه، والصواب أن كل من خرج عمن خالف الإسلام ولم يكن مسلماً فهو ملحد، سواءٌ انتسب إلى دين أم لم ينتسب، وسواء أقر بوجود الخالق أم لم يقر به، فكل من كان كافراً كفراً أصلياً أو كان مرتداً فإنه يكون ملحداً؛ لأنه والعياذ بالله وإن كان الكفر دركات بعضها أسفل من بعض لكنه كله ملة واحدة باعتبار أنه خروج عن الإسلام.

السؤال: هل مس المرأة ينقض الوضوء، سواء كانت زوجة الرجل أو غيرها وهل في هذا اختلاف بين المذاهب الأربعة فأنا ملتزم بالمذهب الشافعي؟

الجواب: مس المرأة إذا كانت غير محرم للإنسان محرم، سواء كان لشهوة أو لغير شهوة، وعلى هذا فلا يجوز للرجل أن يصافح امرأة ليست من محارمه مطلقاً، سواء كان لشهوة أو لغير شهوة، وأما إذا كانت المرأة زوجته فإنه يجوز أن يمسها لشهوة ولغير شهوة، والصحيح أن وضوءه لا ينتقض، سواء مسها لشهوة أو لغير شهوة إلا أن يخرج منه خارج بسبب هذا المس فينتقض وضوءه من الخارج كما لو أمذى مثلاً، وأما مجرد المس ولو بشهوة فإنه لا ينقض، هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم.

وأما سؤال السائل: هل في ذلك خلاف بين أهل العلم؟ ففيه خلاف: فمن أهل العلم من يرى أن مس المرأة ينقض سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، ومنهم من يرى أنه لا ينقض سواء كان لشهوة أم لغير شهوة، ومنهم من يفصل فيقول: إن مسها لشهوة انتقض وضوءه وإن لم يمسها لشهوة لم ينتقض وضوءه، ولكن الصواب أنه لا ينتقض مطلقاً ما لم يخرج منه خارج.

السؤال: توفي والدي وترك بعض المال النقدي إلى جانب قطعة أرض وشقة سكنية، وقد خلف ورثة وهم زوجته وثلاثة أبناء وبنت وثلاثة إخوة وأربع أخوات، فكيف نقسم التركة بينهم وما نصيب كل منهم؟

الجواب: الإخوة والأخوات ليس لهم من الميراث شيء؛ لأنهم يسقطون بالأبناء، وأما الأبناء والبنت والزوجة فلهم الميراث: للزوجة الثمن، والباقي للأبناء والبنات، فيكون الباقي من إرث الزوجة سبعة أسهم من ثمانية لكل ولد سهمان وللبنت سهم، وعلى هذا فتقسم التركة على ثمانية أسهم: سهم للزوجة وهو الثمن فرضاً، والباقي سبعة أسهم للأبناء الثلاثة والبنت، للذكر مثل حظ الأنثيين، فيكون لكل ابن سهمان فهم ثلاثة هذه ستة أسهم وللبنت سهم واحد هذه سبعة أسهم بالإضافة إلى سهم المرأة الثمن هذه ثمانية أسهم.

السؤال: من المعلوم أن من الجن من هم صالحون كما يثبت ذلك ويؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ [الجن:11] فهل يجوز الاستعانة بهم في الأشياء التي فوق طاقة الإنسان وقدرته أم أن ذلك يؤثر على عقيدة المسلم وتوحيده؟

الجواب: لاشك أن الجن كما ذكر السائل وعلى ما استدل به من أن فيهم الصالح وفيهم دون ذلك كما في الآية الكريمة التي ذكرها السائل، وفيهم أيضاً المسلم والكافر، كما قال تعالى: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:14-15]، ومن المعلوم أن الصالح منهم لا يرضى بالفسق ولا يعين عليه، وكذلك المسلم لا يرضى بالكفر ولا يعين عليه؛ ولهذا قال الله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ [الأنعام:130]، فكافرهم يدخل النار كما تفيده هذه الآية والآية التي في سورة الجن: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:15]، ومؤمنهم يدخل الجنة على القول الراجح من أقوال أهل العلم؛ لقوله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:46-47]، فأخبر أن لمن خاف مقام ربه جنتان وخاطب بذلك الجن والإنس في قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:13] ، وقد سمى النبي عليه الصلاة والسلام المؤمنين منهم إخوة لنا حين نهى عن الاستنجاء بالعظام وقال: ( إنها طعام إخوانكم أو زاد إخوانكم )، يعني: من الجن، وأما الاستعانة بهم فإني أحيل السائل على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي جمع ابن قاسم صفحة ثلاثمائة وسبعة مجلد أحد عشر، وما ذكره رحمه الله في كتابه النبوات صفحة مائتين وستين إلى مائتين وسبعة وستين ففيه كفاية.

السؤال: لقد أوقف جدي قطعة أرض زراعية يصرف ريعها في تلاوة القرآن بكامله على رأس كل سنة يعود ثوابها له -أي: للواقف- وجعل هذه المهمة إلى أكبر أبنائه سناً وأرشدهم، فكان أبي متولياً ذلك بعد وفاة والده، ولكن زوجة أبيه تطالبه بما يخصها من هذا الوقف، فهل لها أو لباقي الورثة شيء من الوقف، وما حكم الوقف بهذا الشكل، وهل يبقى على هذا الحال أم يباع وتصرف قيمته في شيء آخر أم ماذا أرشدونا إلى ما يجب علينا فعله؟

الجواب: هذا الوقف الذي أوقفه جدك لا يخلو: إما أن يكون وقفاً منجزاً في حال صحته أو يكون وقفاً موصىً به بعد موته، أو يكون وقفاً حصل منه في مرض موته المخوف، فإن كان وقفاً موصى به أو في مرض موته المخوف فإنه لا ينفذ منه إلا الثلث فقط، أي: ما يقابل ثلث تركته، فإذا كان هذا الوقف زائداً على ثلث التركة فإن ما زاد عن الثلث يكون راجعاً إلى الورثة إن أجازوه وإلا فلهم أن يبطلوا الوقف فيه، وأما إذا كان الوقف في حال صحته فإنه ينفذ كله ولا حق لأحد من الورثة في الاعتراض عليه؛ لأن الإنسان حر التصرف في ماله إذا كان في حال الصحة، فهو حر التصرف فيه بالنسبة للورثة كما أذن الله به.

وأما ما ذكره جدك من كونه يوقف على من يقرءون ختمة على رأس كل سنة فإن الأولى أن يصرف إلى ما هو أفضل من ذلك، يصرف في عمارة المساجد، ويصرف في طبع الكتب النافعة، ويصرف في الإنفاق على طلبة العلم الفقراء وما أشبه ذلك من طرق الخير التي هي أفضل مما ذكره هذا الواقف، وصرف الوقف إلى جهة أفضل مما عينه الواقف جائزٌ عند بعض أهل العلم استدلالاً بالحديث الثابت في قصة الرجل الذي قال: ( يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى -أو قال: في بيت المقدس- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صلّ هاهنا، فأعاد عليه سؤاله فقال: صلِّ هاهنا، فأعاد عليه فقال: شأنك إذاً)، فهذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يغير جهة البر إلى ما هو أفضل منها وإن كان قد عينها -أي: المفضولة من قبل- وهذا القول هو الراجح، إلا أنه في هذه الحال ينبغي أن يرجع في ذلك إلى المحكمة حتى لا يحصل تلاعب من نظار الأوقاف في الأوقاف.

السؤال: هل يجوز أن أصلي تطوعاً وأهب ثوابها لأخي المتوفى، فقد قرأت في جريدة دينية مصرية عن هذا السؤال: أن الصلاة وإن كانت من الأعمال البدنية التي لا تقبل النيابة إلا أن بعض الأئمة يرى أن للإنسان أن يصلي تطوعاً ويهب ثوابها للمتوفى، وقد روي عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: إن الميت ينتفع بجميع العبادات البدنية من صلاة وصيام وقراءة، كما ينتفع بالعبادات المالية كالزكاة والصدقات ونحوها، فهل ما قرأته هذا صحيحاً أم لا؟

الجواب: هذه المسألة الصحيح فيها ما قرأت من أن جميع العبادات بدنية كانت أم مالية كلها تصل إلى الميت وينتفع بثوابها، بشرط أن يكون الميت مسلماً، أما الكافر فلا ينتفع بشيء، ولكن مع هذا نقول: إن الأفضل الدعاء للميت وأن تجعل الأعمال الصالحة لك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له ) فقال عليه الصلاة والسلام: (أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل: ولد صالح يصوم له أو يصلي له أو يحج له أو ما أشبه ذلك، ولو كان شيء أفضل من الدعاء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانت الأعمال أفضل من الدعاء لبينها؛ لأنها حقيقة عمل، واستثناؤها يكون استثناءً متصلاً، لقوله: ( إذا مات العبد انقطع عمله )، فلو كانت الصلاة أفضل مثلاً لقال: انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو عمل صالح من ابنه مثلاً، فلما قال: أو ولد صالح يدعو له؛ علم أن الدعاء أفضل من إهداء القرب إلى الأموات، ولكن مع هذا لو أهداها فإن الميت ينتفع بها ويكون للمهدي أجر الإحسان إلى هذا الميت بشرط أن يكون الميت مات على الإسلام.

السؤال: بماذا نحكم على من أنكر المعراج أو أوّل تفسيره؟

الجواب: نحكم على من أنكر المعراج بأنه إن كان قد تبين له الحق وعلم ما جاء به من النصوص من السنة الصريحة، ومن ظاهر القرآن الكريم فإنه يكون بذلك كافراً؛ لأنه يكون مكذباً لله ورسوله، وإن كان لديه شبهات في هذا الأمر فإنه يجب أن ترفع عنه الشبهة حتى يتبين له الحق، ثم إذا أصر بعد زوال الشبهة حكم بكفره أيضاً؛ لأن المعراج حق ثابت أشار الله تعالى إليه في قوله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى [النجم:1-8]، إلى أن قال سبحانه وتعالى: لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:18].

وأما الإسراء فهو أيضاً ثابت بنص القرآن في قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى [الإسراء:1] وقد تضافرت الأحاديث الكثيرة في قصة المعراج وأنه حق ثابت، ولهذا أدخله كثير من أهل العلم في كتب العقائد وجعلوه من عقيدة أهل السنة والجماعة.

ولكن بهذه المناسبة أود أن أبين أن المعراج دخل فيه أشياء كذب وموضوعة على الرسول عليه الصلاة والسلام، مثل: الكتاب الذي ينسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما في روايته، وهو كتاب متداول عند بعض الناس فيه أشياء منكرة موضوعة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الإنسان أن يكون محترزاً منه مبتعداً عنه.