فتاوى نور على الدرب [206]


الحلقة مفرغة

السؤال: سمعنا من محدث أن أهل الأعراف هم أناس أو رجال خرجوا للجهاد في سبيل الله ولم يستأذنوا أهلهم في الخروج للجهاد، ولكنهم خرجوا وقتلوا في سبيل الله وماتوا شهداء ولم يدخلوا الجنة ولا النار، فهم على الأعراف بينهما حتى يقضي الله فيهم يوم القيامة، فهل هذا صحيح أم لا؟ ثم لو كان صحيحاً وأراد الإنسان الجهاد والهجرة في سبيل الله في وقتنا الحاضر، فهل يكون مع أهل الأعراف إذا لم يستأذن والديه للخروج لأنهما قد لا يأذنا له بذلك؟ وإذا كان الأمر كذلك فإنا قد قرأنا في القرآن الكريم الحث من الله عز وجل والترغيب في الجهاد، كقوله تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74]، وقوله تعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حثه على الجهاد: ( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فما قولكم في هذا؟

الجواب: قولنا في هذا: أن ما سمعت من أن أهل الأعراف هم قوم خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله بدون استئذان أهليهم، هذا ليس بصحيح، فإن أهل الأعراف على ما قاله أهل العلم هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فلا هم الذين غلبت عليهم السيئات حتى يدخلوا في النار ليطهروا من سيئاتهم، ولا هم قوم غلبت حسناتهم حتى يدخلوا الجنة، ولكنها تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فكان من حكمة الله عز وجل وعدله أن يوقفوا في الأعراف، وآخر أمرهم أن يدخلوا الجنة بفضل الله تعالى ورحمته، هؤلاء هم أهل الأعراف.

أما ما ذكرت من الجهاد في سبيل الله بدون استئذان الأبوين، فإننا نقول في ذلك: إذا كان الجهاد تطوعاً فإنك لا تخرج إلا باستئذان الأبوين، وإذا كان الجهاد واجباً فإنه لا يحتاج إلى إذن الأبوين، بل لك أن تخرج وإن لم تستأذنهما وإن لم يرضيا بذلك، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، اللهم إلا أن يكونا في ضرورة إلى بقائك، فحينئذ تقدم دفع ضرورتهما على الجهاد، وعلى هذا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ففيهما فجاهد)، حيث كانا مضطرين إلى وجود ابنهما عندهما.

وأما فضل الجهاد في سبيل الله والهجرة فإن هذا أمر معلوم بدلالة الكتاب والسنة، والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، ومن أهم الأعمال الصالحة وأحبها إلى الله عز وجل، وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19]، وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171] ولكن ليعلم أن الجهاد في سبيل الله ليس هو مجرد قتال الكفار، بل إن الجهاد في سبيل الله تعالى هو الذي يقاتل فيه الإنسان لتكون كلمة الله هي العليا فقط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، وهذا هو الميزان الحقيقي الصحيح الذي يعرف به كون الجهاد في سبيل الله، أو ليس في سبيل الله، فمن قاتل دفاعاً عن الوطن لمجرد أنه وطن، فليس في سبيل الله، ومن جاهد عن وطنه لأنه وطن إسلامي يحتمي به عن الكفار، فإنه في سبيل الله، فالميزان الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام ميزان بين واضح، نعم من قاتل دون ماله أو دون أهله أو دون نفسه فقتل فهو شهيد كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

مداخلة: ذكرتم في أول إجابتكم أن الجهاد إذا كان تطوعاً فيلزمه أن يستأذن والديه، وإذا كان واجباً لم يلزمه ذلك، هل لنا أن نعرف الحالات التي يكون فيها الجهاد تطوعاً والتي يكون فيها واجباً؟

الشيخ: نعم، قال أهل العلم: إنه يجب الجهاد إذا استنفره الإمام بأن قال له: اخرج، ثانياً: إذا حصرهم العدو، أو حصر بلدهم، أو كان محتاجاً إليه في الجهاد، بحيث يكون المجاهدون مفتقرين إلى وجود هذا الشخص، لكونه يعرف أن يتصرف في الآلات المعينة التي يقاتل بها دون غيره، فهو يجب إذا حصرهم أو حصر بلده عدو، أو استنفره الإمام، أو كان المجاهدون بحاجة إليه بعينه، وكذلك أمر خامس إذا حضر الصف فإنه لا يجوز الفرار؛ فإنه من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:16].

وفيما عدا ذلك يكون تطوعاً.

السؤال: ما هي نواقض الوضوء التي لو حصل للمتوضئ شيء منها بطل وضوءه؟ وهل كشف العورة من فوق الركبة من نواقض الوضوء؟ بمعنى لو انكشفت عورة إنسان فوق ركبتيه فهل يلزمه إعادة الوضوء؟ وهل الاستحمام للجسد كله يكفي عن الوضوء أم لا؟

الجواب: هذا السؤال تضمن ثلاثة أسئلة في الواقع، ونذكرها لا على التفصيل، أولاً: يقول: هل الاستحمام يكفي عن الوضوء؟ الاستحمام إن كان عن جنابة فإنه يكفي عن الوضوء؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، فإذا كان على الإنسان جنابة، وانغمس في بركة أو في نهر أو ما أشبه ذلك، ونوى بذلك رفع الجنابة، فإنه يرتفع الحدث الأصغر والأكبر عنه؛ لأن الله تعالى لم يوجب عند الجنابة سوى أن نطهر، أي: أن نعم جميع البدن بالماء غسلاً، وإن كان الأفضل للمغتسل من الجنابة أن يتوضأ أولاً، حيث كان النبي عليه الصلاة والسلام يغسل فرجه بعد أن يغسل كفيه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات، ثم يغسل باقي جسده.

أما إذا كان الاستحمام للتنظف أو التبرد، فإنه لا يكفي عن الوضوء، لأن ليس من العبادة، وإنما هو من الأمور العادية، وإن كان الشرع يأمر بالنظافة، لكن النظافة لا على هذا الوجه، بل النظافة مطلقاً بأي شيء يحصل به التنظيف، وعلى كل حال إذا كان الاستحمام للتبرد أو للنظافة فإنه لا يجزئ عن الوضوء.

المسألة الثانية مما تضمن السؤال: كشف العورة هل ينقض الوضوء؟ والجواب: أنه لا ينقض الوضوء، حتى لو نظر إليه أحد فإنه لا ينتقض وضوءه، لا هو ولا الناظر، وإن كان عند العامة أو عند بعض العامة أن النظر إلى العورة ناقض للوضوء أو أن كشفها ناقض للوضوء، فهذا لا أصل له.

أما المسألة الثالثة فهي نواقض الوضوء، ونواقض الوضوء مما حصل فيه خلاف بين أهل العلم، لكن نذكر ما يكون ناقضاً بمقتضى الدليل، فمن نواقض الوضوء: الخارج من السبيلين، أي: الخارج من القبل أو الدبر، فكل ما خرج من القبل أو الدبر فإنه ناقض للوضوء، سواء كان بولاً أو غائطاً أم مذياً أم منياً أم ريحاً، كل شيء يخرج من القبل أو الدبر فإنه ناقض للوضوء، ولا تسأل عنه، لكن إذا كان منياً وخرج بشهوة فمن المعلوم أنه يوجب الغسل، وإذا كان مذياً فإنه يوجب غسل الذكر والأنثيين مع الوضوء أيضاً.

ومما ينقض الوضوء أيضاً: النوم إذا كان كثيراً بحيث لا يشعر النائم لو أحدث، فأما إذا كان النوم يسيراً يشعر النائم بنفسه لو أحدث، فإنه لا ينقض الوضوء، ولا فرق في ذلك بين أن يكون نائماً مضجعاً أو قاعداً معتمداً أو قاعداً غير معتمد، المهم حالة حضور قلبه، فإذا كانت بحيث لو أحدث أحس بنفسه فإن وضوءه لا ينتقض، وإذا كان في حال لو أحدث لم يحس بنفسه، فإنه يجب عليه الوضوء، لأن النوم نفسه ليس بناقض، وإنما هو مظنة الحدث، فإذا كان الحدث منتفياً لكون الإنسان يشعر به لو حصل منه، فإنه لا ينتقض الوضوء، والدليل على أن النوم بنفسه ليس بناقض أن يسيره لا ينقض الوضوء، ولو كان ناقضاً لنقض يسيره وكثيره، كما ينقض البول يسيره وكثيره.

ومن نواقض الوضوء أيضاً: أكل لحم الجزور، أي: الناقة أو الجمل، فإذا أكل الإنسان لحماً من لحم الناقة أو الجمل فإنه ينتقض وضوءه، سواء كان نيئاً أم مطبوخاً، لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن سمرة أنه سئل عليه الصلاة والسلام: ( أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، فقال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم)، فكونه يجعل الوضوء من لحم الغنم راجعاً إلى مشيئة الإنسان، دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس براجع إلى مشيئته، وأنه لابد منه، وعلى هذا فيجب الوضوء من لحم الإبل إذا أكله الإنسان نيئاً كان أم مطبوخاً، ولا فرق بين اللحم الأحمر واللحم غير الأحمر، فينقض الوضوء أكل الكرش والأمعاء والكبد والقلب والشحم، وكل شيء داخل باسم اللحم فإنه ينقض الوضوء، وجميع أجزاء البعير ناقض، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفصل وهو يعلم أن الناس يأكلون من هذا ومن هذا، ولو كان الحكم يختلف لكان النبي عليه الصلاة والسلام يبينه للناس حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم، ثم إننا لا نعلم في الشريعة الإسلامية حيواناً يختلف حكمه بالنسبة لأجزائه، فهو -أعني: الحيوان- إما حلال أو حرام، وإما موجب للوضوء أو غير موجب، وأما أن يكون بعضه له حكم، وبعضه الآخر له حكم، فهذا لا يعرف في الشريعة الإسلامية، وإن كان معروفاً في شريعة اليهود، كما قال الله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ [الأنعام:146]، ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير محرم، مع أن الله تعالى لم يذكر في القرآن إلا اللحم، فقال: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173]، ولا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن الشحم، أي: شحم الخنزير، محرم، وعلى هذا فنقول: اللحم المذكور في الحديث بالنسبة للإبل يدخل فيه الشحم، ويدخل فيه الأمعاء والكرش، ولأن الوضوء من هذه الأجزاء أحوط وأبرأ للذمة، فإن الإنسان لو أكل من هذه الأجزاء من الكبد أو الأمعاء أو الكرش، لو توضأ وصلى فصلاته صحيحة، لكن لو لم يتوضأ وصلى فصلاته باطلة عند كثير من أهل العلم، وعلى هذا فيكون أحوط، وما كان أحوط فإنه أولى، لأنه أبرأ للذمة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

مداخلة: بالنسبة للاستحمام ذكرتم أنه إذا كان عن جنابة فإنه لا يلزمه إعادة الوضوء بعده، لكن إذا لم يكن الاستحمام عن طريق غمس الجسد كله في ماء يعمه، بل كان مثلاً بالوسائل الموجودة حالياً أو بإناء صغير يغترف منه ونحو ذلك، بمعنى أنه يتعرض إلى لمس فرجيه بيديه، هل يؤثر هذا أم لا؟

الشيخ: السنة أن يكون غسل الفرج قبل الاغتسال كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله، وحتى لو فرض أن الإنسان في أثناء الغسل مس ذكره فإنه لا ينتقض وضوءه على القول الراجح عندنا، لأنه ليس بقصد منه، ثم إن الأحاديث في ذلك متعارضة، فمن العلماء من جمع بينهما، ومنهم من رجح بعضها على بعض، والذي نرى في هذه المسألة أن مس الذكر لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة، فإن كان لغير شهوة فالوضوء منه على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب، هذا الذي نراه في هذه المسألة، ويرى بعض أهل العلم أنه لا ينقض مطلقاً، ويرى آخرون أنه ينقض مطلقاً.

السؤال: لي ابنة خالة وقد رضعت مع إخوتي الذين هم أصغر مني، حيث رضع إخوتي من أمها أكثر من ثلاث مرات، فهل يصح أن أتقدم لخطبتها، مع العلم أني لم أرضع من أمها؟

الجواب: إذا كنت أنت لم ترضع من أمها وهي لم ترضع من أمك فإنه يجوز لك أن تتزوج بها، لأنه لا صلة بينك وبينها في هذه الحالة، فليست أختاً لك ولا أنت أخ لها، أما إخوتك الذين رضعوا أكثر من ثلاث مرات فإنهم إن رضعوا خمس مرات أو أكثر صاروا إخوة لها، وأما إذا رضعوا ثلاثاً أو أربعاً أو دون ذلك فإنهم لا يكونون إخوة، لأن الرضاع المحرم ما بلغ خمس مرات، قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن، فنسخن بخمس رضعات معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يتلى من القرآن)، فهذا دليل على أن المحرم خمس رضعات لا أقل، ويشترط أيضاً أن يكون هذا الرضاع في زمن الإرضاع، وهو ما كان قبل الفطام على رأي بعض أهل العلم، أو ما كان قبل الحولين على الرأي الآخر.

السؤال: ما الحكم الشرعي في بيع المحصول قبل أن يظهر الزرع على وجه الأرض، أو قبل ظهور الثمرة، وبعد خروج الزرع على وجه الأرض؟ هل هذا جائز أم محرم؟

الجواب: هذا محرم، لا يجوز بيع المحصول حتى يبلغ نموه، وحتى يشتد إذا كان حباً، وحتى ينضج إذا كان عنباً أو نحوه، المهم حتى يطيب أكله ويكون صالحاً للأكل، فأما بيع المحصول قبل ذلك فإنه حرام، وأما بيع ما يجز في الحال، فإنه إذا انتهى إلى جزه جاز بيعه، كما لو كان هناك أعلاف تباع على أنها علف، أو مزارع تباع على أنها علف، فإنها تباع إذا آن جزها وقطعها ولا حرج في ذلك، وإنما كان الأمر هكذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد، وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، لأنه أقطع للنزاع وأبعد عن الخصومات، حيث إن صاحبه المشتري من حينما يشتريه ينتفع به ولا ينتظر به شيئاً، بخلاف ما لو بيع الثمر من أجل الثمر قبل أن يبدو صلاحه، فإنه قد تعتريه آفات يحصل بها النزاع والخصومات والمشاكل، وهذه من حكمة الشرع أن نهى عن كل بيع يوجب الخصومات والعداوة والنزاع، لأن كل شيء يوجب ذلك فإنه يحدث به من تصدع المؤمنين والتباغض والتباعد بينهم ما ينافي كمال الإيمان.

السؤال: ما هي الأعذار التي تبيح للإنسان التخلف عن صلاة الجماعة رغم سماعه الأذان؟ وماذا تفيد كلمة (لا) في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد

الجواب: أولاً: هذا الحديث ضعيف، فلا حجة فيه، ولكن هناك حديث آخر ثابت وحجة، وهو ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر )، والنفي هنا في قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة), ليس المراد به نفي الصحة، إنما المراد به نفي الكمال، فلا تكمل الصلاة من سماع النداء إلا في المسجد، لكن هذا الكمال كمال واجب، وليس كمال مستحب، فإن الحضور إلى المساجد لأداء صلاة الجماعة واجب على الرجال، ولا يجوز لهم التخلف عنها، قال ابن مسعود رضي الله عنه: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، فيجب على كل من سمع النداء من الرجال أن يحضر إلى المسجد، ويصلي مع جماعة المسلمين، إلا أن يكون هناك عذر شرعي.

ومن الأعذار الشرعية ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)، فإذا كان الإنسان قد حضر إليه الطعام وهو في حاجة إليه ونفسه متعلقة به، فإن له أن يجلس ويأكل، ويعذر بترك الجماعة حينئذ، فإذا فرغ من أكله ذهب إلى المسجد إن أدرك الجماعة وإلا فهو معذور، وكذلك من كان الأخبثان البول والغائط يدافعانه ويلحان على الخروج، فإنه في هذه الحال يقضي حاجته ثم يتوضأ، ولو خرج الناس من المسجد، لأنه معذور، ومن العذر أيضاً: أن يكون هناك مطر ووحل؛ فإن في ذلك مشقة في حضور المساجد، فله أن يصلي في بيته وفي رحله، وإلا فالأصل وجوب حضور صلاة الجماعة على الرجال في المساجد.

السؤال: هل يكون مقياس القرب والبعد هو سماع الأذان، خاصة مع وجود مكبرات الصوت الحالية التي قد تسمع من أماكن بعيدة؟

الجواب: لا، هو سماع الأذان بالنسبة للأذان المعتاد الذي ليس فيه مكبر صوت، وحتى أيضاً بالنسبة للأذان المعتاد الذي لا يكون المؤذن فيه خفي الصوت، لأنه قد يكون مؤذن ضعيف الصوت، وبيتك قريب من المسجد، لو أذن غيره لسمعته، فالعبرة بذلك القرب المعتاد الذي يسمع فيه النداء في العادة.

السؤال: لقد كنت في شبابي مقصراً في الدين إلى درجة كبيرة، فكنت لا أصلي ولا أصوم وأسرق من أموال الناس، وقد حلفت أيماناً كثيرة وحنثت فيها وأنا لا أحصي عددها الآن، كما قد صدر مني طلاق لزوجتي مرات كثيرة ولا أعرف العدد بالتحديد، وعشرتنا لا زالت مستمرة، وقد أنجبت بنتين، فما الحكم في تركي لما مضى من الفروض والواجبات؟ وما الحكم في الأيمان التي حلفتها وحنثت فيها؟ وما الحكم في الطلاق الذي صدر مني وأجهل عدده الآن؟

الجواب: أما بالنسبة للعبادات التي تركتها في ذلك الوقت، فإنك إذا تبت توبة نصوحاً إلى الله عز وجل غفر الله لك ما سلف؛ لقوله تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، وأما بالنسبة للأيمان، فإن عليك أن تكفر كفارة يمين واحدة، وتجزئ عن جميع الأيمان على المشهور في مذهب الإمام أحمد، لأن الأيمان مهما تعددت فإن الواجب فيها شيء واحد وهو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الأيمان إذا كانت على أشياء متعددة، فإن عليه لكل يمين كفارة، وعلى هذا القول وهو أبرأ للذمة يجب عليك أن تتحرى الأيمان التي حلفت وهي متباينة، فتخرج عن كل يمين منها كفارة.

وأما بالنسبة للطلاق الذي وقع منك، فإذا كان الطلاق الذي وقع منك أكثر من اثنتين، فإن زوجتك الآن لا تحل لك، لأن الإنسان إذا طلق زوجته ثلاثاً فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره؛ لقوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] إلى أن قال سبحانه وتعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، فعليك إذا تيقنت أنك قد طلقت ثلاثاً فأكثر أن تفارقها، ولا تحل لك حينئذ، وعليك أن تتقي الله في هذا الأمر، وتعلم أنك إذا تركت شيئاً لله عوضك الله خيراً منه، والله والموفق.