حديث الركب


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]

أما بعـد..

عباد الله! فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذا المجلس الرابع والستون من الدروس العلمية العامة في هذه الليلة، ليلة الإثنين الثاني والعشرين من شهر الله المحرم من سنة (1413هـ) وعنوان هذا المجلس (حديث الرَّكْبِ).

والركب: جمع راكب، والمقصود بهم: جماعة المسافرين، فإن القوم إذا كانوا في سفر فإنهم يعزفون كثيراً عن الأحاديث الثقيلة الطويلة، ويحرصون على الأحاديث القصيرة المختصرة المتنوعة؛ رغبةً في أن يقطعوا عنهم عناء الطريق، وهذا ما قصدته وأشرت إليه بهذا العنوان، أي أن حديثي إليكم الليلة سيكون على نمط أحاديث سابقة، مثل: "من هنا وهناك" أو "ثمرات الأوراق" وما شابه ذلك.

مع أن هذا الحديث سيكون فيه من الموضوعات والأحداث والأحوال ما تنوء بحمله الجبال وما تهتز له القلوب، وما تدمع له العيون، ولكن المقصود على كل حال هو التنويع لا غير، وقد قرأ بعض الإخوة العنوان خطأً فقرءوه حديث الرُكَب -بضم الراء وفتح الكاف- ثم ذهبوا في تفسيره كل مذهب وقالوا: جمع ركبة، وظنوا أنه يتعلق بأحاديث واردة في موضوع الرُكَب سواء في الصلاة أو في غيرها.

كلام السلف في تلقي العلم عن الكتب

ولذلك كان السلف رحمهم الله يقولون: لا يؤخذ القرآن من مصحفي ولا العلم عن صحفي، أي أن الذي أخذ علمه عن الأوراق والقماطر، ولم يثنِ ركبته عند أهل العلم كثيراً ما يقع في الخطأ والوهم والتحريف والتصحيف لسوء فهمه وقلة علمه وضبطه، ومما يذكر في هذا الباب -وقد ألف فيه كثيرون من أهل العلم منهم الإمام العسكري صنف فيه كتباً منها تصحيفات المحدثين- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: [[لا يورث حميلٌ إلا ببينة]] أي أن الحميل الذي يحمل من بلاد الروم أو غيرها ولا يعرف أهله؛ فإنه لا يرث من ادعاه إلا أن يأتي ببينة على أنه ابنه أو قريبه، فصحفها بعضهم وقرأ هذه الكلمة هكذا " لا يرث جميلٌ إلا بثينة " ومع ما فيها من الخطأ النحوي فإن فيها الخطأ المعنوي الكبير، ومن المعروف ما بين جميل وبثينة من العلاقة، وكأن هذا المحرف المصْحِّفْ جعل بثينة ترث جميلاً.

وقد ذكر الإمام العسكري شيئاً كثيراً مما يتعلق بتحريفهم في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتصحيفهم له، ثم انتقل إلى بابٍ آخر أوسع وأخطر وهو تحريفهم لآيات الله سبحانه وتعالى وسوء قراءتهم لها، وفي ذلك الكتاب الذي أشرت إليه شيءٌ كثير.

ولذلك كان السلف رحمهم الله يقولون: لا يؤخذ القرآن من مصحفي ولا العلم عن صحفي، أي أن الذي أخذ علمه عن الأوراق والقماطر، ولم يثنِ ركبته عند أهل العلم كثيراً ما يقع في الخطأ والوهم والتحريف والتصحيف لسوء فهمه وقلة علمه وضبطه، ومما يذكر في هذا الباب -وقد ألف فيه كثيرون من أهل العلم منهم الإمام العسكري صنف فيه كتباً منها تصحيفات المحدثين- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: [[لا يورث حميلٌ إلا ببينة]] أي أن الحميل الذي يحمل من بلاد الروم أو غيرها ولا يعرف أهله؛ فإنه لا يرث من ادعاه إلا أن يأتي ببينة على أنه ابنه أو قريبه، فصحفها بعضهم وقرأ هذه الكلمة هكذا " لا يرث جميلٌ إلا بثينة " ومع ما فيها من الخطأ النحوي فإن فيها الخطأ المعنوي الكبير، ومن المعروف ما بين جميل وبثينة من العلاقة، وكأن هذا المحرف المصْحِّفْ جعل بثينة ترث جميلاً.

وقد ذكر الإمام العسكري شيئاً كثيراً مما يتعلق بتحريفهم في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتصحيفهم له، ثم انتقل إلى بابٍ آخر أوسع وأخطر وهو تحريفهم لآيات الله سبحانه وتعالى وسوء قراءتهم لها، وفي ذلك الكتاب الذي أشرت إليه شيءٌ كثير.

ولا أقول نحن الآن على أبواب الإجازة، بل قد دلفنا إليها، وقد مضى منها أيامٌ أو أسبوع أو أكثر من ذلك، وهاهنا يتطلب الأمر حديثاً طويلاً لا أريد أن أفيض فيه الآن، فقد سبق وأن تكلمت عنه قبل سنة أو أكثر بعنوان (ماذا في الإجازة) ولكنني أشير إلى أمور سريعة فحسب.

زيارة المسلمين في بقاع الأرض

أولاً: يتجه كثير من الشباب الصالحين في مطلع الإجازة إلى زيارة المسلمين في بلادٍ شتى كجمهوريات الاتحاد السوفيتي، أو المسلمين في يوغسلافيا، أو غيرها من البلاد سواء بجهود شخصية، أو عن طريق بعض الجامعات، أو عن طريق هيئة الإغاثة، أو عن طريق غيرها، وبكل حال فإن هذا أمرٌ طيب ومواصلة المسلمين هناك أمر مطلوب، ودعوتهم إلى الله عز وجل ونشر العلم الصحيح هي من أهم المهمات.

إننا نجد -أيها الإخوة- أن من أصحاب الاتجاهات المنحرفة من الصوفية والرافضة وغيرهم يبذلون جهوداً كبيرة لتغيير عقول المسلمين هناك، وقد وقفت من ذلك على شيء كثير مما كتبوا وصنفوا وألفوا وسجَّلوا، فقيام أهل السنة والجماعة، وأصحاب الاتجاهات الصحيحة بزيارة إخوانهم هناك، ودعوتهم إلى الله عز وجل، ومساعدتهم هو من منافسة أهل الشر بالخير، ومقاومة الباطل والضلال بالهدى والقرآن الذي أنـزله الله تعالى هدى للناس وبينات، وواجب على الأمة المسلمة، وواجب على القادرين من الشباب وغيرهم، لكن ينبغي أن يراعى في هذا أمور:

أن الإنسان يذهب إلى بلاد لا يعرفها فهو يحتاج إلى أن يكون عنده وعيٌ ويقظة وخوف يمنعه من الوقوع في الحرام، فلا يذهب بمفرده، ولا يذهب إلا من يعلم من نفسه يقيناً وقوةً وصبراً وثباتاً في مواجهة الفتن ومواجهة المغريات والشهوات.

كذلك ينبغي أن يعرف أنه يذهب إلى بلاد يكثر فيها النصب والاحتيال والتستر، فلا ينبغي أن يذهب الإنسان وهو طيب القلب سليم الطوية ومعه مالٌ جمعه من المسلمين فيعطيه لأي إنسان يحسن به الظن، بل ينبغي أن يستفيد من خبرة من سبقوه إلى هناك، وألا يقع في بعض الشباك والفخاخ التي تنصب لكثير ممن يأتون إلى كثير من البلاد الإسلامية.

أمر ثالث: إنه ينبغي أن يحدد الإنسان ما هو الهدف الذي يذهب من أجله، هل هو يذهب من أجل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وتعليم الكتاب والسنة، أم يذهب إلى إغاثة محتاجين وملهوفين ومشردين، أم يذهب للاستطلاع ومعرفة الأوضاع هناك، فلابد أن يحدد الهدف الذي من أجله ذهب حتى لا تذهب به الرياح يمنةً ويسرة.

واجبات الشباب الذين يبقون في بلادهم

ملاحظة ثانية: إن كثيراً من الشباب يبقون في بلادهم هنا، ويتساءلون ماذا نصنع، وماذا نعمل؟ فأقول: ما أكثر المجالات والميادين التي تحتاج إلى جهود الشباب حتى وهم في بلادهم!

فأما دروس العلم وحلق الذكر فهي كثيرة بحمد الله، جداً فيحرص الشاب أن يجعل برنامجه في هذه الإجازة حفظ شيءٍ من كتاب الله عز وجل، فإن لم يكن أو قد حفظ القرآن الكريم فحفظ شيءٍ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوف أتحدث في نهاية هذا المجلس -إن شاء الله تعالى- عن برنامج جديد لتحفيظ السنة النبوية، فإن لم يكن فعليه أن يثني ركبه في مجالس أهل العلم مدارسةً ومذاكرةً وسؤالاً واستماعاً وغير ذلك، فإن لم يكن فاشتراكاً في بعض المشاريع الخيرية، والمراكز الصيفية، والجولات الوعظية، التي تذهب إلى سائر البلاد لتعليم الكتاب والسنة، وتعليم الناس أمور الاعتقاد وأمور التعبد وغير ذلك، فإن لم يكن هذا ولا ذاك أو مع هذا كله فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسواق مع مجموعة من أهل الخير، فإن وجدوا منكراً غيَّروه بالكلمة الطيبة والأمر المناسب في الأسواق، والأندية، والحدائق وأماكن تجمعات الشباب، ترتادون هذه الأماكن وتجلسون مع أصحابها تباسطونهم في الحديث، وتدعوهم إلى الله عز وجل، وتزيلون هذه الوحشة الموجودة في قلوب أهل الخير، وتهدونهم الكتاب المفيد والشريط النافع، وتدعونهم إلى مجالس الذكر وإلى المساجد وحلق العلم، وتذكرونهم بالله تعالى، وتحدثونهم عن أوضاع إخوانهم المسلمين في كل مكان.

وما أحوج الشباب إلى مثل هذه الأمور! خاصةً وأنهم في الإجازة يتفرغون فيتجمعون على الأرصفة وفي الحدائق والأسواق وفي غيرها، ولربما لا توجد جهات رسمية تقوم بالاتصال بهم أو دعوتهم أو منع أي تجاوز أو مخالفة، وإن وجد شيئاً من ذلك فهو قليل، فما أحوجنا إلى المحتسبين المتبرعين الذين ينذرون أنفسهم لوجه الله تعالى في مثل هذه السبل، وفي مثل هذه الميادين!

هذه وقفة سريعة مع موضوع الإجازة والكلام فيها كما أسلفت يطول.

أولاً: يتجه كثير من الشباب الصالحين في مطلع الإجازة إلى زيارة المسلمين في بلادٍ شتى كجمهوريات الاتحاد السوفيتي، أو المسلمين في يوغسلافيا، أو غيرها من البلاد سواء بجهود شخصية، أو عن طريق بعض الجامعات، أو عن طريق هيئة الإغاثة، أو عن طريق غيرها، وبكل حال فإن هذا أمرٌ طيب ومواصلة المسلمين هناك أمر مطلوب، ودعوتهم إلى الله عز وجل ونشر العلم الصحيح هي من أهم المهمات.

إننا نجد -أيها الإخوة- أن من أصحاب الاتجاهات المنحرفة من الصوفية والرافضة وغيرهم يبذلون جهوداً كبيرة لتغيير عقول المسلمين هناك، وقد وقفت من ذلك على شيء كثير مما كتبوا وصنفوا وألفوا وسجَّلوا، فقيام أهل السنة والجماعة، وأصحاب الاتجاهات الصحيحة بزيارة إخوانهم هناك، ودعوتهم إلى الله عز وجل، ومساعدتهم هو من منافسة أهل الشر بالخير، ومقاومة الباطل والضلال بالهدى والقرآن الذي أنـزله الله تعالى هدى للناس وبينات، وواجب على الأمة المسلمة، وواجب على القادرين من الشباب وغيرهم، لكن ينبغي أن يراعى في هذا أمور:

أن الإنسان يذهب إلى بلاد لا يعرفها فهو يحتاج إلى أن يكون عنده وعيٌ ويقظة وخوف يمنعه من الوقوع في الحرام، فلا يذهب بمفرده، ولا يذهب إلا من يعلم من نفسه يقيناً وقوةً وصبراً وثباتاً في مواجهة الفتن ومواجهة المغريات والشهوات.

كذلك ينبغي أن يعرف أنه يذهب إلى بلاد يكثر فيها النصب والاحتيال والتستر، فلا ينبغي أن يذهب الإنسان وهو طيب القلب سليم الطوية ومعه مالٌ جمعه من المسلمين فيعطيه لأي إنسان يحسن به الظن، بل ينبغي أن يستفيد من خبرة من سبقوه إلى هناك، وألا يقع في بعض الشباك والفخاخ التي تنصب لكثير ممن يأتون إلى كثير من البلاد الإسلامية.

أمر ثالث: إنه ينبغي أن يحدد الإنسان ما هو الهدف الذي يذهب من أجله، هل هو يذهب من أجل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وتعليم الكتاب والسنة، أم يذهب إلى إغاثة محتاجين وملهوفين ومشردين، أم يذهب للاستطلاع ومعرفة الأوضاع هناك، فلابد أن يحدد الهدف الذي من أجله ذهب حتى لا تذهب به الرياح يمنةً ويسرة.

ملاحظة ثانية: إن كثيراً من الشباب يبقون في بلادهم هنا، ويتساءلون ماذا نصنع، وماذا نعمل؟ فأقول: ما أكثر المجالات والميادين التي تحتاج إلى جهود الشباب حتى وهم في بلادهم!

فأما دروس العلم وحلق الذكر فهي كثيرة بحمد الله، جداً فيحرص الشاب أن يجعل برنامجه في هذه الإجازة حفظ شيءٍ من كتاب الله عز وجل، فإن لم يكن أو قد حفظ القرآن الكريم فحفظ شيءٍ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوف أتحدث في نهاية هذا المجلس -إن شاء الله تعالى- عن برنامج جديد لتحفيظ السنة النبوية، فإن لم يكن فعليه أن يثني ركبه في مجالس أهل العلم مدارسةً ومذاكرةً وسؤالاً واستماعاً وغير ذلك، فإن لم يكن فاشتراكاً في بعض المشاريع الخيرية، والمراكز الصيفية، والجولات الوعظية، التي تذهب إلى سائر البلاد لتعليم الكتاب والسنة، وتعليم الناس أمور الاعتقاد وأمور التعبد وغير ذلك، فإن لم يكن هذا ولا ذاك أو مع هذا كله فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسواق مع مجموعة من أهل الخير، فإن وجدوا منكراً غيَّروه بالكلمة الطيبة والأمر المناسب في الأسواق، والأندية، والحدائق وأماكن تجمعات الشباب، ترتادون هذه الأماكن وتجلسون مع أصحابها تباسطونهم في الحديث، وتدعوهم إلى الله عز وجل، وتزيلون هذه الوحشة الموجودة في قلوب أهل الخير، وتهدونهم الكتاب المفيد والشريط النافع، وتدعونهم إلى مجالس الذكر وإلى المساجد وحلق العلم، وتذكرونهم بالله تعالى، وتحدثونهم عن أوضاع إخوانهم المسلمين في كل مكان.

وما أحوج الشباب إلى مثل هذه الأمور! خاصةً وأنهم في الإجازة يتفرغون فيتجمعون على الأرصفة وفي الحدائق والأسواق وفي غيرها، ولربما لا توجد جهات رسمية تقوم بالاتصال بهم أو دعوتهم أو منع أي تجاوز أو مخالفة، وإن وجد شيئاً من ذلك فهو قليل، فما أحوجنا إلى المحتسبين المتبرعين الذين ينذرون أنفسهم لوجه الله تعالى في مثل هذه السبل، وفي مثل هذه الميادين!

هذه وقفة سريعة مع موضوع الإجازة والكلام فيها كما أسلفت يطول.

قضى الله سبحانه وتعالى فيما سبق من أسابيع ويسر إلقاء محاضرتين: إحداهما في جدة والأخرى في مكة أما المحاضرة التي في جدة فقد يسر الله تعالى أن ألقيتها في جامع الإسكان في العاشر من المحرم، وكانت بعنوان (حقيقة التطرف) وموضوع هذه المحاضرة واضح، ولا أتحدث عما قلته فيها فهو موجود لمن رغب أن يستمع إليه.

ندوة في لندن عن التطرف

لكنني أضيف الآن بعض الموضوعات المتعلقة بعنوان المحاضرة، وهو (حقيقة التطرف) فقد سمعت بعد هذا العنوان ندوة عقدت وأذيعت في إذاعة لندن عن هذا الموضوع، وتكلم فيها كثير من الناس، ولم أسمع منها إلا قليلاً من الصوت المعتدل، فقد سمعنا في تلك الندوة وهي مسجلة في أكثر من ساعة صوتاً يتهم الإسلام نفسه بالتطرف من هذه البلاد -لا أعني هذه البلاد بالذات- لكن من بلاد الإسلام، ومن نساء ورجال يحملون أسماءً إسلامية، فيقولون: إننا نسمع كثيراً من يفرقون بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف، ونحن لم نسمع إسلاماً معتدلاً قط، -كما تقول إحداهن- فكل ما سمعناه هو تطرف وغلو، وهم يدعون إلى قتل الكفار، بل إلى قتل المسلمين الذين يخالفونهم في الاتجاه، وتقول: إن كل من يحمل أفكاراً علمانية، أو ينادي بفصل الدين عن السياسة وعن الحياة فهو في نظر هؤلاء كافر، وإذا أصر على دعوى الإسلام فإنهم يصفونه بأنه زنديق، ويعتبرونه حلال الدم والمال، ثم قالت أخرى: إن أولادنا يُعَلَّمون في المدارس ألواناً من التطرف وإنهم يصلتون علينا سيف النصوص، فكلما قامت واحدة منا تنادي بتحرر المرأة، أو تغيير أوضاع المرأة العربية، أو إعطائها حقوقها، فإنهم يصفونها بأنها متأثرة بالغرب، ويصلتون عليها سيف النصوص الشرعية -أي القرآن الكريم والسنة النبوية- وكأنها تريد من الناس ألا يقرءوا آية ولا يقرءوا حديثاً رعايةً لخاطرها.. لأن هذه الآية وهذا الحديث يدلان على أن هذا هو الإسلام وما عداه هو الباطل، وماذا بعد الحق إلا الضلال.

ولم يقتصر أمرهم عند حد مطالبة المسلمين بالكف عن الرد على الخصوم أو عيبهم، بل وصل الأمر إلى حد أن يقولوا: لا نريد منكم أن تقرءوا الآيات القرآنية ولا أن تقرءوا الأحاديث النبوية. لأنكم بذلك تستغلون سيفاً اسم سيف النصوص أو السيف النصي الذي تحاربون به كل من يخالفكم، ونقول لهم ولهن: ليس علينا عيبٌ إلا أننا نرجو أن نكون وقافين عند حدود الله، ملتزمين بالنص قرآناً وسنة، أما أنتم فلا:

وكل خلاف بيننا فلأننا وعيناه في ضوء الكتاب ولم تعوا

فهذا طرف.

الطرف الثاني: يدافع عن الإسلام، ولكنه ضمن دفاعه عن الإسلام يُحَمِّلَ الإسلام ما لا يحتمل، فيقول: الإسلام دين التسامح ودين الحرية، والمسيحيون -كما يسميهم- إخواننا، والإسلام يفتح لهم ذراعيه، ويحفظ لهم... إلى غير ذلك من الكلمات المطاطة الواسعة التي بموجبها فقد المسلمون معنى الولاء والبراء، معنى البراءة من المشركين والكفار، معنى الالتزام والتميز بهذا الدين، فصار كثير، من المنسوبين إلى الإسلام وإلى العلم الشرعي والى الجامعات والمؤسسات الإسلامية يتكلمون عما يسمونه إخواننا الأقباط في مصر، ويعطونهم من عبارات الثناء والترحيب والتكرمة ما لا يعطونه حتى لإخوانهم المسلمين ممن يصمونهم بأنهم متطرفون، ويرمونهم بأبشع الألقاب وأحط الأوصاف.

مقال نشرته صحيفة روز اليوسف

أمرٌ آخر: نشرت صحيفة مصرية اسمها روز اليوسف مقالاً طويلاً عما أسمته التطرف المسيحي، وقالت: إنه كما يوجد متطرفون في الإسلام، هناك متطرفون في المسيحيين، وذكرت جماعة التكفير والهجرة عند النصارى ومن يرأسها ومعلومات كثيرة، الغريب في الأمر أنها تكلمت مع زعيم من زعماء الأقباط يسمى البابا شنودة وكان يتكلم بقوة، وقال لا يوجد تطرف مسيحي أو نصراني أبداً! ولو وجد لكانت أجهزة الأمن المصرية قد قبضت عليه وأصبح يدافع عن بني قومه.

وأقول: يا ليت أن يوجد في المسلمين وعلمائهم هناك وفي كل مكان من يدافع عن أعراض المسلمين، والذين يزج بهم في السجون ويعلقون على أعواد المشانق، وتصدر الآن القوانين والأنظمة الرسمية التي تعطي رجل الأمن الحق في قتل المسلم في الشارع، ويقول رئيس دولة إسلامية كبرى: مش عاوزين محاكمات ووجع رأس، نريد أي إنسان متطرف يضرب بالرصاص في الشارع وننتهي من أمره، لا نريد تحقيقات وأخذ ورد.

وقد أصدرت مصر كما سمعتم جميعاً ما أسمته بالتنظيم المتعلق بمحاربة التطرف كبرنامج أو جدول قد أقرته وأصبح الآن موضع التنفيذ، فيا ليت أنه يوجد من علماء الأزهر، أو من علماء الإسلام من يدافع عن حقوق المسلمين هناك، كما دافع ذلك القبطي النصراني عن حقوق بني قومه وبني جنسه وبني دينه من النصارى.

والغريب أن -مجلة روز اليوسف - ذكرت بعد هذا التقرير مقالاً مختلقاً ووضعته أيضا على الغلاف الرئيسي، ومع هذا كله فإنها بيعت وتداولت وقرأها الناس هنا وهناك، هذا الخبر المختلف يتعلق بدير يوجد في سينا اسمه سان كاتريك، قالت المجلة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حفظ لهذا الدير مكانته وكرامته بخطابٍ موجود محفوظ وبشهادة عشرين من الصحابة، ثم ذكرت خطاباً مكتوباً تزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتبه، وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الذي قام بخطه، وأن عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شهدوا عليه، وأن هذا الخطاب وجد في ذلك الدير الموجود في سينا.

وقد صدّقت الصحيفة هذه الرسالة ونشرتها، وقالت: هذا دليل على حماية الرسول صلى الله عليه وسلم للأقباط والنصارى وحفظ كرامتهم، وأن المتطرفين في مصر وغيرها يخالفون هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

ونحن نقول: الإسلام يحفظ كرامة الإنسان، وأهل الذمة في الإسلام لهم حقوقهم المعروفة، وقد تكلم عنها العلماء قديماً وحديثاً، وممن تكلم عنها الإمام الفذ ابن القيم رحمه الله في كتاب أحكام أهل الذمة وهو مطبوع في مجلدين، وممن تكلم عنها من المعاصرين الدكتور عبد الكريم زيدان وهو فقيه عراقي في كتاب ضخم سماه أحكام الذميين والمستأمنين ولكن مَنْ قال: إن النصارى في مصر أو غيرها قد حفظوا الأمانة ورعوا العهد؟!

وصلتني رسائل تقول: إن النصارى يقتلون المسلمين ويعتدون عليهم، بل ويعتدون على أعراض المسلمات، ويوجد في الجامعات هناك وفي بلادٍ أخرى شبكات نصرانية مهمتها اصطياد الفتيات المؤمنات والإيقاع بهن وتصويرهن على أوضاع سيئة، ثم تهديدهنَّ بأن ينخرطن في تيار الفساد والرذيلة والبغاء، وإلا فضحوهن على رؤوس الأشهاد ولدى أقاربهن ومحارمهن، فضلاً عن نشر المخدرات وغيرها، وكل القائمين بكل بهذه الأمور هم من النصارى.

مَنْ قال: إن الأقباط والنصارى في مصر أو في غيرها قد حفظوا العهد والميثاق؟! وهم يكتبون كثيراً كتابات تنال من الإسلام ومن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل من رب العزة عز وجل فضلاً عن المسلمين؟! ومن المعلوم أنه لو فرض أن هناك يهودي أو نصراني له عهد وميثاق فسب الله ورسوله، فإنه ينتقض عهده وميثاقه بذلك.

ثم مَنْ قال: إن الأمر الذي يحدث هو مجرد صراع بين النصارى والمسلمين؟! وأن الحكومة تحاول إيقاف ما يسمى بالفتنة الطائفية؟!

إنني متأكد أن المقصود أن يثبت بعض من ينتسبون إلى الإسلام للغرب ويقدموا له شهادة حسن السيرة والسلوك، أنِ انظروا في أي مشكلة تحصل بين المسلمين والنصارى نحن نقف مع النصارى ضد المسلمين، هذا هو الذي يراد أن يقال، هي رسالة للغرب ولـأمريكا بالذات، أنه نحن الآن علمانيون بما فيه الكفاية، ونحن لا نفرق بين المسلم والنصراني، بل على العكس نحن نقف مع النصراني ضد المسلم، ولذلك لم نجد ولا صحيفة مصرية واحدة تكلمت عن حقوق المسلمين المسلوبة، ولا -على الأقل- أفسحت المجال لهم أن يدافعوا عن أنفسهم، ولكن كانت جميع الصحف تدافع عن النصارى.. ؟ لأنها تمثل الرأي الرسمي.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] هذا حكم الله عز وجل: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] يخشون من النظام الدولي الجديد فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52] ولا شك أن هذه الوثيقة التي نشرتها مجلة روز اليوسف ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثيقة مكذوبة مختلقة لم يذكرها أحد من أهل العلم بالتاريخ والأخبار فضلاً عن المحدثين وغيرهم، فهي وثيقة مختلفة مزورة، وهي تشبه الوثيقة التي زورها اليهود، وأشهدوا عليها مجموعة من الصحابة، ثم ثبت أنها وثيقة مختلقة بشهادة التاريخ نفسه، وتكلم عنها الإمام الخطيب البغدادي، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم، وكانوا قد أشهدوا عليها مجموعة من الصحابة، وزعموا أنها كتبت يوم خيبر، مع أن أولئك الصحابة لم يكونوا أسلموا يومئذٍ.

مقال نشرته جريدة صوت الكويت

النقطة الثالثة التي تتعلق بموضوع التطرف: مقال نشرته جريدة صوت الكويت في (6/1/1413هـ) عنوانه: حب الوطن والتكفير ووزارة التربية، والمقال غريب يقول فيه: أنه نقل نصاً من كتاب التربية الإسلامية المقرر على الصف الثاني متوسط يقول هذا النص: (وطني أغنى الأوطان، فيه خيرات كثيرة يحاول اغتصابها أعداؤنا الكفرة من أمم الكفر أمريكا وروسيا وإسرائيل وسوف أدافع عن وطني) انتهى النص.

بعد ذلك علق عليه هذا الكاتب يقول: مع احترامي وتقديري لكل الأساتذة أقول لهم:

1- ليس من حقكم أن تحكموا على الناس بالكفر!! فما عادت القضية أن تكفر المسلم الذي ارتكب مكفراً، بل حتى الكافر واليهودي والنصراني والبوذي والوثني لم يعد اليوم من حقك -في نظر هؤلاء- أن تقول له: كافر! والله تعالى يسميهم كفاراً ويقول: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ [البينة:1] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [البينة:6] إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في كفر اليهود والنصارى والوثنيين وغيرهم، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة الذي لم يختلف عليه المسلمون قطعاً، ومع ذلك يقول هذا الإنسان: ليس من حقكم أن تحكموا على الناس بالكفر.

2- إسرائيل وشعبها يدينون بالتوراة، وهو كتاب أنـزله الباري على سيدنا موسى عليه السلام، وبالتالي فهم أبناء عمومتنا من أهل الكتاب وليسوا من أهل الكفر.

3- أمريكا وشعبها يدينون بـالمسيحية، وكتابهم هو الإنجيل الذي جاء به سيدنا عيسى عليه السلام ناصحاً وهادياً لليهود، ولاقى في سبيل دينه وكتابه ما لقي من تعذيب وتشريد واتهام، ومن ثَمَّ صلب على أعواد المشانق، فهم ليسوا من أهل الكفر، وإنما يؤمنون بالله واليوم الآخر.

وقبل أن أواصل قراءته أذكركم بأن هذا المسكين نسي أنه سب اليهود من حيث لا يدري؛ لأنه من هو الذي تعرض لعيسى عليه السلام، ومن هو الذي كذبه، ومن هو الذي اتهمه، ومن هو الذي آذاه وعذبه وشرده وزعم أنه صلبه؟ إنهم اليهود، ولو تذكر هذا الإنسان أن الذين فعلوا هذه الجرائم هم اليهود ما قال الذي قال، لأن التطبيع الآن وعلاقات السلام -مع أبناء عمومته كما سماهم- تستدعي أن لا يذكر تاريخ اليهود المليء بالحقد على الأنبياء والقتل والتشريد والإيذاء والاعتداء عليهم.

ثم قال: ومن ثم صلب على أعواد المشانق وربنا عز وجل قال: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] ويقول: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:157-158] فيا سبحان الله! أن تجد إنساناً يحمل اسماً إسلامياً وينتسب إلى بلاد إسلامية، وأن تجد جريدة تصدر باللغة العربية وفي بلادٍ عربية وتباع في بلاد المسلمين كلها، وفي هذه البلاد أيضاً، ثم تنشر مثل هذا الكلام المخالف نصاً لكلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وعقيدة المسلمين منذ أن وجد الإسلام إلى اليوم، ثم يمضي الأمر وكأن شيئاً لم يكن.

4- وهو الآن أحرج لأنهم تكلموا عن روسيا وروسيا كانت بلداً شيوعياً، فماذا يريد أن يقول عن روسيا؟ هل يريد أن ينفي عنهم الكفر أيضاً، قال: روسيا لم يكن نظامها السياسي، وتركيبتها الاقتصادية، وفلسفتها الاجتماعية لم تكن تؤمن بالأديان قاطبة، ولكن الشعب الروسي خليط من الأديان الثلاثة الإسلام واليهودية والمسيحية، ويسبحون في ملكوت الله ويصلون في قرارة أنفسهم ليل نهار ويتجهون إلى الله صباح مساء.. تبارك الله رب العالمين، ثم يقول: إذاً لماذا اتهام الناس بالكفر وهي تهمة بغيضة شنيعة، وإذا كانت أمريكا من أمم الكفر كما يصف هذا الكتاب المقرر على أولادنا فكيف يفسر مدرس هذه المادة موقف أمريكا من تحرير الكويت المؤمنة المسلمة وهي الدولة الكافرة؟! وعلى افتراض أن أمريكا وشعبها من الكفار الزنادقة، هل كنا نرفض موقفهم المؤيد لنا ومساعدتهم لتحرير الكويت؟ وهل كنا سنضحي بـالكويت من أجل أن أمريكا التي سوف تحررنا هي من أمم الكفر؟ أقول: يبدو من هذا الكلام أن هناك مجموعة نشأت ليس في الكويت فحسب، بل في العالم الإسلامي لم يعد الميزان عندها هو القرآن والسنة ولا الإسلام، وإنما الميزان عندها هي قضية الكويت فمن وقف معهم في أزمة الكويت فهو حبيبهم وصديقهم الذي ربطوا به حاضرهم ومستقبلهم، ومن سكت أو وقف ضدهم أو تحفظ أو كان معهم ولكن بالحق، فهذا هو عدوهم الذي لا يقبلون منه صرفاً ولا عدلا.

ولهذا لم يعد غريباً أن نجد على الجماعات الإسلامية، وعلى بعض الدول الإسلامية، هجوماً شنيعاً بالحق أحياناً وبالباطل في الغالب، في المقابل الذي نجد فيه مثل هذه اللهجة الغريبة جداً مع إسرائيل وأمريكا أو روسيا مع أمم الكفر الذين سماهم الله عز وجل كفاراً، ولم يسمهم أحد من عند نفسه.

أما قضية موقف أمريكا فهذا عجبٌ من العجب، هل قال أحد في الدنيا كل الدنيا أن أمريكا تدخلت في الكويت لأنها بلد مؤمن يحمي الإيمان ويحمي السلام ويحمي العدالة؟ أبداً! أمريكا تدخلت من أجل مصالحها، وهذا ليس سراً يقوله الجميع، ولعلكم تعرفون أن هناك أديباً ودبلوماسياً كبيراً من هذه البلاد كان يكتب أثناء الأزمة يومياً، وقد كتب فيمن كتب، وقال: لا أحد ينكر أن تدخل الغرب في أزمة الخليج كان من أجل حفظ مصالحهم ولا شيء في ذلك، إذاً هذا ليس سراً وليس موضع اختلاف.

فرج فودة وأفكاره وكتاباته

النقطة الرابعة في موضوع التطرف أيضاً: من القضايا التي أثارت التطرف أن هناك كاتباً مصرياً اسمه فرج فودة هذا الكاتب قتله بعض الشباب الذين ينتسبون إلى إحدى الجماعات الإسلامية، أو هكذا قالت أجهزة الإعلام وأجهزة الأمن هناك، وقامت الدنيا ولم تقعد من أجل فرج فودة وتكلموا عنه أنه شهيد الكلمة، وبدءوا يترحمون عليه ورفع، حتى إن رئيس الدولة طلب أن تطبع كتبه كلها على نفقته وتوزع بالمجان، ولو قرأ أي إنسان أي صحيفة أو مطبوعة لوجد أنها تثني على هذا الرجل، وتتكلم عنه وتعتبره مثالاً ورمزاً للفكر والعقل والمنطق.

فلننظر الآن فرج فودة هذا الذي غضبوا من أجله ومن أجل قتله من يكون، دعونا من تاريخ فرج فودة، ومتى ولد، ومتى مات، وما هي المناصب التي تقلد فيها لأن الموضوع طويل، لكن لـفرج فودة مجموعة من الكتب منها: ما قبل السقوط، الحقيقة الغائبة، حوار حول العلمانية ، الطائفية إلى أين، الإرهاب، حوارات حول الشريعة، وله عدد كبير من المقالات المطبوعة في الصحف والمجلات الحكومية، إلى جانب صحيفتيالتجمع والأحرار، بالإضافة إلى مقالاته الأسبوعية (كلام في الهواء) التي تنشر في مجلة أكتوبر، وكان ضيفاً ثابتاً على التلفزيون المصري.

هل فرج فودة مسلم؟ بداية للجواب على هذا السؤال أقرأ عليكم بعض كلامه، أنا لا أحكم على فرج فودة فهو قد قدم إلى ربه عز وجل، وأترك الحكم عليه إلى كل إنسان عادل يسمع الكلام الذي سوف أقرؤه الآن، يقول: إن القوانين الوضعية تحقق المصلحة للمجتمع أكثر من الشريعة الإسلامية، هذا في كتاب الحقيقة الغائبة، ويقول: ورأيي أن القانون الوضعي يحقق مصالح المجتمع في قضايا الزنا أكثر مما ستحققه الشريعة لو طبقت، أيضاً في الحقيقة الغائبة (ص:121).

وعن القانون الحالي في مصر يقول: إنه يعكس احتياج المجتمع المعاصر بأقدر مما تفعله الشريعة، ويقول: ببساطة أنا ضد تطبيق الشريعة فوراً أو حتى خطوة خطوة؛ لأنني أرى أن تطبيق الشريعة لا يحمل في مضمونه إلا مدخلاً لدولة دينية. هذا في كتاب حوارات حول الشريعة، (ص:11) ويقول: إن الدعوة إلى إقامة دولة دينية في مصر تمثل ردة حضارية شاملة بكل المقاييس. الطائفية إلى أين (ص:20).

وقد سخر الرجل قلمه ولسانه بصورة بذيئة لمنع تطبيق الشريعة الإسلامية، وتطاول الرجل على عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، وقال عنه: إنه كان يسرق بيت المال.هذا في كتاب الحقيقة الغائبة (ص:60) وكان فرج فودة يدعو للتعايش مع إسرائيل، وبدأ هو بنفسه في التعامل بالاستيراد والتصدير، حيث يمتلك شركة تعمل في هذا المجال، وكان يعترف بأن السفير اليهودي في القاهرة صديقه، ويعد هذا الرجل من أبرز دعاة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وجاء تأسيسه لحزب اسمه حزب المستقبل في هذا الصدد، ومما يقوله: إن المنطقة مقبلة الآن على السلام الذي ليس له إلا أسلوب واحد، وقد وضع الرجل نفسه أمام الرأي العام بكل وضوح أنه ضد قيام الدولة الإسلامية وضد تطبيق الشريعة، وكان ذلك واضحاً كل الوضوح.

في مناظرة أخيرة عقدها مع أحمد محمد خلف الله في معرض الكتاب في هذا العام، وفي مواجهة محمد الغزالي ومأمون الهضيبي ومحمد عمارة وهم دكاترة يمثلون الاتجاه الآخر، يتكلمون باسم الاتجاه الإسلامي، في هذه المناظرة أثار حنق الكثيرين من عامة الشعب، ومن المؤمنين على وجه الخصوص وأصحاب الاتجاه الإسلامي.

يقول فرج فودة: إن أعضاء اللجنة التشريعية في مجلس الشعب المصري قد أصيبوا باكتئاب شديد، قال لأنهم طالبوا بتحريم سفور المرأة، ومنع الشذوذ الجنسي، ومنع الزنا بالتراضي، وعندما حدثت حادثة الأتوبيس بالعتبة وهي قضية اعتداء علانية على عرض امرأة، كتب مقالاً فيه سخر فيه ممن قالوا: إن سبب الحادثة هو السفور والتفسخ في العلاقات، وفقدان الحشمة في الملابس النسائية، وقال: إن سبب هذا الحادث هو التطرف الديني.

وللكاتب مواقف مشهودة ومشهورة من مظاهر التدين العامة كالحجاب، واللحية، ومحاربة الاختلاط وغيره، وقبل وفاته بأيام تقدم بمشروع للرئيس المصري يطالب فيه بوضع فقرة في الدستور لمحاربة الإرهاب الديني، قد أقر الآن، برنامج نظام لمحاربة الإرهاب والتطرف الديني، في مجلس الشعب وهو موضع التنفيذ هناك.

على أي حال من ضمن ما يقوله أيضاً: إن ابن تيمية قد هددني بالقتل، رغم أنه مات قبل قرون - لا يزال الكلام له- إلا أنه ما يزال سيفه مصلتاً على رقابنا يهددنا جميعاً بالقتل، لذلك أرسلت لبعض علماء الأزهر وقلت لهم: لماذا لا نعيد محاكمة ابن تيمية؟!

وعلماء الأزهر هؤلاء الذين يطالبهم بمحاكمة ابن تيمية ماذا يقول عنهم؟ إنهم نالوا نصيباً من شتائمه وسبابه حتى طالت بنادقه شيخ الأزهر نفسه، وطالب بجلد شيخ الأزهر في ميدانٍ عام.

كما هاجم أيضاً الدكتور يوسف القرضاوي والشعراوي وغيرهم، وملأ كتبه باللمز والهمز على الصحابة والتابعين، فليس غريباً أن يتكلم في بعض المشايخ أو بعض العلماء، أو بعض المنتسبين إلى العلم.

هذه المؤهلات التي كتبها وقالها جعلته الكاتب المفضل عند الأقباط النصارى، لأنه يعلن ما لا يقدرون هم على إعلانه، حتى إن شنودة نفسه أعلن مرات أنه معجب بكتابات فرج فودة، ولما طلب منه أن يبعث بشخص يمثل الأقباط في أحد المرات رشح فرج فودة، وقال: فرج فودة يمثلنا.

وفي كتابه الطائفية إلى أين يقول: إن البرامج الدينية تمثل اختراقاً للإعلام، وخطراً على مدنية الدولة، ويعتبر أن الإعلام في مصر التلفاز والإذاعة والصحف وغيرها تشجع الفتنة الطائفية بإذاعتها للأذان، ويقول: هذا تراجع إعلامي أمام المد الديني، ويرى أنه من الخطأ الفادح الذي وقع فيه المشرفون على التلفزيون، أنهم أعطوا مساحات كبيرة من ساعات الإرسال للبرامج الدينية خاصة للشعراوي في تفسيره وأحاديثه، كما هاجم بعنف إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة هناك؛ لأنها اصطبغت بالصبغة الدينية، ويتعجب كيف سمحت لـمجلة المجاهد بالانتشار في صفوف أفراد القوات المسلحة، كما هاجم العلماء الذين حرموا الربا، وتحفظوا على فتوى مفتي مصر بإباحة شهادات الاستثمار ووصفهم بأنهم فقهاء النكد، وقال: يجب أن نضحي بتطبيق الشريعة بالكلية حتى لا نخدش مشاعر النصارى. قال هذا في جريدة الأهالي.

وهجم على منظمة حماس الفلسطينية، وقال: إنها نجحت في تقسيم الصف الفلسطيني لأول مرة، ونجحت في تقليص إعلام دمشق وعندما حدثت أزمة حلايب بين مصر والسودان كتب يقول: أهلاً ومرحباً -يعني بالخلاف- ويدافع عن جون قرنق في جنوب السودان.

هذه بعض الكلمات والمقالات التي كتبها وقالها.

من الأشياء الطريفة: يقول محمد زكريا وكيل أحد الأحزاب هناك: ذهبت إلى فرج فودة عام 1990م وقلت له: أخشى عليك أن يهدر دمك مجنون، ويحكم عليك بالموت متصوراً أنه يضحي بنفسه من أجل الإسلام والمسلمين، يقول: خوفته بهذا، فالتفت إليّ بعد أن انقبض وجهه وقال: تفتكر أنه يمكن يحدث ذلك؟ قلت له: كل شيء ممكن، إذا اعتقد القاتل أنه قتلك في سبيل الله ممكن، قال: فقام من مقعده وتوجه إلى الشرفة، ورفع حصيرة الشيش وقال: اطمئن الحكومة موفرة حماية كبيرة عند المنـزل وعند المكتب، وأشار إلى مكتب المباحث القريب منه، وقال: انظر هذا الكشك الذي أمام المكتب وعلى ناصية كلية البنات، أقامته المباحث لحمايتي، وعند مدخل العمارة يوجد حراسة، قلت له: -وهذا وكيل أحد الأحزاب وليس من المنسوبين إلى الاتجاه الإسلامي- قلت له: إذاً هذا معناه أن هناك تحريضاً لك، وأن هناك من يشجعك ويقول لك: استمر ونحن نوفر لك الحماية، في الوقت الذي فشلوا في حماية رأس السلطة السابقة يعني أنور السادات فقال: لا، إن رسالتي هي أن أنقي الإسلام من خطايا المسلمين، يقول: قلت له: أخشى عليك يا فرج من نفسك.

إذاً نخلص من هذا الكلام إلى أن الذين قتلوا فرج فودة هم الذين دفعوه إلى أن يهاجم الإسلام والمسلمين وأن ينال من دين الله عز وجل، وقالوا له: نحن نوفر لك الحماية، وقل ما شئت، ودافع عن اليهود، ودافع عن النصارى، ودافع عن العلمانيين، وهاجم الإسلام والمسلمين والصحابة والشريعة والدولة الإسلامية، وتكلم عن التطرف والمتطرفين، ونحن سوف نحرسك ونحفظك منهم، فهؤلاء هم الذين قتلوه حقيقة وإن كانوا قد ألصقوا التهمة بمن يسمونهم بالمتطرفين.

وبمناسبة ذكري لهذا التقرير المطول الذي اجتزأت منه، فإني أشكر الأستاذ عبد الله الوهيبي الذي أرسل لي بهذا التقرير الوافي عن هذا الرجل بناءً على محادثة بيني وبينه.

لكنني أضيف الآن بعض الموضوعات المتعلقة بعنوان المحاضرة، وهو (حقيقة التطرف) فقد سمعت بعد هذا العنوان ندوة عقدت وأذيعت في إذاعة لندن عن هذا الموضوع، وتكلم فيها كثير من الناس، ولم أسمع منها إلا قليلاً من الصوت المعتدل، فقد سمعنا في تلك الندوة وهي مسجلة في أكثر من ساعة صوتاً يتهم الإسلام نفسه بالتطرف من هذه البلاد -لا أعني هذه البلاد بالذات- لكن من بلاد الإسلام، ومن نساء ورجال يحملون أسماءً إسلامية، فيقولون: إننا نسمع كثيراً من يفرقون بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف، ونحن لم نسمع إسلاماً معتدلاً قط، -كما تقول إحداهن- فكل ما سمعناه هو تطرف وغلو، وهم يدعون إلى قتل الكفار، بل إلى قتل المسلمين الذين يخالفونهم في الاتجاه، وتقول: إن كل من يحمل أفكاراً علمانية، أو ينادي بفصل الدين عن السياسة وعن الحياة فهو في نظر هؤلاء كافر، وإذا أصر على دعوى الإسلام فإنهم يصفونه بأنه زنديق، ويعتبرونه حلال الدم والمال، ثم قالت أخرى: إن أولادنا يُعَلَّمون في المدارس ألواناً من التطرف وإنهم يصلتون علينا سيف النصوص، فكلما قامت واحدة منا تنادي بتحرر المرأة، أو تغيير أوضاع المرأة العربية، أو إعطائها حقوقها، فإنهم يصفونها بأنها متأثرة بالغرب، ويصلتون عليها سيف النصوص الشرعية -أي القرآن الكريم والسنة النبوية- وكأنها تريد من الناس ألا يقرءوا آية ولا يقرءوا حديثاً رعايةً لخاطرها.. لأن هذه الآية وهذا الحديث يدلان على أن هذا هو الإسلام وما عداه هو الباطل، وماذا بعد الحق إلا الضلال.

ولم يقتصر أمرهم عند حد مطالبة المسلمين بالكف عن الرد على الخصوم أو عيبهم، بل وصل الأمر إلى حد أن يقولوا: لا نريد منكم أن تقرءوا الآيات القرآنية ولا أن تقرءوا الأحاديث النبوية. لأنكم بذلك تستغلون سيفاً اسم سيف النصوص أو السيف النصي الذي تحاربون به كل من يخالفكم، ونقول لهم ولهن: ليس علينا عيبٌ إلا أننا نرجو أن نكون وقافين عند حدود الله، ملتزمين بالنص قرآناً وسنة، أما أنتم فلا:

وكل خلاف بيننا فلأننا وعيناه في ضوء الكتاب ولم تعوا

فهذا طرف.

الطرف الثاني: يدافع عن الإسلام، ولكنه ضمن دفاعه عن الإسلام يُحَمِّلَ الإسلام ما لا يحتمل، فيقول: الإسلام دين التسامح ودين الحرية، والمسيحيون -كما يسميهم- إخواننا، والإسلام يفتح لهم ذراعيه، ويحفظ لهم... إلى غير ذلك من الكلمات المطاطة الواسعة التي بموجبها فقد المسلمون معنى الولاء والبراء، معنى البراءة من المشركين والكفار، معنى الالتزام والتميز بهذا الدين، فصار كثير، من المنسوبين إلى الإسلام وإلى العلم الشرعي والى الجامعات والمؤسسات الإسلامية يتكلمون عما يسمونه إخواننا الأقباط في مصر، ويعطونهم من عبارات الثناء والترحيب والتكرمة ما لا يعطونه حتى لإخوانهم المسلمين ممن يصمونهم بأنهم متطرفون، ويرمونهم بأبشع الألقاب وأحط الأوصاف.

أمرٌ آخر: نشرت صحيفة مصرية اسمها روز اليوسف مقالاً طويلاً عما أسمته التطرف المسيحي، وقالت: إنه كما يوجد متطرفون في الإسلام، هناك متطرفون في المسيحيين، وذكرت جماعة التكفير والهجرة عند النصارى ومن يرأسها ومعلومات كثيرة، الغريب في الأمر أنها تكلمت مع زعيم من زعماء الأقباط يسمى البابا شنودة وكان يتكلم بقوة، وقال لا يوجد تطرف مسيحي أو نصراني أبداً! ولو وجد لكانت أجهزة الأمن المصرية قد قبضت عليه وأصبح يدافع عن بني قومه.

وأقول: يا ليت أن يوجد في المسلمين وعلمائهم هناك وفي كل مكان من يدافع عن أعراض المسلمين، والذين يزج بهم في السجون ويعلقون على أعواد المشانق، وتصدر الآن القوانين والأنظمة الرسمية التي تعطي رجل الأمن الحق في قتل المسلم في الشارع، ويقول رئيس دولة إسلامية كبرى: مش عاوزين محاكمات ووجع رأس، نريد أي إنسان متطرف يضرب بالرصاص في الشارع وننتهي من أمره، لا نريد تحقيقات وأخذ ورد.

وقد أصدرت مصر كما سمعتم جميعاً ما أسمته بالتنظيم المتعلق بمحاربة التطرف كبرنامج أو جدول قد أقرته وأصبح الآن موضع التنفيذ، فيا ليت أنه يوجد من علماء الأزهر، أو من علماء الإسلام من يدافع عن حقوق المسلمين هناك، كما دافع ذلك القبطي النصراني عن حقوق بني قومه وبني جنسه وبني دينه من النصارى.

والغريب أن -مجلة روز اليوسف - ذكرت بعد هذا التقرير مقالاً مختلقاً ووضعته أيضا على الغلاف الرئيسي، ومع هذا كله فإنها بيعت وتداولت وقرأها الناس هنا وهناك، هذا الخبر المختلف يتعلق بدير يوجد في سينا اسمه سان كاتريك، قالت المجلة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حفظ لهذا الدير مكانته وكرامته بخطابٍ موجود محفوظ وبشهادة عشرين من الصحابة، ثم ذكرت خطاباً مكتوباً تزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتبه، وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الذي قام بخطه، وأن عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شهدوا عليه، وأن هذا الخطاب وجد في ذلك الدير الموجود في سينا.

وقد صدّقت الصحيفة هذه الرسالة ونشرتها، وقالت: هذا دليل على حماية الرسول صلى الله عليه وسلم للأقباط والنصارى وحفظ كرامتهم، وأن المتطرفين في مصر وغيرها يخالفون هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

ونحن نقول: الإسلام يحفظ كرامة الإنسان، وأهل الذمة في الإسلام لهم حقوقهم المعروفة، وقد تكلم عنها العلماء قديماً وحديثاً، وممن تكلم عنها الإمام الفذ ابن القيم رحمه الله في كتاب أحكام أهل الذمة وهو مطبوع في مجلدين، وممن تكلم عنها من المعاصرين الدكتور عبد الكريم زيدان وهو فقيه عراقي في كتاب ضخم سماه أحكام الذميين والمستأمنين ولكن مَنْ قال: إن النصارى في مصر أو غيرها قد حفظوا الأمانة ورعوا العهد؟!

وصلتني رسائل تقول: إن النصارى يقتلون المسلمين ويعتدون عليهم، بل ويعتدون على أعراض المسلمات، ويوجد في الجامعات هناك وفي بلادٍ أخرى شبكات نصرانية مهمتها اصطياد الفتيات المؤمنات والإيقاع بهن وتصويرهن على أوضاع سيئة، ثم تهديدهنَّ بأن ينخرطن في تيار الفساد والرذيلة والبغاء، وإلا فضحوهن على رؤوس الأشهاد ولدى أقاربهن ومحارمهن، فضلاً عن نشر المخدرات وغيرها، وكل القائمين بكل بهذه الأمور هم من النصارى.

مَنْ قال: إن الأقباط والنصارى في مصر أو في غيرها قد حفظوا العهد والميثاق؟! وهم يكتبون كثيراً كتابات تنال من الإسلام ومن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل من رب العزة عز وجل فضلاً عن المسلمين؟! ومن المعلوم أنه لو فرض أن هناك يهودي أو نصراني له عهد وميثاق فسب الله ورسوله، فإنه ينتقض عهده وميثاقه بذلك.

ثم مَنْ قال: إن الأمر الذي يحدث هو مجرد صراع بين النصارى والمسلمين؟! وأن الحكومة تحاول إيقاف ما يسمى بالفتنة الطائفية؟!

إنني متأكد أن المقصود أن يثبت بعض من ينتسبون إلى الإسلام للغرب ويقدموا له شهادة حسن السيرة والسلوك، أنِ انظروا في أي مشكلة تحصل بين المسلمين والنصارى نحن نقف مع النصارى ضد المسلمين، هذا هو الذي يراد أن يقال، هي رسالة للغرب ولـأمريكا بالذات، أنه نحن الآن علمانيون بما فيه الكفاية، ونحن لا نفرق بين المسلم والنصراني، بل على العكس نحن نقف مع النصراني ضد المسلم، ولذلك لم نجد ولا صحيفة مصرية واحدة تكلمت عن حقوق المسلمين المسلوبة، ولا -على الأقل- أفسحت المجال لهم أن يدافعوا عن أنفسهم، ولكن كانت جميع الصحف تدافع عن النصارى.. ؟ لأنها تمثل الرأي الرسمي.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] هذا حكم الله عز وجل: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] يخشون من النظام الدولي الجديد فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52] ولا شك أن هذه الوثيقة التي نشرتها مجلة روز اليوسف ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثيقة مكذوبة مختلقة لم يذكرها أحد من أهل العلم بالتاريخ والأخبار فضلاً عن المحدثين وغيرهم، فهي وثيقة مختلفة مزورة، وهي تشبه الوثيقة التي زورها اليهود، وأشهدوا عليها مجموعة من الصحابة، ثم ثبت أنها وثيقة مختلقة بشهادة التاريخ نفسه، وتكلم عنها الإمام الخطيب البغدادي، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم، وكانوا قد أشهدوا عليها مجموعة من الصحابة، وزعموا أنها كتبت يوم خيبر، مع أن أولئك الصحابة لم يكونوا أسلموا يومئذٍ.