خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [149]
الحلقة مفرغة
السؤال: سمعت من بعض الناس من يقول: إن الحلف دون التقية أي: إذا خفت الموت يجوز لي أن أحلف ولو كنت فاعلاً ذلك، والحلف بالله العلي العظيم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد.
أما بعد: فإن الإنسان إذا أكره على اليمين على شيء وكان من أكرهه قادراً على تنفيذ ما هدده به فإنه يجوز له أن يحلف على ذلك الشيء, ولكن خير من هذا الأمر أن يتأول في يمينه, بأن يقصد بلفظه ما يخالف ظاهره, إذا قيل له: قل والله ما فعلت هذا فليقل: والله ما فعلت هذا, وينوي بما الذي, يعني: والله الذي فعلت هذا, فإذا نوى بما الذي فإنه حينئذ يكون صادقاً؛ لأن الذي اسم موصول, يكون مبتدأ, وهذا خبره, يعني: أنه يقول: والله إن الذي فعلت هو هذا. ومكرهه الذي هو يخاطب يفهم من قوله: والله ما فعلت هذا النفي؛ لأنه يفهم أن ما نافية, وأن هذا مفعول فعلت, وفي التعريض مندوحة عن الكذب.
مداخلة: لكن هذا إذا كان يخشى على نفسه فقط, لكن لو كان فيه قطع حق على آخرين, أو مثلاً جريمة فعلها وسيؤدب تأديباً, لا يجوز له أن يحلف؟
الشيخ: أي نعم, إذا كان الحلف الذي سيعرض فيه إذا كان في قطع واجب لغيره أو فعل محرم فهذا لا يجوز؛ لأن قطع الواجب للغير لا يجوز بلا يمين, فكيف باليمين؟!
السؤال: ما حكم تبرج النساء وماذا يترتب عليه؟ وبعض الإخوان من المصرين أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( المرأة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة), يقولون: لا, أصل الحديث: ( المرأة كلها عورة إلا وجهها) بدون (في الصلاة)؟
الجواب: نعم, نقول: إن تبرج المرأة محرم؛ لأن الواجب في حقها التستر وعدم التعرض للفتنة, وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط يضربون بها الناس, ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات, لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها, وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا). والتبرج بلا شك ميل عن الحق, وسبب لميل الناس عن الحق, وللافتتان بهن, فهو محرم.
ولكن هل إبداء الوجه والكفين من التبرج أو ليس منه؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم, والصواب: أنه من التبرج؛ لأن من أبلغ أسباب وسائل الفتنة ظهور الوجه والكفين, فإن تعلق النفس بالوجه أشد من تعلقها بأي عضو من الأعضاء وبأي جزء من الأجزاء, وإذا كان أولئك الذين يبيحون كشف الوجه والكفين يمنعون من كشف القدمين والساقين فإننا نقول لهم: إن إظهار الوجه والكفين أشد فتنة وجذباً إلى المرأة من إظهار الساقين. ولهذا الصواب من أقوال أهل العلم: الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يجوز للمرأة إظهار وجهها وكفيها, بل إنه هو المشهور عند المتأخرين من الشافعية, كما في كتاب الإقناع لهم في حل ألفاظ أبي شجاع ، بل إن بعض العلماء كـ ابن رسلان حكى إجماع المسلمين على وجوب تغطية الوجه والكفين في هذه الأزمنة, يقول ذلك في زمانه, فكيف بزماننا نحن الذي أصبح الناس ضعيف الإيمان إلا من شاء الله سبحانه وتعالى.
ثم إن الأمر الآن لم يكن مقصوراً على الوجه والكفين عند هؤلاء الذين يبيحون لنسائهم أن يكشفن وجوههن وأكفهن, بل تعدى الأمر إلى إظهار الرأس أو جزء منه, وإظهار الرقبة, وإظهار أعلى الصدر, وإظهار بعض الذراعين, وعجزوا عن ضبط النساء في هذا الأمر, لهذا القول الصواب بلا ريب: أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليس من محارمها.
أقول: إن أقوى ما احتج به هؤلاء قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] .
وما يروى عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال لـ أسماء بنت أبي بكر : ( إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا, وأشار إلى وجهه وكفيه).
وفي الحقيقة أنه لا دلالة لهم في ذلك, أما الآية فإن قوله: إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] مستثنى من قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31]، والزينة ليست فيها الأعضاء أو الجسم, بل الزينة هي الثياب, كما في قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف:26]، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32] . فزينة الله سبحانه وتعالى هي ما رزقهم الله تعالى من هذه الألبسة التي يتزينون بها, فيكون قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] المراد: الثياب, يعني: لا يبدين الثياب الخفية التي قد جرت العادة بسترها لكونها جميلة, وأما ما ظهر منها كالعباءة والرداء كما قال ابن مسعود رضي الله عنه فلا حرج عليهن في ذلك.
وأما الحديث فإنه ضعيف؛ لانقطاع سنده وضعف بعض رواته, فلا يكون حجة في هذا الأمر.
السؤال: ما حكم الطلاق بدون سبب؟
الجواب: الطلاق بدون سبب لا ينبغي, وذكر أهل العلم أنه مكروه؛ لما في ذلك من التفريق بين الزوجة وزوجها, وتفويت مصالح النكاح؛ ولأن الرجل إذا طلقها قد لا يجد غيرها, وهي أيضاً قد لا يتزوجها غيره, فهو مكروه, ولكن إذا دعت الحاجة إليه فإنه لا بأس به.
السؤال: قد أجرت إنساناً لكي يحج عن والدتي التي قد توفيت منذ أمد بعيد, وقد سمعت أن الإنسان لا يجوز له أن يؤجر أو لا يجوز أن يأخذ الإنسان من أجل الحج عن الآخر, فما حكم الحج عن والدتي وهذه الحالة؟
الجواب: نقول: ينبغي لك إذا أردت الحج عن والدتك أن تحج بنفسك, أو تتفق مع شخص بدون عقد الإجارة على أن يحج لك, وهذا الحاج عنك أو عن أمك إذا كان نيته بحجه هي قضاء حاجتك وحل مشكلتك، وكان يريد مع ذلك أيضاً أن يتزود من الأعمال الصالحة في مشاعر الحج فإن هذه نية طيبة, ولا حرج عليه فيها, أما إذا كان حج عنك أو عن والدتك من أجل الدراهم فقط فإن هذا حرام عليه ولا يجوز؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يريد بعمل الآخرة شيئاً من أمور الدنيا.
فهنا الكلام في مقامين:
أولاً: بالنسبة لمن أعطى غيره أن يحج عنه أو عن ميت من أمواته.
والثاني: بالنسبة لهذا الحاج.
فأما أنت فنقول: إذا أعطيت غيرك شيئاً يحج به عن ميتك فإنه لا حرج عليك في هذا, وأما إذا أعطيته يحج عنك فهذا إن كان فريضة فلا يجوز لك أن تقيم من يحج عنك إلا إذا كنت عاجزاً عنها عجزاً لا يرجى زواله. وإن كانت نافلة فقد اختلف العلماء في جوازها, والذي يظهر لي أنه لا يجوز للإنسان أن ينيب غيره يحج عنه نافلة؛ لأن الأصل في العبادات أن يوقعها الإنسان بنفسه؛ حتى يحصل له التعبد والتذلل لله سبحانه وتعالى, وإنما أجزنا ذلك في الفريضة لورود الحديث به, وإلا لكان الأصل المنع أيضاً.
وأما بالنسبة للحاج عن غيره فإن أراد بذلك الدنيا وما يأخذ عليه من أجر فهو حرام عليه, وإن أراد بذلك قضاء حاجة أخيه وما يحصل له من الانتفاع بالدعاء في تلك المشاعر فإنه لا حرج عليه في ذلك.
السؤال: بالنسبة لقضاء صلاة الصبح, هل تقضى في أي وقت من الفروض أم لا؟
الجواب: يبدو لي أن تخصيصه صلاة الصبح يعني: أنه نام عن صلاة الصبح, ونقول له: هذا لا يجوز لك أن تتخذ ذلك عادة بحيث تنام عن صلاة الصبح, فإذا قمت من النوم صليتها, فإن الأصح من أقوال أهل العلم أن تأخير الصلاة عن وقتها لغير عذر يقتضي بطلان الصلاة وإن صليت, وأنها غير مقبولة؛ لأن كل عبادة مؤقتة بوقت لا تصح قبله ولا بعده إلا لعذر شرعي. وعلى هذا فنقول: إذا كنت أخرت صلاة الصبح حتى طلعت الشمس تكاسلاً وتهاوناً فإن صلاتك غير مقبولة منك, وإن كنت تركتها لأنك لم تستطع أن تقوم من نومك إما لعدم من يوقظك وإما لأنك استغرقت استغراقاً كبيراً ما تمكنت من القيام فإنه لا حرج عليك أن تصليها بعد الوقت.
السؤال: قد فاتني كثير من صلاة الصبح, لا أدري كم التي فاتني, هل يلزم ذلك كفارة؟ وما هي الكفارة؟ أفيدونا, جزيتم خيراً.
الجواب: كفارة الصلاة إذا تركها الإنسان لعذر أن يصليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك). وإذا كنت لا تدري كم فاتك فإنك تتحرى, وتعمل بما يغلب على ظنك من عدد الصلوات التي فاتتك, فإذا شككت هل هي ثلاثة أيام أو أربعة وغلب على ظنك أنها أربعة فاجعلها أربعة, وإن غلب على ظنك أنها ثلاثة فاجعلها ثلاثة.
السؤال: ما هي شروط إزالة النجاسة؟ وهل يمكن أن ننطق بالنية جهراً أم سراً؟
الجواب: النجاسة نوعان:
نجاسة الكلب, فيشترط في تطهيرها سبع غسلات إحداها بالتراب, والأولى أن يكون التراب في الغسلة الأولى, هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره بأن نجاسة الكلب لابد فيها من سبع غسلات إحداها بالتراب.
وأما نجاسة غير الكلب فإن الشرط فيها أن تزول عين النجاسة بأي عدد كان سواء بواحدة أو باثنتين أو بثلاث أو بأكثر, المهم أن عين النجاسة لابد أن تزول, وكذلك لابد من زوال العين حتى في نجاسة الكلب, لكن نجاسة الكلب تمتاز عن غيرها بأنها لو زالت العين بثلاث غسلات فلابد من إكمال السبع التي لابد أن يكون واحدة منها بتراب.
وهذا إذا كانت النجاسة على غير الأرض أما إذا كانت على الأرض فإنه يكفي أن تصب عليها ماء يغمرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الأعرابي الذي بال في المسجد قال: ( أريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء).
وأما التلفظ بالنية فإنه ليس بشرط, بل ولا مستحب. وإزالة النجاسة ليس لها نية؛ بدليل أنه لو كان في أعلى السطح نجاسة ونزل عليه المطر حتى زالت النجاسة به فإنه يطهر مع أن الإنسان ما نوى, فإزالة النجاسة لا يشترط لها النية.
السؤال: كثيراً ما نسمع من الطاعنين في السن أنه إذا غسل لهم وأزيلت نجاسة من ثوب من ثيابهم يسألون: هل شوهد, أي: هل قيل عليه: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, هل ورد في ذلك شيء؟
الجواب: أبداً, ما ورد أن الإنسان إذا غسل النجاسة يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, هذا وارد فيما إذا توضأ الرجل فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسول الله, اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين, وأما التشهد على إزالة النجاسة فإنه من البدع التي ينهى عنها.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3341 استماع |