فتاوى نور على الدرب [148]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هو الدعاء الذي يدعو به المسلم في يوم دخلته - أي: على الزوجة- قبل أن يباشر بأي عمل, حيث أنني أعرف أنه يقول في البداية أقوالاً, لكنني لا أعرف هذه الأقوال؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ينبغي إذا دخل على أهله لأول مرة أن يمسك بناصيتها - بناصيتها يعني: مقدم رأسها- فيقول: اللهم أني أسألك خيرها, وخير ما جبلتها عليه, وأعوذ بك من شرها, وشر ما جبلتها عليه, وإذا أراد أن يأتيها فليقل: بسم الله, اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. وهذه التسمية يقولها كلما أراد أن يأتي أهله سواء كان ذلك في ليلة الزواج أم فيما بعدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو أن أحدكم إذا أتى أهله فقال: بسم الله, اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لا يضره الشيطان أبداً). فهذه التسمية وهذا الدعاء من أسباب منع الشيطان من الإضرار الولد.

مداخلة: لكن كثيراً من الناس يقول في هذه الحالة: ليست الفرصة مواتية للتسمية وكذا وكذا؛ لأن هذا المقام ينسى فيه الإنسان كثيراً أو يتناسى, فما الفرق بين هذين القولين؟

الشيخ: أقول: ينبغي للإنسان أن يكون دائماً يغلب العقل على العاطفة, فالدين كله ضبط للنفس ولجماحها سواء كان لجماح الفرح أو لجماح الحزن والغم, فالإنسان ينبغي له ألا يؤثر عليه فرحه في نسيان ما ينبغي أن يفعله أو ويقوله, ولا أن يغمه حزنه حتى يدع ما يجب عليه أو يقع فيما حرم عليه, فالواجب على المرء أن يكون دائماً محكماً لعقله, ومتى حكم الإنسان العقل وأتى إلى الأمور برزانة وتأن أمكنه أن يقول أو يفعل ما كان مشروعاً في ذلك.

السؤال: كنت أعتقد بأن النذور مسألة بعيدة عن الدين أو أنها من البدع, فما هو أصلها, وما موقف التشريع الإسلامي منها, أو كيف يتوجب على المسلم أداؤها؟

الجواب: لست أعلم ما يريد بالنذور, فأخشى أنه يريد بالنذور ما ينذر للأموات, فإن كان يريد ذلك فإن النذور للأموات من الشرك الأكبر؛ لأن النذر خاص بالله عز وجل, فإذا قال قائل لصاحب هذا القبر: علي نذر أن أذبح له أو لصاحب هذا القبر نذر أن أصلي له أو ما أشبه ذلك من العبادات التي تنذر لأصحاب القبور فإن هذا بلا شك شرك مخرج عن الملة.

أما إن أراد بالنذر النذر لله عز وجل فهذا فيه تفصيل كثير, إن كان النذر نذر طاعة وجب عليه الوفاء به سواء كان النذر مطلقاً أو معلقاً بشرط, فإذا قال قائل مثلاً: لله علي نذر أن أصوم غداً وجب عليه أن يصوم, لله علي نذر أن أصلي ركعتين وجب عليه أن يصلي ركعتين, لله علي نذر أن أحج وجب عليه أن يحج, لله علي نذر أن أعتمر وجب عليه أن يعتمر, لله علي نذر أن أصلي في المسجد النبوي وجب عليه أن يصلي في المسجد النبوي, إلا أنه إذا نذر شيئاً فله أن ينتقل إلى ما هو خير منه, لو نذر أن يصلي في المسجد النبوي فله أن يصلي بدلاً من ذلك في المسجد الحرام؛ لأنه ثبت أن رجلاً قال يوم الفتح للنبي صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صل ها هنا. فأعاد عليه الرجل مرتين, فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: شأنك إذن). فهذا دليل على أنه إذا نذر شيئاً وفعل ما هو خير منه من جنسه فإنه يكون جائزاً وموفياً بنذره. هذا في نذر الطاعة سواءً كان مطلقاً كما مثلنا أو كان معلقاً بشرط كما في هذا الحديث: ( إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس).

ومثل النذور المعلقة أيضاً ما يفعله كثير من الناس, يكون عندهم المريض فيقول: إن شفى الله هذا المريض فلله علي نذر أن أفعل كذا وكذا من أمور الخير, فيجب عليه إذا شفي هذا المريض أن يوفي بما نذر من طاعة الله.

ومثله أيضاً ما يفعله بعض الطلبة يقول: إن نجحت فلله علي كذا من أمور الطاعة, لله علي أن أصوم ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو يوم الإثنين والخميس من هذا الشهر, أو ما أشبه ذلك, فكل هذا يجب الوفاء به؛ لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه).

ومع هذا فإني أنصح إخواننا المسلمين أنصحهم ألا ينذروا على أنفسهم؛ لأن النذر أقل أحواله الكراهة, بل إن بعض العلماء حرمه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه, وقال: ( إن النذر لا يأتي بخير, وإنما يستخرج به من البخيل)؛ ولأن الناذر ألزم نفسه بأمر هو في عافية منه؛ ولأن الناذر قد يتراخى ويتساهل في الوفاء بالنذر, وهذا أمر خطير, واستمعوا إلى قول الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77]. فإذا تساهل الإنسان فيما نذر لله على شرط فإنه يوشك أن يعاقب بهذه العقوبة العظيمة, يعقبه الله نفاقاً في قلبه إلى أن يموت. نسأل الله السلامة والعافية.

ثم إن النذر في هذه الحال كأن الناذر يقول: إن الله لا يعطيني ما أريد إلا إذا شرطت له, وهذا في الحقيقة سوء ظن بالله عز وجل, فالله تبارك وتعالى يتفضل على عباده بدون أن يشترطوا له شرطاً أو شيئاً, فأنت إذا حصل لك مكروه أو أردت مرغوباً فاسأل الله وادعه, هذه طريقة الرسل, كما قال الله تعالى عن الذين أصيبوا ببلاء أنهم يناجون الله عز وجل ويدعونه فيستجيب لهم: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ [الأنبياء:83-84] . وهل أيوب نذر لله نذراً إن عافاه الله؟ لا, بل دعا ربه.

وهكذا أيضاً سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وخلفائه الراشدين, إذا أرادوا من الله ما يرغبون توجهوا إليه بالرغبة والدعاء أن يعطيهم ذلك, وإذا أرادوا من الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنهم ما يكرهون دعوه سبحانه وتعالى ولجأوا إليه بأن يصرف عنهم ما يكرهون. هذه سبيل المرسلين من الأولين والآخرين, آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم. فكيف يخرج الإنسان عن طريقتهم؟! فالمهم أننا ننصح إخواننا عن هذا الأمر.

وكثيراً ما يسأل الناس الذين نذروا على أنفسهم نذوراً يسألون يريدون أن يجدوا من أهل العلم من يخلصهم منها, فلا يجدون من يخلصهم.

السؤال: مما لا شك فيه أنه منذ قتل عثمان رضي الله عنه الخليفة الثالث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وقعت حروب كثيرة في الدول الإسلامية, ثم اتسعت هذه الحروب وتعددت ألوانها وأشكالها بتعدد الممالك العربية والإسلامية, ولا شك أنه إذا قامت الحرب بين دولتين عربيتين ومسلمتين فإن الذين يقاتلون في هذه المعارك هم جنود مسلمون, فنريد أن نعرف إذا تقاتل المسلمان في هذه الحالة هل يقع الإثم عليهما أو على الدول أو الخلفاء أو رؤساء هذه الدول الذي يشعلون نار هذه الحرب؟ نرجو الإفادة, وفقكم الله.

الجواب: نقول في هذا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار, قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل, فما بال المقتول؟ قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه). وقال صلى الله عليه وسلم: ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر). فلا يجوز للمسلمين أن يقتل بعضهم بعضاً أو يقاتل بعضهم بعضاً, ولكن من قوتل فله أن يدافع عن نفسه بأخف الضررين, فإن لم يكن الدفاع إلا بالمقاتلة فله أن يقاتل, وحينئذ يكون المقتول من البغاة في النار, وأما المقتول من المدافعين عن أنفسهم الذين لم يجدوا دفاعاً دون القتل يكون في الجنة, وإن قتل من البغاة فليس عليه شيء.

والواجب على المسلمين إذا اقتتلت طائفتان أن يسعوا في الصلح بينهما؛ لقوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:9-10] . فتبين الآن أن لنا نظرين:

النظر الأول: في حكم الاقتتال بين المسلمين, وهو حرام لا يجوز, لكن من بغي عليه واعتدي عليه فله أن يدافع عن نفسه بأقل ما يمكن, فإن لم يكن الدفاع إلا بقتال فله ذلك.

النظر الثاني: بالنسبة لبقية المؤمنين, فإذا كانت الطائفتان المقتتلتان من المؤمنين فإنه يجب على بقية المؤمنين أن يصلحوا بينهما, فإن بغت إحداهما على الأخرى ولم توافق على الصلح فإنه يجب على المؤمنين أن يقاتلوها حتى تفيء إلى أمر الله, فإذا فاءت وجب الصلح بما حصل بينهم من إتلافات وغيرها.

مداخلة: طيب ما ذنب الجندي في الطائفة أو في الدولة التي تبغي إذا كان خروجه أو امتناعه عن الحرب يعتبر خروجاً أيضاً عن سلطانه؟

الشيخ: ليس خروجاً عن السلطان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الطاعة في المعروف). وهذا ليس من المعروف أن يقاتل الرجل أخاه المسلم أو يقتله, بل يجب عليه أن يرفض هذا الأمر ولا يخرج, وفي هذا الحال قد يكون رفضه من أكبر الأسباب الداعية إلى عدم البغي؛ لأنه إذا رفض هذا وهذا وهذا لم يكن بيد الباغي قوة يبغي بها على غيره.