Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

التفكر في خلق الإنسان


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل خير سألناه أعطانا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى.. اتقوا الله تعالى حق التقوى.

معاشر المؤمنين: يقول الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:12-16].

تأمل في عظم خلق الله

أيها الأحبة في الله: إن المتأمل في كتاب الله جل وعلا خاصة في ما يتعلق بالنفس الإنسانية التي تدب على وجه الأرض، وما جمعت من الصفات والعجائب في دقيق الخَلق والخُلق ومراحل النمو والتطور، وتعدد الغرائز والحواس، ليجد الخضم المتلاطم في بحر عظيم خلق الله وقدرته، وصدق الله العظيم حيث قال: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].

إن هذه النفس البشرية التي تجادل وتنازع في خالقها وبارئها لهي أكبر دليل على ربوبيته ووحدانيته وكمال قدرته ومشيئته:

فيا عجباً كيف يعصى الإله     أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية     تدل على أنه الواحد

أنت أيها الإنسان لم تكن شيئاً يذكر أو يعرف لولا تقدير الله في خلقك وإيجادك.. هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:1-2].

تفكر يا بن آدم! من الذي أوجدك من عدم.. من ماء مهين في صلب أبيك.. ثم نطفة في رحم أمك.. ثم يسر لك السبيل إلى هذه الدنيا؟ إنه الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وصدق الله العلي العظيم حيث قال: قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ [عبس:17-22] .

يا بن آدم! من الذي هداك إلى ثدي أمك تشرب منه لبناً خالصاً سائغاً؟ ومن الذي هيأ هذا الثدي بهذه الطريقة الملائمة لخلقك، المتلطفة بضعفك وعجزك؟

إنه الله الذي أحسن كل شيء خلقه وقدر فهدى.

يا بن آدم: من يحفظك في صغرك وشبابك وشيبتك وكهولك وهرمك؟ من الذي يحفظك من مصائب الليل والفلق ومن شرور ما خلق من الجن والإنس والبهائم والسباع والهوام؟

إنه الله الذي يحفظك بحفظه وإرادته، ولولاه جل وعلا لتسلط مارد من الإنس على بدنك ومالك أو شيطان من الجن على عقلك ونفسك، أو حية أو هامة أو غير ذلك يؤذيك في بدنك، ولو أصابك شيء من ذلك لما استقر لك قرار، وما تلذذت بنعيم في هذه الدار، وصدق الله العظيم لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11].. إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [الطارق:4].

تأمل في نعم الله

قف متأملاً في هذه اللطيفة من جليل خلق الله ورأفته بعباده خاصة في هذا الزمان الذي تعددت فيه سبل الراحة والأمان، وتنوعت فيه أسباب الهلاك، هذه السيارة التي تركبها في كل ساعة ولحظة، من سخرها لك؟ تحث حديداً كيفما شئت، وتوقف حديداً متى شئت، من هيأ لك أسباب التمتع بها؟ ومن سخرها في حاجتك؟ ولو شاء ربك لانقلبت هلاكاً عليك وعلى غيرك لعطب أصغر آلة فيها.

هذه الطائرة التي تركبها، من يحفظك فيها وأنت بين السماء والأرض؟ ولو شاء ربك لهوت بك في مكان سحيق، فسبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون.

يا بن آدم! هأنت تتمتع بسمع وبصر وجوارح، من آتاك سمعاً تسمع به، وبصراً تبصر به، وعقلاً تعقل به، ويداً تبطش بها، ورجلاً تمشي بها؟

يا بن آدم! كم من عرق ساكن في بدنك والله لو تحرك ما تلذذت بعيش، وما تهنأت بنعيم.

يا بن آدم! كم من عرق متحرك والله لو سكن لتمنيت الفراق عن الدنيا إن لم تكن فارقتها.

يا بن آدم! تصبح وتمسي معافىً في بدنك، آمناً في وطنك، عندك قوت سنيك ودهرك.

يا بن آدم! أطعمك ربك وسقاك وكفاك وآواك وهداك، ومن كل شيء سألته أعطاك، فهل بعد هذا إلا شكر نعمته، وأن تقول: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إن تبت إليك وإني من المسلمين.

ماذا بعد هذه النعم التي لا تحصيها ولا تدرك منها إلا القليل؟

شكر النعم سبب لبقائها

فتفكروا يا عباد الله! وتذكروا هذه النعم التي تتقلبون فيها مصبحين وفي الليل، وبادروها وقيدوها بالشكر والطاعات، فإن النعم يا عباد الله! كالإبل المتفلتة فاعقلوها بذكر الله وشكره، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عباده الذاكرين الشاكرين.

إذا كنت في نعمة فارعها     فإن المعاصي تزيل النعم

وحطها بطاعة رب العباد     فرب العباد سريع النقم

وإياك والظلم مهما استطعت     فظلم العباد شديد الوخم

وسافر بقلبك بين الورى     لتبصر آثار من قد ظلم

فتلك مساكنهم بعدهم     شهودٌ عليهم ولا تتهم

وما كان شيءٌ عليهم أضر     من الظلم وهو الذي قد قصم

فكم تركوا من جنان ومِن     قصور وأخرى عليها أُطم

صُلوا بالجحيم وفاتوا النعيم     وكان الذي نالهم كالحلم

إذ تأملتم هذا يا عباد الله! فلينظر كل واحد منا إلى نفسه، ولينظر إلى ضعف نفسه، ولينظر إلى عظيم نعمة ربه، ولينظر إلى جزيل فضل خالقه في هذه النفس الإنسانية على ما فيها من الضعف والجزع والهون وسرعة الزوال والفناء والفراق، كيف تشمخر نفس بني آدم؟ كيف ترتفع وتكابر وتفاخر وتدافع وتنازع؟ وكم تبني من الدور والقصور وتزرع الضياء والبور؟ وفي خضم هذا كله يصيبها الكبر في لذاتها، والعجب في ملذاتها؛ فتغمط الناس حقوقهم وأشياءهم، وتحسدهم على أرزاقهم فيها كأن الدنيا لها وليست لهم، وينسى الواحد شكر نعمة ربه عليه في ما هو ماثلٌ واضحٌ أمام عينه، وكأن الإنسان يقول: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص:78] فإذا مس هذه النفس طائف من قدر الله بمصيبة صغيرة أو مرض أو فاجعة، تذكر الإنسان وصاح: يا الله! وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [يونس:12] عند هذا يعود، وعند هذا تعود كل نفس، وقبل ذلك كم نسيت من الآلاء التي عقدت على حصولها بالطاعة أصدق العهود.

وصف النفس من كتاب الله

يا بن آدم! إذا تكبرت نفسك، وتجاهلت حقيقة قدرك؛ فتذكر أصل خلقتك من أي شيء خلقت؟

هل خلقت من جواهر الجنة أم من خالص ذهب الأرض، أم من ماذا؟

خلقت من ماء مهين، من مني يمنى، من نطفة قذرة، وتحمل في جوفك الخراءة والعذرة، وتدميك بقطة وتقتلك شرقة، فعلام الكبر إذاً؟ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7].

اقرءوا كتاب الله، وتأملوا قوله عن هذه النفس الإنسانية في مواضع شتى من كتابه الكريم: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً [النساء:28].. إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34].. وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً [الإسراء:11].. وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً [الكهف:54].. إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].. أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [يس:77].. إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [المعارج:19-21].. بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ [القيامة:5].. فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر:15-16] وغير ذلك كثير في كتاب الله العظيم، فيه من العظة والعبر والدروس والفكر لمن ألقى السمع وهو شهيد.

فهل بعد هذا أيها الإخوة! هل بعد اطلاع الإنسان على حقيقة نفسه الإنسانية وضعفها وعجزها وقصورها وفنائها وسرعة زوالها وسرعة تغيرها، هل بعد هذا يبقى في النفوس شيء؟ هل بعد هذا يبقى في النفوس شر؟ هل بعد هذا تحمل النفوس حسداً؟ هل بعد هذا تحمل النفوس أحقاداً؟ كلا، لا والله، من أدرك ذلك وعلمه علم اليقين، علم أنه ضعيف إلا بقوة الله، ذليل إلا بعزة الله، مسكين إلا برحمة الله، ضائع إلا بحفظ الله.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

أيها الأحبة في الله: إن المتأمل في كتاب الله جل وعلا خاصة في ما يتعلق بالنفس الإنسانية التي تدب على وجه الأرض، وما جمعت من الصفات والعجائب في دقيق الخَلق والخُلق ومراحل النمو والتطور، وتعدد الغرائز والحواس، ليجد الخضم المتلاطم في بحر عظيم خلق الله وقدرته، وصدق الله العظيم حيث قال: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].

إن هذه النفس البشرية التي تجادل وتنازع في خالقها وبارئها لهي أكبر دليل على ربوبيته ووحدانيته وكمال قدرته ومشيئته:

فيا عجباً كيف يعصى الإله     أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية     تدل على أنه الواحد

أنت أيها الإنسان لم تكن شيئاً يذكر أو يعرف لولا تقدير الله في خلقك وإيجادك.. هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:1-2].

تفكر يا بن آدم! من الذي أوجدك من عدم.. من ماء مهين في صلب أبيك.. ثم نطفة في رحم أمك.. ثم يسر لك السبيل إلى هذه الدنيا؟ إنه الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وصدق الله العلي العظيم حيث قال: قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ [عبس:17-22] .

يا بن آدم! من الذي هداك إلى ثدي أمك تشرب منه لبناً خالصاً سائغاً؟ ومن الذي هيأ هذا الثدي بهذه الطريقة الملائمة لخلقك، المتلطفة بضعفك وعجزك؟

إنه الله الذي أحسن كل شيء خلقه وقدر فهدى.

يا بن آدم: من يحفظك في صغرك وشبابك وشيبتك وكهولك وهرمك؟ من الذي يحفظك من مصائب الليل والفلق ومن شرور ما خلق من الجن والإنس والبهائم والسباع والهوام؟

إنه الله الذي يحفظك بحفظه وإرادته، ولولاه جل وعلا لتسلط مارد من الإنس على بدنك ومالك أو شيطان من الجن على عقلك ونفسك، أو حية أو هامة أو غير ذلك يؤذيك في بدنك، ولو أصابك شيء من ذلك لما استقر لك قرار، وما تلذذت بنعيم في هذه الدار، وصدق الله العظيم لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11].. إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [الطارق:4].