فتاوى نور على الدرب [142]


الحلقة مفرغة

السؤال: رجل يحب والديه وأراد أن يتأسى بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأعفى لحيته، ووجد مضايقة من أبيه وأمه حتى غضبا عليه، ما حكم الإسلام في ذلك؟ هل يُغضب الوالدين أم يعفي لحيته؟

الجواب: لا شك أن رضا الله عز وجل مقدمٌ على رضا غيره، وطاعة الله سبحانه وتعالى مقدمةٌ على طاعة غيره، ( ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )، ولهذا قال الله تعالى في حق الوالدين مخاطباً الولد: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:14-15] ، ففي هذه الآية دليل على أنه لا يجوز للمرء أن يطيع والديه في معصية الله سبحانه وتعالى، فأنت حين هداك الله، وأسأل الله لي ولك التثبيت على هدايته، حين هداك الله إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية، ووجدت من والديك مضايقة، فإني أنصحك أن تصبر وتحتسب على هذه المضايقة، وتستمر في اتباع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، ولو غضب لذلك والداك.

وإني أنصح والديك أمك وأباك أن يتقيا الله عز وجل، وأن يكونا عوناً لابنهما على طاعة الله، لا أن يكونا منفرين له عن طاعة الله سبحانه وتعالى بهذه المضايقة، وأقول لهما: إن منة الله على ابنكما بالتزام الشريعة هو من حظكما ومن توفيقكما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له)، فنصيحتي لكما أيها الأبوان أن تتقيا الله عز وجل، وأن تشجعا ابنكما وكذلك سائر أولادكما على طاعة الله عز وجل، وأن تريا أن هذا من نعمة الله عليكما فتحمدا الله على هذه النعمة، وتستمرا في تنشيط أولادكم على طاعة الله سبحانه وتعالى.

السؤال: ما حكم الإسلام في خلو الرجل، مثلاً هنالك شخص مؤجر دكاناً من آخر، ومرت السنون وجاء صاحب الدكان إلى المؤجر لكي يُخلي له الدكان، ولم يُطع المستأجر إلا بعد أن يدفع له صاحب الدكان مبلغاً من المال؟

الجواب: إذا كان هذا المستأجر له مدة معينة، وجاءه صاحب الدكان يطلب منه الخروج قبل انتهاء هذه المدة، فلا حرج عليه أن يطلب عوضاً عن إسقاط حقه فيما بقي من المدة، مثال ذلك: أن يكون قد استأجر هذا الدكان عشر سنين، ثم يأتيه صاحب الدكان بعد مضي خمس سنين ويطلب منه أن يُفرِّغ الدكان له، فلا حرج على المستأجر حينئذٍ أن يقول: أنا لا أخرج وأدع بقية مدتي إلا بكذا وكذا؛ لأن هذا معاوضة على حق له ثابت بمقتضى العقد الذي أمر الله بالوفاء به في قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] .

أما إذا كانت المدة قد انقضت، وكان بقاء المستأجر في هذا الدكان بمقتضى قانون من الدولة، فإنه لا يجوز له أن يمتنع من الخروج إلا بعوض، بمعنى أنه لا يجوز له أن يطلب عوضاً عن الخروج من هذا الدكان الذي تمت مدته، بل يجب عليه أن يسلم الدكان إلى صاحبه بعد فراغ المدة، ولا يأخذ منه عوضاً على ذلك؛ لأن بقاءه في دكان بدون إذن مالكه مع انتهاء مدة الإجارة ظلم له، والظلم محرم كما قال الله تعالى في الحديث القدسي:( يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

السؤال: نسمع الحديث كل آخر رمضان من الرمضانات الماضية عن زكاة الفطر، علماً أنه لا حاجة ماسة لها؛ لأنها أصبحت تافهة، نظراً إلى قلتها، وكثرة النِعم بين الناس، فهل نستمر على هذه العادات؟

الجواب: الحقيقة أن هذا السؤال وجيه وقبيح، أما وجهه فكونه يقول: إن هذه الزكاة الآن أصبحت قدراً ضئيلاً لا يُلتفت إليها بما أنعم الله على عباده من هذه النعم الوافرة الكثيرة، وأما كونه قبيحاً فلأنه قال: هل نستمر على هذه العادات! فجعل صدقة الفطر التي هي من فرائض الإسلام حيث قال ابن عمر : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر)، جعلها من الأمور العادية، وقد أخطأ في ذلك خطأً عظيماً في تعبيره، ولا أظنه إن شاء الله يعتقد ما يقول إلا أن يكون عن جهل منه، فالجاهل لا حد له، ولكني أقول: إن هذه الزكاة وهذه الصدقة فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يحددها بالحاجة والفقر، بل فرضها على كل من يستطيعها يدفعها إلى الفقراء، فإذا قُدِّر أنه ليس في البلد فقير، فإنه من الممكن أن ينقلها إلى بلد آخر فيه فقراء، وإذا لم يمكنه ذلك فإن أمامنا أحد أمرين؛ إما أن نقول: بسقوطها حينئذٍ؛ لأنه لما فُقِدَ محلها سقطت كما يسقط غسل الذراع إذا قُطِعت من العضد، وإما أن نقول: تُعطى أفقر من يكون وأقلهم غنى، وحينئذٍ يكون الفقر نسبياً، وليس على ما حدده الفقهاء رحمهم الله بأن الفقير هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته سنة.

والحاصل أن هذه الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على المسلم تنفيذها، إما في بلده إن كان فيه فقراء محتاجون، أو في بلد آخر يكون فيه فقراء محتاجون.

السؤال: سمعت في هذه الأيام عبر برنامجكم نور على الدرب أن الرسول لم يزد على ثلاث عشرة ركعة، لا في رمضان ولا غيره أثناء الليل، لكن نحن نشاهد الناس يصلون في العشر الأخيرة ثلاثاً وعشرين ركعة، فلماذا الزيادة هذه؟ وأيهما أولى صلاة ثلاث عشرة في أول رمضان وفي العشر الأواخر أم الزيادة في آخره وفقكم الله؟ الجواب: لا شك أن ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أولى وأكمل وأفضل، لا في أول رمضان ولا في آخر رمضان، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حدد صلاة الليل بفعله ولم ينه الناس عن الزيادة، بل سُئل صلى الله عليه وسلم: ( ما ترى في صلاة الليل؟ فقال: صلاة الليل مثنى مثنى )، ولم يحدد عدداً، وقال: ( ليصل أحدكم نشاطه)، فلما لم يحدد في ذلك شيئاً عُلم أن الأمر في ذلك واسع، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقتصر على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، لكنه كان يطيل إطالة عظيمة، فقد ذكر حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الليل فقرأ بالبقرة حتى أتمها، ثم قرأ بالنساء حتى أتمها، ثم قرأ بآل عمران حتى أتمها، وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم عبد الله بن مسعود فأطال النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال ابن مسعود : حتى هممت بأمر سوء. قالوا: ماذا هممت به يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه ، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقتصر على هذا العدد؛ لأنه كان يطيل القيام صلوات الله وسلامه عليه. وقد عُلم عند أكثر الناس أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم حتى تتورم قدماه وتتفطر، ولَمَّا كان هذا القيام الطويل يشق على الناس مشقة عظيمة، انتقل الناس إلى تخفيف القيام مع كثرة العدد، وكان هذا معروفاً من قديم الزمان حتى في عهد السلف الصالح، فنحن نقول: إن الإنسان إذا اقتصر على العدد الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كان ذلك أفضل وأكمل، وأكمل منه إذا كان موافقاً لقيام الرسول عليه الصلاة والسلام في الكمية والكيفية، ولكن إذا زاد على ذلك فإنه لا حرج فيه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يحدد، وسواء كان ذلك في أول رمضان أم في آخره. وخلاصة الجواب: أن الزيادة على الإحدى عشرة والثلاث عشرة لا بأس بها، في أول رمضان وفي آخره، وأن الاقتصار على أحد العددين في أول رمضان وفي آخره هو الأولى والأفضل، والله أعلم. مداخلة: الاقتصار على أحد العددين. الشيخ: يعني: إما إحدى عشرة أو ثلاث عشرة. مداخلة: يعني: لا يصلي مثلاً ثلاثاً وعشرين؟ الشيخ: أي نعم، يعني: الاقتصار على أحد العددين أفضل، ولكن لو صلى فلا نقول: إن هذا منكر، وأنه بدعة. مداخلة: طيب لو صلى ليلة إحدى عشرة ركعة، وليلة ثلاث عشرة ركعة، وليلة ثلاث وعشرين ركعة، هل في ذلك شيء؟ الشيخ: نعم في هذا شيء؛ لأني أخشى أن يفهم بعض الناس أن ذلك من السنة، وليس كذلك، وإنما السنة إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، فإذا صلى ليلة إحدى عشرة وليلة ثلاث عشرة فلا حرج، ولكن إذا صلى ثلاث وعشرين فإن كثيراً من الناس أو أكثر الناس الذين يصلون معه سيعتقدون أن الثلاثة والعشرين مما جاءت به السنة. مداخلة: لكن لو أراد أن يبين للناس أن كل هذه الأمور جائزة فينبههم بعد الصلاة، أو قبل أن يشرع في الصلاة. الشيخ: لا حاجة لهذا؛ لأنه ليس على الإنسان كلما قام يصلي ينبه، التزام العدد الوارد هو الأولى. مداخلة: يعني إحدى عشرة؟ الشيخ: إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، والزيادة عليه لا تنكر.

السؤال: أنا عندي قوت سنة بلا شك، لكن اليوم لابد من المتطلبات الزائدة على القوت، ذلك أن أولادنا يريدون مسايرة المجتمع من كل شيء في وسائل نقل وترفيه، أقصد مكيف وثلاجة وتلفاز .. إلى آخره، فنتقبل الزكوات التي تأتينا هذه الأيام في شهر رمضان، ونتطلع أيضاً إلى زكاة الفطر؛ لأننا نستلم كمية كبيرة لا بأس بها جزى الله المحسنين خيراً، والحمد لله الذي من علينا بنعمة الإسلام، ثم نبيع هذه الكميات التي تصل إلينا ونحيلها إلى نقود، نأكل منها طوال السنة ونترفه فيها, فما حكم ذلك؟

الجواب: الورع للإنسان أن يدع ما لا يحتاج إليه من الزكوات؛ لئلا يوقع نفسه في شبهة، والتغذي بالشيء أمره مهم جداً، فينبغي للإنسان أن يحتاط غاية الاحتياط فيما يأكل ويشرب، ولكن مع ذلك إذا أخذت الصدقات، أعني: الزكوات وزكاة الفطر لمسايرة أمثالك من الناس، فأرجو أن لا يكون به بأس، وذلك لأن الحاجة أو النفقة تختلف باختلاف الأحوال، وقد أوجب الله تعالى الإنفاق بالمعروف على الزوج، فما جرى به العرف لأمثالك من النفقات فلا حرج عليك إذا أخذت الزكاة لأجلها، ولكني أنصحك أن تحتاط لنفسك في هذه الأمور، ( ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة بأنها أوساخ الناس، وقال: ( إنها لا تحل لمحمد وآله)، فعلى كل حال فالجائز شيء، والاحتياط والورع شيء آخر، والذي ينبغي للمؤمن أن يسلك السبيل الأحوط والأكمل.