Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

شرح الأصول الثلاثة [5]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله: [وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل: الإسلام، والإيمان، والإحسان، ومنه: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى.

والدليل: قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] . فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر. والدليل: قوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] .

وفي الحديث: (الدعاء مخ العبادة)، والدليل: قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] .

ودليل الخوف: قوله تعالى: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] ].

قال المؤلف رحمه الله: (وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل: الإسلام.. إلى آخره).

العبادة في اللغة: التذلل. من طريق معبد أي: مذلل.

وأما في الاصطلاح فتطلق بإطلاقين كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

الإطلاق الأول من إطلاقات العبادة: اعتبار المتعبد، فهي التذلل لله عز وجل بامتثال أوامره واجتناب نواهيه محبةً وتعظيماً.

الإطلاق الثاني: اعتبار المتعبد به، وهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.

ولما ذكر المؤلف رحمه الله العبادة وأنها واجبة، وأنه يجب أن نعبد الله عز وجل ولا نشرك به شيئاً بين شيئاً من أنواع العبادة، فقال: [مثل: الإسلام، والإيمان، والإحسان، ومنه الدعاء] ... إلى آخره.

والإسلام إذا أطلق فإنه يراد به الدين كله، ويدخل فيه الإيمان، فيشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، والإيمان إذا أطلق يراد به الدين كله، ويشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، أما إذا اجتمعا نقول بأنهما يفترقان، فإذا اجتمعا افترقا، فيفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة، كما في حديث عمر رضي الله تعالى عنه الطويل لما قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد ..) إلى أن قال في الحديث: (فقال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. قال: صدقت. قالوا: فعجبنا له يسأله ويصدقه! ثم قال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، قال: صدقت. قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

فإذا اجتمع الإسلام مع الإيمان فإننا نفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة، أما إذا انفردا قيل: إسلام، وقيل: إيمان، فالإسلام يراد به الدين كله، والإيمان يراد به الدين كله.

قال: (ومنه: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها، كلها لله تعالى).

هذه من أنواع العبادة، وهذه سيتعرض لها المؤلف رحمه الله، كل نوع من هذه الأنواع سيذكر دليله، وكل نوع من هذه الأنواع له أقسام، فنحتاج أن نقف على كل نوع من هذه الأنواع.

فذكر أولاً المؤلف رحمه الله الدليل على أن العبادة إنما تكون لله عز وجل، ثم ذكر دليل الدعاء، ودليل الخوف، ودليل الرجاء، ودليل التوكل والرغبة... إلى آخره كما سيأتي إن شاء الله، فما هو الدليل على أن العبادة إنما هي لله عز وجل؟

قال: (قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18])، هذا دليل، المساجد لله أماكن عبادة لله، (فَلا تَدْعُوا) لا تعبدوا (مَعَ اللَّهِ أَحَدًا).

فقوله: (فَلا تَدْعُوا) أي: لا تعبدوا، والدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة، ودعاء مسألة.

وأيضاً ما يدل على ذلك قول الله عز وجل: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]. فقال: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]. فدل على أن ترك نوع من أنواع العبادة حكمه كفر.

فالله عز وجل قال: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ [المؤمنون:117]. يعني: ليس عنده حجة على هذه العبادة والدعوة.

فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [المؤمنون:117]. الله عز وجل هو الذي سيحاسبه على ذنبه هذا.

ثم قال: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]. دليل على أنه كفر بصرف نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل.

وأيضاً قوله: لا بُرْهَانَ لَهُ [المؤمنون:117] هذا دليل على أنه لا يمكن أن يأتي بحجة على جواز صرف العبادة لغير الله عز وجل.

النوع الأول: الدعاء

قال: (وفي الحديث ( الدعاء مخ العبادة ).

هذا الحديث ضعيف فالمؤلف رحمه الله الآن عدد هذه الأنواع: الدعاء، والخوف...، وسيذكر الآن دليلاً للدعاء، ودليل الخوف، ودليل الرجاء، ودليل التوكل، ودليل الرغبة والرهبة والخشوع... إلى آخره، وسنحتاج أن نقف على هذه الأنواع.

قال: (وفي الحديث: ( الدعاء مخ العبادة ). والدليل: قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]).

فالدعاء عبادة؛ والدليل قوله سبحانه وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر:60].

قال الله عز وجل في أول الآية: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي [غافر:60] ثم قال: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر:60] فدل على أن الدعاء عبادة.

أقسام الدعاء

وأيضاً يقول النبي عليه الصلاة والسلام في السنن: ( الدعاء هو العبادة ).

والدعاء ينقسم إلى أقسام: منه ما هو عبادة صرفه لغير الله شرك، ومنه ما ليس عبادة.

فنقول: الدعاء ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: أن يدعو مخلوقاً في أمر لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فهذا حكمه شرك أكبر، مثل: أن يدعو المخلوق أن يرزقه الولد، أن يجري السحاب، أن ينزل الغيث، أن يدخله الجنة، أن يعيذه من النار... إلى آخره، هذه أمور لا يقدر عليها إلا الله عز وجل.

فإذا دعا مخلوقاً في أمر لا يقدر عليه إلا الله عز وجل فنقول بأن هذا شرك أكبر مخرج من الملة؛ لأنه ما دعا هذا المخلوق في أمر لا يقدر عليه إلا الله عز وجل إلا وهو يعتقد أن له تصرفاً خفياً في الكون، وهذا من خصائص الله عز وجل والمتصرف بالكون وحده.

القسم الثاني: أن يدعو مخلوقاً بكمال رغبة أو رهبة لا تكون إلا لله عز وجل؛ لأن دعاء المخلوق بهذه الصفة نوع من أنواع الشرك -يعني كونه يرغبه ويرهبه... إلى آخره- فإذا دعا مخلوقاً بكمال رغبة أو رهبة لا تكون إلا لله عز وجل نقول: هذا شرك، وسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بالرغبة والرهبة.

القسم الثالث: أن يدعو ميتاً، يأتي إلى ميت -صاحب قبر- ويدعوه من دون الله عز وجل، يدعوه أن يفرج كربته، وأن يغيثه، وأن يزيل عسرته... ونحو ذلك, فهذا أيضاً شرك أكبر مخرج من الملة؛ لأنه ما دعا إلا وهو يعتقد أن له تصرفاً خفياً في الكون؛ لأن هذا الميت الآن فقد أسباب الحس المباشرة.

فنقول: إن هذا حكمه شرك أكبر مخرج من الملة، وبهذا نعرف ما عليه أهل الأضرحة والقبور والخرافية والصوفية، يأتون القبور، ويستنجدون بهم، ويسألونهم... إلى آخره.

القسم الرابع: أن يدعو غائباً يعني: يقوم بدعاء غائب فهذا أيضاً شرك أكبر، مثل أن يقول: يا فلان، أعطني كذا، أو يا فلان!.. فهذا شرك أكبر؛ لأن اتساع السمع لسماع البعيد من خصائص الله عز وجل، فالله وحده هو الذي يسمع كل شيء، والبعيد لا يسمع كل شيء، فمثلاً هو في هذا البلد, ويدعو شخصاً في مكة، في المدينة، في مصر... إلى آخره: يا فلان! أعطني كذا، أو أنقذني، أو ... إلى آخره فهذا شرك أكبر؛ لأن اتساع السمع لسماع البعيد من خصائص الله عز وجل.

القسم الخامس: أن يدعو مخلوقاً في أمر يقدر عليه المخلوق، مثل أن يقول لحي: أعطني كذا... إلى آخره، نقول: بأن هذا جائز، ولا بأس به، وليس من الشرك، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من دعاكم فأجيبوه ).

القسم السادس: أن يدعو بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: بأن هذا دعاء بدعي، كأن يقول: يا الله، بجاه نبيك، أو بجاه الصالحين أعطني كذا... ونحو ذلك، فنقول بأن هذا دعاء بدعي.

القسم السابع والأخير: أن يدعو الميت لكي يشفع له عند الله عز وجل، وهنا لا بد أن نفرق بين أن يدعو ميتاً يغيث لهفته، أو يحقق مطلوبه... إلى آخره، هذا شرك ليس فيه إشكال، لكن أن يدعو الميت لكي يشفع له عند الله عز وجل, فهذا موضع خلاف: هل هو من الشرك الأكبر أو من الشرك الأصغر؟

يعني: يذهب إلى الميت ويقول: اشفع لي عند الله عز وجل، قال بعض العلماء: بأن هذا ليس من الشرك الأكبر, وإنما هو من الشرك الأصغر؛ لأنه ما صرف العبادة لغير الله، هو الآن يطلب من الميت أن يشفع له عند الله عز وجل، ليس هناك صرف، لكنه شرك أصغر؛ لأنه من وسائل الشرك.

وقال بعض العلماء بأنه شرك أكبر؛ لأن هذا من عمل المشركين الذين قال الله عز وجل عنهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] . والله أعلم.

النوع الثاني: الخوف

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ودليل الخوف: قوله تعالى: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]).

استدل المؤلف رحمه الله بهذه الآية على أن الخوف عبادة، والدليل على أنه عبادة أن الله عز وجل اشترط للإيمان أن يخاف وحده سبحانه، فقال سبحانه وتعالى: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] .

فقوله: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، (إن) شرطية، فدل ذلك على أن من مستلزمات الإيمان أن يخاف الله عز وجل، وإذا كان كذلك فهذا يدل على أنه عبادة.

والخوف: هو تألم القلب من توقع حصول مكروه.

أقسام الخوف

والخوف ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: الخوف من الله عز وجل، وهو من أجل العبادات، ومن أعظم أعمال القلوب ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40] خص الرهبة بالله عز وجل، والرهبة نوع من الخوف، فدل ذلك على أنها عبادة من أجل العبادات.

وأيضاً قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] .

وأيضاً قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ [التوبة:18].

قال: وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ [التوبة:18] فدل على أن خشية الله عز وجل عبادة؛ لأن الذي يعمر مساجد الله عز وجل هو الذي يؤمن بالله واليوم الآخر ويخشى الله عز وجل، لا يخاف إلا الله عز وجل، هذا القسم الأول من أقسام الخوف.

القسم الثاني: خوف الشرك، عبر به بعض العلماء هذا التعبير: (خوف الشرك)، وهو أن يخاف من غير الله عز وجل أن يصيبه بمشيئته وقدرته.

نقول خوف الشرك: أن يخاف من غير الله عز وجل أن يصيبه بمشيئته وقدرته، كأن يخاف من مخلوق من المخلوقين أن يؤذيه ويكون منفرداً بهذا الإيذاء دون مشيئة الله وإرادته، فهذا نقول بأنه شرك أكبر؛ لأنه إذا اعتقد أن أحداً يستطيع أن يتصرف في الكون دون مشيئة الله وإرادته فإن هذا شرك أكبر مخرج من الملة.

ودليله قول الله عز وجل: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:36] يعني: يخوفونك بالأصنام.

القسم الثالث: أن يسوي غير الله بالله في الخوف الخاص، يعني: بأن يخاف من مخلوق أن يصيبه بشيء لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، وذلك مثل أن يدخله النار، أن يحرمه الجنة، أن يحرمه الولد، أن يخاف منه أن لا تمطر السماء... إلى آخره، يعني: أمور لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، أو يخاف من مخلوق لكمال حب وذل لا يكون إلا لله عز وجل.

القسم الرابع: أن يخاف من غير الله عز وجل بما يصد عن طاعة الله عز وجل، فهذا جعله بعض العلماء كالشيخ عبد الرحمن بن حسن من الشرك الأصغر. يعني: يخاف من شخص ويترك العمل لله عز وجل، فجعله من الشرك الأصغر الشيخ عبد الرحمن حسن رحمه الله.

القسم الخامس: الخوف الواجب، وهو الخوف الذي يدفع إلى فعل الواجبات من صلاة الجماعة، من أداء الزكاة، من صيام رمضان، من بر الوالدين، من صلة الرحم... إلى آخره. هذا خوف واجب.

القسم السادس: الخوف المستحب، وهو الخوف الذي يدفع إلى فعل المستحبات، مثل السواك، والسنن الرواتب، وقيام الليل، وصلاة الوتر، يخاف من الله عز وجل فيقوم الليل، ويصلي الوتر، ويصلي الرواتب... إلى آخره، ويترك المكروهات أيضاً، فهذا نقول بأنه خوف مستحب.

القسم السابع: الخوف الطبيعي، وهو أن يخاف من سبب تحقق أذاه في مجاري العادة، فهذا لا يلام عليه الإنسان، مثلاً يخاف من الأسد، هذا لا يلام عليه؛ لأن العادة دلت على أن الأسد يؤذي، وقد يقتل الإنسان، ويخاف من العقرب، لأن العادة دلت على أن العقرب تؤذي، وقد تقتله، ويخاف من العدو، هذا لا بأس.

ويدل لهذا قول موسى عليه الصلاة والسلام -وهو رسول من الرسل-: فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [القصص:33] فأقره الله عز وجل، خاف من فرعون؛ لأنه عدو.

فإن لم يتحقق أذاه في مجاري العادة هذا يسمى وهما، وهو مذموم إذا كانت العادة أنه لا يؤذي، لكن الحكم أنه وهم، وإذا كان وهماً فإنه مذموم؛ ولهذا جعله بعض العلماء من الشرك الأصغر، فذكروا قسماً رابعاً.

القسم الثامن: أن تخاف من شيء بظنك أنه سبب وليس سبباً، كأن يخاف من الظلام لذات الظلام لا لما يقع فيه، الذي يقع قد يؤذيه لكن يخاف من الظلام لذات الظلام، فالظلام هذا ليس سبباً للإيذاء، فقالوا بأن هذا من الشرك الأصغر.

النوع الثالث: الرجاء

قال رحمه الله تعالى: (ودليل الرجاء: قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]).

الرجاء: هو طمع الإنسان في أمر قريب المنال، وقد يكون بعيد المنال تنزيلاً له منزلة القريب.

الرجاء هذا عبادة، وذكر المؤلف رحمه الله الدليل على أن الرجاء عبادة، قال: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].

والرجاء ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: أن يكون بكمال حب وذل ورغبة ورهبة، فهذا صرفه لغير الله شرك أكبر.

القسم الثاني: أن يرجو الثواب مع عدم العمل الصالح، فهذا سوء ظن بالله عز وجل.

القسم الثالث: أن يرجو ثواب الله عز وجل مع العمل الصالح، أو مع التوبة من المعصية، ويرجو قبول توبته، فهذا حسن ظن بالله عز وجل.

يعني: يعمل العمل الصالح ثم يرجو الثواب، أو يتوب من المعصية ثم يرجو الثواب من الله عز وجل، فنقول بأن هذا حسن ظن بالله عز وجل.

القسم الرابع: أن يرجو مخلوقاً في أمر يقدر عليه المخلوق، ولا يصحبه شيء من الرغبة أو الرهبة ونحو ذلك، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به.

القسم الخامس: أن يرجو مخلوقاً في أمر لا يقدر عليه المخلوق، ومثله أيضاً من يرجو أهل القبور ونحو ذلك، فنقول: بأن هذا شرك أكبر مخرج من الملة.

النوع الرابع التوكل

قال رحمه الله: (ودليل التوكل: قوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23]. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]).

التوكل أيضاً عبادة من أجلّ العبادات القلبية.

والتوكل في اللغة: الاعتماد.

وأما في الاصطلاح: فهو الاعتماد على الله عز وجل بفعل الأوامر واجتناب النواهي مع فعل الأسباب.

والتوكل كما أسلفنا عبادة من أجل العبادات, بدليل أن الله عز وجل جعلها شرطاً في الإيمان، قال: إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23] وهذا يدل على أن من خصائص الإيمان التوكل على الله عز وجل.

والتوكل ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: التوكل على الله عز وجل، وذلك بأن يفوض المسلم أمره إلى الله سبحانه وتعالى، ويفعل الأوامر، ويجتنب النواهي، ويفعل الأسباب، ويعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى، فهذا نقول بأنه عبادة من أجل العبادات.