شرح الأصول الثلاثة [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

من الآيات الدالة على وجود الله عز وجل

قال الشيخ رحمه الله: [فإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟] يعني: إذا قال لك قائل: بم استدللت به على معرفة ربك؟ [فقل: بآياته ومخلوقاته].

الآيات: جمع آية، والآية: هي العلامة والبرهان والحجة، والمخلوقات: جمع مخلوق، وهو ما أوجد بعد العدم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله قوله: [ومن آياته: الليل والنهار].

(من) هذه تبعيضية؛ لأن آيات الله عز وجل منها آيات قولية، ومنها آيات عينية، الآيات القولية هي ما جاءت به الرسل من الوحي، والآيات العينية هي ما تعاين بالأبصار، وذكر المؤلف رحمه الله منها الليل والنهار، والشمس والقمر... إلى آخره.

قال: [ومن آياته: الليل والنهار].

الليل: ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، والنهار: ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فالليل والنهار من أعظم الآيات على وحدانية الله عز وجل، ووجوب إفراده بالعبادة؛ لأن القادر على الإتيان بالليل والنهار هو المستحق للعبادة، فالله عز وجل يأتي بالليل وبالنهار... إلى آخره، يأتي النهار فيغشي الليل -يغطيه- فيذهب الليل بظلمته، ويأتي الليل ويغشي النهار ويذهب النهار بنوره... إلى آخره، هذا من أعظم الآيات والعلامات الدالة على وحدانية الله عز وجل؛ لأن القادر على هذا التكوين والخلق هو المستحق بأن يفرد بالعبادة.

[والشمس والقمر].

أيضاً هذا من الآيات العينية، تشرق الشمس من المشرق وتغرب من المغرب بانتظام كل يوم، والقمر كذلك يشرق ويغرب... إلى آخره، فالقادر على خلق هذه الأكوان العظيمة هو المستحق للعبادة، وأيضاً الشمس والقمر هذه من الآيات والعلامات الدالة على وحدانية الله عز وجل، ووجوب إفراده بالعبادة.

قال: [ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع].

الله عز وجل يقول: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12]، فقوله: (مِثْلَهُنَّ) يحتمل مثلهن في الكمية، ويحتمل أيضاً مثلهن في الكيفية، والقرآن صريح في أن السموات سبع، والسنة صريحة في أن الأرضين سبع، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين يوم القيامة)، هذا صريح بأن الأرضين سبع، المهم هذه المخلوقات العظيمة.

وقوله: ومن مخلوقاته: [السبع وما فيهن وما بينهما] ... إلى آخره.

الشمس والقمر مخلوق، والليل والنهار مخلوق لله عز وجل، والسموات أيضاً مخلوقة، والأرضون مخلوقة، وهذه كلها آيات وكلها علامات، فالسموات السبع والأرضون السبع هذه من الأدلة الدالة على وحدانية الله عز وجل ووجوب إفراده بالعبادة؛ لأن الله عز وجل هو الذي خلق هذه الأشياء فهو المستحق لأن يفرد بالعبادة.

بعض الأدلة من القرآن على وجود الرب جل جلاله

قال: [والدليل قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37].

وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [الأعراف:54] ].

وفي هذا أيضاً من الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ [فصلت:37] ، فالخالق لهذه الأشياء هو المستحق لأن يفرد بالعبادة، وهذا -كما ذكرنا فيما تقدم- من الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية.

وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية.

قال: [وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا [الأعراف:54] ] يعني: يأتي بالليل فيغطي به النهار ويلبسه إياه حتى يذهب بنوره.

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا [الأعراف:54]، وقوله: (حَثِيثًا) يعني: طلباً سريعاً، (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ) يأتي بالليل ويغطي به النهار ويلبسه النهار حتى يذهب بنوره، وقوله: (يَطْلُبُهُ حَثِيثًا) يعني: طلباً سريعاً، لا يفصل بينهما شيء، ولا يدرك أحدهما الآخر.

قال: [وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ [الأعراف:54]] يعني: مذللات جاريات في مجاريها بأمر الله عز وجل الكوني القدري، لا تتقدم ولا تتأخر، [أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]]. فهو سبحانه وتعالى المتفرد بالخلق، كما أنه المتفرد بالأمر، فلا شريك له في الخلق، كما أنه لا شريك له في الأمر، فله الخلق كله، وله الأمر كله، وبيده الخير كله، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]، يعني: بلغ في البركة نهايتها، والعالمين الجنس والإنس، كل من سوى الله فهو عالم.

الشاهد من هذه الآية أن الذي خلق هذه الأشياء هو المستحق للعبادة؛ ولهذا قال: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ [الأعراف:54] ، الشمس والقمر والنجوم مذللة بأمره الكوني القدري، تحت أمره الكوني القدري، لا تتقدم ولا تخرج عن أمره، وخلق السموات والأرض، المهم من هذا كما أنه له الخلق كله كذلك له الأمر كله، ومن أمره إفراد بالعبادة.

معنى الرب والدليل على ذلك

قال: [والرب هو المعبود] يعني: من معاني الرب المعبود، كما أن الرب يطلق على المالك، الرازق، الخالق، المدبر.. إلى آخره، لكن من معاني الرب هو المعبود.

قال: [والدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:21-22]].

فالرب من معانيه المعبود، كما سبق لنا أن الرب إذا أفرد يشمل توحيد الألوهية، يعني إذا قيل: الرب. يكون شاملاً لتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، كما أن الله إذا أفرد يكون شاملاً لتوحيد الربوبية والألوهية، وإذا جمع بينهما فإن لفظ الجلالة نفسره بتوحيد الألوهية، ولفظ الربوبية نفسره بتوحيد الربوبية.

قوله: [(اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) في هذا دليل على أن من معاني الرب المعبود؛ ولذلك قال: (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) فدل على أن الرب معبود، ففي هذا دليل مثل به المؤلف رحمه الله على أن من معاني الرب المعبود. [الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]].

[ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22]] يعني: جعل لكم الأرض فراشاً، يعني بساطاً، جعل لكم الأرض بساطاً تتنقلون من المسير فيها.

[وَالسَّمَاءَ بِنَاءً [البقرة:22]] يعني: قبةً مضروبةً عليكم، وسقفاً محفوظاً مزيناً بالمصابيح... إلى آخره.

[وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22]]. يعني: شبهاء وأمثال ونظراء، لا تجعلوا لله نظيراً ومثيلاً في العبودية تصرف له العبادة كما تصرف لله عز وجل. [فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]]، الجملة حالية، يعني: والحال أنكم تعلمون، وهذا كما قال ابن كثير رحمه الله.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: الخالق لهذه الأشياء المستحق للعبادة.

وهذا من الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، ما دام أن الله عز وجل هو الذي خلقكم، وخلق الذين من قبلكم، وجعل لكم الأرض فراشاً، والسماء بناءً، وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم... إلى آخره. فهذا من الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، فالذي خلق هذه الأشياء وجعل هذه الأرض العظيمة فراشاً، والسماء بناءً.. إلى آخره هو المستحق للعبادة؛ ولهذا قال ابن كثير رحمه الله: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الأصول الثلاثة [7] 2816 استماع
شرح الأصول الثلاثة [6] 2303 استماع
شرح الأصول الثلاثة [13] 2171 استماع
شرح الأصول الثلاثة [14] 2064 استماع
شرح الأصول الثلاثة [12] 1943 استماع
شرح الأصول الثلاثة [2] 1881 استماع
شرح الأصول الثلاثة [10] 1858 استماع
شرح الأصول الثلاثة [5] 1848 استماع
شرح الأصول الثلاثة [3] 1704 استماع
شرح الأصول الثلاثة [8] 1649 استماع