(4) خُلق الصفح - شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم - أم سارة
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والمثل الأعلى في الصفح والعفو، وبالرغم مما لاقاه من قومه من الأذى والعداوة، إلا أنه كان يتحمل ويصفح ويُصر على دعوتهم لعبادة الله وحده، لم يقل أبدًا سأتركهم وشأنهم، ولم يدعُ عليهم بالهلاك أو العذاب، بل كان يدعو لهم بالهداية، وكان حريصًا كل الحرص على الأخذ بيدهم إلى الصراط المستقيم والبعد بهم عن عذاب الله والخلود في النار ..قال عبد الرحمن الميداني: "وفي العهد المدني لقي الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة أنواعًا من الخيانة فأنزل الله عليه قوله: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة من الآية:13]، فصبر الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم وعفا وصفح، حتى جاء الإذن الرباني بإجلائهم، ومعاقبة ناقضي العهد منهم" ( الأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن الميداني:432/1).
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شيئًا قطُّ بيدِه، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهدَ في سبيلِ اللهِ، وما نِيلَ منهُ شيٌء قطُّ، فينتقمُ من صاحبِه، إلا أن يُنتهك شيٌء من محارمِ اللهِ، فينتقمُ للهِ عزَّ وجلَّ" ( صحيح مسلم :2328).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أنَّه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق الناس يستظلون بالشجر فـ«نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، وعلَّق بها سيفه» ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي.فقال: «إن هذا اخترط عليَّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتًا، فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله، ثلاثًا، ولم يعاقبه وجلس»" ( البخاري :2910).
فبالرغم من أن هذا الأعرابي سل السيف على الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يعاقبه وصفح عنه، فما أعظم خُلقك يا رسول الله، حتى مع من أراد قتلك! صلوات ربي وسلامه عليك.
وعن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته، أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد فقال: «لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يَالِيلَ بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني..
فقال: إنَّ الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال؛ لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلَّم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا» (مسلم:1795).
ما أعظم عفوك يا رسول الله حتى مع من كفر بالله وعاداه، فقد كان بإمكانه أن ينتقم منهم بكلمة واحدة لملك الجبال، ولكنه صلوات ربي عليه أبى إلا العفو وتمنى أن يخرج الله من نسلهم من يعبد الله وحده!