شرح الأصول الثلاثة [7]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

النوع العاشر: الاستعانة

وقال: [ودليل الاستعانة قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ].

الاستعانة هي: طلب العون، وهي نوع من الدعاء، وما تقدم من الأقسام في الدعاء يدخل هنا، وإضافة إلى هذه الأقسام الاستعانة بالأعمال المحبوبة إلى الله عز وجل، وهذا مشروع مطلوب؛ ومن ذلك قول الله عز وجل: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45].

ومن الأقسام أيضاً: أن يستعين بمخلوق حي حاضر ليس بعيداً لكنه لا يقدر، فهذا باطل، مثل لو استعان بطفل على حمل الثقيل.

يعني: إذا استعان بمخلوق حي حاضر لكنه غير قادر نقول: هذا باطل، إلا إذا صاحب ذلك اعتقاد أن له تصرفاً في الكون ونحو ذلك، وأن له قدرة على هذا... إلى آخره، فنقول بأن هذا شرك.

النوع الحادي عشر: الاستعاذة

قال: [ودليل الاستعاذة قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1].

و: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] ].

الاستعاذة هي: طلب العوذ والإعاذة من مكروه، والأقسام السابقة في الدعاء تأتي هنا، فكما قلنا في الأقسام السابقة نقول بأنها تأتي هنا، فالاستعاذة بالأموات شرك أكبر، أو استعاذة بالبعيد شرك أكبر، فالاستعاذة بالمخلوق في أمر لا يقدر عليه إلا الله عز وجل نقول: شرك أكبر.

الاستعاذة بكمال ذل وحب لا يكون إلا لله عز وجل، فصرفه لغير الله نقول بأنه شرك أكبر... إلى آخره، إلى آخر ما ذكرنا.

أيضاً يضاف إلى الأقسام السابقة في الاستعاذة الاستعاذة بصفة من صفاته سبحانه وتعالى، مثل الاستعاذة بعزته وعظمته وكلامه وغير ذلك، فهذا جائز؛ ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ( أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي )، ( أعوذ برضاك من سخطك )، ( أعوذ بوجهك )، ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) ... إلى آخره.

وذكرنا من أقسام الدعاء أن يدعو مخلوقاً فيما يقدر عليه المخلوق، نقول هنا: إذا استعاذ بمخلوق في ما يقدر عليه المخلوق فهذا جائز، وإن كان في هذا خلاف, لكن الصواب أن هذا جائز ولا بأس به؛ ويدل لذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام في الفتن في الصحيحين: ( من وجد ملجئاً أو معاذاً فليعذ به ).

وأيضاً قصة المرأة في حديث جابر التي استعاذت بـأم سلمة لما سرقت... إلى آخره.

النوع الثاني عشر: الاستغاثة

قال: [ودليل الاستغاثة قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9] ].

أيضاً كما قلنا الأقسام السابقة في الدعاء تأتي هنا، يستغيث بمخلوق في شيء لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، يستغيث بميت، يستغيث ببعيد... إلى آخره.

نقول: الاستغاثة طلب الغوث، وهو إزالة الشدة وتفريج الكربة، والاستغاثة نوع من الدعاء، وما تقدم في أقسام الدعاء السابقة نقول بأنها تأتي هنا، يستغيث بالأموات، يستغيث بالأحياء البعيدين، يستغيث بمخلوق بأمر لا يقدر عليه إلا الله عز وجل.. إلى آخره.

الدليل على أن الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح عبادات

قال رحمه الله: [ودليل الذبح: قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163].

ومن السنة: ( لعن الله من ذبح لغير الله )].

أيضاً الذبح هو: إزهاق الروح بإراقة الدم، والذبح عبادة، كما أن الاستعانة والاستغاثة والاستعاذة المتقدمة هذه كلها أنواع من العبادات، ذكر المؤلف رحمه الله أدلتها.

دليل الاستعانة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، تقدم المعبود إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] هذا يدل على اختصاصها بالله عز وجل، فلا يجوز صرفها لغير الله عز وجل.

دليل الاستعاذة: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، و: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، أمر بها لأنها عبادة، (قل) هذا أمر، وهذا يدل على أنها عبادة.

فتقديم المعبود يدل على اختصاصها بالله عز وجل، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فدل على أنها عبادة؛ لأن المختص بالله عز وجل هو العبادات.

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] هذا أمر، والأمر هذا يدل على أنها عبادة.

ودليل الاستغاثة أيضاً: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9]، هذا ثناء من الله عز وجل، هذا يدل على أنهم فعلوا عبادة، إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ [الأنفال:9]؛ ولأن الاستغاثة نوع من الدعاء، والدعاء عبادة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث: ( الدعاء هو العبادة ).

النوع الثالث عشر: الذبح

قال: [ودليل الذبح قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] ].

قال: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ [الأنعام:162] هذا يدل على اختصاص الله عز وجل بهذه الأشياء مما يدل على أنه عبادة.

وقوله: (قل إن صلاتي): قوله: (صلاتي) الصلاة في اللغة: الدعاء.

وأما في الاصطلاح: فهي أقوال وأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم.

(ونسكي): النسك هو الذبح، (ومحياي ومماتي) يعني: كل تصرفاتي لله عز وجل، وحياتي وموتي كله بيد الله عز وجل، لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] .

قال: [ومن السنة: ( لعن الله من ذبح لغير الله )].

اللعن هو: الطرد والإبعاد من رحمة الله عز وجل.

أقسام الذبح

الذبح ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: الذبح التعبدي، يعني التقرب بالذبح، الذبح الذي يتقرب به، فنقول: بأن هذا خاص بالله عز وجل، فلا يذبح لأحد على وجه القربة إلا لله عز وجل، والذبح التعبدي هذا خصه بعض العلماء بأربعة أمور:

الأمر الأول: الأضحية.

والأمر الثاني: الهدي.

والأمر الثالث: العقيقة.

والأمر الرابع: النذر.

قال لك: الذبح التعبدي يتقرب به لله عز وجل في هذه الأمور الأربعة. هذا القسم الأول.

القسم الثاني: الذبح الشركي، وهو أن يذبح للمخلوق تقرباً، فهذا شرك؛ لأن التقرب هذا عبادة لا يكون إلا لله عز وجل.

القسم الثالث: الذبح البدعي.

والذبح البدعي له صور، من هذه الصور:

أن يتقرب إلى الله عز وجل بغير الجنس الوارد، فمثلاً في الأضحية الجنس الوارد بهيمة الأنعام، فإذا ذبح أضحيةً من غير بهيمة الأنعام -كما لو ضحى بدجاجة أو ضحى بحمامة- فنقول: بأن هذا حكمه بدعة.

ومن الذبح البدعي: أن يذبح بمكان لله عز وجل يعتقد فضله، كما لو ذبح أضحية بمكان يتحرى فضل هذا المكان وهو ليس له فضل -لم يرد في الشرع له فضل- نقول: هذا ذبح بدعي.

وأيضاً ذكر بعض العلماء من صور الذبح البدعي: أن يتقرب إلى الله عز وجل بغير الأصناف الأربعة، يعني: ذبح هكذا لله عز وجل، قالوا: بأن هذا من الذبح البدعي، يعني يتقرب إلى الله عز وجل بغير الأضحية والهدي والعقيقة والنذر جعلوه من الذبح البدعي.

ومن صور الذبح البدعي أيضاً: أن يتقرب إلى الله عز وجل بالذبح في زمان يعتقد فضله وهو لم يرد في الشرع، فنقول: هذا من الذبح البدعي، هذه ثلاثة أقسام.

القسم الرابع: الذبح المباح، فنقول: الذبح المباح أن يذبح للأكل، أو يذبح للبيع والشراء، أو لإكرام الضيف... إلى آخره، فنقول: بأن هذا ذبح مباح.

أصبح عندنا أقسام الذبح أربعة أقسام:

القسم الأول: الذبح التعبدي, وهذا ما يكون قربةً لله عز وجل -يعني ما يذبح قربة لله عز وجل-، فنقول: بأن هذا يجب أن يكون لله عز وجل، ولا يجوز صرفه لغير الله عز وجل، وذكرنا أن بعض أهل العلم خصه بالأمور الأربعة فقط.

والقسم الثاني: الذبح الشركي، وهو أن يذبح للمخلوق تقرباً، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة.

والقسم الثالث: الذبح البدعي، وهذا ذكرنا جملةً من صوره.

والقسم الرابع: الذبح المباح، سواء يذبح لكي يأكل، أو ليكرم ضيفه، أو ليبيع... ونحو ذلك، فنقول: هذا مباح. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك.