الكتب
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
أدولف
للكاتب الفرنسي بنجامان كونستان
ترجمة الدكتور حسن صادق
لا يزال فن القصص عندنا في بدء مرحلته الأولى، ولا زال أدباؤنا يتلمسون طريقهم إلى القصة ويتوقون إلى رؤية هذا الفن من فنون الأدب، وقد انقاد لهم ووصل في أدبهم إلى مثل تلك الدرجة التي وصل إليها في الآداب الغربية، ذلك لأن القصة في منحاها وطبيعة تركيبها، من أهم وسائل التثقيف وأيسرها، كما أنها من ألذ ضروب الاستمتاع وأقربها إلى القلب والذهن، والقصة الجيدة بلا شك هي الحياة في ناحية من نواحيها، ففيها ما في الحياة من معان، وفيها الحياة من اضطراب
وهذا الافتقار في أدبنا إلى القصة، يجعلنا نرحب بكل تعريب جيد لشهيرات القصص في الأدب الغربي، إذ بذلك تتوفر لدينا النماذج وتتنوع المثل، فضلاً عما يكون لمثل تلك القصص من عظيم الأثر في تهذيب الذوق وصقله، وإيقاظ العواطف وحسن توجيهها
نعم إن لكل أمة ذوقاً، ولكل أمة شرعة ومهاجاً، ولكل أمة وجهة تتجه إليها حسب ما ركب في طبيعتها من ميول، وفن القصص ملكة لا تكتسب، ولكن الأديب المصري الموهوب مع ذلك لابد له من نماذج، وهو كفيل أن يشكل قصته على هدى تلك النماذج حسبما يتفق مع بيئته
ولقد اختار الدكتور حسن صادق قصة أدولف، فنقلها إلى العربية، وهي من القصص الفرنسية التي حازت عظيم الشهرة في أوربا كلها، وهي واحدة من تلك القصص التي تلائم كل بيئة وكل عصر، فليست من ذلك النوع المحصور الذي يتقيد في وضعه بغاية محدودة كالدعوة إلى إصلاح اجتماعي في ناحية من نواحي الحياة، أو من ذلك النوع الذي تصور فيه أمال ومثل عصر من العصور، حتى إذا انقضى ومنها أصبحت لأغنية فيها، بل هي من تلك الآثار الخالدة التي تساير الحياة وتغالب الفناء، وحسبك أنها قطعة فنية تقرأ فيها خطرات نفس كبيرة أملتها تلك العاطفة المشبوبة، عاطفة الحب في شرخ الش ولما كانت هذه ميزتها، فأنا أعتقد أن المترجم الفاضل قد أحسن الاختيار فقدم إلى قراء العربية أثراً أدبياً جميلاً ستلذهم قراءته وسيعجبهم ما جاء فيه من روعة التعبير عن خلجات النفس ومنازع القلب، ولقد أحسن أيضاً حين قدم لكتابه بفصل طويل دقيق، شرح فيه حياة المؤلف وحياة العصر الذي عاش فيه، مما جعل كتابه يجمع إلى اللذة الفنية، لذة ذلك البحث التاريخي القيم
أما أسلوب الترجمة فمتين مشرق، تحس به في أول الكتاب عسيراً بعض العسر، ولكنه لا يلبث أن يلين ويعذب ثم يطرد، وقد تتراءى في بعض مواطنه بعض الصور والتراكيب الفرنسية نشأت من محافظة المترجم على دقة الترجمة، ولكن الأسلوب على الجملة صحيح التركيب، فصيح الأداء، يشهد للمترجم بما بذله من الجهد وما تحراه من الإجادة
أما عن القصة في ذاتها فإني مع شديد إعجابي بها وتأثري بقراءتها تأثراً عميقاً، قد أحسست فيها ظاهرة أحسب القراء جميعاً سيحسونها مثلى، ذلك أن خواطر المؤلف كلها تدور حول نفسه وحول حبيبته، مما ضيق مجالها وتركها خالية من ذلك الجو الشعري الذي يوجد في مثل تلك الآثار الأدبية العظيمة، ومن تلك الأفكار الفلسفية الباهرة التي يعلق بها أصحاب تلك الآثار على ما سيصادفهم من ظروف ومواقف، فيزيدونها روعة وقوة، كما أن القصة تكاد تكون خالية من الأوصاف الطبيعية ومن أوصاف الرجال والبيئات. فهي من ناحية التعبير عما في داخل النفس، أو بعبارة أخرى من الناحية المعنوية البحت التي تدور حول عاطفة الحب قد بلغت غاية الجودة، ولكنها بالاقتصار على ذلك فقدت كثيراً من الصور والأطياف التي تشعر المرء لدى قراءة القصة بصدى الحياة هذا وإني لأشكر للدكتور حسن صادق ما بذل من مجهود وأرجوه أن يتحف قراء العربية بين حين وآخر بمثل هذه النفحة الساحرة من أدب الغرب الخفيف أغاني الكوخ نظم الأديب محمود حسن إسماعيل أنتقل بالقارئ إلى هذا الديوان المسمى أغاني الكوخ، لناظمه محمود حسن إسماعيل، ويقع في نحو مائة وخمسين صفحة، وقد أخرجه صاحبه في صورة أنيقة جذابة تشهد له بحسن الذوق ولعلك ترى في هذا الاسم (أغاني الكوخ) ما ترتاح إليه نفسك وخيالك، فإذا مضيت تقرؤه حمدت لناظمه هذه الروح المصرية، بل هذا الإعجاب الشديد بجمال الريف وبهائه، مما يعد خطوة محمودة نحو ما نتمنى بلوغه في نهضتنا الأدبية من صبغ أدبنا بالصيغة المحلية الطبيعية، وتصوير بيئتنا تصويراً يحفظ لثقافتنا لونها، ويبعد عن أدبنا ما يوشك أن يعلق به من بهرج زائف وتكلف مملول وأذكر أني قدمت للقارئ على صفحات (الرسالة) من أمد قريب (ظلال القمر) للأديب أحمد مخيمر وقد أعجبتني منه هذه الروح المصرية التي أراها أكثر ظهوراً وأتم نضوجاً في ديوان الأديب محمود حسن إسماعيل، فان معظم قصائده تدور حول المناظر الريفية المحبوبة في صعيد مصر مع دقة في الوصف وصدق في الإحساس أعتبرهما باكورة طيبة لابد أن ستتدرج في سبيل الرقي إلى الكمال. يبد أني وقد أعجبني صدق إحساس شاعرنا، أراه يأتي في شعره ببعض الأخيلة التي لم أستطع أن أصالح ذوقي عليها كما جاء في قصيدة الكوخ وفي قصيدة (تبسمي) و (القيثارة الحزينة) و (النعش) و (سنبلة تغني) و (عند زهرة الفول)، فقد ورد في تلك القصائد بعض المعاني الجزئية التي لا تتواءم وطبعه هذا إلى استعماله بعض المجازات والاستعارات كتصفيق الألحان في القلب، وأجفان القلاع، وقوله إنه رشف قصائده من يغر عشيقته وغير ذلك مما لا يتسع له المجال ولست أغضب الأديب محمود حسن إسماعيل فيما أعتقد، إن نبهته في إخلاص إلى الاهتمام بتجويد فنه والاهتمام بمعانيه، فديباجته في الجملة مشرقة، ولغته سليمة وألفاظه جيدة، كذلك يجدر به أن يولي قوافيه من العناية أكثر مما يفعل، ولئن اهتم بذلك فسوف نرى منه في المستقبل القريب شاعراً مصرياً رقيقاً. الخفيف شعراؤنا الضباط للأديب محمد عبد الفتاح إبراهيم يجد القارئ هذا الكتاب كما يتضح له من عنوانه، تراجم لشعراء مصر من الضباط، وضعها الضابط الأديب محمد عبد الفتاح إبراهيم، ولعل القارئ يشاركني شعور الغبطة حين يتجلى له هذا الإخلاص من المؤلف لطائفة من أهل مهنته، كاد ينسى معظمهم المشتغلون بالأدب، على الرغم مما قدموه في ميدان الأدب من خدمة اللغة عامة: وفن القريض خاصة ترجم هذا الأديب الفاضل للبارودي، وحافظ إبراهيم، وعبد الحليم حلمي المصري، ومحمد فاضل، ومحمد توفيق علي وقد سار في دراسته فيما يتعلق بهؤلاء جميعاً على وتيرة واحدة تقريباً، فكان يأتي بلمحة عن تاريخ كل شاعر، مبيناً البيئة التي نشأ فيها، ثم يذكر المناسبات التي حركته إلى نظم القصيد، مورداً بعض الشواهد من مأثور نظمه ومن مشهور قصائده وإني وان حمدت للضابط الأديب وفاءه واجتهاده، أحس أنه كان في كتابته يقصد إلى الوفاء أكثر مما يقصد إلى الدرس، ولن أظلمه إذا قلت أنه في بحثه كان يميل إلى سرد المعلومات متهماً باستيعابها دون تمحيصها، فلم تكن له طريقة محدودة، أو بعبارة أخرى لم يكن قوام عمله التحليل الأدبي الذي يستند إلى الفن وإلى الخبرة بالحياة، ولست أنكر هذه الخبرة عليه، ولكنني لم أتبين صداها في بحثه، وكان يخيل إلى أثناء كلامه عن البارودي، ثم عن حافظ - على الخصوص - أنني أستمع إلى محدث في مجلس الأدب، لا يتقيد فيه من يتعرض لحياة شاعر بأوضاع فنية أو يراعى وحدة الموضوع وسبيل التدرج فيه.
هذا إلى أنه كان يترك الامر أحياناً لغيره، فيعرض أقوال من كتبوا عن حافظ دون أن يتناولها بتعليق على أن كتابه على الرغم من هذه المآخذ، جدير أن يثير اهتمام أدبائنا بهؤلاء الشعراء، وهو وفاء يثاب عليه المؤلف، واجتهاد يستحق من أجله الثناء الخفيف