اقتران التقوى بغيرها في الكتاب والسنة (1)
مدة
قراءة المادة :
13 دقائق
.
اقتران التقوى بغيرها في الكتاب والسنة (1) في ذكر اقتران التقوى مع غيرها مما في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله:
• اقترانها بالإسلام بأركانه الخمسة والاعتصام بحبل الله والإنابة إليه، والايمان بما جاء به القرآن واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا مع المناصرة له، وتحريم الشرك بالله، والفرقة والاختلاف في الدين:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴾ [آل عمران: 102ـ 103].
وفي "جامع العلوم والحكم" - تحت الحديث الثامن عشر - قال ابن مسعود رضي الله عنه قوله تعالى: ﴿ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾: قال: أنْ يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يُكفر؛ ثم قال ابن رجب: وخرَّجه الحاكم (2/ 294) مرفوعًا، والموقوف أصح.
وقال ابن كثير في "تفسيره" (2/ 87): هذا إسناد صحيح موقوف.
وقد أحسن من قال:
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته *** في شهره وبحـبل الله معتصمًا
وقال الله تعالى: ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 31- 32].
وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ * وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ [الزمر: 16ـ 17].
وقال الله تعالى: ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 156- 157].
قال ابن كثير في "تفسيره" (2/ 348): قوله تعالى: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾؛ أي: سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وروى الترمذي برقم (616)، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع، فقال: «اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم؛ تدخلوا جنة ربكم».
وروى أبو داود برقم (5156) عن علي رضي الله عنه قال: كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم».
وروى الإمام أحمد برقم (27268) عن أم الحصين الأحمسية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس، اتقوا الله، واسمعوا وأطيعوا، وإن تأمر علكم عبدٌ حبشي مجدع، ما أقام فيكم كتاب الله، فاسمعوا وأطيعوا».
وروى البخاري في "الأدب المفرد" برقم (716) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل»، فقيل: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل؟ قال: «قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعمله، ونستغفرك مما لا نعلمه».
قال العلامة الألباني في "صحيح الترغيب" برقم (36): رواه أحمد، والطبراني، ورواته إلى أبي علي محتج بهم، في "الصحيح"، وأبو علي وثقه ابن حبان، ولم أر أحدا جرحه؛ ا.هـ.
وهو في "صحيح الأدب المفرد" برقم (551) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفيه رجلٌ مجهول، والله أعلم.
اقترانها الإيمان بالله بأركانه وأن من وُفِّق لذلك كان من أولياء الله تعالى:
قال الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 179].
وقال الله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 93].
قال الإمام الطبري في "تفسيره" (10/ 576): عند قوله: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ إلى قوله: ﴿ ثُمَّ اتَّقَواْ ﴾؛ يقول: فأثبتوا اتقاء الله في ذلك، والإيمان به.
ويقول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
قال قتادة قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا ﴾: آمنوا بما أنزل الله، واتقوا ما حرم الله، رواه ابن جرير في "تفسيره" (8/ 602).
وقال ابن كثير في "تفسيره" (2/ 324) قوله: ﴿ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا ﴾: أي: آمنت قلوبهم بما جاء الرسل، وصدقوا به، واتبعوهم، واتقوا بفعل الطاعات، وترك المحرمات.
وقال الله تعالى: ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62- 63].
قال الإمام الطبري في "تفسيره" (12/ 213): والصواب من القول في ذلك: أن ولي الله هو من كان بالصفة التي وصفه الله بها، وهو الذي آمن واتقى؛ كما قال الله: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾، وبنحو الذي قلنا كان ابن زيد يقول: ثم ساق بسنده إلى ابن زيد في قوله: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ﴾؛ أي: لا يقبل الإيمان إلَّا بالتقوى.
وقال الله تعالى: ﴿ وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ [يوسف: 57].
وقال الله تعالى: ﴿ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [فصلت: 18].
وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ﴾ [محمد: 36].
قال الإمام الطبري في "تفسيره" (6/ 266): قوله: ﴿وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا﴾، يقول: فلكم بذلك مع إيمانكم، واتقائكم ربكم ثواب عظيم.
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ﴾ [الحديد: 28].
وفي "البخاري" برقم ( 2786)، واللفظ له، ومسلم (1888)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله: أي: الناس أفضل؟ قال: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه، وماله، قالوا: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب، يتقي الله ويدع الناس من شره».
وروى أبو داود برقم ( 5116)، وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية، وفخرها بالآباء، الناس مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو أدم وأدم من تراب»؛ سبق الحكم عليه.
اقترانها بالإحسان المطلق:
قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 172].
وقال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا ﴾ إلى قوله: ﴿ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 128].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].
وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" برقم (12689)، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: كان عثمان س من الذين اتقوا، والذين هم محسنون؛ ا.هـ.
قلت: قد ارتضى قول ابن عمر السابق الإمام ابن كثير في "تفسيره" (4/ 62)، عند قوله: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 9].
وقال الإمام ابن جرير في "تفسيره" (8/ 665) قوله: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 93]:
فالاتقاء الأول: هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول، والتصديق، والدينونة به، والعمل.
والاتقاء الثاني: الاتقاء بالثبات على التصديق، وترك التبديل، والتغير.
والاتقاء الثالث: هو الاتقاء بالإحسان، والتقرب بنوافل الأعمال.
وأخرج في "تفسيره" أيضًا (14/ 409)، عن الحسن في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾، قال: اتقوا الله فيما حرَّم عليهم، وأحسنوا فيما افترض عليهم.
اقترانها ببر الوالدين والحنان لهما والزكاء الذي بمعنى الرشد:
قال الله تعالى: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 12- 15].
قال ابن كثير في "تفسيره" (3/ 159): لما ذكر تعالى طاعته لربه، وأنه خلقه رحمةً، وزكاةً، وتقى، عطف بذكر طاعته لوالديه وبره لهما، ومن مجانبة عقوقهما قولًا وفعلًا، أمرًا ونهيًا، ولهذا قال: ﴿وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾، ثم بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاءً له على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 15]؛ ا.هـ.
اقترانها بحسن الخلق:
روى الترمذي برقم (2004) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: «تقوى الله، وحسن الخلق».
وروى أيضًا برقم (1987) عن أبي ذر ومعاذ رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتْبِعِ الحسنة السيئة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».